الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمبراطورية بني أمية والوطن العربي

حمدي حميد الدين

2010 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


استمر الرجل المريض في الإنعاش مدة طويلة استغلها جهابذة الفكر الأوربي في التخطيط لما بعد وفاته، وكانت فكرة القومية (هكذا عرّبت كلمة Nationalisme) في عزّ انتشارها وسطوتها واشتغل دهاقنة المنظرين ودهاتهم في الموضوع، وما كاد جثمان الرجل المريض يسجى في نعشه حتى كانت الطبخة قد استوت مع أنّ الأمر تطلّب شيئا من التوابل والبهارات فكانت وعود إقامة الدولة العربية بزعامة آل هاشم أشراف مكّة وما ترتب عنها مما تعرفون.
كانت فكرة القومية في منطقة تعج بالمذاهب والطوائف حلا وجيها يبعد الانتماء المذهبي من الساحة السياسية بحيث يلتقي الجميع على كلمة " نحن عرب " كأمتن قاسم مشترك، لكن سُحِب البساط من تحت أقدام آل هاشم الذين فقدوا عرشهم في الحجاز، كما أنّ فكرة القومية العربية لم تتمكن كثيرا من أهالي الخلال الخصيب في دمشق وبغداد إلى حدّ القبول باستقدام ملوك من شبه الجزيرة العربية، وأكثر من ذلك ما كادت الفكرة تنتشر بين مؤيد ومعارض ومتردد حتى كشفت فرنسا وبريطانيا عن الوجه الحقيقي للاستعمار الذي تعلو مصلحته دائما ولا يعلى عليها ولم يبق لآل هاشم من الشاة إلا أذنها (شرق الأردن) كما يقال.
كان آل هاشم في مملكتهم الجديدة التي اقتطعت لهم من بلد الأنباط التاريخي يجتهدون بمعونة سخية من التاج البريطاني على ترسيخ قدمهم في شرق الأردن مع صرف النظر نهائيا عن أي مطلب إقليمي وعن أيّ ترويج دعائي لهذه الأيديولوجية أو تلك والحقيقة أنّ بريطانيا أقامت وطنين أحدهما لآل هاشم أولا والثاني لآل إسرائيل لاحقا وهذا شرقي وغربي نهر الأردن، وهو ما لا يدركه الكثير.
ظل كهنة القومية العربية يعملون في الخفاء وفي العلن مع تناقض كبير بين ما يدور في الخفاء وما يجهر به في العلن وكانت تلك الأيديولوجية القومية مفصلة في الأساس لحماية الطوائف المسيحية من احتمال قيام نظام بخلفية ومرجعية إسلامية في شكل خلافة أو إمارة أي عودة نظام ينزع الطربوش العثماني ويضع بدله عقالا عربيا والمضمون واحد، وتلك مقدمة لانتكاسة ونكوص يذكّر بالذمّية والجزية والصَّغار واستقطب هذا الفكر جماهير الهلال الخصيب بعد ان عرف عرّابوه كيف يدمجون فيه شعارات الحداثة والمساواة وباقي المثل التي انبثقت من عصر الأنوار خلال القرن XVIII في أوربا.
إلى هنا يبدو الأمر عاديا ... ، واستقلت سوريا ولحقت بها بلدان المنطقة وصعد نجم القومية العربية وهاجت الجماهير بفعل خطابات النشطاء في عواصم المنطقة التي اختزل تاريخها في تلك اللحظة الراهنة دون الالتفات إلى عنصر التاريخ الذي ينبغي أن يكون ماضيا مشتركا في التاسيس لأي قومية، لكن المؤطّرون والمنظّرون ضربوا عرض الحائط بمصر الفرعونية وسوريا السريانية الفينيقية والعراق السومرية البابلية الآشورية .... بل اعتبروا الهلال الخصيب هو مهد العروبة وأن الجزيرة العربية هي امتداد للعروبة وليست مهدها الأول ...
أخذت حركات التحرر في المنطقة تتسع وأطلق العنان للخطب العاطفية ووقع الانزلاق نحو الشوفينية واسترجاع "تاريخ الفتوحات المجيد" وتأسست الجامعة العربية لتكون إلى جانب الأنظمة القومية في دمشق والقاهرة وبغداد طليعة لاكتساح الفضاء الشاسع الذي كانت سيوف جنرالات بني أمية قد صنعت منه إمبراطورية ذات يوم وذات تاريخ وتحولت مقدرات بعض الدول "العربية" التي تديرها أنظمة مؤدلجة بالقومية العربية في نسختها الشوفينية الإمبراطورية إلى آلة في خدمة مشروع إحياء إمبراطورية بني أمية تحت مسمى الوطن العربي ولتكن أداة تحقيق هذا المشروع هي أنظمة انقلابية تفرض المشروع فرضا وقسرا وعنوة وصنعت من التتريك سيّئ الذكر نسختها باسم التعريب وتحول كل الذين ينادون بالهوية الكوردية والأمازيغية والمارونية ... إلى عملاء استعمار وخونة وووو.
يا أصدقاءنا في العالم المسمى عربي ليست إمبراطورية بني أمية وطنا عربيا بل هي أوطان فيها شعوب وأمم - يمكن أن تقيم تحالفا أو تكتلا لكن دون طمس أو محو طرف لطرف آخر- ومن هذه الشعوب الأقباط والسريان والأنباط والأشوريين والكورد والأمازيغ وخاصّة العرب وكل شعب له خصوصياته وحقه في بناء دولته بصيغة الدولة – الأمة Etat-Nation لا بصيغة الدولة – الإمبراطورية Etat-Empire لأن الصيغة الأولى كانت ثورة على الصيغة الثانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 4 / 21 - 05:03 )
الأخ الكاتب المحترم ، تحية ، وجهة نظر منطقية ، هناك نقاط عديدة نلتقي حولها ، وأبرزها أن هذا العالم المسمى ( العالم العربي ) هو كيان تجتمع فيه العديد من القوميات والطوائف ، التي إجهضت حقوقها الطبيعية تحت راية الشعارات القومية والدينية الشمولية التي تحولت الى أداة قهر لتطلعات الأخرين وحقهم بالمساواة المواطنية . الموضوع يطول ومع ذلك أحي فيك طرحك الجرئ مع الشكر لك


2 - المسالة ثقافية
الشهيد كسيلة ( 2010 / 4 / 21 - 18:02 )
بعد موجة الاستقلالات في العالم العربي تم الرجوع الى المربع الاول الذي سبب الانتكاسة والانحطاط
ما معنى العودة الى - امجاد الفتوحات - وهل القوة اليوم تقاس بالمساحة ام بالنخبة المكوّنة تكوينا متينا

كثيرا ما يتشدق العرابجة بالاتحاد الاوربي ويضربون المثال بتكتله النموذجي وهم يتناسون ان ذلك الاتحاد لم يلغ الخصوصيات واللغات والهويات ولم يطلق العنان للفتاوى والخزعبلات الدينية مثلما يحدث في العالم العربي

القومية العربية شبيهة باحياء الامبراطورية الرومانية المقدسة او الامبراطورية الرومانية القديمة وهذا شيء لا يقدم عليه الاوربيون لانهم يخضعون للمنطق والعقل لا للتهور والعاطقة الشوفينية المريضة

اخر الافلام

.. ماكرون يرحب بالتزام الصين -بالامتناع عن بيع أسلحة- لروسيا •


.. متجاهلا تحذيرات من -حمام دم-.. نتنياهو يخطو نحو اجتياح رفح ب




.. حماس توافق على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار | #عاج


.. بعد رفح -وين نروح؟- كيف بدنا نعيش.. النازحون يتساءلون




.. فرحة عارمة في غزة بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة | #عاجل