الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد فوزه بالكومار الذهبي للرواية الشاعر التونسي عبد الجبار العش :فوزي هو تتويج لجيل قادم يتحدى العولمة والهيمنة

حكمت الحاج

2010 / 4 / 22
الادب والفن


لم يصدر عبد الجبار العش من قبل سوى مجموعة شعرية واحدة عام 1998 بعنوان جلنار سبقها شريط كاسيت عام 1988 يتضمن قصائد بالعامية والفصحى .لكن روايته الأولى وقائع المدينة الغريبة التي طبعها على نفقته الخاصة عام 2000 تحصلت على الجائزة الكبرى التي تمنحها مؤسسة كومار للتأمين سنويا لأحسن رواية تونسية صدرت خلال العام . وهو إلى ذلك معلم تربية بدنية في العقد الثالث من عمره وعضو هيئة جمعية الدراسات الأدبية بصفاقس . وبمناسبة نيله الجائزة المذكورة في حفل أقيم بالمسرح البلدي بتونس مساء 24 أبريل ( نيسان ) المنصرم ، كان لنا معه هذا اللقاء :

ـ قلت بعد تسلمك للجائزة أنها كانت مفاجأة متوقعة . هلا شرحت لنا ما معنى هذا التناقض في كلامك ؟
ـ كلا، أنا أعني ما قلت . فقد كانت فعلا مفاجأة متوقّعة . هي مفاجأة ، لأنّني لم أتوقّع أن أحصل على جائزة الكومار الذهبي لأفضل رواية من بين قرابة العشرين رواية لخيرة الكتاب التونسيين ، خاصّة أنّ روايتي وقائع المدينة الغريبة هي عملي الأوّل في مجال السّرد . وهي متوقعة ، نظرا لاشتغالي الدّؤوب عليها ويقيني أنّني لم أسلّم الرواية للمطبعة إلاّ بعد تأكّدي من أنّها قادرة على أن تجد لها موطئ قدم وتقرأ فتحَب وتروى . ولا أقول هذا ، لأنّها حصلت على المرتبة الأولى، بل لأنّني واثق مما أكتب ، واسمح لي أن أعلن منذ الآن ،على صفحات القدس العربي،إن روايتي القادمة سيكون لها نفس الشأن.
ـ كيف تبرّر انتقالك بنجاح من الشعر إلى الرواية ؟
لقد كانت الرّواية ، ولسنوات عديدة ، تقاوم صمتي وانحيازي إلى الشعر . ظلّت تكبر وتنمو ولم أضعها إلا وقد صارت يافعة قادرة على النّطق والرّكض والمجاهرة بكيانها . ولن توهمني الجائزة بأي وهم ، ولن تحجب عنّي الآتي مما لم أكتبه بعد ، ولن تلجم أصابعي أقول هذا ، لأنّني أعرف أنّ تتويج عمل أوّل ، قد يصيب صاحبه بإحساس بالرضا والاكتمال وأنا على وعي تام بهذا الفخّ وإن كنت مازلت تحت وقع الحدث غير أنّني أسعى إلى العودة بأكبر سرعة إلى عزلتي أمام بياض الورقة لأواصل كتابة روايتي الثّانية وإنها لمتعة لا توصف أن أعود إلى العوالم العجائبيّة التي تسم حكايتي وأن أواصل بناء وقائع زماننا الغريبة . وأرجو أن تصدّقني إذ أقول لك أنّني صرت أحيانا لا أعرف أين تكمن الوقائع الحالية وأين يتشكّل الواقع الحيّ ولقد اتضحت لي بعض ملامح هذا التداخل حين وصف سمير العيادي بوصفه رئيس لجنة تحكيم جائزة كومار ، مناخ الرواية بقوله إنها استطاعت من خلال وقائع غرائبية أن تتفاعل مع الحياة وواقع عصرنا بأسلوب ساخر نفتقده في الرّواية العربيّة …
ـ هل تدعو الكتاب جميعا للاشتراك في مسابقات من هذا النوع ؟ وماذا يعني لك هذا الفوز في الأخير ؟
ـ أعتقد أنّ الحوافز التي تضعها الجوائز أمام الكتّاب من شأنها أن تبرز العديد من الأقلام المغمورة أو الصّامتة وها أننّا نلاحظ ارتفاع عدد الروائيين في تونس وإن كان الوقت فقط هو الكفيل بفرز التّجارب الحقيقيّة من تلك الظّرفيّة أو الزائلة . إن تتويج روايتي هي تتويج لجيل من الكتاب قادم إلى زمن العولمة والهيمنة أسميه جيل الأحلام المهدورة ، وجيل الانتصارات الآتية والكامنة في رماد لحظتنا الرّاهنة . ليس تتويجي شخصيا فقط ، بل هو إيذان بميلاد رواية وفيّة لأصدق تجارب الكتابة الروائية العربية ، وهي بداية لتأسيس طليعة أدبية جديدة في تونس ، تجد تعبيراتها في نصوص إبداعيّة قادمة بثبات …
ـ مثل من ؟ هلا ذكرت لنا بعض الأسماء ؟
ـ أخصّ بالذّكر حسن بن عثمان في روايتيه بروموسبور و ليلة اللّيالي وكذلك كمال الزّغباني في الآخر وفي روايته الجديدة في انتظار الحياة وأيضا محمد الجّابلي في مرافئ الجليد . وحين أتحدّث عن ملامح طليعة جديدة، فإنّني أشير بطريقة غير مباشرة إلى تجربة وجيل حركة الطّليعة في تونس كأجمل لحظات تاريخ الثقافة التونسية ، وهو وفاء بالمعنى الإبداعي للكلمة لرموز تلك المرحلة التي أسّست وعملت وعلّمت كيف يمكن لنا أن نواصل الآن ابتكار أسلوبنا الخاص في التّعبير عن طموحات جيلنا وفي التّفاعل الإبداعي الخلاّق مع راهننا الغائم .
ـ أنت بهذا تعطي أحكاما نقدية وتبشيرية . هل نفهم من ذلك أنّك ربما ستكتب في التنظير أو النقد أو التاريخ للرواية في تونس ؟
ـ لا أنظّر لاتجاه أو لمدرسة أو لحركة ، فهذا ليس من شأني . إنّما أردت الإشارة كقارئ وكمتابع لحركة التأليف في بلادي إلى بروز منحى روائي له خصوصية وملمحية لا تخفى عن القارئ المتمعّن . وهذا مقارنة لسائر التجارب الموغلة في النّمطيّة والاستنساخ والانغلاق في عوالم ذاتية مفبركة لا علاقة لها بعصرنا ولا بالذات الحقيقية لكاتبها . إننا في حاجة إلى رواية طليعية تهسهس المسلّمات وتلقي حرقة أسئلتها الجديدة ، إلى رواية تغمس أصابعها في طين الإنسان العربي القادم لتساهم في تشكيله على صورة أحلامه . ولقد آن الأوان لكي تكفّ الرّواية عن وداعتها وغيبيتها كما آن لها أن تنصت إلى نبض الشارع العربي وأن تكون في حجم احباطاتنا وآمالنا
بل وفي حجم ضياعنا وعنادنا . وأنا حينما أتحدّث على هذا النّحو ، فليس معنى هذا أنّني أنفي وجود تجارب روائيّة متميّزة ، ولكن أردت التأكيد على قلّة الكتابات الخطيرة بالمعنى الخلاّق للعبارة، وأنا شخصيّا مازلت أبحث عن هذا النص الاختراقي المؤسس ، وإن كنت بدأت ملامسته على حدّ استنتاجي ، ومن خلال ردود فعل القرّاء والنّقّاد لروايتي وقائع المدينة الغريبة .
ـ هل تريد أن تقول بأنّ كتابة خطيرة على حدّ تعبيرك قد تجد تقبلا بحجم إبداعها من لدن قراء حقيقيين أو نقاد مؤمنين بأدب جديد ؟ لقد سمعت أن هناك من يفكّر في تحويلها إلى السينما ؟
ـ الحديث عن روايتي يذكّرني بتعاليق بعض أصدقائي السينمائيين الذين تعهدوا بالعمل على ترجمتها صوريا مع إجماعهم على جاهزيّتها لتتحوّل شريطا سينمائيا عجائبيّا. واقتباسها إلى المسرح ، وهذا أحد طموحاتي إذ كتبتها ومشاهد وقائعها تتراءى لي على شاشة ينسجها خيالي وأتمنّى أن تصير يوما حقيقة لأن الرواية وكأنّها كتبت لتصبح فيلما يشاهد أو يقرأ بالعين من قبل جموع كبيرة . وهذه المسألة تعيد إلى ذهني، معظلة توزيع الكتاب الإبداعي محليا وعربيا إذ أن الكتاب مازال بلا أجنحة وما زال القارئ العربي لا يعرف حقيقة التّجارب الإبداعيّة لمعظم الكتّاب العرب ولا أقول هذا من باب الإدعاء بل هي الحقيقة خالصة إذ يكفي أن يجد إبداعنا طريقه إلى القرّاء وإلى التّرجمة ليأخذ مكانته التي هو بها جدير . وحتّى الاعتماد على الوسائط العصريّة ، كالإنترنت، لا يكفي، ولا يحلّ المشكلة .
ـ لماذا برأيك ؟
ـ لأنّنا أوّلا لم نعمّم بعد هذه الوسائط ، وثانيا ، لأنّ متعة ولذّة القراءة مباشرة من الكتاب المكتوب لا تضاهيها أيّة متعة أخرى .لذا ، يتوجّب إعادة النّظر في أساليب توزيع الكتاب والتّعريف به، خاصّة مع تضافر أخطار عديدة حديثة تهدّد مكانة القراءة لدى هذا الجيل والجيل الذي سيليه .
ـ وأخيرا ، ماذا تريد أن تقول للقراء وأنت تحمل كتاب فوزك بيدك ؟
ـ أكتفي بالقول أنّ زمن الرّواية متواصل مع جيل جديد يؤسّس لطليعته الجديدة المنبثقة من مجاهل معاناته وطموحه المشروع لزمن عربي آخر يستعيد فيه الإنسان إنسانيّته المهدورة .

القدس العربي العدد 3736 الجمعة 18 أيار ( مايو ) 2001 ـ 24 صفر 1422 هـ









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -شد طلوع-... لوحة راقصة تعيدنا إلى الزمن الجميل والذكريات مع


.. بعثة الاتحاد الأوروبي بالجزائر تنظم مهرجانا دوليا للموسيقى ت




.. الكاتب في التاريخ نايف الجعويني يوضح أسباب اختلاف الروايات ا


.. محامية ومحبة للثقافة والدين.. زوجة ستارمر تخرج للضوء بعد انت




.. الكينج والهضبة والقيصر أبرز نجوم الغناء.. 8 أسابيع من البهجة