الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الخطاب الديني يساير العصر ...

محمود المصلح

2010 / 4 / 22
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لعل لغة الخطابة في الدين عامة فيها من التحيز لذات الفردية اكثر منها للجماعة على العموم ، فالخطيب في أي دين يرى نفسه وكيلا ونائبا ، ويرى في نفسه انه المؤمن الاوحد او الاكثر ايمانا ،والاكثر فهما ، والاكثر معرفة ، وانه يمتلك زمام المبادرة ، ويرى في نفسه انه تقع عليه مسؤولية أن يؤمن باقي البشر كما يؤمن ، وانه عليه حمل ثقيل ومسؤولية اكبر في أن يثقف الجاهل من القوم ، ,ان ينبه الغافي او الغافل ، وان ينشط الكسول او المتكاسل ، وانه يجب أن يزيد العالم علما ، والذكي ذكاء ، والعارف معرفة ، كما أنه يتوجب عليه أن يصلح المجتمع ، والفاسد والمنحرف ، وان يقوم المعوج ، ووسيلة في ذلك الخطاب ، والخطبة ، والعظة والنصيحة ، لأنه هو العارف العالم المؤمن القادر على توصيل المعلومة ، وهو من يمتلك منبرا ، لا يتاح للكثيرين في اغلب الاحيان .

فنراه اي الخطيب ، نراه يخاطب الناس بما يحفظ أو بما يطالع او بما يعرف ، وربما لا يدرك ان هناك من يفهم اكثر منه ، ويعرف اكثر منه ، وربما يعرف ويدرك ذلك ولكنه يتناساه او يتجاهله عن قصد .

يقف ويقول : ايها الناس ، اعلموا ، ازيدكم من الخبر خبرا ، وازيدكم من الشعر بيتا ، تلك بعض العناصر التي صنفها علماء اللغة على انها من صفات الخطبة ، اذ انها توجه الى الناس بصيغة المخاطب ، وقد يكون في هذا مصادرة لمعرفة الاخر ، وقد يكون فيه تجاهل لمعرفة الاخر .. فأن تقول له اعلم ..فأنت تصفه بانه لا يعلم ولذا يتوجب عليه ان يعلم .. بل اكثر من ذلك انت توجهه الى العلم بشيء محدد ، من علمك الخاص ، ومجالك الخاص ، وبما توده ان يعلم على وجه التحديد.. وفي هذا تجاهل للاخر ..

لغة الخطاب الديني في غالبها لغة تحاكي الماضي ، وتتكىء على الموروث ، وقد تربط الموروث بالحاضر ، وعلى الاغلب الاعم يكون هذا الربط ربطا غير منطقيا، وغير علميا ولا يبنى على اسس وقواعد تحاكي العقل ، وتساير الواقع المتغير لديناميكية الحياة التي تتسارع بشكل غريب أمام المجتمع بكل فئاته ، لغة الخطاب الديني تعتمد على النصوص المقدسة ( ولا اعتراض عليها او على استخدامها ) تعتمد النصوص المقدسة كأساس للغة الخطاب الديني الذي يذهب بعيدا في التاريخ ويجافي الحاضر وينسى المستقبل ، خصوصا اذا علمنا من هم الخطباء ..وماهي مؤهلاتهم .. ودراساتهم .. وعلومهم .. وكيف حصلوها ..

فنجد من الخطباء من لا يعرف اساسيات اللغة العربية ، ونجد منهم من لا يدرك اساسيات الخطاب .. والخطابة .. ومخاطبة الجمهور ..ونجد منهم من يمارس اعمالا اضافية غير الوعظ والارشاد .. ليكسب رزقه ..( وهنا نجد لهم في هذه عذرا ) اذا ان مخصاتهم قد لا تكفي لايام او اسبوع ...فسيكون عليه لازاما ان يعمل عملا اضافيا ..ومنهم من لا يحظى بقبول او شعبية لدى الجمهور الذي يخاطبه .. وبالتالي لن يكون كلامه مقبولا .. ولن يكون شخصا محبوبا ..

لغة الخطاب الديني التي تخاطب الاخرين بلغة المنادى ، الذي لا يعرف ، وتحثه على المعرفة ، تتهمه بالجهل ، وتحثه على العلم والتعلم والعمل .. وفي الخارج من يقف يمد يه ليشحد لقمة الخبز او ثمن الدواء، لن تكون لغة تخاطب الوجدان ولا العقل باي حال من الاحوال .. لغة الخطاب التي لا تحترم فئات المجتمع عامة .. كابناء وطن واحد أو حي واحد .. وكشركاء في البناء والنماء ..ولا تحث على التعايش .. بل تدعو وتتهم وتطرد ..لغة لن يكون بمقدورها ان ترقى بالمجتمع أنا كان هذا المجتمع لانها تزرع الفرقة والتفرقة .. وتبث التمييز ولغة الكراهية ورفض الاخر .. لغة تقسم المجتمع الى فئات وطوائف ، اي مجتمع سيكون هذا المجتمع ..

أين الخطاب الديني الموجه لتكاتف الافراد وتعاظدهم ، وتعاونهم ، وتالفهم ، أين الخطاب الديني الموجه لبناء جيل( ليس بالتحديد مسلما او مسيحيا ) بل جيلا وطنيا متدينا مؤمنا بدينه وبشريعته ، يحترم الاخر ويقدره ، ولا ينبذه او يكفره ، يؤمن به كفرد من افراد المجتمع ، وكفرد من ابناء الوطن يرى فيه شريكا حقيقيا للبناء والنماء والنمو والدفاع عن الوطن صفا واحدا .. اذا ما دعت الضرورة لذلك .

اين الخطاب الديني من تحديات العولمة والعالم المعاصر ..بدل ان نقف موقف المتفرج من كل ما يحدث حولنا .. نحرم كل ما لا نعرف .. ونطرد كل من يخالف .. ونحقد على من يعارض..اين نحن مما ينتج العالم ويصنع .. ونحن نتلقى ما يلقونه الينا بكل اشكال الاتكال .. بعدما جهلنا كل التعقل والتوكل بمنطق الدين الحق .. الذي يحث على التعقل والاتكال ..
هل يساير الخطاب الديني .. العالم .. والفكر .. والتقدم .. والحضارة .. هل يساير الخطاب الديني ما وصل اليه الانسان من علم ومعرفة .. ام لا تزال لغة الخطاب في هوة سحيقة عميقة بعيدة عن الواقع ..وكانها تخاطب بشرا من القرون الوسطى ..

هل ارتقى الخطاب الديني على مدار عقود مضت بعقول شبابنا وابنائنا .. وهم يجابهون ما يجابهون من هجمة معلوماتية مجنونة .. ام هل تم بناء حائط صد منيع .. أو تمت الدعوة الى بناء هذا الحائط لمنع هذا الكم الهائل من المعلومات وهذه الهجمة من الوصول اليهم . ولم ندري جميعا ان الهجمة المعلوماتية لا تجابه بحائط صد.. حيث ان هكذا اسلوب محكوم بالفشل .. ويرسم عقلية القلعة .. التي لم تنجح في الماضي ولن تنجح في اي وقت من الاوقات ..

وبالتالي هل سعت لغة الخطاب الديني الى تحصين المجتمع عموما بما يحفظ خصوصيته وبما يكفل عدم ذوبانه فيما يدعو اليه العالم من عولمة ..وفيما يرمي اليه العدو انا كان هذا العدو ..هل مكنت لغة الخطاب الديني من العقيدة والايمان في نفوس الابناء .. هل ربطت لغة الخطاب الديني الموروث المقدس بما استجد من امور في العالم المعاصر .. وهل سخرت لغة الخطاب الديني التحديات الكبيرة لتكون انجازات اكبر .. هل تخلت لغة الخطاب الديني عن عقلية الاول الاوحد والاكثر علما ومعرفة مقارنة بالاخرين ..هل سعت لغة الخطاب الديني الى بث مزيد من الوقود في مرجل التقدم والوحدة الوطنية في شتى العالم ام بقيت حبيسة عقلية القلعة ..
نحن بحاجة الى دعاة متنورين عارفين .. متقبلين للاخر ..
يخضعون لتدريب ( ليس تدريب على كيفية الخطاب ) يخاطب فيهم العقل والمنطق ويحثم على المعرفة والتعلم والاطلاع وعدم الانغلاق على الذات ، يكونوا فيه قادرين على توظيف مهاراتهم ولغتهم في دفع عجلة التقدم والاتحاد والوحدة للبناء والنماء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم