لم يُكتب تاريخ انتفاضة اذار 1991 العراقية بعـــد بقلم مؤرخ بل ان تاريخها لحد الان مدون باقلام صحفيون ومراقبون ونشرات الاذاعات .

ثمة اشياء غير دقيقة تحاول تدوين تاريخ الانتفاضة ويتم في نفس الوقت السكوت عليها ان كانت صحية ام لا . وقد يكون هذا راجع الى ان جمهور المنتفضين أدوا ما كان مطلوبا منهم وليس مهما فيما بعد كتابة تاريخ الانتفاضة او ابداء شهادات قد تصب في خدمة او تدوين تاريخ الانتفاضة او ان الحيف والجور الذي لحق بالمنتفضيين انفسهم جعلهم غير مبالين لاي شئ قدر انشدادهم الى مأساتهم والامهم الشخصية .

اذكر حينما كنا في الارطاوية ورفحاء كتب احدنا  رسالة الى خالد القشطيني وقد عمد الاخير الى نشر تلك الرسالة . وقد اثار نشر الرسالة في حينها في جريدة الشرق الاوسط جدلا ً وخلافا ً واسعا .ويبدو ان المرسل اراد بمشاعر وطنية ان لاينسب الانتفاضة الى اي مدينة او قصبة واراد ان ينسبها الى العراق ، فكتب فيما كتبه برسالته ان الانتفاضة انطلقت من الرمادي وقد يكون اراد في حينها الاشارة ان ليس للانتفاضة اي خلفية طائفية وان شرارتها انطلقت من الرمادي بوصف الرمادي محافظة سنية وان الكثير من اعوان صدام وجيشه الخاص من تلك المدينة .

قد نكون نحن الان مشغولون بالكيفية التي يتم فيها الاطاحة بصدام ونظامه . وايضا ً ماهي اقصر السبل واسلمها لذلك ؟ هل يتم بمعونة وتدخل خارجي ؟ ام بايدي عراقية ؟ وماذا سيكون عليه شكل نظامنا ا و حكومتنا القادمة ؟ كيف سنتصرف مع الحصار ومحو اثاره .؟ كيف ننظر الى حل المشكلة القومية والطائفية في العراق ؟ وما هو موقفنا من الفيدرالية التي تبناها الاخوة الكرد وبعض الجماعات السياسية العراقية ؟ وكيف سيجد اربعة ملايين مشرد عراقي في المهاجر حلا ً لهم فيما اذا عادوا مجددا الى الوطن ؟

أسئلة مثل هذه وغيرها تجعلنا في الوقت ا لحاضر غير مبالين جديا ً بكتابة تاريخ الانتفاضة وشرارتها الاولى .

واننا نحتاج الى فترة من الراحة والاستقرار بعد ازالة صدام للتفكير بشكل مستريح لكتابة تاريخ انتفاضة أذار – شعبان الكبرى .

وبوصفي واحدا لاغير من المشتركين في تلك الانتفاضة فإن لي ذكريات أتذكرها ووقائع شاهدتها وان للانتفاضة ايضا دور كبير في تحديد مسار حياتي وارساء ماانا عليه الان . ان ابدي ولو بشكل متواضع مشاهداتي .

كان شهر شباط في تلك السنة 29 يوما وفي ذلك اليوم اي 29 شباط سيطر اهالي قصبة " الطار " في محافظة الناصرية على القصبة . وفي يوم (1) أذار تم سقوط ناحية  " كرمة بني سعيد  والعكيكة  والفضلية وقضاء سوق الشيوخ " بايدي ثوار الانتفاضة وقد تم إيقاف زحف المنتفضين الى مركز مدينة الناصرية من قبل القوات الامريكية التي قطعت الطريق بين سوق الشيوخ ومركز الناصرية وصادرت قسما من اسلحة الثوار . وقررالثوار في لقاءاتهم في ليل اليوم نفسه على سلك طريق اخر يضمن لهم الاستيلاء على مدينة الناصرية ومع الصباح الباكر اي في يوم 2/3/1991 سلك الثوار طريق " غلوين " وهو طريق نيسمي يمتد بمحاذاة نهر الفرات ويربطهم بناحية " السديناوية " ومن هناك تمت سيطرة الثوار على مدينة الناصرية . وسقط في نفس اليوم بايدي الثوار " قضاء الشطرة " وكثير من النواحي التابعة له .

اني الى جانب الانتفاضة والى جانب الطلقة التي اطلقت في حيانية البصرة في 3/3/1991 تلك الطلقة التي اخذت شهرتها واصبحت مرجعا ً فيما بعد لبداية للانتفاضة وشرارتها الاولى من خلال اخبار اذاعات لندن ومونتي كارلو وصوت امريكا . لايهم الان عندي اين ومتى وقعت وانطلقت الانتفاضة . انني مهموم مثل كل العراقيين بيوم التغيير وبيوم ابعاد صدام والى الابد عن سدة حكم العراق . وبعدها سيكون لنا لقاء ونحن مستريحون لتدوين تاريج الانتفاضة .

                                                                                                   الولايات المتحدة

                                                                                                   11 / 7 / 2002