الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اهتزاز القطب الواحد للعالم

محمد سيد رصاص

2010 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


خلال إقامته القصيرة في الولايات المتحدة،بين شهري كانون ثاني وآذار من عام1917،طرح ليون تروتسكي السؤال التالي،أثناء محاضرة ألقاها أمام نادي للمهاجرين الروس في نيويورك:"هل سيغدو مركز الثقل الاقتصادي والثقافي في العالم أميركياً؟" (إسحق دويتشر:"النبي المسلح"،المؤسسة العربية،بيروت1981،ص265). وفعلاً،فإنه لم يكن قد مضى عشرة أيام على مغادرة تروتسكي لمرفأ نيويورك متوجهاً إلى روسيا،من أجل أن يصنع بعد أشهر مع لينين ثورة جعلت موسكو عاصمة لدولة عظمى في عام1945،حتى دخلت الولايات المتحدة الحرب ضد ألمانيا في يوم 6 نيسان1917لتحسم الحرب العالمية الأولى لصالح الحلفاء من دون أن تستطيع ترجمة ذلك سياسياً وإن كانت أظهرت أزمة1929-1932الاقتصادية العالمية انتقال مركز الثقل المالي- الاقتصادي العالمي من لندن إلى نيويورك،ثم ليتكرر هذا السيناريو في عام1941ضد ألمانيا واليابان ولكن لكي تترجمه واشنطن بإتجاه تزعمها للعالم الغربي ضد موسكو إثر نهاية الحرب العالمية الثانية عام1945.
إذا استثنينا الحرب الفيتنامية،فإن الولايات المتحدة،منذ أن أصبحت دولة كبرى مع نهاية الحرب الأهلية الأميركية عام1865،لم تدخل حرباً إلاوكسبتها ابتداءاً من حربها مع اسبانية عام1898 وصولاً إلى الحرب الباردة ضد موسكو(1947-1989)والتي قاد انتصار واشنطن بها إلى جعلها في حالة(القطب الواحد للعالم)،وهي حالة في تاريخ العلاقات الدولية لم يكن لها سابقة سوى مع روما إثر انتصارها على المصريين،بقيادة أنطونيوس وكليوباترا،في معركة أكتيوم(31ق م) ولتستمر روما بهذه الحالة حتى نشوء الدولة الساسانية الفارسية في عام229ميلادية.
تتابعت هذه السلاسة في الانتصارات الأميركية خلال مرحلة مابعد الحرب الباردة:حرب1991ضد العراق،حرب1999ضد صربيا في اقليم كوسوفو،غزو2001لأفغانستان،ثم احتلال العراق في عام 2003. أيضاً ،في المجال السياسي،كان هناك نجاحات أميركية كبرى،مثل توسيع نطاق عمل(حلف الأطلسي- الناتو)منذ مؤتمر قمة نيسان1990لكي تصبح مهماته في نطاق أوسع من القارة الأوروبية ،ثم نجاح واشنطن في نزع أوتحجيم النفوذ الفرنسي في القارة الافريقية(رواندا-بوروندي-زائير-ساحل العاج-الجزائر)،وهو ماحصل مع النفوذ الروسي أيضاً في دول حلف وارسو السابق وفي العديد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة. في الوقت نفسه،فإن هذه الانتصارات الأميركية العسكرية-السياسية كانت تساعد أوتحفِز على نشوء اتجاهات محلية في البلدان المعنية كانت ترى المصلحة في السير أوالتلاقي مع رياح (القطب الواحد)،مثلما جرى في الهند حليفة موسكو السابقة ،أوفي جيورجيا( كانون ثاني2004)أوعند"الثورة البرتقالية"الأوكرانية(تشرين ثاني2004)أوفي قرغيزيا(آذار2005)وصولاً إلى لبنان بربيع عام2005.
لم يكن هذا كله بدون أدلجة،وإنما ترافق مع انتصار واضح فكرياً-ثقافياً وهو مادفع بأحد المفكرين الأميركيين إلى القول بمقولة"نهاية التاريخ" منذ 1989،وفي الوقت نفسه كان هناك جاذبية كبرى للنموذج الاقتصادي الليبرالي الجديد الأميركي،بالترافق مع بداية الأفضلية العالمية لنظام التعليم الأميركي،ومع اتجاه عالمي قوي إلى تقليد نموذج الحياة الأميركية.
عملياً،وكما كانت افتتاحية مابعد الحرب الباردة هي في الشرق الأوسط عبر حرب1991فإن توقف هذا المد الأميركي قد حصل في هذه المنطقة الحيوية من العالم ابتداء من عام2006:كانت أول علامات هذا التوقف متمثلة في عدم استطاعة واشنطن السيطرة على مسار"العراق الجديد"،الذي أرادت جعله بوابة"من أجل إعادة صياغة الشرق الأوسط". هنا،وإذا تركنا الفوضى الأمنية التي سادت بقوة هناك بين 2003و2007فإن اللوحة العراقية الجديدة قد أعطت طهران تأثيرات ونفوذ بين القوى السياسية المحلية فاقت مالدى واشنطن المحتلة عسكرياً للعراق،ثم إن هذه القوة التي كسبتها ايران،إثر انهيار ماأسماه صدام حسين أثناء حرب1980-1988مع طهران ب"البوابة الشرقية للوطن العربي"،قد مكَنتها من أن تصبح اللاعب الشرق أوسطي الأكبر في المنطقة الممتدة بين كابول والشاطىء الشرقي للبحر المتوسط،من دون نسيان صعدة،وهذا ماولَد ترجمات على الأرض في بيروت2007-2008،وغزة2007،ثم في كابول2009،واسلام آباد2009-2010،أدت إلى جعل الولايات المتحدة،ومشروعها الشرق أوسطي،في حالة تعثر وانسداد وفشل.
قاد هذا الوضع الجديد في منطقة الشرق الأوسط،التي كان يسميها الجنرال ديغول"قلب العالم"،إلى تداعيات ذات طابع عالمي،حيث لايمكن تفسير ذلك التجرأ الروسي على حليف الولايات المتحدة في تبليسي،أثناء حرب آب2008الروسية- الجيورجية،من دون تلك اللوحة الشرق أوسطية،ثم لتأتي أزمة أيلول2008المالية-الاقتصادية بدءاً من وول ستريت لكي تجعل الوضع أكثر سوءاً عند القطب الواحد للعالم،وهذا مادفع إدارة أوباما الجديدة إلى الابتعاد عن السياسات الإنفرادية ،التي تجاهلت روسيا والصين في حرب كوسوفو وأعطت أذناً صماء لاعتراضات فرنسة وألمانية وروسيا على غزو واحتلال العراق،بإتجاه سياسات تشاركية مع الدول الأوروبية الغربية كماظهر في قمة(الناتو)بنيسان2009،ثم بإتجاه تقديم تنازلات أميركية لروسيا من خلال الطي لمشاريع ضم أوكرانيا وجيورجيا للناتو وبعد ذلك عبر قرار الغاء(مشروع الدرع الصاروخي)في يوم17آب2009،لتعطي هذه السياسات الأميركية الجديدة حيال الكرملين مقياساً عن مدى تراجع قوة (القطب الواحد)عماكان في (كوسوفو)و(العراق)،مادامت هذه السياسات كانت هادفة إلى تقديم ارضاءات للروس من أجل اغرائهم لتقديم مواقف مساعدة لواشنطن في موضوع الملف النووي الايراني،وهو شيء لم يحصل حتى الآن وفق ماتريده إدارة أوباما،التي لم تستطع بعد،في الموضوع الايراني،تجاوز العقبتين الروسية والصينية نحو انشاء جو دولي مؤات لحركتها،رغم مساندة الظهير الأوروبي،وهو مايعطي صورة عن مدى تغير توازنات اللوحة الدولية الراهنة بالقياس إلى انفرادية واشنطن في عام2003.
على هذا الصعيد،يبدو أن موسكو تستغل هذه الاهتزازات في وضعية القطب الواحد للعالم من أجل الشروع في هجومية على"حدائقها الخلفية"السابقة،بدءاً من وسائل الضغط التي مارستها عبر التلويح العملي بقطع امدادات الغاز عن أوكرانيا في شتاء2009وهو ماأدى إلى انفراط عقد"الثورة البرتقالية"عبر ابتعاد رئيسة الوزراء يوليا تيموشنكو عن الرئيس يوتشنكو حتى وصول موسكو لتهيئة أجواء أوكرانية محلية ساعدت على وصول رئيس أوكراني جديد موالٍ لموسكو في انتخابات شباط2010،فيمايبدو أن أصابع موسكو ليست ببعيدة عن عملية الإطاحة بالرئيس باكييف في قرغيزيا بنيسان2010بعد أن ظلت تضغط عليه منذ خريف2008لاغلاق قاعدة ماناس الجوية الأميركية مقابل اغراءات بالقروض والمساعدات حيث أتى قراره بإغلاقها في شباط2009على هذه الخلفية قبل أن يؤدي تراجعه عن القرار في حزيران إلى مجابهة مكشوفة مع موسكو . هنا،وإذا أضفنا الحالة الصينية للروسية في الموضوع الايراني،فمن الواضح أن سلوك بكين هو أكثر تمنعاً وأقوى كثيراً مماأبدته في حرب خليج1991وكوسوفو1999وحتى مماأظهرته في موضوع أزمة جارها الكوري الشمالي مع واشنطن فيما يخص الموضوع النووي.
على صعيد آخر،يمكن تسجيل تداعيات اقليمية بمناطق متعددة من العالم ناتجة عن حالة الاهتزاز في وضعية القطب الواحد للعالم : تنامي قوة دول اقليمية تأتي عوامل قوتها كنتيجة للضعف الأميركي المستجد أوكحصيلة لرغبة أميركية في تعويم دورها لسد الفراغ الناتج عن ذلك الضعف،أولاجتماع الإثنين معاً(تركية- جنوب افريقيا- البرازيل).
إلى أين ستقود حالة الاهتزاز التي يعانيها القطب الواحد للعالم؟..............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التركيب الاستراتيجي
Abu Ali Algehmi ( 2010 / 4 / 26 - 04:40 )
لدى الأمم المتطورة محللون استراتيجيون ولدى العرب الأكثر تطوراً مركبون استراتيجيون يقدمون لزبائنهم مركب / سمك لبن تمرهندي

اخر الافلام

.. أبرز القضايا التي تصدرت المناظرة بين بايدن وترامب


.. الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه ترامب يتبادلان الاتهامات بع




.. هل يتنحى بايدن؟ وأبرز البدلاء المحتملين


.. توثيق اشتباكات عنيفة في رفح جنوبي قطاع غزة




.. آيزنكوت: يجب على كل الذين أخفقوا في صد هجوم السابع من أكتوبر