الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من حقيبة الذكريات مع الصديق كاظم حبيب

حامد فضل الله

2010 / 4 / 21
سيرة ذاتية




كلمة ألقيت في الاحتفال لتكريم د. كاظم حبيب في عيد ميلاده الخامس والسبعين في 17 – ابريل / نيسان، برلين.

العزيز كاظم الحضور الكريم
السلام والاحترام

لا أريد أن أتكلم عن كاظم حبيب المفكر والكاتب والاقتصادي والمناضل السياسي، وبدون تواضع زائف لا أستطيع ذلك، ولكن دعوني إن أعبر عن سعادتي بكلمات بسيطة أقرب إلى العفوية وبقدر ما يسمح الوقت لهذه الاحتفالية المباركة لتكريمه.
لم أتعرف على كاظم إلا بعد سقوط جدار برلين، فقد كنت أعيش في برلين الغربية "جنة الرأسمالية" وهو يعيش في برلين الشرقية "نار الاشتراكية".
جاء التعارف عن طريق الصديق العزيز نبيل يعقوب الذي أعرفه منذ عهد الفراعنة وبمناسبة اقتراح تكوين منظمة عربية لحقوق الإنسان في ألمانيا، وهو اقتراح من بنات أفكار كاظم حبيب.
بحضور مجموعة كبيرة من العرب غالبيتهم من العراق أجيز النظام الأساسي للمنظمة في الرابع عشر من ديسمبر عام 1991، واختير كاظم رئيسا للهيئة الإدارية بالإجماع وتم اختياري أيضا عضوا بالهيئة الإدارية بالضربة الأولى (auf Anhieb) بالرغم من أنني برجوازي صغير وليس رفيقا مناضلا في نظرهم.
تغير اسم المنظمة باقتراح من كاظم ليصبح منظمة حقوق الإنسان في الدول العربية وبذلك تكون مفتوحة لجميع مواطني البلدان العربية مثل أكراد العراق وأبناء جنوب السودان.
قررنا بعد التسجيل الرسمي للمنظمة في عام 1992 أن نقيم ندوة كبيرة كباكورة لنشاطنا وكنت حذرا ومتوجسا من ذلك فالمنظمة لا تزال تحبو ولكن كاظم كان مطمئنا للنجاح، واستطاع أن يؤمن لنا في فترة وجيزة التمويل اللازم رغم ضخامته عن طريق منظمات المجتمع المدني الألماني.
وشرعنا في التحضير وكتابة الرسائل وأذكر أن كاظم تناول من المنضدة رزمة كبيرة من الرسائل وقال لي اذهب بها إلى مكتب البريد، قلت له يا أستاذ كاظم أنا لست ساعي البريد لحضرتك. رد علي وقد ارتسمت الدهشة على جبينه قائلا: يا أخ حامد – لاحظوا كلمة يا أخ لعله استشف بحاسته السياسية خلفيتي الفكرية قبل أن يحدث لي في برلين غسيل مخ أو نظافة مخ والله أعلم.
قال متابعا وهو لا يزال ممسكا بالرسائل، وببسمة صافية لا ساخرة ولا مفتعلة، لقد نسيت بأن مكتب البريد بالقرب من منزلي وسأقوم بإرسال الخطابات من هناك.
في طريقي إلى المنزل قلت لنفسي لماذا هذه الحنبلية؟ والتي لا تتفق إطلاقا مع طبيعتي.
لم تؤثر سحابة الصيف على علاقتي مع كاظم، فحسب بل صارت أكثر ترابطا وازددنا تعارفا واحتراما متبادلا. كنت معجب بطريقة إدارته لاجتماعات الهيئة الإدارية، تصريف الأعمال وضبط النقاش والكلام في المليان واحترامه للمواعيد وكنت أطلق عليه لقب لوفتهانزا "Lufthansa" وكان ساعده الأيمن الأخ مثنى محمود الذي كنت أطلق عليه لقب دينمو المنظمة.
لا أريد أن أتحدث عن ندوتنا في صالة المسرح الكبير في دار ثقافات العالم
(Haus der kulturen der welt) وهي من أوائل الندوات إن لم تكن أولها في ذلك الزمان والتي اتسمت بالحضور المكثف ـ عربي وألماني ـ والمداخلات الرصينة والمداولات الثرية والقبول المبهر، والتي تمت تحت عنوان:
حالة حقوق الإنسان في الدول العربية
وحالة حقوق الإنسان من مواطني الدول العربية في ألمانيا.


وإنما أشير هنا فقط إلى أسماء المشاركين العرب من خارج ألمانيا.
- الأستاذ محمد فائق الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان والوزير في العهد الناصري والسجين في العهد الساداتي.
- -الأستاذ د. خلدون حسن النقيب الكويتي، وأستاذ علم الاجتماع وعلم النفس في جامعة الكويت وكتابة الرائد "الدولة التسلطية في المشرق العربي".
- الأستاذ أحمد نبيل الهلالي أحد رموز اليسار المصري ابن الباشاوات ومحامي المقهورين والبسطاء والفقراء في مصر المؤمنة.
- الأستاذ فهمي هويدي الكاتب الإسلامي المعروف وأسلوبه السلس البليغ.

لم يقبل كاظم ترشيحه مرة أخرى لقيادة المنظمة ولكنه ظل أمينا ووفيا لها.
يشارك في اجتماعاتنا السنوية وفي ندواتنا ويكتب في منشوراتنا.
وتوثقت أيضا علاقتي معه أسريا، فكنا نلتقي نحن الأربعة، هو ورفيقة دربه وأنا وحبيبة عمري، واكتشفت بأن العراقي يمزح ويحكي النكات ويضحك من القلب وليس الشخصية الصارمة المتجهمة كما يتخيل البعض.
وشاركت معه أكثر من مرة تمثيلا للمنظمة خارج ألمانيا. وأود هنا فقط أن أذكر الدعوة التي وصلتنا من المنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة للمشاركة في الاحتفال بالعيد الخامس والعشرين بتاريخ 17 ابريل / نيسان 2008 لتكريم مؤسسي المنظمة الأوائل ورواد حركة حقوق الإنسان في العالم العربي.
قررنا في الهيئة الإدارية بالإجماع أن يقوم كاظم بتمثيل منظمتنا في هذا اللقاء الهام وقد كان في الواقع تكريما له بطريقة غير مباشرة. رافقته ممثلا لمجلس الأمناء وانضم الينا في القاهرة الصديق د .غالب العاني.
لقد كان احتفالا مهيبا بحضور نخبة من رجال الفكر والثقافة ومنظمات المجتمع المدني. تغيب د. عبد الحسين شعبان وكان مفترضا أن يتكلم عن العراق. تشاورنا ثلاثتنا وقلنا لا يمكن تغيب صوت العراق. وأعلن كاظم على التو استعداده أن يتحدث عن العراق.
في مداخلة محددة زمنيا يستحيل معها الإحاطة الكاملة بتفاصيل المشهد السياسي العراقي المتشعب والبالغ التعقيد. بالرغم من ذلك استطاع كاظم أن يقدم تشخيصا رائعا للوضع المأسوي في العراق وكان عرضه التنويري متماسكا ومتوازنا ويكشف عن متابعة دقيقة للأحداث الجارية ووعيا بالتناقضات حول واقع وطنه، بحيث أن غالبية الحضور كانوا يعتقدون بأن كاظم يعيش في العراق وليس قادما من برلين.
وحتى الإمام السيد الصادق المهدي رئيس وزراء السودان الأسبق وهو من السياسيين النادرين في بلادنا الذين يتعاطون الفكر واحد المكرمين في لقاء القاهرة، أشار في خطابه بمداخلة كاظم، فالصادق المهدي معروف بأنه معتد بنفسه ونادرا ما يستشهد أو يقتبس من أحد.
والصادق المهدي وهو أول رئيس وزراء سمح للمنظمة العربية لحقوق الإنسان أن تعقد جمعيتها العمومية الأولى في فبراير عام 1987 بعد أن رفضت جميع الدول العربية بما فيها مصر، مثلما رفضت جميع الدول العربية من قبل أن يعقد الاجتماع التأسيسي للمنظمة والذي تم في 1/2/1983 في مدينة ليماسول في قبرص.
لم يوافق السودان فحسب على فتح أبواب الخرطوم للمنظمة بل احتضنها وبحضور لافت للجلسة الافتتاحية بدءا من رأس الدولة ورئاسة الوزراء والأحزاب المشاركة في الحكم أو المعارضة بجانب منظمات المجتمع المدني وكاظم حبيب عضو في المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
كنت ضمن دعوة العشاء الذي أقامها المناضل القيادي في الحزب الشيوعي سابقا نوري عبد الرزاق الذي يعيش ويعمل في القاهرة، تكريما لكاظم وغالب، كنت صامتا طيلة الوقت وأتابع باهتمام بالغ وهم يتبادلون الحديث عن العراق، ماضيه وحاضره ويستعيدون ذكريات العمر الجميلة وعطر الأحباب والأصدقاء والرفاق الذين استشهدوا والذين ينتظرون.
كتب كاظم عن سوداننا، عن مأساة دارفور وحقوق المرأة وحرية الصحافة ونشرت مقالاته في الصحافة السودانية.
القليل منا يعرف فعل الخير الذي يقدمه كاظم للذين تلم بهم النكبات والمصائب والمظالم. يفعل ذلك بصمت، يعطي بلا مقابل ويجود بلا حدود ولا يتباهى. يرسل لي تكرما منه مقالاته العديدة والمتواصلة عن طريق البريد الإلكتروني في نفس الوقت الذي يرسلها للنشر وكنت أنظر إلى ساعة الإرسال أحيانا تكون الساعة الثانية أو الخامسة أو السادسة صباحا وأستغرب وأنا أعرف كطبيب وصديق مشاكله ومعاناته الصحية.
إنها هموم الوطن التي رافقته منذ نضاله السياسي المبكر.
إنها ضريبة الغربة تاركة آثارها على الروح والجسد.

إن تبعد عن وطنك
لا يبعد عنك
حتى في خدر النوم
كما يقول الشاعر المصري كمال نشأت.
نحن في السودان بنقول الما عنده كبير يكوس ليه كبير، أي يبحث له عن كبير. والكبير هو رب الأسرة، رب العائلة، راعي المجموعة الكبيرة، الذي يجمع لا يفرق. يجمع لا بالشوكة وإنما بسعة الصدر وبعد النظر والكلمة الصادقة والحازمة في الوقت عينه.

فتبسط راحة اليد بعد انقباض
ويأتي الصفاء بعد العكر.
والوفاء بعد الجفاء.

ونحن في برلين لا نبحث عن الكبير فكبيرنا كاظم حبيب.

يا كاظم يا حبيب يا ود حبيب تحية لك يا قائد الأسطول ويا حارسنا ويا فارسنا.

حامد فضل الله / برلين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عجيب ، غريب
Sarah ( 2012 / 8 / 2 - 14:00 )
بعد ان قرأت هده الاسطر، علي ان اسأل ان کان في برلين شخصان يسمي کاطم الحبيب،لأن هذه الصفات لا تناسب کاطم الحبيب الذي نعرفه،
کاطم حبيب انسان انتهازي، ما لا يعرفه هو قول کلمة الحق و ماله‌ من حقوق الانسان؟
کان يحاول بکل قوه ابعاد اشخاص الناشطين لحقوق الانسان الذين لم يکونو مستعوين لتلملق بالاحزاب و المنظمات الدکتاتورية مجرد لحصول علي مساعدات مالية و شکرا

اخر الافلام

.. خيم اعتصامات الطلبة تتوسع في بريطانيا | #نيوز_بلس


.. أعداد كبيرة تتظاهر في ساحة الجمهورية بباريس تضامنا مع فلسطين




.. حركة حماس: لن نقبل وجود أي قوات للاحتلال في معبر رفح


.. كيف عززت الحروب الحالية أهمية الدفاعات الباليستية؟




.. مفاوضات للهدنة بغزة مع تحشد عسكري إسرائيلي برفح