الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الطائفية في سوريا

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 4 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لا ينظر إلى واقع الطائفية في سوريا على أنه واقع مستحدث بفعل ظروف سياسية وأخرى اجتماعية مستجدة، بل هو واقع تاريخي ممتد إلى مراحل مغرقة في القدم، لكنه في المقام الأول تاريخ سياسي، قبل أن يكون تاريخاً مذهبياً.
وما يدلل على كون الطائفية في سوريا ، واقع سياسي وتاريخي ، علاقة الطوائف ببعضها ، منذ لحظة تكوين السلطة قديماً وحديثاً ، ولو أنها ( الطائفية) لم تكن في أبهى حللها وأسمى تعابيرها السياسية ، عندما تشكلت السلطة لأول مرة في التاريخ السوري المعاصر ، بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، والإعلان عن ولادة الدولة الوطنية الأولى عام 1918 بزعامة الأمير فيصل بن الحسين .
وإذا ما جرى تقصي الأسباب حينها ، فإن الأمر لا يعود إلى غياب الظاهرة الحزبية ، كظاهرة معبرة عن بعض الانتماءات الطائفية ، ولا إلى رجحان كفة السلطة إلى مكون طائفي بعينه ، خصوصاً وأن التشكيل الأول للسلطة والدولة ، جاء إثر مشروع وطني كبير ( الثورة العربية ) شاركت فيه مختلف فئات الشعب ومن مختلف الطوائف .
غير أن الظهور العلني لتلك العلاقة البينية العميقة بين الطوائف ، تحقق بوضوح أكثر ، بعد أن قطعت الدولة السورية خلال نصف قرن ، أشواطاً بعيدة في التأسيس لواقع الحزبية السياسية ، وعلاقة الأخيرة بالمجتمع والأفراد ، كدائرة من دوائر الانتماء السياسي الصرف ، أو الانتماء المذهبي ( جماعة الإخوان المسلمين ) أو الانتماء العقائدي ( حزب البعث - الشيوعي ) وقد استكملت لاحقاً بالانتماء الطائفي المتستر بالحزبية .
ولطالما كان حزب البعث ، من أكبر الظواهر الحزبية وأوسعها انتشاراً على مستوى سوريا خلال نصف قرن ، فالملاحظ أن الانتماء الطائفي لم يرتكز على الانتماء العقائدي وحده ، فقد ارتكز كذلك على الانتماءات الأخرى ، واستطاع اختراقها بعناوين شتى ، أقواها عنوان الوطنية والقومية ، لكننا عندما نتحدث عن الطائفية كتاريخ سياسي ، لا نستطيع تجاوز ظاهرة الانتماءات الطائفية الضيقة التي غزت صفوف الدولة السورية تحت غطاء الانتماء العقائدي ، الأكثر انتشاراً وتضاداً مع واقع الطائفية التي نجحت في فرض خياراتها السلطوية ( تأبيد السلطة ) على حساب المشاريع القومية الكبرى ( الوحدة العربية ) التي تعد بمثابة الرافعة التي يتأسس عليها الانتماء العقائدي المُمثل هنا بحزب البعث ، كأكبر مثال وشاهد على ترجيح الكفة لصالح الانتماء الطائفي ، بدليل احتكارية السلطة واختزالها في شخوص الحزب ( المادة الثامنة في الدستور) ذي اللون الطائفي المتجانس مع الألوان الطائفية الأخرى ، حتى وأن تعددت الطوائف التي يتألف منها انتماءهم العقائدي المصبوغ أصلاً بانتمائهم الطائفي ، فالصراع الذي كان قائماً على سبيل المثال لا الحصر ، بين اللواء حافظ الأسد وغريمه التقليدي اللواء صلاح جديد ، لم يكن صراعاً عقائدياً على شكل البعث أو مضمون الحزب ، بقدر ما كان صراعاً شخصياً يخفى وراءه انتماءاً طائفيا مشتركاً لديهما ، لم تشأ له ظروف الاستيلاء على السلطة بالظهور خشية أن تتلبد " الأجواء الوطنية" التي جرى تهيئتها لاستقبال سلطة الأسد على اعتبار أنها تمثل سلطة الأمن والاستقرار ، بعد طول اضطراب ، استدعى ذلك الصراع ، وقبل أن يتفتق على شاكلة صراع طائفي ، استدعى من الأسد الحجر على رفيق دربه صلاح جديد ، وهو ما جرى حتى يوم وفاته في المعتقل عام 1993 .
ومما لا يدع مجالاً للشك ، أن الانتماء الطائفي ، يأخذ من كل الانتماءات الأخرى ، ولو أنه في سوريا يأخذ من الانتماء العقائدي أولاً ، من دون أن يعطيها أو يقدم لها سوى صراعاً طائفياً مستتراً تحت عناوين السلطة .
فالسلطة في بدايات تشكليها ، كانت أقل تطيفاً ، ليس بسبب عدم وجود الانتماءات العقائدية ، ولا لاختفاء ظاهرة الانتماءات المذهبية ، بل لأن السلطة كانت أقل تمركزاً في يد أكثرية - أقلية بعينها ، ولا في يد طائفة - حزب معين مثلما هو الحال الآن ، وحتى في أيام الانتداب الفرنسي لم تكن ثمة طائفية سياسية في سوريا ، وإن كانت الطائفية حينها لا تتعدى حضورها المذهبي كطوائف تتعايش داخل النسيج الوطني الواحد .
من هنا فإن حضور الطائفية كتاريخ سياسي ، لا يلغي حضورها كتاريخ مذهبي ، فإذا ما كان وجهها السياسي من أسوأ الأوجه لا بل أخطرها وأكثرها رفضاً واستهجاناً للحالة السورية ، فإن الوجه المذهبي رغم علاته ومساوئه ، يبقى الخيار الأقل خطراً من ضمن الخيارات الأخرى الأشد خطراً على هياكل الدولة ونسيج المجتمع .
إلا أن اللعب على هذا الأخير ، أي على الوجه المذهبي للطائفية ، لم يسلم هو الآخر من العبث ، فعمليات التشيع التي تقوم فيها إيران كدولة إقليمية لها مصالحها المتشعبة في كل أرجاء المحيط ، وبتشجيع من سلطة النظام السوري المتقاطعة معها طائفياً وسياسياً ، لا يبقي شيئاً من التماسك أو التعاضد لذاك النسيج ، الذي من المفروض أن يكون متراصاً رغم انسداد الآفاق السياسية .
إن الطائفية كتاريخ سياسي ، لا يتعدى عمرها الزمني ، عمر النظام السوري الراهن ،الذي أسسه حافظ الأسد ، بعد قيامه بحركة 16 تشرين الثاني نوفمبر عام 1970 ، وقبل ذلك التاريخ كان العمل يجري عليها بصمت ، إلى أن جرى تثبيت أركان السلطة على أسس طائفية عنوانها العريض حكم البعث باسم الأمة تارة ، باسم القومية تارة أخرى ، أما وقودها فهو الطائفية والجيش التي امتطى الأسد صهوتها في كل صولاته وجولاته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وضع الطائفية في النقاش أمر جيد
نبيل السوري ( 2010 / 4 / 26 - 18:18 )
لكن، للأسف لا أظن أن مقارباتك صحيحة دائماً
وأهيب بك أن تقرأ التعليق رقم 3 للسيد قارىء على مقالك السابق، والذي أتفق مع أكثر ما ذكره

النظام هو أدنى من أن يكون طائفي، وبالأحرى أن يكون ذو مبدأ من أي نوع، وأشعر أننا نرفع من شأنه حين نقول أنه طائفي، فهو عبارة عن شلة حرامية كشتبنجية شذاذ آفاق، لا يتورعون عن استعمال أي موضوع وأية قضية لمصالحهم الخاصة، أكانت تلك قضايا وطنية، دينية وطائفية أو مبدئية. هم يتعاملون مع سوريا وكأنها مزرعة والشعب أقل بكثير من حيوانات تلك المزرعة

وأكرر ما قلته سابقاً: لو آل النظام للسقوط (آمين)، وتم تخيير بشار الأسد أن ينقذ 100 ضيعة علوية أو عم أو خال زوجته (الأخرس السنية) فما سيكون خياره برأيك؟ الجواب واضح ويؤكد أن النظام مافيوزي نفعي وليس أكثر


2 - وضع الطائفية في النقاش أمر جيد
نبيل السوري ( 2010 / 4 / 26 - 20:16 )
لكن، للأسف لا أظن أن مقارباتك صحيحة دائماً
وأهيب بك أن تقرأ التعليق رقم 3 للسيد قارىء على مقالك السابق، والذي أتفق مع أكثر ما ذكره

النظام هو أدنى من أن يكون طائفي، وبالأحرى أن يكون ذو مبدأ من أي نوع، وأشعر أننا نرفع من شأنه حين نقول أنه طائفي، فهو عبارة عن شلة حرامية كشتبنجية شذاذ آفاق، لا يتورعون عن استعمال أي موضوع وأية قضية لمصالحهم الخاصة، أكانت تلك قضايا وطنية، دينية وطائفية أو مبدئية. هم يتعاملون مع سوريا وكأنها مزرعة والشعب أقل بكثير من حيوانات تلك المزرعة

وأكرر ما قلته سابقاً: لو آل النظام للسقوط (آمين)، وتم تخيير بشار الأسد أن ينقذ 100 ضيعة علوية أو عم أو خال زوجته (الأخرس السنية) فما سيكون خياره برأيك؟ الجواب واضح ويؤكد أن النظام مافيوزي نفعي وليس أكثر


3 - النظام الأسدي طائفي حتى النخاع ..؟
الحارث السوري ( 2010 / 4 / 26 - 22:56 )
هذا هوالواقع مع الأسف فدوائر الدولة إذا جاز أن نسميها دولة يسيطر على مفاصلها الرئيسية طائفيون معروفون والجيش من سائق الدبابة إلى جنرالات القطعات الضاربة الرئيسية من طائفة معينة وهذا لايمنع وجود موظفين وعسكريين من الطوائف الأخرى في كل الأجهزة ولكن السلطة الحقيقية والقرار السياسي والعسكري بيد واحدة طائفية وديكتاتورية ... كما لايتمنع سيطرة الطائفية العنصرية أن يمارس رؤوس النظام أساليب المافيات في النهب والسلب والإغتيالات .. وهذا ما ترضى عنه أمريكا وإسرائيل بالدرجة الأولى ... اما عمليات شراء الذمم لتشييع الناس في القرن الحادي والعشرين هي جزء لايتجزأ من شراء النفوس الضعيفة لضمها إلى أجهزة التجسس والمخابرات والإرهاب التي تستنزف أكثر من نصف أموال الموازنة العامة .. الطائفية مرض عضال واجب الجميع استئصاله من النفوس لإسقاط النظام المنتمي إليه والنصر قادم قادم -- مع التحية

اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟