الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أمريكا، ولا الإسلام السياسي بل الحرية والعلمانية،

ريبوار احمد

2004 / 7 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تشكل أحداث الأيام الأخيرة في العراق واحدة فقط من النتائج الدموية والمأسوية لحرب ومشاريع أمريكا الرجعية لحاضر العراق، كما وتجسد أيضاً إخفاقها السياسي حتى الآن. فالسيناريو الأسود الذي أبتدأ بالحرب الأمريكية تدفع به مخططات أمريكا وسياساتها صوب التعمق باستمرار.. ولم يفعل إشعال فتيل الحرب وتحويل العراق الى ميدان ساخن للصراع الإرهابي مع الإسلام السياسي، وجر أيدي القوى والجماعات الإسلامية والقومية والعشائرية لتجثم على قلوب الجماهير وتجلس على كرسي الحكم، والسعي لفرض البديل القومي والطائفي على المجتمع العراقي، وتقسيم السلطة وتصنيف الجماهير على أساس القومية والدين والمذهب، لم تفعل كلها غير تدمير أسس المدنية و خلق الأرضية للحروب والصراعات الرجعية و إفساح المجال أمام الجماعات القومية و الإسلامية كي تسلح نفسها وتفرض ظلها المقيت على الجماهير. في نفس الوقت فإن هذه الأحداث والأبعاد الواسعة التي اتخذتها حيث شملت العديد من المدن العراقية، دليل على أن أمريكا تواجه بشكل واسع احتجاجات الجماهير وتقف على فوهة بركان قابل للإنفجار في أية لحظة. وهذا هو أساس اتساع الاحداث الحالية و مشاركة الجماهير فيها، وليس التأييد للجماعات الإسلامية الرجعية. فقد صارت جماعة الصدر وبقايا البعث و الإرهاب الإسلامي عموماً، محركاً لانفجار بركان احتجاج الجماهير في ظل غياب صفها المستقل وهي تريد جعل احتجاجات الجماهير رأسمالاً لأهدافها وأغراضها الرجعية.

كذلك فسحت نفس تلك الأوضاع التي خلقتها الحرب المجال أمام جماعات من مثل جماعة الصدر كي ترفع سيوفها وتلوح بحرابها وتبدأ بالهجوم على أبسط الحقوق السياسية والمدنية للجماهير وكل ملمح من ملامح المدنية. وبالدرجة التي دمر بها السيناريو الأسود المدنية والحياة الاجتماعية بنفس الدرجة فسح لمجال أمام حضور هذه الجماعة الى الميدان. فالإسلام السياسي يمثل في جوهره قوة للسيناريو الأسود وأوضاع من هذا القبيل تقدم له أنسب أرضية للتنامي والنمو. وقد فسحت حرب أمريكا في الحقيقة المجال رحباً أمام الإسلام السياسي. قسم من هذه الجماعات صار وسيلة بيد أمريكا وعوناً لها في حربها الرجعية، والقسم الآخر تقنع بأشكال مختلفة باقنعة الوقوف ضد الاحتلال الأمريكي وصار طرفاً من أطراف الصراع والسباق الإرهابي مع أمريكا.

وقد بينت جماعة "الحوزة" التابعة للصدر كجماعة إرهابية إسلامية خلال فترة السنة الماضية بدورها وممارساتها، عدائها الأعمى مع الحرية والإنسانية وكل ملامح المدنية. فهؤلاء هم من أصدر فتاوى قتل الشيوعيين والتحريين، وقتلوا بأبشع الأشكال النساء واتباع الديانات الأخرى، وفجروا صالات السينما والأماكن المدنية، وهاجموا نضال ومنظمات العمال والعاطلين عن العمل، وسرقوا اموال ولقمة خبز الجماهير وفرضوا عليهم الأتاوات، وفرضوا بقوة مليشياتهم المسلحة التقاليد والأعراف الرجعية على الجماهير. و لم يكن هناك أي رد فعل مقابل كل هذا من قبل أمريكا، ولكن تم وضعهم في قائمة الإرهاب فقط حينما تمردوا على أمريكا. وهذا يبين قبل كل شيء سخف وازدواجية المعايير لدى أمريكا فيما يتعلق بالإرهاب. ويبين أن الإرهابي لدى أمريكا ليس سوى صفة تطلق على كل شخص وكل طرف يقف بوجه سياسات أمريكا ومصالحها.

إن صراع جماعة الصدر مع أمريكا، هو صراع رجعي، وليس له أية صلة بمطالب وأهداف جماهير العراق للتحرر من سيناريو السياسات والمخططات والبدائل الرجعية لأمريكا، بل وإنه مسعى لتعميق أوضاع انعدام الأمن واضطراب الحياة الاجتماعية أكثر وانهيار المدنية. وهذه الجماعة هي حاملة راية بديل أكثر رجعية من البديل الأمريكي. لذا فإن شرطاً مهماً لإنهاء هذه الأوضاع الراهنة وبعث الروح في الحياة المدنية والحرية والأمن للمجتمع العراقي، هو إخراج هذه الجماعات من الميدان وفرض التراجع عليهم. ويشكل هذا ميداناً مهماً من ميادين نضال الشيوعية والجماهير التحررية والحزب الشيوعي العمالي العراقي. فليس بإمكان الجماهير التحررية ولا ينبغي عليها الاختلاط بصراعات هذه الجماعات تحت أية ذريعة كانت، بل ينبغي أن تواجه هذه الجماعات الى جانب أمريكا و اعوانها من القوى الرجعية، باحتجاجات وسخط الجماهير و العمل على تعطيل أدوارهم.

ومن غير شك أن سياسة موأسلوب أمريكا في الصراع مع هذه الجماعة، ليس له أية شبه بالدور الذي على الجبهة التحررية القيام به. فليس لدى أمريكا أية مشكلة مع إرهاب وهمجية الإسلام السياسي، لذا هي من جهة تدفع بجناح من أجنحة هذه الجماعات الى كرسي الحكم وتجعلها حاكماً على الجماهير وتقف خلف خلط الدين بالدولة، ومن جانب آخر تستفيد وفق منطقها من دور وممارسات جماعات الصدر وحتى من القتل الوحشي للمدنيين الأمريكان في مدينة الفلوجة للهجوم والعسكرتارية والحصول على ذرائع للبقاء في العراق. وكل تلك الممارسات ستمهد الأرضية لنشاط وحركة تلك الجماعات الى جانب تلك الأساليب التي تمارسها في هذه الصراعات، من قبيل القصف الأعمى والوحشي للمدن وقتل المدنيين وحتى فرض الحصار العسكري والاقتصادي على الجماهير. وهي تدفع الجماهير بالقوة لتضطر الى الانزلاق الى صفوف هذه الجبهة الرجعية.

الأساس الرئيسي لإبقاء الأوضاع الحالية والاستمرار بها ومن ثم إبقاء الباب مشرعاً أمام هذه الجماعات الإسلامية، هو السياسة الأمريكية تجاه العراق ومنها نفس الخطة التي طرحتها وتعمل من أجلها أمريكا تحت تسمية "تسليم السلطة للعراقيين". وفي الحقيقة أن أمريكا بهذا الشكل تسلم معيشة وحياة ورفاه جماهير العراق مباشرة بالوكالة الى مجموعة رجعية ومجرمة قومية وإسلامية وعشائرية لكل طرف منها ملف مليء بالجرائم ضد الجماهير وكان لكل واحد منها دوره العملي في خلق هذه الأوضاع. وتريد دون الامتثال ولو قليلاً لدور إرادة وتدخل الجماهير، تسليم السلطة لمجموعة من جماعاتها التي لا تمثل أي شيء سوى مصالح أمريكا ومصالحها الخاصة. فإعادة بناء الدولة وفق الهويات القومية والدينية والسلطة المحلية لكل شيخ عشيرة وزعيم قوم وطائفة، وصياغة "قانون إدارة البلاد" على أساس التنصل عن الهوية الإنسانية للمواطنين وتقسيمهم وفق الأقوام والطوائف والعشائر، هو مشروع لإبقاء المجتمع في قلب السيناريو الأسود والصراع القائم الآن.

الأوضاع الراهنة يمكن ويجب إنهائها. فإخراج العراق من السيناريو الأسود وإعادة بناء المدنية والحياة الاجتماعية في العراق، مرهون بإخراج هذه القوى والجماعات التي خلقت هذه الأوضاع، مرهون بتقصير أيادي وشل دور أمريكا والإسلام السياسي والحركة القومية، مرهون بإحباط البدائل الرجعية لهذه القوى وإقامة دولة علمانية غير قومية وغير دينية تضمن وتؤمن كافة الحريات السياسية والمدنية للجماهير ومساواة كافة المواطنين بمعزل عن القومية والدين والمذهب والجنس. وهذه هي مهمة الجبهة التحررية وجماهير العمال والنساء والشبيبة والجماهير التحررية، ومهمة الشيوعية والحزب الشيوعي العمالي العراقي.

لقد عانت جماهير العراق لسنوات طويلة من فاشية وقمع ورجعية النظام الفاشي البعثي، ودفعت لسنوات ضحاياها من أجل إنهاء الحكم الأسود لهذا النظام، وكانت أمنيتها أن تلقي الحرية والعلمانية والرفاه بضلالها على المجتمع بإسقاط النظام البعثي، وكانت نساء العراق تتطلع للمساواة وطي صفحة التقاليد والأعراف الرجعية والذكورية، وكانت تتطلع أن تقتلع جذور الظلم والتمييز الجنسي بإسقاط النظام البعثي، وكانت الشبيبة تأمل أن تفتح الأبواب أمام أمانيها وتطلعاتها ورغباتها العصرية بإسقاط النظام البعثي. ولكن بعد انهيار النظام البعثي نتيجة للحرب الأمريكية بقيت كل أماني وتطلعات وأهداف جماهير العراق تلك في محلها دون أن تحظى بأي رد وجواب. وبينت هذه السنة الكاملة أكثر من أي وقت آخر أن الحزب الشيوعي العمالي هو فقط البديل والمجيب على تلك التطلعات والأماني والاهداف. ففي فترة السنة هذه بين هذا الحزب بوقوفه الحازم في الميادين المختلفة لنضال الجماهير مع جوانب هذا السيناريو الأسود، والقيام بدور القائد والمنظم لنضال الجماهير من أجل الخبز والمسكن والأمن والحرية والمساواة، بين أنه الضمانة الوحيدة لتحقيق أهداف الجماهير. وتشكل برامج وسياسات هذا الحزب في أرقى مستوياتها البرنامج الوحيد الذي يستجيب لتلك المطالب والأهداف. ولكن ليس هناك من شك أن تحقيق تلك الأماني والتطلعات والاهداف مرهون بانتظام جموع الجماهير الغفيرة حول سياسات وبديل الحزب وتقويته كقوة سياسية مؤثرة وجماهيرية للدرجة التي يتمكن فيها من شل دور أمريكا وقوى السيناريو الأسود وتحقيق البديل التحرري في العراق.

ومقابل هذا الصراع الذي شمل الآن الكثير من المدن والمناطق، وفي الوقت الذي يستوجب على الجماهير التحررية والحزب الشيوعي العمالي الإبقاء على صفوفها معزولة عن صف كلا طرفي هذا الصراع، لا يمكن لها أن تشاهد حرب تدمير حياة وأمن ومدنية مجتمعها كجبهة محايدة. فقد آن الأوان أن تدخل هذه الجبهة بصفوف واسعة ومنظمة ومسلحة الى الميدان وإخراج المدن والأحياء السكنية من يد كلا طرفي هذا الصراع والإمساك بها بيدها، والانتظام حول الحزب الشيوعي العمالي والمنظمات الجماهيرية، وتأسيس مراكز الأحياء والإمساك بإدارة وأمن المدن والمحلات السكنية من خلال تلك المراكز، وهذه مهمة يجب الإقدام عليها فوراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح