الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمارة ومعماريون

خالد السلطاني

2010 / 4 / 23
الادب والفن


يهدي مؤلف "عمارة ومعماريون" د. خالد السلطاني كتابه الصادر حديثا (2009) عن دار الشؤون الثقافية العامة- وزارة الثقافة في العراق، الى : " الى محبي العمارة .. وقرائها"، وبهذا الاهداء، فان المؤلف، اختار نوعية وطبيعة "المرسل اليه" وخصوصيته المعرفية، الموجه اليه نصوص كتابه المعماري. اذ يفترض ان المتلقي غير المتخصص في شؤون العمارة والعمران، هو المعنى اساسا بهذا الكتاب؛ وان بمقدور الاخير ان يؤسس لذات المتلقي طبقة ابستمولوجية في ايركولوجية المعرفة الانسانية الشاملة.
جاء الكتاب بـ 312 صفحة من القطع الكبير، وتضمن ملحق صور ملونة لنماذج العمارة الوارد ذكرها في نصوص الكتاب. ادناه مقدمة كتاب " عمارة ومعماريون":-
تطمح نصوص كتاب "عمارة ومعماريون"، اساسا، بلوغ هدفين : اولهما تكريس الثقافة المعمارية في اوساط عديدة ومتنوعة. والامر الآخر الاحتفاء بمبدعي ذلك المنجز المفاهيمي الجميل، الذي ندعوه "عمارة" ؛ المفهوم الذي يفترض ان يكون معناه وطبيعته وغاياته معروفة وقريبة للجميع ، بحكم تعامل الجميع مع الفعالية المعمارية، سواء كانت في مجالات السكن، ام العمل، ام الراحة. وهي الانشطة الحياتية الرئيسية التى "يتعاطى" معها الانسان، اي انسان. بيد أن هذا التعاطي المتلازم بين العمارة وشاغليها، لم يفرز تصوراً كافياً عن حقيقة كينونتها وكيفية عملها، ناهيك عن معرفة تياراتها ومبدعيها. وليس المجال، هنا، مناسباً لتفصيل اسباب نشوء تلك التصورات الضبابية عن العمارة. على اننا سوف لا نكون مغالين او "بلاغيين"؛ اذا طرحنا سؤالاً نستفسر به عن مفهوم العمارة، وطبيعة منجزها التصميمي في بدء قراءة صفحات كتابنا هذا. سؤال نتوخى منه، صدقا، الاجابة عن هذه الفعالية الابداعية والاحاطة بها؛ وليس مجرد "سؤال بلاغي"، كما دأب الاغريق على طرحه، بمعنى سؤال لا يبتغي طرحه رداً او اجابة.
وفعلا، ماهي "العمارة"؟. اي ماهو الشئ الذي يجعل من " العمارة" – "عمارة" ؟!.
لا يمكن الركون لجواب شاف ٍ واف ٍ عن مفهوم العمارة، اذ ظل هذا المصطلح متحولاً ومتغيراً، طبقاً لنوعية الثقافة وخصوصيتها التي تنتج مفاهيمها الخاصة عن مختلف طبيعة الاجناس الابداعية بضمنها، طبعا، المنجز المعماري. فالعمارة لدى "البرتي" (1404-1472) L.B. Albarti.- وهو احد اعلام ومعماري عصر النهضة – هـي الزخـرف او التزييـن؛ في حين يحددها "لو كوربوزيـه" (1887-1965) Le Corbusier ، وهو كما معلوم، احد اهم معماري القرن العشرين- بانها "الفضاء المحصـور"؛ مشددا على كلمة الفضاء؛ في حين يرى "بيتر ايزنمان" (1932) Peter Eisenman معمار ومنظر مابعد الحداثة، بان العمارة عليها التخلص من اوهام ثلاثة وهي "التمثيل" و"التاريخ" و"المنطق" حتى يكون بمقدور منجزها ان يتساوق مع عصرها: عصر مابعد الحداثة. وتعطي العمارة الاسلامية مدلولها الخاص لهذا المصطلح بانه السيـاق Context ؛ السياق البنائي الذي يشبه مجاوراته .. ومناخاته ايضاً.
لماذا هذا الاختلاف في تحديد المفهوم؟ ؛ لماذا هذا التباين؟.
لماذا؟
- لان ظاهرة العمارة هي ناتج امتزاج " العلم والفن".
بمعنى آخر، انها تجمع ما يتعذر مبدئياً جمعه؛ انها بهذا المعنى بمثابة الصيف والشتاء على سطح واحد!. فمن يقينيـة العلم وماديته الى آفاق التصور الرحبة المتخمة بها المخيلة الانسانية ، تتجول العمارة ضمن هذا المدى، خالقة بذلك نتاجها وامثلتها. لكن مفهوم العمارة لا يمكن ان يكون دوما معوماً وهلامياً؛ سيما وان نتاجها هو نتاج حقيقي وملموس، كما ان العقل البشري ميال عادة الى التحديدات، حتى يتمكن من تسهيل ادراك كنه الموضوع المثار وجوهره. مما حدى باحد مؤرخي العمارة الرومانيين وهو "فيتروفيوس" (عاش بين 90-20 سنة قبل الميلاد) Vitruvius الى الاهتداء لتعريف العمارة من كونها مزيجا من دواعي الوظيفية والانشاء والجمال؛ وهو تعريف على الرغم من وسعه وربما تناقضه؛ فانه يخدم بشكل وآخر المعنى العام " للعمارة".
وطيلة عقود كثيرة، وحتى قرون من السنين ظل مفهوم العمارة الذي حدده " فيتروفيوس" يفي اشتراطات تحديد ماهية تلك العملية الابداعية. وكمن الاختلاف، اختلاف المقاربات والاساليب، التى طرأت على العمارة ابان الازمنة الماضية، في تراتبية ومراتبية عناصر "الثلاثية" اياها التى ابتدعها المؤرخ الروماني. فمرة تضع العمارة اولوياتها في خاصية الوظيفية، وفي فترة آخرى تهتم بصورة اساسية في الانشاء، وفي مراحل زمنية كانت السمة الجمالية تعد من اولى اولويات الفعالية المعمارية. لكن "لعبة" تبادل المواقع التى مارستها العمارة عبر قرون انقطعت فجأة وبصورة دراماتيكية، عند ظهور طروحات مابعد الحداثة ومحاولة اسقاط مفاهيمها على المنجز المعماري، الذي كان لوقت قصير يستقي مرجعياته من مصفوفة مفاهيمية مختلفة جذريا ومتقاطعة مع رؤى مابعد الحداثة. وخلاصة القول ان العمارة الان، شأنها شأن كثر من الاجناس الابداعية تتعرض الى "خلخة" معرفية جذرية وشاملة في المفاهيم والمرجعيات؛ ما افضى الى نشوء عمارة ذات لغة ومفردات تكوينية تتأسس جماليتها واشكالها من نتائج تلك " الخلخلة" المعرفية. وما نشاهده راهناً، من أمثلة عمارة ما بعد الحداثة، التى تتخطى بانتشارها واساليبها مختلف "الحدود" الجغرافية والثقافية والقدرات التكنولوجية المحلية، يتعين ادراكها انطلاقاً من عدم اسقاط معايير الامس عليها، التى كنا نقيمّ، وفق مسطرتها، الناتج المعماري المتحقق.
يتضمن الكتاب بابين رئيسيين، احدهما مكرس الى المنجز المعماري، والآخر الى مبدعي ذلك المنجز. الاول يشمل "ثيمات" عديدة لتنويعات "تايبولوجية" مختلفة تتمظهر في نماذج تصميمية منفذة وغير منفذة ، وتعود الى ثقافات عديدة؛ بعضها يخص العراق، والبعض الآخر لمواقع مجاورة للعراق، والقسم الثالث في اماكن بلدان عربية وغير عربية. والنماذج المعمارية التى سوف يطلع عليها القارئ غير محصورة في فترة زمنية محددة، لكن قراءتها واستنطاق قيمتها التكوينية يتم وفق رؤى نقدية حداثية واحيانا ما بعد حداثية، وكلها تبتغي اضاءة المنجز المعماري من وجهات نظر ونقاط متعددة، تتيحها الان آليات النقد المعاصر.
لا انوي، بالطبع، ان اعيد عنواين محتويات الباب الاول، او تبرير اختيارات مواضيعه. فالمهمة المعرفية التى يتوخاها الكتاب تجد ذريعتها، في اعتقادنا، في مثل تلك "الفرشة" الواسعة من المواضيع المختارة. انها تشمل قراءة جديدة لمنشآت منسية، لكن أهميتها المعمارية ما فتئت حاضرة، في اسلوب عمارتها وفي تنوع لغتها، وجراءة قرارتها التصميمية . كما ان بعض تلك المواضيع تغطي احداثا معمارية مؤثرة، احداث ارست اتجاهات هامة ومميزة في الخطاب المعماري، ما يسوغ قراءتها مرة اخرى وتناولها ضمن مفردات كتابنا هذا.
يسعى الباب الثاني من الكتاب وراء ترسيخ تقليد معماري، نزعم باننا ساهمنا في ارسائه في الخطاب الثقافي المحلي، ويكمن في مبادرتنا الشخصية بالاحتفاء بمبدعي " النص" المعماري ، مثلما ما هو متعارف عليه في مناسبات الاحتفال بمبدعي نصوص الاجناس الثقافية الاخرى. ولئن كان امراً عادياً وحتى شائعاً الان الاحتفاء بمنجز الفنانيين التشكيليين او الادباء او حتى تناول سيرة الشخصيات السياسية المؤثرة، فان ما كتب عن منجز المعماريين العراقيين ظل شحيحا ان لم نقل معدوما ومغيباً؛ وهو، بلاشك، نقص معرفي فادح، لا يتناسب مع جهد المعماريين العراقيين المميز، وخصوصية ابداعاتهم الفريدة واحياناً الرائدة في حقل اختصاصهم. سيلتقي القارئ وجها لوجه مع "جعفر علاوي" و "محمد مكية" و "رفعة الجادرجي" و"قحطان عوني"، و"قحطان المدفعي" ومنجزهم التصميمي؛ كما سيقرأ عن "عبد الله احسان" كامل العراقي و"علي لبيب جبر" المصري، كمحاولة اولى في أدبيات النقد المعماري العربي ترصد تجربتين غنيتين، تمتلكان مرجعية معمارية واحدة، هي مرجعية الحداثة. بالاضافة الى التعرف على "اوسكار نيماير" البرازيلي ومنجزه المعماري فائق الاهمية. وضمن اؤلئك سنتعرف على "خالد القصاب": الشخصية الفنية والمهنية المتعددة المواهب، رغم انه غير معماري، لكنه يُعرّف كمحب للعمارة والرسام الرائد لنماذجها الحديثة في المشهد الفني العراقي.

في نصوص مواضيع الكتاب ثمة نزوع لعدم الاقتصار على التوصيف الخارجي للمباني التى يتناولها الكتاب. ويسعى المؤلف هنا، الى النأي بعيداً عن اختزال مهام النقد في " شروح" النص المعماري المبتدع والاكتفاء بايضاحه للمتلقي فقط. انه ميال الى كشف تاثير المنجز المعماري عليه جمالياً وثقافياً؛ ما يتيح للقارئ تكوين منظومة معرفية ذاتية، لادراك خاص للعمل المعماري وقراءته قراءة شخصية. ذلك لان الكاتب يعي بان لكل نص قراءاته المتعددة. من هنا، يطمح المؤلف ان يكون نصه المقروء نصاً مفتوحاً وليس مفروضاً على المتلقي. فما ينشده النص هو الدنو من مقاربة تعني بجوهر العمل الابداعي وتكشف عن " طبقاته" المفاهيمية المتعددة. كما تتطلع الى ابراز انفتاح ذلك العمل على خلفيات ثقافية مختلفة، والتأكيد على مايسمى " بالنقد التناصي" .
توفر طبيعة ترتيب مواضيع الكتاب امكانية إختيارات حرة في القراءة. بمعنى ان قراءة موضوع محدد من مواضيع الكتاب، لا يلزم القارئ وجوب قراءة اللاحق له. اي ليس ثمة تسلسل مغلق واجباري بين الموضوع الحالي والتالي. لكننا نطمح ان تكون مطالعة "جميع" مواضيع الكتاب ممتعة للقارئ و..مفيدة ايضا؛ تضيف له مادة ابستمولوجية جديدة يكون حضورها تحقيقاً لاحدى غايات تأليف الكتاب، لجهة ترسيخ الثقافة المعمارية ونشرها.
ان سعة مدارات الفضاء الذي يتحرك به مؤلف الكتاب، وفي اسلوب تعاطيه مع مواضيع متنوعة في وظائفها ومختلفة في مقياسها ومتباينة في مواقعها ومرجعياتها، تجعل، ربما، من حركة انتقال الافكار المحددة من مكان الى آخر امراً وارداً، ومن تشابه طرائق اساليب التحليل حالة عادية. نعترف، ايصاً، ثمة حضور لحالة تكرار "معلومة" يَرد فحواها عدة مرات في النص الواحد. وهو ما لاحظه مرة، صديقي الناقد "سهيل سامي نادر" في اسلوب كتاباتي، اثناء مراجعته لاحد مؤلفاتي. مستنتجاً بان خصوصية عملي الاكاديمي الطويل وجدت، في رأيه، تصاديات في نوعية صياغة الافكار التى اطرحها وخصوصية الرؤى التى اتوق الى تقديمها.
وقد يكون هذا الامر صحيحاً، لكني اسعى وراء تلك "الاعادات" الى تأكيد أهمية الفكرة المعنية والتشديد عليها ضمن سياق النص. وأن تكرارها، ولابأس من الاشارة الى ذلك، يبتغي التركيز على تلك الافكار وتكثيف الحوار مع المتلقي حولها. ومع ذلك اذا وجدها القارئ نافلة نوعا ما، لا تعنيه كثيراً ولا تضيف شيئا الى المقروء، فلا يسعني الا الاعتذار عن ظاهرة "تكرار" الافكار المعادة.
واخيراً..
فان طبع ونشر هذا الكتاب في العراق اليوم ، يملئني حبوراً وغبطة. وعليّ ان اشير بان هذا الامر لم يكن بمقدوره ان يتحقق لولا اهتمام ومسعى كثر من اصدقائي الذين كانت مساهمتهم مؤثرة وفعالة في انجازه؛ واخص بالذكر هنا، صديقي العزيز كامل شياع الذي له الفضل الاساس في ظهور هذا المطبوع لاقتراحه فكرة الكتاب ولمتابعته المخلصة الدؤوبة والمضنية في انجازه وطبعه. فله الشكر والاحترام والشكر الموصول الى الجميع الذين اقدرّ عاليا مسعاهم الجاد ومساهمتهم القيّمة في انجاز هذا الكتاب. املاً ان يؤدي طبعه ونشره الى تحقيق الاهداف المرجوة.

الدكتور خالد السلطاني
مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
كوبنهاغن/ الدانمرك
آذار 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل