الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلاد يحرس شهيد

البتول المحجوب

2010 / 4 / 20
الادب والفن


جلاد يحرس شهيد

قبل أن تتوارى المقبرة عن نظراتها الغاضبة..ترفع يدها ملوحة بإشارة نصرلقبور شهداء مرددة في صمت: “.ناموا في سلام…لن نصالح أبدا ولن نسامح..”
باب حديدي،قفل صدء ومقبرة منسية،موحشة،محاطة بسور طيني.خالية إلا من عدة قبور.قبور سويت بالأرض ،بعد أن تم دفن أصحابها تحت جنح ظلام دامس.
قبر هنا وقبر هناك.قبر يصرخ من وحدته،وقبر يصرخ من غربته وأخر من وحشته، وأخر يئن من وجع الحكايات، حكاية من عاش الوجع والألم وحرقة الغياب. زائر المقبرة المسيجة بالعزلة والنسيان، يحمل بداخله ألف سؤال وسؤال مغموس بحرقة الانطفاء..
حارس زنزانة الأمس، يرتعش خوفا من قبور مسجاة في صمت رهيب، يتصبب عرقا كلما وقف على باب المقبرة،زائر غريب،زائر يبحث عمن فقدهم، ذات صباح ضبابي أو مساء شاحب .
ذليلا يقف الحارس الكريه ذو الملامح القاسية،أمام شموخ غرباء الديار.أمام أرواح تقض مضجعه ليل نهار. بيده المرتعشة خوفا يحمل مفتاح قفل المخبأ الرهيب،ومفتاح مقبرة موحشة لاتبعد عنه أمتارا.
يبتعد في صمت متحاشيا نظرات حادة لزائرة مثقلة بوجع الرحيل،زائرة حبذت الاختلاء بنفسها بين سكينة القبور،علها تبوح لك بسرها،بوعدها لروحك،ولأرواح رفاق قاسمتهم المعاناة،ووجع الغياب والانطفاء..بأناملها الرقيقة بدأت في انتزاع أعشاب شوكية، نبتت على أديم القبور في غفلة النسيان.بحرقة في القلب وغصة في الحلق ودمعة في العين، تتمعن تاريخ وفاة كل واحد على حدى.
تاريخ وفاة فلان لاتفصلها عن فلان إلا أياما معدودة.ذاك أيضا وذاك وذاك..
واللائحة تطول.تغضب في صمت وتتذكر أن الموت ابتلعك بعيدا عن دفء الأحبة،ذات مساء حزين،وحيدا دون شربة ماء،دون قطعة سكر و دون دمعة مواساة.
تنظر طويلا لقبره المسجى، تحدثه عن وعدها،عن انتظارها الطويل.تسأله عن غربته.. يسألها ،عن عبق رائحة الثرى المبتل هناك..عن وطن مدفون في رمال الصحراء عن مدينة منسية، تحتضر على مشارف المحيط. عن ارض شاسعة لاحدود لها،لاجدران ولاحراس هناك..
تطيل النظر لقبرك المسجى في ارض،قال صاحبها يوما: أنها عاصمة ورود فقط.يأتيها صوتك ساخرا…ورود…؟ أي ورد وأي أريج..؟
كانت لنا نحن غرباء الديار حنظلا وشوكا ينغرز في القلب حد الجرح..أه عزيزتي تمنيت أن أشم عبق عطر وردها يوما..لكن لاشئ هنا غير زنزانة تنبعث منها رائحة الموت البطئ، الوحشة والوحدة.لاشئ هنا غيروجه جلاد كريه، يتلذذ بجلد الكهل قبل الشاب والمرأة قبل الرجل…؟
-ياللعار المرأة..؟
-بلى عزيزتي ،المرأة التي نقدس الثرى إذ ما داعب قدميها،تجلد هنا أمام أعيننا وتهان مثل الرجال..آه ثم آه.. ؟
تتأجج نار الغضب بداخلها..تلتفت وترى حارس مقبرة اليوم وجلاد الأمس يقف على بعد خطوات منها مهزوما ذليلا، نظراته بالأرض..أتراه يغض الطرف خوف نظراتها الحادة..؟أم خوف نظراتها الغامضة..؟
تشيح بنظراتها عنه،وتنظر بفخر لقبرك المسجى…ملوحة بإشارة نصر لقبور شهداء هناك..مرددة “ناموا في سلام…لن نصالح أبدا ولن نسامح..”








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قاصة رائعه
ريم شاكر الاحمدي ( 2010 / 4 / 20 - 19:24 )
مساء الانوار الى اهل الحوار والى القاصة الرائعة بتول المحجوب
ابدعت يا عيوني


2 - مساء الابداع
البتول المحجوب ( 2010 / 4 / 20 - 23:27 )
شكرا جميلا لك ريم شاكر الاحمدي
اتمنى ان اكون عند حسن الظن
تحياتي لك


3 - أسرتني حقا
رويدة سالم ( 2010 / 4 / 21 - 21:44 )

*جميل هذا التصوير العميق لكثير من الحزن و التحدي
طبعا لن نصالح و لن نسامح كل من كان سببا في معاناتنا التي لا تنتهي و التي ستستمر طويلا.
قلمك مؤثر عزيزتي بتول

اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة