الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا تكفيرية أيضاً

محمد الصياد

2010 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


استقر في‮ ‬أذهان الناس،‮ ‬نخباً‮ ‬وعامةً،‮ ‬وذهب مضرباً‮ ‬على أقصى درجات إقصاء وإلغاء الآخر ونفيه من الوجود كلياً،‮ ‬وهي‮ ‬النزعة التي‮ ‬تملكت جماعات الإسلام السياسي‮ ‬الأصولي‮ ‬وخرجت بها على المجتمعات العربية‮ ‬‭-‬‮ ‬ومن بعد الإسلامية الآسيوية‮ ‬‭-‬‮ ‬في‮ ‬العقود الثلاثة الأخيرة،‮ ‬والمتمثلة تحديداً‮ ‬في‮ ‬المذهب التكفيري‮ ‬الذي‮ ‬يُنظِّر واضعوه الأوائل لتكفير كل من ليس هو معهم وكل من لا‮ ‬يوافقهم الرأي‮ ‬فيما‮ ‬يطرحون من أفكار مغرقة في‮ ‬الغلو والتطرف الذي‮ ‬أوصلهم حتماً‮ ‬لحد تكفير مجتمعات بأسرها واعتبار بقاعها وديارها دار حرب تستوجب إعلان الجهاد المقدس لتطهيرها من سكانها الأعداء الكفرة‮.‬ لكن‮ ‬يبدو أن إقصاء الآخر وإخراجه من الملة وتكفيره توطئة لمحاربته ومقاتلته ومحاولة القضاء عليه،‮ ‬ليس‮ ‬حقاً‮ ‬حصرياً‮ ‬للجماعات الإسلامية التكفيرية‮!‬ فالولايات المتحدة الأمريكية هي‮ ‬صاحبة السبق في‮ ‬هذا المضمار،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬تمتلك الرقم القياسي‮ ‬المسجل باسمها في‮ ‬موسوعة جينس للأرقام القياسية منذ بروزها كقوة عظمى أولى في‮ ‬العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في‮ ‬عام‮ ‬‭,‬1945‮ ‬بل وحتى قبل هذا التاريخ أيضاً،‮ ‬حيث كان شعار‮ ‬من لم‮ ‬يكن معنا فهو ضدنا‮ ‬ومقولة إن العالم منقسم إلى قسمين أخيار وهم الأمريكيون وأشرار وهم كل من لا‮ ‬يدين بالولاء‮ ‬للباب العالي‮ ‬أي‮ ‬النظام السياسي‮ ‬الأمريكي‮ ‬وفلسفته الاقتصادية الاجتماعية والثقافية‮.‬ قد تكون كوبا الجزيرة الصغيرة المحاذية للشواطئ الأمريكية النموذج الصارخ والأسطع على أن الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬وتحديداً‮ ‬النظام السياسي‮ ‬الأمريكي‮ ‬وطبقته الحاكمة،‮ ‬تُدين بالمذهب التكفيري‮ ‬‭-‬أو الإقصائي‮ ‬في‮ ‬أحسن الأحوال‭-‬‮ ‬انطلاقاً‮ ‬من قاعدة‮ ‬من خرج عنا فليس منا‮ .‬ فمنذ أن أطاح الدكتور فيدل كاسترو ورفاقه في‮ ‬يناير من عام‮ ‬1959‮ ‬ضد نظام باتيستا الفاسد،‮ ‬والنظام السياسي‮ ‬الأمريكي‮ ‬يناصب كوبا العداء بعد أن قرر في‮ ‬نفس اللحظة التي‮ ‬أُطيح فيها بنظام باتيستا الموالي‮ ‬لها،‮ ‬إخراجها من الملة‮ ‬واعتبارها دولة مارقة‮ (‬كافرة بحسب لغة ومفردات التفكيريين الإسلاميين الأصوليين‮) ‬تستأهل العزل والحصار وإعلان الحرب‮ (‬المعادل لإعلان الجهاد لدى الجماعات الإسلامية التكفيرية‮).‬ وهذا ما حدث بالفعل،‮ ‬فلقد نظمت وقادت المخابرات المركزية الأمريكية عملية‮ ‬غزو مسلحة للأراضي‮ ‬الكوبية في‮ ‬السابع عشر من أبريل عام‮ ‬‭,‬1961‮ ‬إلا أن هذه المحاولة التي‮ ‬انطلقت من خليج الخنازير بإقليم مانتانزاس،‮ ‬باءت بالفشل وتم القضاء على الغزاة في‮ ‬العشرين من أبريل من نفس العام‮.‬ وتواصلت الحرب‮ ‬الجهادية‮ ‬لنظام‮ ‬الفضيلة‮ ‬الأمريكي‮ ‬ضد النظام المارق‮ (‬الكافر‮) ‬في‮ ‬كوبا،‮ ‬فخلال الفترة من‮ ‬22‮ ‬أكتوبر ولغاية‮ ‬22‮ ‬نوفمبر من عام‮ ‬1962‮ ‬نفذت قوات المارينز الأمريكية حصاراً‮ ‬بحرياً‮ ‬ضد كوبا‮.‬ ورغم مرور ما‮ ‬يقرب من خمسين عاماً‮ ‬على سقوط النظام الموالي‮ ‬لها في‮ ‬كوبا،‮ ‬فإن واشنطن مازالت تواصل حصارها وسياستها العدائية ضد كوبا،‮ ‬بنفس الروح وبنفس الزخم وكأن العالم قد توقف عند تلك اللحظة‮ ‬التاريخية‮ !‬ وكل ذلك لأن كوبا اختارت أن لا تُدين‮ ‬بالديانة الأمريكية‮ ‬وهي‮ ‬هنا الرأسمالية بنسختها الأمريكية الأصولية والتي‮ ‬يعتبرها النظام السياسي‮ ‬الأمريكي‮ ‬بمثابة عقد زواج كاثوليكي‮ ‬غير قابل للفسخ‮.‬ وعلى ذلك فإن ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري‮ ‬كلينتون قبل أيام وادعت فيه أن كوبا لا تريد تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة ولا تريد رفع الحصار الخمسيني‮ ‬عنها،‮ ‬هو مجرد نكتة أمريكية سمجة لا أكثر‮!‬ وكما أسلفنا فإن كوبا ليست سوى المثال الأكثر سطوعاً‮ ‬على تطبيقات التكفيرية التي‮ ‬لم تكن مكارثية خمسينات القرن الماضي‮ ‬سوى إحدى تجسيداتها على الصعيد الوطني‮ ‬الأمريكي،‮ ‬حيث ذهب ضحية حملات التطهير الوظيفي‮ ‬والقمع والملاحقة البوليسية والجنائية،‮ ‬عشرات آلاف الأمريكيين لمجرد الاشتباه في‮ ‬ميولهم المتغايرة مع‮ ‬الدين‮ ‬الرأسمالي‮ ‬الأمريكي‮.‬ فقائمة الدول والحكومات والشعوب ضحايا شهوة الثأر والانتقام الأمريكيين جزاءً‮ ‬على ما‮ ‬سولت لهم نفوسهم‮ ‬بمغادرة‮ ‬جنة الرأسمالية الأمريكية‮ ‬إلى حيث‮ ‬أمكنة‮ ‬تجريبية أخرى ربما ساعدت‮ ‬مرتاديها المغامرين‮ ‬على تقليل النزف الحاصل في‮ ‬ميزان مدفوعاتها الخارجية الناجم عن عدم تكافؤ طاقاتها وإمكاناتها التنافسية في‮ ‬السوق المفتوحة مع طاقات وإمكانات‮ ‬لاعبي‮ ‬السوق الكبار‮. ‬وتكاد هذه القائمة تغطي‮ ‬الكرة الأرضية برمتها،‮ ‬من بلدان أمريكا اللاتينية في‮ ‬أقصى الغرب إلى الصين في‮ ‬أقصى الشرق مروراً‮ ‬ببلدان القارة الأفريقية والقارة الآسيوية.فهل هناك كثير فرق بين المنظمات الإسلامية التكفيرية وبين الطبقة السياسية التي‮ ‬تتقاسم وتتداول مؤسسات الحكم في‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية؟ طبعاً‮ ‬هناك فروقات بينهما،‮ ‬ولكنها فروقات لا تكاد تتجاوز الشكل وحسب،‮ ‬إنما في‮ ‬الجوهر الصنفان التكفيريان‮ ‬يتشابهان ويتطابقان في‮ ‬الرؤية الفلسفية وتطبيقاتها مادياً‮.‬فكلاهما‮ ‬يؤصل لاستخدام العنف والإيذاء الجسدي‮ ‬والمادي‮ ‬والمعنوي‮ ‬ضد الآخر الذي‮ ‬لا‮ ‬يدين بمذهبهما الإقصائي‮ (‬التكفيري‮).‬








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار