الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين مكافحة التصحر و تمويل الارهاب

دياري صالح مجيد

2010 / 4 / 19
حقوق الانسان


قبل قليل كنت وكالمعتاد اطالع احد الكتب البيئيية اذ طالما اهتم بالمشكلات البيئية واُدرسُ هذه المشكلات لطلبتي الاعزاء في الجامعة على اعتبار ان هذا الموضوع يعد اليوم من بين المواضيع المهمة التي بدأت تتوجه نحوها انظار المجتمع الدولي خصوصاً بعد الكوارث المُنذرة التي تهددتنا بها البيئة كردة فعل طبيعية ازاء التعامل اللاعقلاني واللاواعي من قبل الانسان مع موارد البيئة المختلفة الى الحد الذي برزت فيه حجم الانانية التي تملكت المشاهد الخاصة برسم تطور بعض الحضارات المعاصرة وما رافقها من استنزاف ونهم في استغلال موارد البيئة تلك وبالشكل الذي قاد الى كل هذا التدهور الذي يدفع ثمنه اليوم من ساهم بصنعه ولو بدرجات متفاوتة مكانياً وزمانياً .

من بين هذه المشكلات يبرز التصحر كاحد اهم التحديات التي تواجه البيئة في العالم الاسلامي خاصة في ظل الظروف البيئية الجافة وشبه الجافة التي تتسم بها الاحوال المُناخية في هذا الاطار المكاني وبالشكل الذي يجعل البيئة في هذه الاجزاء حساسة جداً لاي استغلال مفرط او تعاطي غير محسوب في ابعاده المستقبلية تجاه هذه البيئة , التي شهدت بفعل الاهمال المتواصل وبفعل السياسات البيئية الخاطئة , نوعاً من السلبيات المتراكمة التي بدأت تتحد مع بعضها مكونة اضراراً اقتصادية واجتماعية تتخطى حدود المشكلة بوصفها مشكلة بيئية .

ما يهم في هذا الامر هو احد التوصيات التي تقدم بها واحد من بين الكتاب المهمين في قضايا البيئة وهو الدكتور زين الدين عبد المقصود في كتابه (( البيئة والانسان علاقات ومشكلات )) , في محاولة منه للحد من تنامي خطر التصحر الذي بدأ بالتمدد المكاني اليوم الى مساحات لم تعرفها دول هذا العالم من قبل , حيث يذكر في احدى هذه التوصيات ما يلي (( المساهمة في تمويل مشروعات مكافحة التصحر العاجلة وخاصة في الدول التي تعاني عجزاً مالياً يمنعها من تنفيذ مثل هذه المشروعات بعيدة المدى ... )) .

ليس من حقنا بالتاكيد الطعن في فكر اي شخص من خلال مقولة واحدة في كتاب يتجاوز بصفحاته 255 صفحة , عبر التركيز على مقولة ما واغفال ما فيه من ميزات مهمة اخرى في صفحات كثيرة يمتلاْ بها هذا الكتاب, وهو ليس هدفنا هنا بالتاكيد , لكن من ينظر الى هذه التوصية سيجد انها توصية رومانسية صرفة , وربما هذا هو الحال لدى العديد من الاكاديمين ومنهم كاتب هذه السطور , طالما اننا نُغلب الرؤية الانسانية في التعاطي مع القضايا التي من شانها ان تحد من تطلعات الانسان والارتقاء بمستوى حياته الى الافضل على اعتبار ان جزء اساسي من وظيفتنا مُنصبٌ على تقديم الرؤى التي نؤمن بها وفي النهاية يبقى الامر متروكاً لصناع القرار فيما اذا اختاروا الاخذ بهذه الرؤى من عدمه , لذا جاءت تلك التوصية في اشارة الى ما يمكن ان تساهم به الدول الاسلامية , الغنية منها طبعاً , في مجال تطوير الدراسات والابحاث الخاصة بمكافحة التصحر والحد من اخطاره المتنوعة والمتشابكة , لكن هل من مجال فعلي لهذه الامنيات البسيطة في فكر صناع القرار السياسي في دولنا الغنية منها قبل الفقيرة ؟

لو تتبعنا نطاقاً مهماً في جغرافية حركة راس المال العربية والاسلامية , و بالذات خلال العقود الاخيرة من القرن الماضي , عموماً لوجدنا ان جزء كبير من هذه الحركة مجندة منذ وقت طويل في خدمة الحركات الاسلامية المتطرفة ( كما هو الحال في تمويل نشاة الحركات الاسلامية في باكستان ) التي تم من خلالها بالفعل تقديم الدعم والمساندة المادية والمعنوية للعديد من الدول الفقيرة التي تحولت الى بيئات خصبة لتوليد الذهنيات العنيفة التي تؤمن بانها هي الاصح والافضل وما دونها لا قيمة له , نعم قُدم الدعم للعديد من هذه الدول لكن ليس لمكافحة التصحر وانما لمكافحة اي مجال للتقدم فيها عبر انشاء المدارس الاسلامية المتشددة التي غذت ابناء القرى والارياف خاصة بافكار القتل التي ندفع ثمنها اليوم في العراق وغيره من البلدان , بعد ان خُزِنَ رصيدٌ كافٍ من اؤلئك الذين لديهم كل الاستعداد للقيام بما يُطلب منهم وعبر صرف مليارات الدولارات التي اُنفقت لخلق مثل تلك الذهنيات ولتعزيز مثل تلك البيئات التي نهش في جسدها وروحها التصحر البيئي والفكري والوجداني للعديد من الابرياء الذين كانوا ضحية لاهمال المقتدرين من اصحاب الخزانات المليئة بالاموال , التي بالفعل لو انها اُنفقت في مجال الاستثمار في الانسان وفي مكافحة التصحر في العالم الاسلامي , لتحولت العديد من دول المنطقة الى جنانٍ خُضر و الى اراضٍ مسُتثمرة بطريقة علمية وفقاً لرؤية تخطيطية بعيدة المدى هدفها الارتقاء بالبيئة خدمة للانسان , وليس التضحية بالانسان عبر استغلال الاموال في تحويله الى قنبلة موقوتة يسهل تفجيرها في اي مكان يُراد ان تُفجر فيه بعد العمل بالتاكيد على استغلال ما في بيئته الطبيعية والبشرية من نقاط ضعف , ولاغراض الابتزاز السياسي , ولتتحول عندها مثل هذه المشكلات بالفعل الى مصدر خطر على الامم التي تُكرس فيها امراض التخلف والدمار البيئي , لاستعباد شعوبها بهذه المشكلات المتلازمة في تاثيراتها على حاضر ومستقبل تلك الامم ومنها الى كل العالم , الذي يتميز فيه البعض , و على خلاف تلك الرؤية , بانه ينظر الى الانسان على انه الاستثمار الحقيقي الذي يجب ان توضع في سبيل الارتقاء به كل الامكانيات المادية , وبما يخدم خلق علاقة ايجابية بينه وبين البيئة الطبيعية بكل مفرداتها ومنها مكافحة التصحر الذي لا يمكن له ان يكون حقيقة مُجسدة على ارض الواقع بدون تحقيق مثل هذا الاستثمار الايجابي والبناء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار