الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السجن ، و الولادة الإبداعية .. قراءة في رواية الجوفار ل مروة متولي

محمد سمير عبد السلام

2010 / 4 / 25
الادب والفن


في نصها الروائي / الجوفار – الصادر عن الدار العربية للعلوم ببيروت مع منشورات الاختلاف 2010 – تؤول مروة متولي آلام الإنسان ، و سجونه الطبيعية ، و الذاتية من خلال الضخامة المجازية للمكان / الجوفار .
و يجمع الجوفار – في النص – بين دائرية الخواء ، و العبث ، و الأحاسيس العدمية ، و الثراء الإبداعي المحتمل في استشراف هوية فردية قيد التشكل دائما .
إنه قراءة للحظة التحرر في اشتباكها الحتمي مع هيمنة الغياب ، و أصالته غير المكتملة ؛ إذ إنه معلق دائما في كونه محاكاة للموت ، أو في انفتاحه على الأبواب السرية للوجود الإنساني الفردي ، و حلمها المتكرر بالخروج .
تشير مادة ( جفر ) في المعجم إلى انقطاع فعل الحب ، أو تأكيد الغياب ، و يعزز نص مروة متولي من المدلول السلبي للمكان ، و امتداد أسواره داخل الذات ، و خارجها ؛ إذ يعلق الوجود البشري ، و صيرورته ، و أحلامه ، و يقصيه في سياق انتظار الموت .
و لا يمكن تحديد ملامح الجوفار في النص بحيث تشكل بنية مادية ، أو شعرية ، أو زمكانية ، و إنما نراه مشتبكا بالروح الإنسانية ، و ممثلا في مجموعة من الجدران اللانهائية المحيطة بالبطلة ، و أصوات المجموع .
إنه مكان يقع فيما وراء المكان ؛ لأنه يفسر قهر الحتميات ، و الآلام ، و الرغبة الإنسانية في التحقق ، أو الخروج ، و هو يتجلى كمكان مادي مهيمن أيضا ، و لكن هيمنته تقع بين الأخيلة الإبداعية ، و الواقع الخارجي للشخوص ؛ مما يفكك أي إطار مركزي لهذا المكان .
و بهذا الصدد يرى جاستون باشلار أن المكان المتناهي في الكبر يقع بداخلنا ؛ إذ يتصل بنوع من تمدد الوجود الذي تكبحه الحياة ، و يمنعه الحذر ، و هو حركة الإنسان الساكن ، أو الوحيد ( راجع / باشلار / جماليات المكان / ترجمة غالب هلسا / المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر ببيروت / ط 4 / سنة 1996 ص 171 ) .
الجوفار إذن يتسع من داخل الوعي ، و يمزج الألم بالضخامة ، و الخروج ، و كأنه حلم الكائن / الفرد بالاندماج الكوني ، و الاتصال المباشر باللاوعي ، في مواجهة تضاعف حدوده النفسية ، و الثقافية ، و البيئية ؛ و في هذا السياق ينتصر المكان ؛ فيصير الفرد تابعا لفاعليته ، و سجينا لعملية نقص مستمرة لهويته ، و صوته المتسع .
لقد انبثق الجوفار من وعي الساردة كي يفجر تلك الطفرة الخيالية الدفينة داخل الوعي الإنساني ، و هي التوحد باللامتناهي ، و ما يصيبها دائما من هدم ، و ضخامة مضادة من آلام ، و مخاوف ، و أسوار مادية ، و غير مادية .
* صوت المجموع /
تناوبت الساردة ولوج صوت المجموع الإنساني / نحن ، و صوت البطلة في بحثها عن الحرية ، و الخروج .
و يجسد صوت المجموع الآلية المعرفية ، أو السلوكية التابعة للروح السلبية للمكان ؛ فهي تجمد كل شيء ، و تعلقه في فراغ مضاد للفعل الفردي ، أو النهايات الحاسمة ؛ و من ثم تظل التساؤلات دائرية ، دون إجابة ، و تبقى الأبواب بديلا افتراضيا عن الجدران في الوعي ، و اللاوعي .
تقول الساردة على لسان المجموع :
" هل سنألف الجوفار ، و يستقر حالنا به ؟ هل سنظل في تلك النقطة التي نحن بها الآن ؟ نسعى نحو البداية يوما ، و يوما نسعى نحو النهاية ... تلك الأبواب الضخمة العصية ، تلك الأبواب التي لا نراها " .
الجوفار يخترق الصوت ، و يختزل الأنا في المجموع ، و يؤكد سمة التكرار ؛ كي يوحي بالهيمنة المطلقة ، و لكن الوعي يبحث عما وراء المكان ، و ما يتجاوز هذه الشمولية الزائفة ، و يقرأ السور من خلال أخيلة الأبواب المفتوحة ، أو الأبواب من داخل صلابة السور ، و قابليته للتفكك بواسطة الأخيلة ، و التساؤلات المحتملة .
الجوفار يشبه الطوطم البدائي في اللاوعي الجمعي ؛ لأنه يحارب المدلول الإنساني العام ، المادة البشرية نفسها ، بعيدا عن الروح الفردية ؛ و لهذا جاء الصوت إنسانيا ؛ ليواجه الحتميات الطبيعية ، و المتخيلة ، و من ثم الذاتية التي خلفها المكان في امتصاصه للوجود الفردي .
و أرى أن الوظيفة السردية الأكثر تكرارا في النص هي تأسيس الجوفار لفكرة الوعي بالموت ، و هو وعي دائري ملح على الشخصيات ؛ كي يحدد مساحة الأداء في انتظار الموت ، و مساحة المعرفة في التساؤلات اللامعقولة أحادية الجانب ؛ إنه يكبح الصيرورة في كل ما يحيط بالإنسان من سجون مادية ، و طبيعية ، و روحية .
* أصالة الحزن /
في رحلة بحثها عن ملامح الجوفار ، و سبل الخروج من ثقله الداخلي ، أو الخارجي تلتقي البطلة برجل مسن يخبرها عن الحزن الملازم للمكان منذ بداياته ، و لكنه في الماضي كان مجانيا مثل الصبر ، و عندما مات أحست البطلة برغبة في الاقتراب من قبره .
هل كانت أصالة الحزن قراءة تأويلية للجوفار ؟ أم أنها قراءة للوجود البشري ؟
إنها الحدود العليا للألم الإنساني ، و قد اتخذ مظهرا خياليا وحشيا ، و غير مرئي في آن ؛ و هو الكيان الضخم للمكان في علاقته الغامضة بكل من الموت ، و الألم .
لقد كان موت العجوز إغواء تصويريا بالخروج من استمرارية الحزن ؛ فقد حول وعي البطلة القبر إلى دائرة متوهجة مضادة لعتمة الأسوار ، و الانتظار المتكرر للألم .
الدائرة ولادة للفراغ الإبداعي المحتمل ، و هي النهاية المجازية للوعي الحاد بالموت ، و الحزن .
* اتساع مضاد /
تتسع أخيلة الدائرة في لاوعي البطلة ؛ لتتحد بدال البحر ، و هو بديل شعري أكثر رحابة ، و أصالة من الدائرة ، بحيث يوضع في تعارض ظاهري مع الجوفار نفسه ، و من ثم يقوم بتفكيكه ، أو استبداله .
بدا ذلك التصور الحلمي واضحا عند دفن الرجل لجثة فتاة ، و قد تحولت المقابر إلى بحر مظلم ، ثم اختفائه في البحر .
هل كان البحر اتساعا إبداعيا للجوفار ؟ أم أن عنصر الخروج يكمن بداخله مثل حركة البحر المناهضة لسكونه الظاهر ؟
لقد التحم اللاوعي بالاتساع الأول للوجود في لقائه الأول بالعناصر الكونية ، و تناقضاتها . و كأن الجوفار استثناء لذلك الحلم ، أو وسيط بين حضورين للاتساع الكوني ، أو الحلمي .
* المعرفة ، و الأداء /
يحدث المكان انشطارا بين المعرفة ، و الأداء في النص ؛ فالصوت يقرر عملية النقص المستمرة في المعرفة ؛ و من ثم حتمية الأداء باتجاه الداخل لا الخارج .
أما الأداء فيعلق المعرفة ، و في الوقت نفسه يفقد الإيجابية إلا في حالات الخروج الاستعاري من سطوة المكان .
تقول الساردة بصوت المجموع :
" حياتنا كلها صدف ... لا نعلم شيئا ، لا ندري عن شيء ، لا يقين ثابت ، لا نملك سر الحياة ... نملك فراغ العقل ، نملك السخف ... حياة معزولة " .
و نلمح في المقطع السابق نوعا من نوستالجيا المعرفة ، و كأنها أكثر أصالة من عبثية المكان ، و آليته الأدائية المحدودة .
الأداء هنا محاط بضخامة مادية صلبة ، أو فراع ساكن يتجه نحو سلب الهوية ، و لكن هذا الوعي الحاد بالسلب يؤسس اتساعا هوائيا محتملا في دوال بناء الهوية ، و أطياف الحب ، و الحرية ، و الخروج .
* متواليات السجن ، و الولادة الإبداعية /
تتشكل رواية الجوفار لمروة متولي من متواليتين سرديتين كبيرتين ، تتفرع منهما متواليات مزدوجة دائرية بين عنصري السجن ، و الولادة الإبداعية للذات ، و نستطيع أن ندلل على الازدواجية المتواترة للمتواليتين من خلال تناظر مجموعات بعينها من الأحداث ، و الوحدات الصغيرة .
في سياق حب البطلة للشاب تزدوج قبلاتهما ، و بحثهما عن الأبواب المحتملة في المكان بتكاثر الجثث ، و أكوام الموتى ، و تحول الجوفار إلى قبر مفتوح ، و يذكرنا هذا القبر بالأماكن القاسية في الأدب العالمي ، و العربي مثل فضاءات كافكا ، و بيكيت ، و سيارة أبي الخيزران في رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني ، و إن كانت مروة متولي تميل إلى تداخل الخروج ، و القسوة دون حسم .
لقد ازدوج مستوي الحب ، و أبوابه الحلمية ، بمستوى النهايات المعلقة ، و من ثم تؤدي الأبواب إلى سجون الوعي مرة أخرى داخل تلك الدائرة المجازية المعتمة للقبر / الجوفار .
و في سياق آخر تتلاحق وحدات الخروج ، و السجن ، و كأن طفرة الكينونة ترتبط ارتباطا حتميا بهيمنة الظلمة .
تقول الساردة :
" هل نقلع عن السفر ؟ ... لا مكان لنا .. من أغلق كل هذه الأبواب ؟ متى نعلن وجودنا ؟ " .
يظل البحث عن الوجود الفردي محتملا و معلقا ، مثلما تتواتر ولادة الهوية داخل تعالي الجوفار ، و سلبيته ، و ليست خارج أبوابه أبدا .
لقد جمعت مروة متولي بين التجسد الخيالي للمكان ، و ما يحتمله من تقاطعات تأويلية عديدة داخل النص ، و خارجه .
محمد سمير عبد السلام – مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا


.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو




.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا


.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر




.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق