الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات شخصية 2

حسقيل قوجمان

2010 / 4 / 24
سيرة ذاتية


ذكريات شخصية ٢

نقل سجناء من بعقوبة الى نقرة السلمان
في اواخر ١٩٥٤ على ما اتذكر نقلوا عددا كبيرا من السجناء من بعقوبة الى نقرة السلمان فاصبحت منظمتنا الشيوعية كبيرة مرة اخرى. مباشرة بعد مجيء السجناء من بعقوبة الى نقرة السلمان سحبوا جريدة صوت السجين الثوري ولم يسمحوا لاحد عدا القيادة بقراءتها. وصدرت بعض الانتقادات غير المباشرة عن مواضيع الجريدة. فقد نشر زكي خيري بيانا بتوقيعه الشخصي من صفحة واحدة علقه على شباك احدى غرف السجن عن انكار لبعض ما كتبته عن موقف الاتحاد السوفييتي من الحرب ضد النازية بدون ان يشير الى جريدة صوت السجين الثوري او الى كاتبها. ولم تكن كتابة اعلان كهذا بتوقيع شخصي مألوفة في منظمة السجن بل كانت هذه الحادثة الوحيدة من نوعها طيلة حياتنا السجنية.
بعد اسبوع او اسبوعين شكلت محكمة لمحاكمتنا على اخطائنا قبل قدوم السجناء من بعقوبة ودعتنا للمحاكمة او المحاسبة عن الاخطاء التي اقترفناها في فترة وجودنا السابقة. تألفت المحكمة من مهدي حميد المسؤول الاول رئيسا وعضوية زكي خيري وعزيز الحاج والسجين الذي كان مدمنا على الكنين ونسيت اسمه واسميه للسهولة (المنسي). حاسبونا على الاخطاء كما تصوروها فأجبنا على بعض منها واعترفنا ببعضها الاخر. ومن الغريب ان بهاء وصادق جعفر تصرفا كما لو كانا في التحقيقات الجنائية وليس في محكمة شيوعية اذ انكرا كل شيء يخصهما ويعرفان انه حقيقة كما نفعل عادة في التحقيقات الجنائية.
كنت احد المتعرضين لاشد الاتهامات وانصب الاتهام على التثقيف والجريدة والاضراب. فاعتبروا الجريدة تثقيفا خاطئا وانا المسؤول عن هذا الخطأ. وعند طلبي منهم احضار الجريدة واعطاء امثلة على التثقيف الخاطئ فيها قالوا انهم احرقوها وكان هذا كذبا لان الذين كتبوا عن الحزب لاحقا من المقربين الى التحقيقات الجنائية وجدوا المجلة وكتبوا عنها وحتى زعم بعضهم انه وجد مذكرات حسقيل قوجمان. وقد اشار الى جريدة صوت السجين الثوري عزيز سباهي في كتابه عن تاريخ الحزب على انها صدرت باسم صوت السجين الثوري في بعقوبة وليس في نقرة السلمان. وهذا كذب مقصود. فلم تكن ظروف سجن بعقوبة تسمح باصدار جريدة اذ حتى الورق والاقلام كانت ممنوعة في هذا السجن الاميركي التصميم. ولو كان بامكان اي من هؤلاء اصدار جريدة بالمستوى الثقافي لجريدتنا لواصلوا نشرها بدون اخطاء حسقيل قوجمان بدلا من منعها واخفائها وايقاف اصدارها.
والانتقاد الثاني غير المنطقي هو اعتبارهم اياي المسؤول عن خطأ الاضراب الطويل عن الطعام. ورغم انني شرحت لهم انني رغم اني لم اكن من اللجنة القيادية ابطلت ستة اضرابات ولم استطع ابطال الاضراب الاخير نظرا الى ادعاء بهاء الدين نوري كذبا بان الاضراب جاء تلبية لامر الحزب، كان جوابهم انك المثقف وكان عليك مع ذلك ان تعرف ان الاضراب خاطئ. ولم يوجهوا كلمة عتاب او اتهام واحدة الى بهاء الدين نوري حول كذبته وادعائه بان الاضراب كان امرا من الحزب. وحين سالتهم ماذا كان يحدث لو ابطلت الاضراب وكان حقيقة بامر الحزب وكيف كان بامكاني ابطاله مع اصرار بهاء على الاستمرار فيه لم يستطيعوا الجواب. كان قرار المحكمة حرمان الاربعة من مراكزهم الحزبية القيادية واعتبار تثقيف حسقيل قوجمان خاطئا ومضرا للمنظمة وحرمانه من التثقيف اذ لم يكن له مركز حزبي يحرمونه منه.
كانت في تلك الفترة علاقة صداقة وثيقة بين ارا خاجادور وموشي قوجمان وشعر ارا بان المحكمة كانت اقسى على اليهود منها على غير اليهود فسأل زكي خيري لماذا كنتم اقسى على اليهود؟ فاجابه حسبما سمعته من موشي "هؤلاء على الاقل ابناء الحزب" اي ان اليهود ليسوا ابناء الحزب. واذا لم يكونوا ابناء الحزب ينبغي ان يقسوا عليهم اكثر من ابنائه. وفي مناسبة كنت اتناقش مع عزيز الحاج نقاشا وديا وفجأة قال "باي حق تكتب باسم الحزب؟" فقلت له اولا انا لم اكتب شيئا بدون علم المسؤولين او بطلب منهم. ثانيا ان من حق كل عضو في الحزب ان يكتب باسم الحزب والمقياس هو محتوى الكتابة وصحة او خطأ الافكار الواردة في الكتابة وان الانتقاد يجب ان ينصب على هذا المحتوى وتركته غاضبا. وبعد يومين دعيت الى اجتماع حضره جميع افراد اللجنة القيادية عدا عزيز الحاج واعتذروا واظهروا اسفهم على ما قاله عزيز الحاج. فشكرتهم على اعتذارهم وقلت لهم ان هذا الاعتذار لا يسوى فلسا لانه اعتذار بالنيابة والاعتذار الصحيح هو ان يقوم المخطئ بالاعتذار. فيما عدا ذلك لم نشعر بسياسة عامة ضد اليهود الا باشارات خفيفة في تلك الفترة.
بعد اسبوعين او ثلاثة اسابيع من المحاكمة جاءني مهدي حميد المسؤول الاول وطلب مني البدء بدورة اقتصاد سياسي لكافة السجناء. يبدو ان انتقادات واسعة النطاق كانت تجري في المنظمة حول سياسة الحزب خارج السجن كانت مزعجة لقيادة المنظمة ففكروا بالهاء السجناء بشيء ما. وقد كان ذلك واضحا في طلب مهدي حميد الشديد الغرابة. فقد علل طلب البدء بدورة اقتصاد سياسي بانتشار الانتقادات في المنظمة وانه يريد من دورة الاقتصاد السياسي الهاء السجناء عن الانتقادات. اذن فالهدف ليس تثقيف السجناء ورفع مستواهم الثقافي والنظري بل الهاؤهم عن الانتقادات. وطبيعي اني رفضت البدء بدورة كهذه نظرا الى ان تثقيفي حسب قرار المحكمة خاطئ ومضر بالمنظمة. وقلت له لديكم مثقفون يجيدون التثقيف تثقيفا صحيحا فليقوموا هم بالتثقيف. ولكنه اصر على اني انا الذي ينبغي ان اقوم بالمهمة. فقلت له اعترفوا بخطأ قراركم والغوا منعي من التثقيف. فاصر على ابقاء قرار المنع ومع ذلك علي ان اثقف. فرفضت. وقد تناوب اعضاء اللجنة القيادية بمحاولة اقناعي فلم اوافق. وصادف ان سجينا جاء حديثا وانضم راسا الى اللجنة القيادية جاءني لاقناعي بضرورة البدء بالدورة. فسألته هل تعلم ان هناك قرار من المحكمة بان تثقيفي مضر للمنظمة ومنعي من التثقيف؟ واذا كان تثقيفي خاطئا فكيف توافقون على ان اقوم انا بالتثقيف؟ فاجابني هذا المسكين "احنا نراقبك". فقلت له اذا كنت تستطيع مراقبتي ومنعي من التثقيف الخاطئ فلماذا لا تقوم انت بالتثقيف؟ وقلت له لو اردت تثقيف السجناء تثقيفا خاطئا فلا انت ولا ربك يستطيع مراقبتي. ولكني بعد يوم او يومين فكرت بان التثقيف هو لمصلحة السجناء ورفع مستواهم وان امتناعي عن التثقيف مضر ولا نفع فيه. فبدأت وواصلت التثقيف رغم وجود مثقفين مزعومين مثل زكي خيري وعزيز الحاج، ورغم ان حكم المحكمة بحرماني من التثقيف بقي قائما حتى ثورة تموز.
في تلك الفترة كانت محكومية موشي قوجمان على وشك الانتهاء فقرروا البدء بدورة ليلية ثقافية خاصة بهذه المناسبة تضم مهدي حميد وارا خاجادور وموشي قوجمان فقط. لم تدم هذه الدورة طويلا اذ بدأ الهجوم علينا وايداعنا جميعا تقريبا في الرياضة اي الحجز الانفرادي.

فترة السجن في بعقوبة
في ١٩٥٦ نقل جميع السجناء غير اليهود الى سجن بعقوبة. وقبل النقل شنت الادارة علينا هجوما قاسيا فعزلت اغلبية السجناء عن بعضهم وربطت بعضهم بالحديد في شبابيك قاعات السجن ونقلت البعض الاخر الى سجن القلعة القديم وعزلتهم. ولم يتركوا من السجناء مطلقي السراح غير العدد اللازم لاعداد الطعام والخبز. كنت بين السجناء الذين نقلوا الى سجن القلعة القديم وادخلت الى قلعة صغيرة كالسرداب في وسط السجن مع ثلاثة سجناء اخرين هم المنسي ونافع يونس واكرم حسين. بقينا نحن الاربعة في هذا الوكر طيلة مدة الرياضة لم يسمح لنا خلالها بالاستحمام او تغيير ملابسنا او النوم في فراش. كانوا فقط يسمحون لنا صباحا بالخروج لقضاء الحاجة نصف ساعة او ما يقرب من ذلك.
في صباح احد الايام ونحن نتناوب الدخول الى المراحيض جاء المنسي الذي كان المسؤول عنا في هذه الرياضة واخبرني ان الحزب قد نجح في توحيد كافة المنظمات الشيوعية مثل منظمة عزيز شريف ومنظمة عزيز محمد وجمال الحيدري. فقلت له من السهل على الحزب ابتلاع مثل هذه الوجبة الكبيرة ولكن المشكلة كيف سيهضمها. فاثار هذا الجواب المنسي واخذ يرعد ويزبد الى درجة الهذيان. ومن جملة ما قاله هو "اذا تريد تعرف ان اللجنة المركزية الحالية لحزبنا هي اكفأ من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي." ثم قال "ان درس الديالكتيك الذي جرى مؤخرا لم يجر مثله ولن يجري مثله".
ومسألة دورة الديالكتيك هذه هي ان محمد عبد اللطيف اجرى دورة للديالكتيك يساعده يعقوب ابراهامي الذي ترجم كراس ماوتسي تونغ "حول التناقض" كوثيقة مساعدة للدورة. ولدى الانتهاء من الدورة جرى الاحتفال بختمتها في اجتماع عام وقدمت لمحمد عبد اللطيف جائزة فخرية. انا قمت بعشرات الدورات ولم يجر في اي منها احتفال بختمتها. كان واضحا ان الهدف من الدورة كان البرهان على انني لست الوحيد الذي يستطيع التثقيف وان في المنظمة من هو ابرع مني في تثقيف الديالكتيك. ولكني لم اعر اهتماما لهذا وقد القيت في نفس هذا الاجتماع العام كلمة بينت فيها ان هذه الدورة تبرهن على ان الحزب بحاجة الى المزيد والمزيد من المثقفين الماركسيين. وبعد فترة وجيزة سفر محمد عبد اللطيف الى الديوانية للمعالجة وهناك وقع وثيقة نبذ الشيوعية واطلق سراحه. وقد اشار المنسي الى هذه الدورة للتنديد بالدورات التي اجريتها في هذا الموضوع. فقلت للمنسي افتهمنا انه لم يجر في السابق دورة مماثلة اخرى للديالكتيك. ولكن كيف تقرر انه لن تكون دورة اخرى مماثلة؟ ان محمد عبد اللطيف قد نبذ الشيوعية فهل تعتقد بان الحزب لن ينجب شخصا يعرف الديالكتيك بعد هذا؟ وكان هذا اللقاء اخر لقاء بيني وبين المنسي. ولكني اعلم كما ذكرت سابقا انه اصبح رئيسا للجمعيات الفلاحية في لواء العمارة بعد ثورة تموز.
بعد ذلك بايام قليلة سفروا السجناء غير اليهود الى سجن بعقوبة ونقلونا نحن اليهود الى سجن القلعة القديم لان عددنا كان قليلا. وبقينا وحدنا في نقرة السلمان مدة وجيزة ربما اسبوعين او ثلاثة اسابيع ثم نقلونا الى سجن بعقوبة حيث وضعونا كل اربعة في غرفة من غرف الجناح المغلق. وفي مقالي السابق عن حميد عثمان ذكرت تفاصيل الاحداث في هذه الفترة حتى ثورة تموز ولا ارى فائدة من تكرارها. هناك حادث واحد لابد من ذكره هو ان نفس السجين الذي كان يعاني من اكزيما في يده اليمنى والذي ذكرته في مقال سابق عاد الى السجن بعد اطلاق سراحه وجاء يوما ليسلم علي في ساعة التمشي في الممر. وقد فاجأني هذا الشخص بقوله "ان كنت مخلصا حقا في حبك للحزب لازم تفرح لانه يطردك لان ذلك في مصلحة الحزب". فتركته بدون ان اسلم عليه.
في فترة وجودنا في بعقوبة نجح الاتحاد السوفييتي باطلاق سبوتنيك. وكان هذا مفاجأة لكل العالم وكذلك بالنسبة لنا في سجن بعقوبة. وقصة الاقمار الصناعية لها تاريخ في حياتي السجنية. حينما اصبحت منظمتنا السجنية في نقرة السلمان كبيرة بعد مجيء السجناء من بعقوبة اصبح بامكان المنظمة ان تقدم بعض المساعدات وان تعمل على حل المشاكل التي يعاني منها السجناء الاخرون مثل السجناء المحكومين على الشيوعية ولم يعيشوا في المنظمة والسجناء الصهاينة. وقد كلفتني المنظمة بان اكون حلقة الوصل بينهم وبين المنظمة وان اعمل على حل مشاكلهم وتوفير المساعدة لهم عند الحاجة. كان بين السجناء الصهاينة شخص اسرائيلي كان مبعوثا الى العراق من اجل تنظيم الهجرة الى اسرائيل قبض عليه بجواز ايراني باسم صالحون واسمه الحقيقي يهودا تاجر. وكان من الطبيعي ان يحصل اتصال بيني وبينه لدى تنفيذ المهمة التي كلفت بها. وقد تكونت علاقة ودية بين هذا الشخص وبين المنظمة الى درجة دعوته الى احدى الحفلات العامة في احد الاعياد الثورية. نحج اهل هذا السجين في تسجيل اشتراك له في مجلتي نيوز ويك وتايمز الاميركيتين ووافقت ادارة السجون على ادخالهما له في نقرة السلمان. كنت استعير هاتين المجلتين منه واقرأ المقالات العلمية فيهما. كان العالم انذاك يتهيأ لما سمي السنة الجيؤوفيزيكية. وكانت اهم المواضيع في هاتين المجلتين حول الاستعدادات لاطلاق الاقمار الصناعية. كانت الابحاث كما لو ان الولايات المتحدة كانت مستعدة لاطلاق الاقمار الصناعية وهي تؤجل ذلك الى بداية السنة الجيؤوفيزيكية. وقد تعلمت الكثير من هذه المقالات عن الاقمار الصناعية. لذلك عند اطلاق سبوتنيك لم يكن لدى السجناء من يسألونه عنها غيري. فجاء القادة الاربعة من غرفة القيادة كل على حدة حسب الترتيب الحزبي. وحاولت ان اشرح لهم ما اعرفه عن الاقمار الصناعية وعن مشاكلها. وحين جاء دور بهاء الدين نوري في اليوم الرابع بدأت في شرح ما استطيع شرحه في الموضوع. وحين قلت له عن موضوع فقدان الوزن وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لذلك عند ارسال الانسان الى الفضاء اعترض وقال هذا خطأ وغير ممكن. فقلت له ان العلماء في العالم كله اثبتوا ذلك وحتى اوجدوا على الارض ظروفا شبيهة بالظروف في الاقمار الصناعية من اجل تدريب رواد الفضاء على ذلك. قال ان هذا مستحيل وغير صحيح. فسألته هل تستطيع ان تخطئ جميع العلماء في العالم وانت هنا في سجن بعقوبة؟ اجاب "الشيوعي يگدر". وبهذا انتهى حديثنا معه عن الاقمار الصناعية ولم يواصل سماع ما اقوله له.
في غرفتنا الانفرادية كنا اربعة هم مئير كوهين ومنشي يعقوب وحسقيل درويش وانا. وكان السجناء من الغرف الاخرى يسألوننا عن انسجامنا والمنازعات او المشاحنات التي تحدث اثناء وجودنا في الغرفة المغلقة. كانوا يعجبون حين نقول لهم لم يحدث اي نزاع او مشاحنة بيننا. وسر الانسجام في غرفتنا كان اقتراحي على السجناء الثلاثة ان يوجهوا لي اسئلة سياسية او نظرية نكتبها بالملعقة على الجدار واقوم انا بالاجابة عليها الواحد بعد الاخر. وكنا بهذه الطريقة نقضي كل يوم عدة ساعات في مناقشة تلك الاسئلة ولم يكن لدينا من الوقت ما يسمح لنا بالنزاع او المشاحنة. وكان اثنان من السجناء يقومان بالحراسة من باب الغرفة ومن الشباك اثناء كتابتي للاجابة على الاسئلة التي كان عزيز الحاج يوجهها من الجناح الثاني للسجن.
في اليوم الثاني بعد الثورة فتحت الابواب وازيلت السلاسل عنا واجتمعنا ثانية بملابسنا المدنية. وقد ارسل السجناء جميعا رسالة تهنئة وتأييد لحكومة الثورة وقعناها جميعنا بالطبع. ولكن القيادة شطبت جميع تواقيع السجناء اليهود بدون ان يخبرونا بذلك رغم انهم ابقوا تواقيع سجناء اشتركوا مع الحكومة في اهانتهم وتعذيبهم قبل الثورة. ولكننا علمنا بعد فترة ان القيادة حذفت تواقيعنا بدون ان تخبرنا. وفي المرحمة الاولى التي اعلنتها الحكومة بعد الثورة باعفاء جميع السجناء من نصف محكومياتهم اي بعد ايام قليلة من الثورة خرج جميع السجناء اليهود الذين كانت محكومياتهم من عشر سنوات وما دون. وكانت نصيحة المسؤولين القياديين في المنظمة لهم بان لا يعترضوا على تسفيرهم الى اسرائيل لكي لا يحرجوا حكومة الثورة. وفي هذه الايام القليلة لاحظنا ان سجناء قضوا سنوات عديدة معنا وشاركناهم في كل شيء اخذوا يرفضون الاكل في سفرة اذا كان فيها يهودي.
بقينا في هذه الفترة ثلاثة شيوعيين ورابع كان عضوا في الحزب الشيوعي قبل سجنه ولكنه لم يعش في المنظمة طيلة فترة السجن لاسباب لا اعرفها. شعرنا بهذه المواقف ضدنا فطلبنا عقد اجتماع مع اللجنة القيادية لبحث الموضوع. انعقدت اللجنة برئاسة هادي هاشم المسؤول الاول وعضوية مهدي حميد وزكي خيري وبهاء الدين نوري وربما عزيز الحاج ايضا. وكنا نحن الثلاثة يعقوب مصري ومئير كوهين وانا. فشكونا من المواقف المعادية لنا. فاعترفوا بان الحزب يتحيز ضد اليهود رغم انهم ضد ذلك. وفي هذا الاجتماع كنت المتحدث الرئيسي فقلت لهم اذا شئتم نلبس عمامة ونذهب الى النجف لكي نبقى في الحزب فاجابني هادي هاشم انذاك لا نقبلكم في الحزب. وقلت لهم اننا سنواجه وضعا نحاول فيه الاتصال بالحزب فلا نستطيع ذلك. فاجابني هادي هاشم بانه يتعهد شخصيا في توصيل اي شيء نرغب في توصبله للحزب. وانتهى الاجتماع بهذا القدر.
رغم اني يهودي لا يمكن ان اكون شيوعيا جاءني بعض السجناء قبل اطلاق سراحهم لاستشارتي حول السياسة التي ينبغي ان يسلكوها لدى خروجهم. اتذكر منهم اثنين مهمين هما هادي هاشم وعزيز الحاج. انا اعرف ان من اهم المهام التي سيكلف بها هادي هاشم هي مهمة العمل النقابي. ولذلك كانت نصيحتي له "لا تحتكروا العمل النقابي لان احتكار العمل النقابي يحطم النقابات ويضر بسياسة الحزب." فما الذي حدث بعد الثورة؟ كان احتكار الحزب للعمل النقابي اسوأ احتكار في تاريخ الحركة النقابية. فقد كان ما سمي اتحاد نقابات العمال عبارة عن لجنة حزبية لا علاقة لها بالعمال. وهذا يفسر عدم اهتمام العمال بالغاء اتحادهم بعد المؤتمر الذي انعقد بعد انتخابهم لاعضائه باغلبية ٩٠ % او اكثر من اصوات العمال والذي افتتحه عبد الكريم قاسم بخطاب رائع. الغت حكومة عبد الكريم قاسم اتحاد العمال بعد تشكيله بعدة ايام واعتقلت كافة اعضاء الاتحاد وربما صادرت ممتلكاته ووثائقه فلم يعر العمال ذلك اي اهتمام.
اما عزيز الحاج فقد كان شيئا اخر. كان دوره محصورا في العمل السياسي وفي الكتابة. وكان موضوع الوحدة او الاتحاد مع وحدة مصر وسوريا الموضوع اللاهب انذاك وقد استشارني فعلا في هذا الموضوع. فقلت له ان الوحدة يجب ان تكون بين قطرين متكافئين من الناحية الاقتصادية والا فان ما يسمى وحدة لا يكون الا استغلالا. ولذلك اعتبر ان شعار الحزب يجب ان يكون ضد الوحدة المباشرة الان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا جزيلا على هذه المعلومات القيمه
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 4 / 24 - 13:24 )
استاذ حسقيل
ماتكتبه ماده تاريخيه ثمينه اعتقد - وللاسف انت لاتريد ان تعترف يهذا -ان
حشع كان حزبا وطنيا وتنويريا ومدافعا عن مصالح الفقراء- او مانسميهم
الكادحين انا بداءت اعمل مع حشع مع والدي منذ 1945 ولم تكن عندنا مشكله عن الصراع الطبقي والاستغلال الطبقي اللهم الا في الريف الاقطاعي
لذالك لم نكن نحس بجهلنا بالماركسيه وعدم معرفتنا بالديالكتيك وراءسالمال
واعتقد ان واحدة من اسباب تعثرنا هو ادعاءنا الشيوعيه في حين ان مهمتنا التاريخيه كانت تنوير وتمدين مجتمعنا والعمل المخلص الصعب جدا في اطار النضال ضد ثالوث الفقر والمرض والجهل هل تتذكر استاذ حسقيل العراق في الاربعينات والخمسينات
فيما يتعلق بالموقف من اليهود انا لم اشعر في كل حياتي مع حشع وقبله وبعده وحتى من الناس البسطاء اي حقد على اليهود صحيح ان بعض القوميين كانوا يحاولون ولكن على نطاق ضيق انا اتذكر مثلا ان بيت الطبيب العراقي الانساني بصوره خرافيه داود كبايه في العماره مضيفا وفندقا لاهل الريف وكان الناس يحلفون براءسه لااريد الاطناب ولكن فيما يتعلق بالراحل زكي خيري وقد عشت معه في الموقف والسجن عام 55 ايام اسقاط الجنسيه ولم المس


2 - الذاكرة
يعقوب ( 2010 / 4 / 24 - 15:12 )
لا يجوز الإعتماد بصورة مطلقة على الذاكرة فقط لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بأشخاصٍ آخرين، وبصورة خاصة أشخاصٍ ليسوا على قيد الحياة


3 - لك ولجميع يهود العراق تحياتي ومودتي
ابو مودة ( 2010 / 4 / 25 - 19:08 )
الرفيق العزيز حسقيل قوجمان
اليك اطيب تحياتي
اتمنى ان تحدثنا عن تحالفات الحزب مع حزب البعث قبل ثورة تموز
وما الاخطاء التي ارتكبها الحزب وادت الى منعه في العمل وتهميشه من قبل عبدالكريم قاسم واعتقالاته للشيوعيين
وكأنها نفس اخطاء قيادة السبعينات التي جنت على كوادر الحزب في الجبهه المشؤومه واعت الشرعيه لحزب البعث في حكم العراق و التي ادت قتل وتغييب الالاف من الشيوعيين
و رغم بروز صراع وخلافات داخل قيادة الحزب ولكنها لم تخدم الحزب في شئ
ولماذا لم يمارس النقد في العلن في ذلك الزمن مع من يختلف
ام كانت انتقادات الاخر تتم داخل الحزب وفي مذكراته السرية مثل السبعينات مع العلم انها لم تكن نافعة
وارتكبت القيادة الخطأالشنيع عند انتقادالبعث في اخر ايام الجبهه المشؤومه مما ادى ذلك الى اعتقالات وتعذيب رهيبه لكوادر الحزب وبالتالي انزواء واختفاء القاعدة ودفعنا الثمن كبيرا بعد سقوط الديكتاتوريه جراء ذلك
وكيف كانت قيادة الشهيد سلام عادل للحزب وهل كان مؤهلا لقيادته
وكيف كانت مشاركة رفاقنا الكرد في قيادة الحزب وما تأثيرهم في القرارات الخاطئه التي كلفت الحزب الالاف من كوادره
والسلام


4 - الاستاذ حسقيل قوجمان ...بعد التحية
نســـيب عادل ( 2010 / 4 / 26 - 08:11 )
أيها الاستاذ والمعلم الكبير
تحايا التقدير والاعتزاز
نشأنا صغارا ونحن نسمع اسمك يتردد في حكايا وذكريات معاصريكم من أحبتنا
وأهالينا...لقد كنتم بحق وبدون مبالغة روادا بل عمالقه في النضال الوطني والطبقي ستبقى الاجيال المعاصرة تفتقدهم كثيرا.. عموما أكاد أشعر بالآسى وأنا أرى وطني وناسه الطيبين يضيعونك وأمثالك من المثقفين والعلماء في متاهات الغربة والمنافي فضلا عن اني أشعر بالآسى المضاعف حين أتذكر مأساة اخوتي
وأهلي يهود العراق . أنها حلقه من سلسلة التأمر الطويلة الذي تعرض لها شعبنا العراقي ومازال
سيدي الكريم تدور في ذهني تســاؤلات كان بودي من زمان طرحها على حضرتك سأكون شاكرا لوتقضلت بالآجابه عليها
اولا_ في سياق كتاباتك وطروحاتك أراك تمجد كثيرا ستالين وسياسته
ومواقفه وترى في مساهماته النظرية والعملية استكمالا لمساهمات لينين
في اغناء الماركسية وتطويرها...والسؤال الذي يتردد في ذهني هنا هل يمكن
لماركسي حقيقي وبمثل هذا العطاء مثل ستالين ان يلجأ لتصفية خيرة رفاقه
من قادة الحزب ومهما تكن المبررات والذرائع


5 - الاستاذ حسقيل قوجمان ...بعد التحية
نســـيب عادل ( 2010 / 4 / 26 - 08:25 )
الامر الثاني... اعرف مثل غيري ان الشهيد يهودا صديق استلم قيادة الحزب بعد الخالد فهد..في رأيك كأحد الرواد من معاصري تلك الفتره وماتلاها لماذا تعمد
الحزب في أدبياته اهمال الاشارة اليه والتذكير بمأثرته اسوة برفاقه فهد ..حازم..صارم
ثالتا..كيف تنظر الى التجربة الصينيه وأفاق تطورها
مرة آخرى لك ولكل المناضلين الرواد كل الحب والمودة والثناء


6 - النضال والتضحيه والشهاده لاتفرق بسبب الدين
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 4 / 26 - 18:01 )
ملاحظه محقه من جانب الاستاذ نسيب عادل ان كان عدم ذكر الشهيد يهودا صديق
متعمدا
انا في كتاباتي وخصوصا تعليقاتي اكتب اسماء خمسة من الشهداء الاوائل

يوسف سلمان يوسف وزكي محمد بسيم وحسين محمد الشبيبي ويوسف هرون زلخه
وساسون دلال وذالك ليس استهانة بيهوداصديق للحقيقه اقول ان ذاكرتي تحتفظ بقوه بالثلاث الاوائل ويساسون دلال خصوصا لانني شاركت بالمظاهرات الخاطفه وربما المسلحه بعصي في فترة قيادته
هذا لايمنع من التذكير بالحمله القذره التى شنت من الحركات القوميه الشوفينيه الفاشية الطابع ضد اليهود واليهوديه رغم انها في العراق لاتساوي واحد بالالف مما يتداوله الناس في بقية الدول العربيه حتى بين اناس يظن انهم اسوياء
كما وانني درست في اوربا الشرقيه ولاحظت ان العداء لليهود قضيه عاديه حتى ان البعض - القليل جدا اخذ يردد عند رسوبه في الامتحان وانا كنت سعيدا حقا
لانه اصبح لي هناك اصدقاء من ارقى الفئات الاجتماعيه ممن يحملون لقب برفسور او شاعر او فنان كبير وسوف لن انس اسم Andrzej Lec
الذي كان احد اكبر شعراء بولنده المعاصرين الذي كان يلتقيني وهو رافعا يديد اهلا اهلا بك ياابن عمي وكانب85سنه من

اخر الافلام

.. مسلمو بريطانيا.. هل يؤثرون على الانتخابات العامة في البلاد؟


.. رئيس وزراء فرنسا: أقصى اليمين على أبواب السلطة ولم يحدث في د




.. مطالبات بايدن بالتراجع ليست الأولى.. 3 رؤساء سابقين اختاروا


.. أوربان يثير قلق الغرب.. الاتحاد الأوروبي في -عُهدة صديق روسي




.. لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.. فرنسا لسيناريو غير مسب