الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحنة العراقية في نص مسرحي من أميركا اللاتينية ..اين العذراء في مسرحية الموت والعذراء ؟

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2010 / 4 / 21
الادب والفن


أن الأفكار التي يولدها نص مسرحي ما ..تجعله غنياً بقراءات إخراجية جديدة ، وهذا مانجده مع نص مسرحية "الموت والعذراء" تأليف الكتاب التشيلي (ارييل دورفمان ) فقد تسارع الى قراءته اكثر من مخرج مسرحي .
ليس هذا فحسب وإنما هناك من قام بقراءته إخراجياً أكثر من مرة كما فعل المخرج العراقي "إبراهيم حنون" ولسنا بصدد المقارنة بين القراءة الأولى التي قدمت على قاعة المسرح الوطني ولم يتسنى لنا مشاهدتها ، وبين القراءة الثانية التي جاءت ضمن فعاليات يوم المسرح العالمي الذي أقيم على قاعة "منتدى المسرح "في بغداد .
لابد لنا من تسليط بقعة ضوء كبيرة على مكان العرض، بوصفه بيتاً تراثياً يقع على ضفاف نهر دجلة.. غير صالح لتقديم العروض المسرحية إلا أن دائرة السينما والمسرح تمنحه صلاحية وهمية وقسرية ، لتجعل منه مكاناً بديلاً عن المسرح الوطني الذي يخضع لعمليات الترميم المستمرة كما يؤكد المسؤولون على ذلك دائماً.
وقد وقع المخرج في فخ المكان على الرغم من محاولاته إختزال المنظر المسرحي بأقل مايمكن مستعيناً بمجموعة من الممثلين لتنفيذ مشاهد بصرية كان الدكتور صلاح القصب قد أكدها في سائر عروضه المسرحية حتى بدت دخيلة على هذا العرض، ومن جهة اخرى فإن فرضية الاخراج جاءت متناقضة كلياً مع مفاهيم النص وأفكاره وهذا ليس خطأً بطبيعة الحال إذا ماكانت هذه التقاطعات تضفي الى إنتاج نص جديد وخاص بالعرض ينطلق من فرضيات مغايرة لنص المؤلف ، وهذا ما لم يحصل في هذا العرض، ونذكر بشكل رئيسي أن بنية النص قائمة على ثلاثية ( العدالة – الضحية – الجلاد) فالضحية كانت الزوجة التي تم اغتصابها من قبل جلادي الانظمة الدكتاتورية ، والجلاد طبيب نفسي يعالج مرضاه بقمعهم من اجل سماع موسيقى (شوبرت) وإغتصابهم في حالات اخرى، والقانون في هذا النص يتمثل بشخصية الزوج بوصفه قاضياً ومسؤولاً عن محاكمة مرتكبي الجرائم في الانظمة الشمولية السابقة.
هذه الثلاثية تمنحنا الحرية في التفكير ، ذلك أن الواقع العراقي شبيه الى حد كبير بواقع هذا النص .. وقد كان لدى المخرج فرصة ذهبية في خلق مقاربات فكرية بين الواقعين ، إلاأنه فضل الابتعاد كثيراً وتجريد الحدث من الزمان والمكان، وهو بالتاكيد يمتلك الحرية في هذا .. ألا أن ذلك لايعني أن يتحول العرض الى مجهول تتنازعه حركات الممثلين (المجموعة) يقابلها استخدامات لمفردات بدت مقحمة على العرض نذكر منها الأعمدة التي ركبت عليها مصابيح والتي لم تؤشر لأي وجود معرفي او حتى بصري، وكذلك استخدام الالآت الموسيقية الخالية من الاوتار في محاولة لأنقاذ العرض بربطه بثيمة من ثيمات النص في تصور متواضع لفرضية موسيقى (شوبرت) الا ان ذلك لم ينقذ العرض على الرغم من الجهد الكبير الذي بذله الممثلون (المجموعة) من خلال التزامهم الواضح بتعليمات المخرج في الحركة والسكون .
لقد تمكن هذا العرض من تحقيق صدمة كبيرة في التفكير من خلال سلوك الممثل الذي كان يتقاطع في كثير من الاحيان مع الممثل الاخر في فضاء العرض ويتقاطع مع الفكرة التي يطمح الى ايصالها الى المتلقي من جهة أخرى.. ونشير في ذلك الى الممثل ماجد فريد الذي لعب دور "القاضي" الذي منح الشخصية هدوءا مبالغ فيه حتى وصل بنا في لحظات كثيرة الى الاعتقاد بأن هذه الشخصية مصابة بمرض جسدي ، وقد جاء هذا الاعتقاد بسبب الحركات التي تكون معاكسة للحوار الذي يعبر عن وجود كارثة على وفق كل المقاييس وفضلاً ان ذلك لم يمنحنا القدرة على التفاعل معه او حتى التعاطف مع الشخصية بإستثناء حضوره في المشهد الاخير اذ كان الهدوء الذي نطق به كلماته الاخيرة يتناسب مع انهيار الشخصية بعد اكتشاف الحقيقة ووضوح الرؤية وعجزه عن اختيار القرار المناسب .
اما الضربة القاضية التي قصمت ظهر هذا العرض فقد جاءت عن طريق الممثلة ميلاد سري التي لعبت دور "الزوجة" والتي ساهمت بشكل فعال وجميل في تحويل هذه الشخصية من ضحية عانت من ويلات المعتقلات والاغتصابات المتكررة ، الى بائعة هوى، وقد كان لهذا التحول آثاره الكبيرة في تهشيم فكرة العذراء، على الرغم من ان اداء الممثلة في بداية العرض كان قريباً من سلوك الشخصية "الضحية" الا أنها وفي مبادرة بصرية مبالغ فيها كسرت طوق الضحية وانتقلت عبر أداء مفعم بالطاقة والنشاط ومن خلال صرخات وحركات سريعة ، ترافقها ازياء ذات بعد جمالي يؤكد على ان هذه الشخصية إقتربت كثيراً من بائعة الهوى وإبتعدت في جميع افعالها عن تلك الضحية المنكسرة التي تعرفت على مغتصبها بعد طول إنتظار .
لقد كانت فرضية الاداء التي أنتجت معانٍ مغايرة لمنظومة العرض وذلك مأسهم في خلق عدم الانسجام داخل العرض ، فكيف يمكن الدفاع عن ضحية - ليست ضحية.
كان يمكن للمخرج في طرحه لشخصية مغايرة عن تلك التي يطرحها النص ونقصد بذلك شخصية بائعة الهوى كبديل عن الضحية ، ان يغير من معالجته الاخراجية من خلال توضيح الاسباب التي دعت الضحية الى التخلي عن جميع القيم الإنسانية والى التحول الى بائعة هوى بعد الالآم التي لحقت بها في السجن ، ورفض المجمتع لها على الرغم من معرفته بأنها ضحية تشبه كل الضحايا.
الا أن المخرج لم يمنحنا تلك الفرصة في قراءة جديدة ومغايرة ، وبذلك فإن جميع ماحصل في العرض يقع على عاتق المخرج بالدرجة الاولى ولأسباب عدة أهمها ، الاختيار غير الموفق لمكان العرض ، وإرهاق الفضاء بمداخلات غير ضرورية .. من جهة اخرى كان هناك انفلات في التفكير الذي غير من مسار العرض بمجمله الامر الذي أوقعه في المطبات التي سبق الاشارة اليها.
ولايفوتنا ان نطرح تساؤلاً من نوع آخر حول اهمية منح جوائز الابداع التي يذكر المخرج في فولدر العرض "ان هذا العمل حاصل عليها" والتي يبدو ان وزارة الثقافة قد تبرعت بها الى هذا العرض من دون الرجوع الى فقره وإنما تمت بحسب رؤية الوزارة الشاملة للثقافة وللفن المسرحي على وجه الخصوص ، فهنيئاً للمسرح العراقي بجوائز الإبداع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط