الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسيان كعلاج

محمد شرينة

2010 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


العائق الأساسي أمام تقدم الأمم المتعثرة ليس عجزها عن تعلم المعارف الجديدة بل عجزها عن نسيان أو التخلي عن معارفها القديمة فمن غير الممكن ملئ إناء مملوء. من المبهر حقا أن هناك أمم كانت في مرحلة تطور أقل بكثير مما كان عليه الروس واللاتينيين(جنوب أميركا) وحتى بعض الدول العربية منذ نحو نصف قرن وهي الآن في المقدمة من حيث العلم والتطور، وأفضل مثال كوريا الجنوبية. هذا يقودني إلى سؤال محير هو : كيف يمكن أن ننسى؟
يمكننا ملاحظة أن معظم الأمم التي لا تزال تتعثر التنمية فيها هي أمم تستند في خيالها إلى ماض تليد تعجز عن التحرر منه، ففي العصور الوسطى انقرض البيزنطيين بنفس الطريقة.
عندما بدأ الطليان النهضة الأوربية لم يكونوا يعتبرون أنفسهم روماناً وكذلك كل الأمم الأوربية، فقد تطور الفرنسيين على أنهم فرنسيين والانكليز على أنهم انكليز حتى أن الألمان لم يولدوا كأمة حتى حولوا لغتهم التي كانت تعتبر مجرد لهجة إلى لغة رسمية كتبوا بها جزءا من أفضل فنون وعلوم وآداب البشرية في كل العصور. الصين التليدة ومثلها الهند لا تزال تكابد في سبيل التطور بينما اليابان ذات التاريخ الذي لا يهتم به أحد تشكل ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.
لطالما قلنا ورددنا أننا أمة عريقة، وهنا بالضبط تكمن المشكلة: هذا يعني أننا أمة عجوز جدا فإذا كنا نفس الأمة التي عربت جنوب وشرق المتوسط منذ أربعة عشر قرنا فنحن أمة عمرها أربعة عشر قرنا والأمم تشيخ تماما كالبشر. أحمق هو من ينتظر من أفضل العلماء أو الأطباء وقد جاوز المائة سنة أن يأتي بجديد أو يحقق مزيدا من التقدم.
إذا كان المصريين الحاليين هم نفس الأمة التي بنت الأهرام منذ ثلاث أو أربع ألفيات فهذا يعني أنهم أمة عمرها على الأقل ثلاثة آلاف سنة أي عجوز للغاية. وهذا ينسحب تقريبا على كل أقطارنا فهي إما تنسب نفسها إلى فترة تسبق ولادة الإسلام بكثير وبالتالي هي موغلة في العجز أو هي تنسب نفسها إلى زمن ولادة الإسلام وهذا يعني أيضا أنها أمم عجوز جدا.
إن تفكك الدولة الرومانية الغربية وانحسار سلطان الرومان الشرقيين عن غرب أوربا وتدفق المهاجرين على شمال أوربا والهجمات التي تعرض لها شمال وغرب أوربا، هو الذي ترك الفرصة للأمم الأوربية الحديثة لتنشأ كأمم جديدة محققة ما حققت بينما ظل الوضع راكدا في الصين والهند والشرق الأوسط ليس لقرون بل لألفيات، فهل يجب أن نصر على تكرار نفس الصيرورة!
لعل هذا ما يقوله التاريخ، لكن الإنسان الحقيقي هو من يصنع التاريخ وليس الذي ينتظر التاريخ ليصنعه، بالتالي هل يمكن أن تمثل تجربة الصين وهي أمة عريقة تقول الدلائل أنها في طريقها لكسر حلقة غرور العراقة الجهنمية وما تقود إليه من اجترار أفكار ميتة قتلها سيف الزمن منذ قرون طويلة سواء كانت هذه الأفكار الميتة قومية أو عرقية أو دينية، هل يمكن أن تكون المحاولة الصينية دليلا يقودنا إلى الخروج من الركود المستمر منذ أكثر من ألف سنة؟ الصينيين كانوا حتى زمن قريب شديدي الغرور فيما يخص تفوقهم القومي والثقافي على العالم كله وبالتالي رفضهم للتعلم من أي أحد، وهو أحد الأمور التي أعاقت تقدم الصين لقرون طويلة.
شعوب شرق وجنوب المتوسط من العراق إلى مصر وما غربها ما تزال في نفس المستنقع منذ نحو ألفي سنة أو أكثر، حتى قبل الإسلام. فالتاريخ يقول بصراحة أن معظم سكان الشام ومصر كانوا ما يزالون مسيحيين محكومين من قبل العرب حتى ما بعد القرن الخامس الهجري، ومعنى أن يكونوا مسيحيين وبنفس الحين يشكلون أغلب السكان هو أنهم هم سكان البلاد الأصليين وإلا لم هم مسيحيين ولم هم غالبية السكان؟ أي أنهم لم يكن لهم شيء من المجد المزعوم لتلك الفترة سوى خدمة الفاتحين ودفع الجزية والخراج لهم. وبما أنهم سبق أن أتقنوا اللغة العربية لضرورات الحياة ليس إلا، فقد كان تحولهم إلى مسلمين بعد القرن الخامس الهجري يعني تحولهم إلى عرب. واللعنة أنه في ذلك الوقت حدثت مصيبتان، الأولى: كان مجد الدولة العربية الإسلامية الذي سطع عاليا يوما في طريقه للخبو. أما الثانية؛ أن السيادة كانت قد انتقلت إلى غير العرب وإلى غير رجعة. مشكلة هذه المنطقة يتضح بقليل من التدقيق أنها مزمنة وتعود إلى ما قبل الإسلام.
إن سكان شرق وجنوب المتوسط معرقين في العجز فبينما تحول الفرس إلى الإسلام بسرعة وأسهموا بشكل كبير في تشكيل الإسلام المعروف حاليا كما أنهم حلوا محل العرب في الحكم الفعلي لكامل الدولة قبل أن يزيحهم الأتراك، ظللنا نحن الذين نسمى حاليا بالعرب – باستثناء عرب شبه الجزيرة العربية - ونحن السكان الأصليين لشرق وجنوب المتوسط ثابتين على فكرنا - نفس ما نفعله حاليا - للحد الذي في اليوم الذي اضطررنا مرغمين على تبني فكر الفاتحين الجدد كان الفوت قد فات. فهل نحن مصممين على فعلها ثانية؟ عفوا أقصد رابعة فقد سبق وفعلناها قبل ذلك عندما احتلنا الإغريق ثم الرومان.
نحن أبدا لسنا سيئي الحظ بل سيئي التقدير فاثنتان من هذه المرات الأربع كانت أكثر من جيدة ففي ظل الدولة الرومانية كان سكان شرق وجنوب المتوسط للمرة الأخيرة وحتى الآن مواطنين من الدرجة الأولى للدولة التي تحكمهم وساهموا فيها بشكل ندي لدرجة أنه صار منهم أكثر من إمبراطور حكم كامل الإمبراطورية. لكن كون الخلافة في قريش منع السكان الطيبين للبلاد المشار إليها من أن يكون لهم رأي في مصيرهم حتى أبطل الأتراك تلك القاعدة بغض النظر عن كونها حديثا نبويا أو حتى آية وهذا ما يفعله الأقوياء غير الخوارين. فقد أبطل جيراننا الفرس وبعدهم الأتراك الكثير؛ فرغم أن الآيات تقول أن القرآن نزل بلسان عربي مبين لم يلتفتوا لذلك وظلوا على لغاتهم، بينما نحن – الأوادم – تركنا لغاتنا فضاعت. ثم يجيء العصر الحديث ويأتينا الفرج من الشمال فبمساعدة دول أوربا تحررنا من حكم أخينا المسلم وبدأنا السيرعلى طريق الحضارة. للمرة الثالثة من الشمال يأتي الفرج فهل هذه مصادفة؟! لكن يبدو أننا نعشق ما يأتي من الجنوب ذلك أننا نعشق من يؤدبنا وليس من يعلمنا والفرق لمن يعرف لغة العرب واضح بين.
هل سنضيع هذه الفرصة وننتظر ألفية جديدة؟ أتمنى بحرقة ألا نفعل، لكن أغلب الظن أننا فاعلون!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30