الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحزاب ليست جمعيات استهلاكية

تقي الوزان

2010 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


الكثير من الشيوعيين يقرون بعقولهم إن الحزب هو وسيلة لتحقيق أهداف محددة , ولكن في مشاعرهم يغلب عليهم تقديسه , واعتباره هو الغاية من العمل , وهذا احد الأسباب التي زادت في مرارة خسارة الانتخابات . التربية القديمة التي رافقت الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي , وما فرضته من تآمر وتنكيل وتصفيات جسدية بين أتباع الطرفين , جعلت من سرية التنظيمات الشيوعية احد أوجه الصراع , والمحافظة على صيانة وسلامة الحزب أهم من الأهداف التي ينشدها في اغلب الأحيان .

الحملة الدموية التي شنها النظام الصدامي عام 1978 على الشيوعيين وعوائلهم وأصدقائهم بعد ان احكم قبضته على كل الفعاليات السياسية والاجتماعية لعموم الشعب العراقي , كان يهدف منها إنهاء ما تبقى من روابط شكلية للجبهة الوطنية التي كانت تربط الطرفين منذ عام 1973 , وضعت الحزب في حالة إرباك, وتمزقت التنظيمات بين من سقط شهيدا تحت التعذيب , او تمكن من الهرب إلى الخارج , أو من حافظ على حياته بعد ان فرض عليه التوقيع على الإعدام إذ مارس أي نشاط خارج صفوف البعث , واستمر بدفع هذا الاستلاب حتى سقوط النظام , ولم تسلم إلا القلة . وكرد فعل على شراسة الهجمة, استطاع قسم من الشيوعيين الصعود إلى الجبال , وتشكيل قواعد أنصارية تحافظ على من يستطيع الوصول إلى كردستان , وفي نفس الوقت تنظم المقاومة المسلحة ضد النظام .

عمق الضربة , والدمار الكبير الذي تركته , وعدم تحسب القيادة لهذه الحالة بعد ان تم كشف اغلب التنظيمات الحزبية في محافظات العراق , نشّطت المطالبة بإشراك مختلف المستويات التنظيمية في صنع القرارات الحزبية , أي إشباع الديمقراطية . بعد أن استقر وضع الحزب وأعاد بناء شبكاته التنظيمية مع المقطوعين في الداخل ومن وصل الى الخارج , وثبت الكفاح المسلح كرأس حربة لنضاله الوطني , وانتشرت مفارز أنصاره في اغلب مناطق كردستان العراق . والذي زاد من هذه المطالبة العيش المشترك بين القيادات الحزبية وبين القاعدة , حيث كسرت الكثير من المحرمات والتصورات غير الواقعية التي كانت تتحكم بطبيعة التنظيم (السرّية) السابقة . وكانت حاجة الحزب للتجديد قد نضجت, ولكنها تصطدم بعدم نضوج الظروف الأممية , حيث اشتد الصراع أكثر بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي , ودخلت حرب النجوم مرحلة جديدة , والخروج عن القواعد الحزبية المتوارثة للأحزاب الشيوعية ضرب من الانشقاق , وسقوط في الجانب الآخر .

الترسبات العميقة لنظم العمل القديمة , أعاقت وبدرجات متفاوتة تطبيق شعار " الديمقراطية والتجديد " الذي تبناه الحزب في مؤتمره الوطني الخامس عام 1995 . والغريب ان البعض من الذين كانوا يعانون من هذه الترسبات ويطالبون بالتجديد , يتشبثون بها الآن . وبدل من ان يجري النشاط باتجاه إنضاج الأفكار لتكون البؤرة التي يتجمع عليها مجموعة من الرفاق , يكون الشخص هو ( البؤرة ) ويستخدم أساليب عدة لهذا الغرض , وهو ما يطلق عليه بالكولسة , وهذا اخذ الكثير من اهتمام الحزب لمعالجته , وفي بعض الأحيان شكل دوّامة لبعض المنظمات .

الشيوعيون العراقيون يفتخرون بأشياء كثيرة , تاريخ عريق في مقاومة الظلم , وبطولات فذة , ووطنية لا غبار عليها, وثقافة تضرب في عمق الحركة الوطنية , وينعشهم ان اغلب الأحزاب والحركات السياسية العراقية أخذت تتبنى مفاهيم ثقافتهم السياسية ومرتكزات برامج عملهم , مثل الفيدرالية والتعددية والتداول السلمي للسلطة ..الخ . واليوم نادرا ما تجد فروق جوهرية بين برامج هذه الأحزاب التي دخلت الانتخابات وبين برنامج الحزب الشيوعي , وهذا احد الأسباب الرئيسية التي دفعت البعض من الحريصين لمطالبة الحزب بتغيير خطابه السياسي , وجعله مميزا عن الآخرين , واعتبار هذا التشابه احد أسباب الضعف الذي يعاني منه الحزب . والجميع يدرك ان تبني الخطاب التقدمي من قبل الأطراف الأخرى لا يعني إيمانهم به وتخليهم عن مصالحهم الطائفية والقومية , بقدر ماهو ادعاء لابد منه لمتطلبات لايمكن التنكر لها .

يشدد البعض على ما يطرحه الحزب للجماهير فقط . ويتحاشى , او يتناسى , ما يجب ان تكون عليه العلاقة داخل الحزب , أي البناء التنظيمي , الذي لو تم له النضوج واستكمال بنائه الديمقراطي الجديد , سيوجد المجالات والطرق الأوسع والأكثر حيوية بين الجماهير . وقبل عدة أيام حدثت مشادة بين اثنين من الشيوعيين , الأول يوبخ الثاني : كيف التحدث بأسرار الحزب في المقهى ؟! الثاني كان يناقش احد أصدقائه حول المبدأ التنظيمي " المركزية الديمقراطية " أجاب باستغراب : ما هو السر الذي كشفته ؟! وهو مبدأ لينيني أساس في بناء الأحزاب الشيوعية صاغه لينين قبل مئة عام , وسارت عليه جميع الأحزاب الشيوعية في العالم . الأول : ولكنك تقول ان الشيوعيين ليسوا ملائكة , وبعضهم يطبقه حسب رغبته وفائدته . الثاني : وازيدك , بأن المركزية كانت هي الأساس في عمل جميع الأحزاب الشيوعية , وهي احد الأسباب الرئيسية في انهيار التجربة الاشتراكية , والديمقراطية كانت ديكور ملحق بها. والحزب الشيوعي اقر في مؤتمره الخامس ان يشبع الديمقراطية , ولكن ترسبات نظم العمل القديمة تعيق ذلك . الأول : وهل من الصحيح كشف هذا أمام الآخرين ؟! الثاني : أنا لم اكشف شبكة تنظيمية , أو خطط عمل , أو اشهّر بأحد وانشر غسيلا وسخا . بالعكس , من الأفضل أن يعرف الناس وسائل تنظيم عملنا , وطريقة اتخاذ القرار , فهم لا يعرفون مهام الأحزاب , إلا سلطة البعث , والتبعية لقيادات الأحزاب الدينية والقومية , ويفهمون عمل الأحزاب في أحسن الأحوال كجمعية استهلاكية , تمنح منتسبيها التوظيف , وإنجاز المعاملات , وتوزيع الأراضي , ورواتب تقاعدية للشهداء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعمو غزة يغيرون ا?سماء شوارع في فرنسا برموز فلسطينية


.. رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب




.. مراسل الجزيرة هشام زقوت يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع


.. القسام تستهدف ثكنة للاحتلال في محور نتساريم




.. واشنطن تطالب قطر بطرد قيادة حماس حال رفضها وقف إطلاق النار