الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أَيُّهُمَا العصر الجاهلي؟

زينب رشيد

2010 / 4 / 21
حقوق الانسان


عندما اجتمع نفرٌ يمثلون تقريبا كل قبائل العرب في مكة في دار عبدالله بن جدعان و حلفوا، وتحالفوا، وتعاقدوا، وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من "سائر الناس" إلا ونصروه، وقاموا معه وأعادوا له حقه من مغتصبه، فانهم لم يحددوا شخصية هذا المظلوم ولا حسبه ولا نسبه ولا دينه، مسيحيا كان أم يهوديا أو من الذين عبدوا الأصنام على تنوعها وما أكثرهم حينذاك في مكة.

مصطلح "سائر الناس" الذي صاغه الوجهاء في ذلك العصر هو أوسع وأشمل من مصطلح يتم تداوله في عصرنا الحالي ويحلم أبناء بلدان المنطقة بتطبيقه بحده الأدنى، ألا وهو "دولة المواطنة" لأن عرب مكة أضافوا الى أهل مكة - مواطنوها - كل من دخل اليها حاجاً أو زائرا أو تاجرا أو عابر سبيل.

لم تمر سنوات طويلة على ذلك الحلف حتى تم إقصاء الآخر بواسطة السماء، وسلب ماله، وغنم ممتلكاته، وسبي نسائه، فلا حق ولا حقيقة بعد ذلك إلا للدين الجديد ومن آمن به، والآخر هنا أصبح إما ذميا وجب عليه دفع الجزية وهو صاغر، أو مشرك وجب قتله. وحدهم المسلمون على حق ووحدهم لايأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم وهم يتنعمون، ووحده المسلم من كفلت له تلك المنظومة الجديدة استعادة حقه ونصرته فيما لو تعرض للظلم.

ورد في بعض الروايات التاريخية التي رويت في الحديث عن حلف الفضول عن قاسم بن ثابت: أن رجلا من قبيلة "خثعم" أتى مكة معتمرا، أو حاجا ومعه بنت له يقال لها: القتول، فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج وغيبها عنه، فطلب الخثعمي العون والنصرة، فقالوا له عليك بحلف الفضول، فوقف عند الكعبة ونادى: يا لحلف الفضول، فأتاه الرجال من كل جانب ممتشقين سيوفهم، ولم يهنأ لهم بال في ذلك اليوم حتى أعادوا له ابنته من بين أنياب نبيه بن الحجاج، الذي رجاهم أن يتركوها هذه الليلة عنده، لكنهم رفضوا ذلك.

أتسائل، كيف ستسير الأمور لو وقعت هذه الحادثة في وقت العدالة الالهية التي حلت على مكة وماحولها بعد ذلك؟ وماذا لو كان نبيه بن الحجاج مسلما وكان الخثعمي مسيحيا أو يهوديا؟ وماذا لو كان الخثعمي مشركا، وماذا لو كان فقيرا وماذا وماذا وأسئلة لا تنتهي، لكن أجوبتها ظهرت جليا في نتائج غزوة بدر ومكة وتبوك وحنين وخيبر ومؤتة وما آلت اليه مصائر بني قريظة والنضير وقنيقاع، وكيف ان ابنة زعيم احدى تلك القبائل قد سيقت كالنعجة لتكون زوجة لمن قتل أباها وأخاها، ويكون مهرها عتقها وهي ابنة الحسب والنسب قياسا للاعراف السائدة في ذلك الوقت، وكيف تم قتل مالك بن نويرة، لتساق زوجته الجميلة أم تميم كزوجة لمن أمر بقتل زوجها. من يلبي نداء الآخر هنا فيما لو صاح أو صاحت يا لحلف الفضول؟

قالوا عن عرب ماقبل الإسلام، انهم كانوا يوئدون بناتهم، ولا أعرف من أين أتت تلك النساء اللاتي يولدن البنات الموؤدات، ومن أين أتت آمنة بنت وهب، وحليمة السعدية، وخديجة بنت خويلد وأم سلمى وصفية بنت حيي بن أخطب، وزينب بنت جحش وغيرهن آلاف.

التهويل من هذه المسألة كان أول خطوة باتجاه شيطنة ذلك العصر وتجهيله، لأن الأمر لم يكن أبدا بالصورة التي حاول تصويرها المؤرخين الاسلاميين وغدت ككرة الثلج تتتدحرج لتكبر أكثر مع الزمن، الواقع انه كانت بعض العوائل لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، ونتيجة لاحداث معينة قد عزمت على وأد بناتها، وقلة من تلك العوائل القليلة أصلا، قد نفذت ما عقدت عليه العزم.

مقابل هذا المشهد السلبي الجزئي، ظهر مشهدا نبيلا معاكسا يكاد يكون عاما، حين تدخل الكثير من وجهاء القبائل ورجالها لوأد هذا الأمر والقضاء على أسبابه، من عوز وفاقة وفقر، اضافة للعار، حين يطلبون من والد الفتاة التي قرر وأدها بأن "لاتقتلها وأنا أكفيك مؤونتها".

كان لتطور المجتمع الطبيعي أن يقضي على كثير من هذه السلبيات، ولكن تغليف كثيرا من العادات والتقاليد بنصوص مقدسة هو ما أوصلنا الى الحالة التي يتم فيها وأد الأنثى بالف طريقة وطريقة، فهي ليست كالذكر، وهي ناقصة عقل ودين، وأغلب أهل النار منها ومن أخواتها، وهي مبطلة لصلاة الرجل يشاركها في ذلك الحمار والكلب الأسود، وهي ذات كيد عظيم، ولن يفلح القوم الذين يولوا أمرهم لامرأة، وستلعنها الملائكة حتى الصباح اذا بات زوجها غير راض عنها، طبعا، اذا لم تكن نائمة وحدها وزوجها يكون نائما عند الزوجة الثانية او الثالثة او الرابعة أو ربما عند واحدة من ملكات اليمين.

مع كل تلك النصوص المقدسة أصبح من المستحيل أن يتطور وضع الأنثى، وهو ما أوصلنا نحن نساء اليوم الى الدرجة التي نترحم فيها على زمن الوأد، لأن شقيقات لنا يقتلن بالجملة، وبالقانون، كالنعاج في جرائم بلا شرف، دون أن نجد من يصيح لا تقتلها وأنا أكفيك مؤونتها، حيث أن كل محاولات تغيير القوانين الذكورية قد تحطمت بفضل "غيرة وشهامة" أهل الايمان والتقوى، ويبقى الوأد في كل الأحوال أخف وطأة من مصير الطفلة اليمنية الهام العشي ذات الثلاث عشرة ربيعا التي قُتلت بسبب تمزق أعضائها التناسلية، كما أن فارقا أخلاقيا هائلا يُسجل لصالح من تدخل لايقاف وأد أنثى في ذلك العصر، وبين تعهد رئيس مجلس النواب اليمني برفض مناقشة أي مشروع قانون يحدد سن الزواج.

اقصاء الأخر واذلاله وصولا الى قتله هو اجرام لا يقترفه إلا جاهل، واحتكار الحقيقة دليل عدم امتلاكها أصلا كما ذكرت في مقال سابق، وهو قمة الجهل، ومصادرة "الله" والتعدي على صلاحياته، والتعامل مع زماننا بنصوص مضى عليها أكثر من اربعة عشر قرنا بحجة انها صالحة لكل زمان ومكان هو منتهى الجهل، ومعاملة المرأة بطرق بشعة واجرامية ولا أخلاقية، وبعقول مريضة، ونفوس موبوءة جهل مابعده جهل، والجهل وحده هو الذي يُبقي بلداننا ومجتمعاتنا تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع، وتعيش عالة على ذاتها قبل أن تكون عالة على البشرية.

لا أطالب بالعودة الى عصر ماقبل الاسلام، ولا أدافع عنه اطلاقا، ولكن انصافا للحق والحقيقة، لابد أن نقف بوجه عمليات التشويه المنظمة والممنهجة التي طالت ذلك العصر وحاولت شيطنته، للتغطية على كثير من الأفعال الشيطانية التي أعقبته، ومحاولات وسمه بالجاهلي حتى لا ينتبه أحد الى الجهل الرهيب الذي شغل مكانه، ورغم كثير من السلبيات التي كانت موجودة في ذلك العصر، إلا انه يستحق منا على الأقل وقياسا على ما أتى بعده حتى يومنا هذا، أن نطلق عليه العصر ماقبل الجاهلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - منطق
حمورابي ( 2010 / 4 / 21 - 08:22 )
تحليل منطقي يا ست زينب تشكرين عليه .لو كان واد البنات منتشرا كما يهول المشايخ لانقرض العرب منذ الاف السنين .تحياتي


2 - رائع
عيسى ( 2010 / 4 / 21 - 12:17 )
اختي الكاتبة اشكرك على هذا المقال .. وايضا في عصر ما قبل الاسلام كانت المرأه تختار شريك حياتها وايضا كانت تكتفي في تغير باب الخيمة لكي يعرف الرجل ان زوجتة لا تريده .. اما في يومنا هذا عندما ترفع الزوجة على زوجها قضية طلاق تحتاج الى سنين في المحاكم وربما يعيدها زوجها اليها عن طريق رفع قضية بيت الطاعة .. مما يجعل المرأه مضطره الى التنازل عن ابسط حقوقها مقابل طلاقها .. والغريب اننا نسمع المشايخ يملؤون الدنيا صراخا بان الاسلام كرم المرأه .. تحياتي لك اختي الكاتبة.. والى الامام.


3 - لا يستحق
شامل عبد العزيز ( 2010 / 4 / 21 - 18:58 )
تحياتي وتقديري . فعلاً لا يستحق ذلك العصر أن نطلق عليه بالجاهلي .. وهذه حقيقة فجميع ما جاء بمقالتكِ يؤيد بأنه لم يكن جاهلياً والجاهلية الحقيقية هي التغييب لغالبية أبناء هذا الين بحجة المقدس والمدنس .. تحليل رائع ونظرة صائبة لواقع محسوس وملموس .. شكراً جزيلاً .. تحياتي لكِ وللمشاركين


4 - عزيزتي الكاتبة المحترمة
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 4 / 22 - 00:25 )
لا أحد يعود إلى تلك العصور إلا من فقدوا صلتهم بالحياة الحاضرة, إلا أني سأدافع عنه, فهو فترة حية من تاريخنا يجب ألا نغض النظر عنه لصالح التشويه الذي طاله, إنه عصر جاهلي لهم فقد أرادوا تجهيله ليكون لهم شرف الحضور الأول في التاريخ المزور الذي يدرسونا إياه في مدارسنا وما زلنا نسمع حتى الآن دعوات من البعض الذي يريد أن يحدثنا عن العرب وأمجادهم الكاذبة, أما عن السلبيات التي كانت موجودة في ذلك العصر فقولي لي من فضلك أي العصور هي عصور ربانية سماوية مقدسة ؟ الانسان هو صانع التاريخ , الانسان بخيره وشره بإيجابياته وسلبياته منذ أن وجد, ولم يأت محيط جهّل ونفى من قبله كما المحيط العربي , جعلونا صفر مكعب على اليسار ونحن الذين أهديناهم الحرف الأول والحضارة الأولى وعلمناهم كيف يأكلوا ويشربوا . نعم , لعصور آبائي سلبياتها , لكن هذه السلبيات هي التي دفعت الايجابيات لتكون الرافعة للعصور التالية , فلِمَ لا أدافع عنها ؟ تحية لك في تعليقي الأول في صفحتك وأهنئك على نظرتك المنصفة ومقالك القوي . دمت بخير


5 - تللسقف
يوسف حنا بطرس ( 2010 / 4 / 22 - 00:29 )
السيده زينب رشيد المحترمه كل ما كتبت هو الحق بعينه ولكن المسلم في وقتنا هذا هل يعترف بهذه الفضائح اللاانسانيه من قبل مدعي النبؤه دائما المسلم عندما تواجهه بالحقيقه يعتبرها حقدا وكراهيه وتشهير بالاسلام ويكذب كتب السيره والتراث وسيره رسوله نبي الرحمه هم لا يريدون معرفه الحق ولا يسالون عن ماضي وسلوك هذا النبي هل تليق به كنبي ام زير نساء وجشع مادي وهل فعلا القران من عند اله حق ام من شيطان مظل ..وستستمر الجاهليه الى زوال تعاليم محمد الارهابيه وصحبه الكرام لانهم فعلا في الجاهليه ولا يسالون عن هذا المعتقد المتناقض ..شكرا لك


6 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 4 / 22 - 03:04 )
الأخت الفاضلة زينب المحترمة تحية لك على هذه المادة الرائعة، حلف الفضول كان شكلاً راقياً من مظاهر ممارسة سيادة النظام القائم على التعددية الدينية . وعقداًإجتماعياً بين القبائل للحفاظ على أمن المواطن . اختي الكاتبة تحية لك ولجهدك الرصين .


7 - تاريخهم وتاريخنا
فلة ( 2010 / 4 / 22 - 10:20 )
سواء اجتمعوا في دار جدعان او نكيحان او الاعور او الاشتر او الاكتع او الاسود... فهذه بيئتهم وتاريخهم وعاداتهم في جزيرة العرب وهي بيئة قبلية صحراوية لم تعرف نظام الدولة والقانون ولا مصدر للرزق غير الرعي والغزو حيث يسلب القوي مال الضعيف وعياله وابله . وهي مختلفة كليا عن تاريخ وعادات وبيئة الدول المجاورة كاليمن وبلاد الشام والرافدين ومصر وشمال افريقية حيث نظام الدولة والحكم والقانون الذي يضمن حياة المواطن و حقوقه وواجباته فلا سبي ولا غزو ولا خطف اموال الغير او نسائه ولا كسل ولا تواكل بل عمل وابداع وحضارة وبذلك عرفنا شريعة حمورابي وكتابة اوغاريت والعمران والطب والصيدلة والمكتبات ...شتان ما بين تاريخهم وتاريخنا ومابين حضارتهم وحضارتنا . شكرا للاخت الكاتبة وارجو ان تحدثنا في المقال القادم عن تاريخ بلدها العراق او سورية او مصر وليس عن تاريخ جيرانها سكان الصحراء..ا


8 - العقل حقا زينة وخزينة ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 4 / 22 - 18:43 )
إن من وصفوهم بأقوام الجاهلية كانو هم الجهلاء ...وإلا من أين أتت فصاحة العرب ومعلقاتهم والتي توجوها في قرأنهم الصعاليك السفهاء ... أوليس الجاهل من إرتضى بجهله رغم صراخ العقلاء والحكماء ... ولكن سيبقى قول المسيح مخلدا ( ليس خفيا إلى وسيعلن ) مهما إستحمق الجهلاء ... فقط للمنصف أن يتأمل كيف بلدان الحضارات إنحطت وهوت بفضل خريجي تورا بورا وغار حراء ... ومن عقولهم لازالت تتشرب من بول البعير والحمير كالصحراء... عذرا إذ قلت هذا فهذه هي الحقيقة المرة والكل شهداء ...فلك سيدتي عطر الياسمين فعسى ما كتبته سيسعف ولو بعض البلاهاء .....!؟


9 - 100 percent
saad mosses ( 2010 / 4 / 23 - 00:31 )
you are 100 percent right i hope they wake up one day to save the world from this religion to live in peace


10 - لماذا؟
بوذا العربي ( 2010 / 12 / 24 - 12:28 )
أهلا وسهلا
لدي سؤال وهو : لماذا لا أرى وجهة النظرالأخرى في التعليقات؟

أليس هذا ملفتا؟

ألا تعتقدون أن من الضروري وجود الرأي الآخر؟

أم إنّه محجوب لدواع الحريّة المدّعاة؟

اخر الافلام

.. مصدر مصري رفيع المستوى: أحد بنود مقترح الاتفاق يتضمن عودة ال


.. الاحتجاجات تتصاعد.. الاعتقالات في أميركا تتجاوز ألفي طالب




.. شاهد: المجاعة تخيّم على غزة رغم عودة مخابز للعمل.. وانتظار ل


.. مع مادورو أكثر | المحكمة الدولية لحقوق الإنسان تطالب برفع ال




.. أزمات عديدة يعيشها -الداخل الإسرائيلي- قد تُجبر نتنياهو على