الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


... حتى التصوف.. بقرار جمهوري!

سعد هجرس

2010 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


ما إن هدأت عاصفة الانتماء الحزبي لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، الدكتور احمد الطيب، بقبول الرئيس حسنى مبارك استقالته من عضوية المكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم، حتى هبت عاصفة أخرى بصدور قرار جمهوري بتعيين الشيخ القصبي رئيسا للمجلس الأعلي للطرق الصوفية.
وأسباب هذه العاصفة متعددة، لكن الأساس فيها هو الاستغلال السياسي للدين.
فلماذا تتدخل الدولة – أصلاً- فى الشئون الدينية؟
وما هى مؤهلاتها التى تسوغ لها تعيين "زيد" واستبعاد "عبيد" من أى منصب دينى؟
وألا ينطوي هذا التدخل الحكومي فى الشأن الديني- بطرق وآليات متعددة- على شبهة استغلال الدين والجماعات والمنظمات الدينية فى لعبة السياسة؟!
وما الفارق بين لعب الحكومة بورقة الدين وبين انتحال جماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين لنفسها حق الاحتكار الحصرى للشعارات الدينية وفى مقدمتها شعار "الإسلام هو الحل"؟!
أليس من حق الرأى العام أن يستنتج من هذا "التسابق" بين حكومة الحزب الوطنى وبين جماعة الإخوان المسلمين على توظيف الدين فى أمور دينوية، أن الصراع بين الاثنين ليس خلافاً بين تيار يدعو إلى إقامة دولة مدنية وبين تيار آخر يسعى إلى زراعة دولة دينية على ضفاف النيل، وإنما هو صراع على "الأحقية" فى احتكار التحدث باسم الدين؟!
وكيف تلوم الحكومة جماعات الإسلام السياسي على تديين السياسة وتسييس الدين بينما تسعى هى ذاتها إلى استصدار "فتاوى" ذات طبيعة سياسية صرف، مثل تلك الفتوى العجيبة التى تضع بناء سور عازل، أو منشآت هندسية – سمها كما شئت- على الحدود التى تفصلنا عن قطاع غزة، فى خانة "الحلال" شرعاً؟!
هذه التساؤلات – وغيرها الكثير- تشير الى أننا لم نحل بعد معضلة العلاقة بين الدين والدولة.
حتى الحلول الواردة فى وثائق على أعلي درجة من الأهمية – مثل الدستور ذاته- تعانى من التشوش والارتباك وعدم الحسم. وعلى سبيل المثال فأن الدستور الذى يعلى فى مادته الأولي من شأن المواطنة- وما يستتبعه ذلك من رفض لكافة أشكال التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو الجنس أو المكانة الاجتماعية أو غيرها- هو ذاته الذى ينص فى مادته الثانية على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع، بما ينجم عن ذلك من تفسيرات لدى البعض تتناقض مع منطوق المادة الأولي، ولعل أحد أبرز الأمثلة على ذلك ما ذهب إليه بعض السادة المستشارين القضاة فى مجلس الدولة الذين استندوا إلى المادة الثانية من الدستور فى تبريرهم لرفضهم تعيين المرأة قاضية فى مجلس الدولة انطلاقاً من تفسير لمبدأ "الولاية" الذى تم التعلل به اليوم لرفض "ولاية" المرأة كقاضية، وبالتالي لا يوجد ما يمنع من التعلل به غداً لرفض ولاية القبطي على المسلم وبالتالي رفض تعيين المواطن المسيحي المصرى قاضياً!!
***
وكل هذا يعنى أن أحد محاور الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذى ننشده لبلادنا يجب ان يشمل هذه العلاقة الملتبسة بين الدين والدولة، وبالذات بين الدين والسياسة.
وإصلاح هذه العلاقة الملتبسة ينبغي أن يبدأ بالاعتراف بان الدولة الحديثة كيان غير ديني يسعى لتحقيق أهداف دنيوية بحتة لا علاقة لها بهذا الدين أو ذاك بقدر ما تتعلق بالمصالح.
وبالتالي فانه لا يوجد مسوغ لتدخل الدولة فى حرية ضمائر مواطنيها، أو حرية العقيدة بشكل عام. بل يجب أن تظل "محايدة" إزاء جميع المواطنين بصرف النظر عن دياناتهم.
***
وهذا ينقلنا إلى ممارسات حكومية يتم النظر إليها كما لو كانت "عادية" ولا غبار عليها. من ذلك ما بدأنا به من حديث عن صدور قرار جمهورى بتعيين رئيس للمجلس الأعلى للطرق الصوفية.
فإذا أمعنا النظر فى خلفيات هذا القرار الجمهورى سنجد أن هناك طرقا صوفية كثيرة العدد، وأن الحكم فى مصر – قبل 23 يوليو 1952 وبعدها – دأب على اختراق صفوف هذه الطرق الصوفية ومحاولة الاستفادة منها سياسياً عبر عديد من الآليات ليس هذا مجال الخوض فيها.
أى أن محاولة توظيف الطرق الصوفية سياسياً ليست بالأمر الجديد، فهى سابقة لعصر الرئيس حسنى مبارك ولم تكن أحد "اختراعاته".
ومع ذلك فإن هذا التوظيف قد أخذ صورة فجة فى الأعوام الأخيرة، ويكفى أن نلقى نظرة على الحوار المثير الذى أجرته صحيفة "صوت الأمة" مع الشيخ القصبى الرئيس المعين للطرق الصوفية وخصمه الشيخ أبو العزايم الذى كان يرى أنه الأحق بالجلوس على العرش الصوفى المصرى، حيث يقول الشيخ أبو العزايم بصريح العبارة أن القصبى قد تم تعيينه لأن "النظام يرضى عنه". واستطرد أبو العزايم قائلاً " أنا لست عضوا بالحزب الوطنى، ولست عضوا فى مجلس الشورى أو الشعب، ولذلك اختاروا الأكثر ولاء للحزب الوطنى". كما أعرب أبوالعزايم عن اعتقاده بأن مساندته للدكتور محمد البرادعى كانت السبب فى استبعاده من السباق على أعلى سلطة فى المجلس الأعلى للطرق الصوفية المصرية.
***
وبصرف النظر عن سبب تعيين "فلان" وعدم تعيين "علان" فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: ما شأن الحكم – أى حكم – بمن يرأس الطرق الصوفية؟ ولماذا لا يختار المنتمون إلى الطرق الصوفية من يرأس مجلسهم بإرادتهم هم فى ضوء احتياجات ومتطلبات ومصالح تلك الهيئة "الأهلية" التى انضموا إليها بإرادتهم ورغبتهم؟!
وألا يسئ هذا التعيين إلى كل من الحكم والطرق الصوفية فى آن واحد؟
وهو أمر ينطبق على ممارسات كثيرة للحكم الذى يتدخل حيثما يجب أن يرفع يده، والذى ينسحب ويقدم استقالته حيثما يجب أن يتواجد ويمارس مهامه فى مجالات التعليم والصحة وسائر الخدمات الاجتماعية الضرورية.
وليس تعيين رئيس المجلس للطرق الصوفية سوى مظهر واحد من آلاف مظاهر الخلل التى نعانى منها فيما يتعلق بهذا الملف فقط، نعنى ملف العلاقة بين الدين والسياسة، وهى كلها آفات تعنى أن الحديث عن "دولة مدنية حديثة" فى مصر الآن هو حديث ينطوى على قدر كبير من التجاوز، لأن مظاهر الحداثة المحدودة مازالت غارقة فى بحر من الرمال المتحركة للدولة التقليدية التى تنتمي إلى الماضي ومخلفاته، والتى تستميت لشدنا إلى الوراء ومنعنا من اللحاق بصناع الحضارة ورواد المستقبل.
علماً بان هذه المهمة تزداد صعوبة يوما بعد يوم. ولعل أستاذنا فاروق القاضي قد عبر أفضل تعبير عن صعوبة هذه المهمة فى خاتمة كتابه المهم "العلمانية هى الحل" بقوله "كنا فى المحاولات السابقة نحاول اللحاق بالعصر، نحاول اللحاق بالمجتمع الصناعي. أما اليوم، فقد تطور المجتمع الصناعي فى العالم عبر المعلوماتية التى لا غني لمجتمع عنها، إلى مجتمع تكنولوجيا العلوم، بينما انحدرنا نحن الى الزراعة البدائية بالمياه الملوثة!
علينا إذن أن نحاول اللحاق بالعالم المعاصر عبر ثلاثة عصور. أن نعبر كل الجسور التى تعترضنا ونطور مجتمعنا باستمرار للحاق بالزمن حتى نقترب ونصبح من بين القوى المعترف بها فى العالم فى وقتها. فبينما نحاول اللحاق بالعصر يسير الزمن أسرع وأسرع مما يدعونا لبذل كل الجهد. ولن يحدث هذا إلا إذا استعملنا لغة العصر، العلمانية بكل متطلباتها، العلمانية بكل عناصرها: المواطنة، المساواة، الديموقراطية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دخول الجنة مسئوليتي أنا .. وليست وظيفة الدولة
سامي الرزاز ( 2010 / 4 / 21 - 05:33 )
اتفق معك تماما في أن الدولة كيان لا ديني. فليست وظيفة الدولة أن تدخلني الجنة (فهذه مهمة سأحاول أن أنجزها بنفسي وبمعرفتي). الدولة وظيفتها فقط أن تدخلني المدرسة لأتعلم، وأن تدخلني المستشفى عندما أمرض، وأن توفر لي عملا لائقا يوفر لي لقمة العيش، وأن توفر لي وسيلة مواصلات وطريقا أمشي فيه، وأن توفر لي أمنا يحميني لا أن يرهبني. ولكن كما تعرف أن الدين -حمال أوجه-، ويسهل استغلاله لتبرير كل مساوئ البشر

اخر الافلام

.. نواكشوط تعلن اقتناء جيشها مسيرات وأسلحة متطورة، لماذا؟


.. مندوبة بريطانيا بمجلس الأمن: نحن فى أشد الحاجة لتلبية الحاجا




.. الجيش الإسرائيلي ينشر مقطعا لعملية تحرير 3 رهائن من غزة| #عا


.. عاجل | مجلس الأمن يتبنى قرارا أمريكيا يدعو لوقف إطلاق النار




.. نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في القدس