الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإديولوجية القاتلة في شمال افريقيا.

الطيب آيت حمودة

2010 / 4 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


سعت كل الإديولوجيات العابرة لأرض تامزغا ( شمال افريقيا) والمحتلة لها إلى دمجها في كيانها وإلحاقها به ، بدأ من الفنيقيين ، وصولا الى الفرنسيين ،مركزة على التفاضل ، أو الفصل بين الأهالي المحليين والغزاة الوافدين ، فكانت الفينقة ، والرومنة ، جليتان في سياستهما الاستحواذية ، وسايرها العثمانيون ، وعمقها الفرنسيون تحت تأثير المدرسة اليعقوبية الفرنسية ، التي كانت جامعة الجزائر المركزية منذ تأسيسها 1909ووكرا خلفيا لها ، وهو ما جعل هوية البلاد الأمازيغية الأصلية محل مزايدات ، وتفرعات ، وانقسامات ، بين الشرق تارة وبين الغرب الأوربي أخرى ، وكنا نأمل في الإسلام خير منقذ بعد أن وصلنا إشعاعه عبر أمير مغراوة الزناتي صولات ناث وزمار Sulat n’ath Wezmer في بداية انتشاره ، غير أن الأحداث المتلاحقة التي تذكرها الحوليات العربية بالفتح تبرز بجلاء الطبيعة الحقيقية للفعل ، باعتباره غزوا مركزا ، تخللته فترات مد وجذب استمرت قرابة القرن من الزمن .
قد يحاول بعض الدارسين اليوم من أمثال محمد المختار العرباوي في بحثه( النزعــة البربريــّـة وتشويه التاريخ ) http://www.awu-dam.org/book/05/study05/329-M-A/book05-sd006.htm التملص من حقائق التاريخ التي يسردها مؤرخو العرب أنفسهم في صفحات المصادر والمراجع المعتمدة ، وهي في غالبها منحازة للعرب وحكامهم ، أكثر ما هي مبرزة لحال عامة المسلمين في دار الحرب أو دار الإسلام ، وعرفت الخلافة الأموية والعباسية تمردات عديدة في بلاد ألأمازيغ، أثمرت بفوز الأمازيغ بالحكم السياسي لبلادهم ، فكانت دول الزيريين والحماديين والمرابطين والموحدين ، أمازيغية في ساستها وسياستها وإدارتها ، وحقق المرابطون والموحدون زخما حربيا في المغرب والأندلس كان محل تقدير وإعجاب ، فالحوادث والوقائع واحدة غير أن تفسيرها كثيرا ما يخضع لتوجه دفين ، وإديولوجية وافدة ، توجه العلم لصالح وجهة خارجية ، وتسوق فكرا مغشوشا ظاهره إيمان وخفيه كفر ونفاق ، فالإديولوجية البعثية التي يسوقها المختار العرباوي لا تختلف في كثيرها وقليلها عن اديولوجية مؤرخي المدرسة الفرنسية التي سعت إلى إثبات أوربية ومسيحية شمال إفريقيا ، بنفس الحدة التي يسعى إليها الطابور البعثي في إطار ما يعرف بالأصول الحميرية اليمنية للأمازيغ ، وهي اديولوجيات انمحت وانفسخ لونها تحت وطأ التطور العلمي ببحوثة الإنتربولوجية ، ولا غرو أن هذا التنافس على الطريدة ( هوية شمال إفريقيا) بين تياري التغريب والتشريق ، له مبرراته النفعية ، وأن انطمست فكرة الانتماء الغربي وأفل بريقها بفعل العلم والعقل والتحرر، فإن فكرة الانتماء للمشرق والانضواء تحت رايته مازال مهيمنا ، بمساندة مركزة من الدين الذي لا يفصل بين العرب والإسلام من جهة ، والمدرسة العروبية التي كونت أجيالا من المعربين لسانا( الأرابوفونيون) ، والمسلوبين ثقافة ، وهؤلاء هم الذين أصبحوا في الصفوف ألأمامية دفاعا عن العروبة على شاكلة طارق بن زياد الذي فتح الأندلس بجيشه الأمازيغي ، ولحق به موسى بن نصير لجني ثمار النصر قبل سقوط منافعها في أيدى الفاتحين الحقيقيين .
فالباحث محمد المختار العرباوي ينظر من خلال ثقب العروبية بمنظار يليق بتوجهه المُدعم ماديا ومعنويا ، على غرار صنوه عثمان سعدي ، في محاولات يائسة وبانتقائية بارزة في البحث عن كل ما يقوي وسائج القربى والمنشأ بالعروبية ، وكلما نعق نعيق مستنكر كافر بالهوى ، إلا وازداد القذافي في اغداقه على البحوث الموجهة التي تسعى إلى ربط الأبناء بالأجداد ، ولو بما يخالف العلم والتاريخ ؟؟. وقد يكون صاحب ( وليمة أعشاب البحر) محقا عندما قال: المحرمات هي مصالح أشخاص أو فئات أو طبقات، قبل أن تكون قداسة أوحاجة تعني الأمة .
أهم المرتكزات التي اعتمدها الباحث في إثبات أصول الأمازيغ المشرقية لم تستند على بحوث علمية جادة ، ولا على مكتشفات اركولوجية وانتربولوجية ، وإنما ارتكزت أساسا على فكر الهوى و قراءات موجهة ، أو أقوال يغلب عليها طابع النكوصية والتماهي مع الوافد الغريب ، وحُب التناغم مع كل آت وأجنبي ، وها هو أحد شعراء العرب يذكر طبائع قومه وعنفوان نرجسيتهم قائلا :
وما الأرض إلا ملعب لجيادنا **** ولا الكون إلا عائدات لنا تجبى
وما الناس الى منشدون لمجدنا */*** الم يجدونا الدين والعلم والحربا
وما مجدهم إلا تلاوة مجدنا *** سلو كل ذي مجد ، فلا ننطق الكذبا .
استنفر كاتبنا المحترم كل جياده وجهده في بلوغ المرمى ، فوزن وقلّب ، وطوى كتب الأولين والآخرين ، لعله يجد شاردة أو واردة ، تجعل من الأمازيغ عربا أقحاحا ، وكلما ارتفع مطلب الهوية الأمازيغية إلا واتسعت الطموسات ، وجدَّ المجدون في غلق الشقوق التي ينبثق وينبث منها نور الحقيقة العلمية ، إن هؤلاء يريدون إبقاء الحال على حاله ، دون أدنى تفكير في الأضرار الملحقة بالغير من شركاء الوطن ، واهتدى كاتبنا أخيرا( بعد عناء جهد ) في بحثه الى أحكام سوقها جزافا منها أن الثورات الأمازيغية ليست ضد الوجدود العربي ، وإنما هي ثورات ضد الإستبداد والطغيان ، وأن المغرب الإسلامي هو صورة نمطية للمشرق ، وزعماؤه ينشدون الإنتماء العروبي عن طواعية وحب ، وسرد في ذلك أمثلة عن المجاهد يوسف بن تاشفين ، والمهدي ابن تومرت ، والسعيد الزاهري... .وأنا لا ألومه في قراءته لأحداث تاريخنا ، لأنني أدركت من خلاله أن التاريخ سلاح بحدين ، يمكن قراءته تبعا لتوجهات الكاتب ، وإخضاعه للتبعية ، فالحادثة واحدة ، إلا أن الكاتب هو الذي يقرأها القراءة التي ترضي توجهاته وميولاته ، وقد يصدق القول ها هنا (أن الدول السعيدة هي الدول التي ليس لها تاريخ تماما.).
لست مطالبا بتفنيد ما يراه الكاتب من توجه ، لأن التاريخ والأنتربولوجيا وعلم الجينات ، أثبت قدم تعمير الشمال الإفريقي ، والوافد دائما هو المطالب بالذوبان في المجتمعات التي وصلها ، لأنها ليست صفحة بيضاء يكتب عليها الوافد ما يشاء ، كما أن تذويب المجتمع الأمازيغي إثنيا في المجتمع العربي غير مقنع ، فذوباننا كان ثقافيا ولغويا وبنسب متفاوتة ، والتناغم الملاحظ بيننا وبين المشارقة يفسره وحدة الدين واللغة ، وتفرقه العادات والتقاليد والإثنيات ، فنحن في شمال افريقيا أمازيغ ، نحب اللغة العربية باعتبارها لغة ديننا ، لكننا نرفض وبشدة وصفنا بالعرب ، وكثيرا ما استهجننا صفة ( العربي) على شمال إفريقيا، باعتبارها دعوة صريحة للتشرذم وبعث العصبيات التي يستنكرها الواقع ويرفضها الشرع ، على غرار ما وقع للدولة العثمانية بسبب الحركتين الطورانية والعربية .
فلو عدنا للمصادر التاريخية العربية لوجدنا أنها تحمل فكرا عنصريا ضد الأمازيغ ( باعتبارهم بربر ) ، وأفرزت الأحداث، وعلى لسان المؤرخين ، أن الميز بين العربي والأمازيغي ( البربري) جلي بائن، ولو قرأنا ما قيل عنَّا ، وما ألصق بمجتمعنا من غليظ القول ، لظهر الصواب ( بأن العربي عربي، والأمازيغي أمازيغي ) وبتتبع ما دوناه في مقالنا حول ثورة الأمازيغ على الرابط // http ://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=174103h يتضح الجواب، كل ما في الأمر أننا معشر الأمازيغ نرنو دائما إلى التقرب من هالة العرب ، باعتبارهم من آل البيت ( دون التمييز بين الهاشميين وغيرهم) ، مقتنعين بفقه السنة ، الذي يرى بأن الإمامة في العرب ؟ غير أن الفكر الخارجي الصفري وجد رواجا بين الأجداد باعتباره أكثر ديموقراطية من غيره ، وبمختصر القول يمكن الرجوع إلى كتابات الذين دونوا الأحداث ولو بعد أزمان ، استنادا إلى روايات متناقضة أحيانا ، يغلب عليها الطابع السردي ، ويغيب عنها الدليل المادي والوثيقة المكتوبة ، وكان الأمازيغي فيها مجرد متاع ، تائه بين ماقيل ولم يقال ، لأنه محكوم عليه بالإستماع والسكوت ، فكان الأجداد عبر تاريخهم أمة لا تكتب بقدر ما تقرأ ، إنها سماعة وغيرهم قوال ، وعاشوا أزمانهم وهم في غفلة من أمرهم ، تُبعا للغير متماهين معه ، لا يَظهرون إلا مذيّلين في الترتيب ، يبحثون دائما عن ظل ظليل قصد الإحتماء والإنتساب .
خلاصة القول أن صاحبنا محمد مختار العرباوي في مقاله يريد إثبات أن ألأمازيغ هم عرب ، وفي نفس السياق الجدلي يمكن القول بأن العرب ماهم في الأصل إلا أمازيغ تعربوا لسانا ، و ما يرسخ فكرة أمازيغية شمال إفريقيا ليس حكم القرابة الدموية ، وإنما حكم الأرض التي تأوينا جميعا بمختلف مللنا ونحلنا ، وإن اختلفت زمر دمائنا ، وتلونت جلودنا تحت تأثير حرارة صحراء الهقار ، أو ابيضت إلى الشمال منه ، ففي زمن اليوم يصبح اللون ،والدم ، واللغة ، لا قيمة لها ، أمام زخم التناغم البشري بين الأجناس ، وأفضلية البشر حاليا لا تقاس بالياض والسواد ، ولا بشرف الإنتساب ، وإنما تقاس بما يقدمه الفرد من نفع مادي ومعنوي لذويه ومجتمعه وأمته والإنسانية جمعاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القابلية للاستعمار
الشهيد كسيلة ( 2010 / 4 / 26 - 17:56 )
المسالة في الامازيغ انفسهم
هناك عمل كبير ينتظر النخبة الامازيغية ونحن لا ترى في الجوائر ثلا حركة فكرية تؤسس لاحياء الثقافة واللغة الامازيغية وباللغة العربية كما يحدث في المغرب

في المغرب قرأنا ابحاثا ودراسات كثيرة باللغة العربية تثير مسالة الهوية والذات الامازيغية اما في الجزائر فيكفي ان يعربوا الامازيغي ليربطوا مصيره بالعربية حتى يتناسى هذا الامازيغي هويته بل يستميت في اقبارها وطمسها

والحقيقة اني ارى ان فرنسة القبائل وتعريب الشاوية وهما اكبر المجموعات الامازيغية في الجزائر كان بايعاز من العروبيين البعثيين الذين انشاوا طابورا خامسا لهم في البلد لضرب الامازيغ بعضهم ببعض متى ارادوا واخيرا احكموا السيطرة على الجزائر باستيلائهم على التعليم وخاصة عندما اخرجوا بعبع الاسلامجيين

شكرا للكاتب على المجهود التنويري


2 - تنويه .
الطيب آيت حمودة ( 2010 / 4 / 26 - 21:20 )
تقديري واعتزازي الكبيرين بإضافات الأخ الشهيد كسيلة ، شكرا على مروركم الكريم وكلماتكم الطيبة .
دمتم .

اخر الافلام

.. المناظرة بين بايدن وترامب.. ما أبرز الادعاءات المضللة بعد أد


.. العمال يحسمون الانتخابات قبل أن تبدأ، ونايجل فاراج يعود من ج




.. لماذا صوت الفرنسيون لحزب مارين لوبان -التجمع الوطني-؟


.. ما نسبة المشاركة المتوقعة في عموم أسكتلندا بالانتخابات المبك




.. لجنة أممية تتهم سلطات باكستان باحتجاز عمران خان -تعسفا-