الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمة القراءة لا تقرأ - أمة اللسان

عهد صوفان

2010 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


أمة القراءة لا تقرأ. بل تتكلم. وإن قرأت لا تفهم .فنحن أمة اللسان لأن القراءة عندنا ترداد و تكرار لحروف ترسم الكلمات .و ليست إبحارا في المضمون و فهما للمعاني ...فعندما يفقد القارئ قوة الإمساك بالمعنى متأثرا ببرامج التلقين التي تفرض على العقل التوقف وقبول الأمر القادم بصيغة المقدس الديني والمقدس الاجتماعي والمقدس السياسي .
للقراءة طقوس روحية تشدك داخل النصّ وتأسرك به فتجعلك لا ترى ما حولك بل تأخذك من محيطك إلى محيط آخر هو محيط الكلمات المكتوبة ومعانيها .فيبدأ العقل يرى نور الكلمة وما تحمل من قيم وأفكار يحلل طيف الكلمات المكتوبة وتمايز الإشراقات فيها ...
أن نقرأ ونحلل الكلمات شيء جميل ومفيد وواجب أيضا لأنّ غذاء العقل هو فكر والفكر هو روح الكلمة .القراءة هي ثورة والثورة هنا حضارة . الثورة تصنع الإنسان العاقل وتزرع فيه قيم البحث والتطوير والتحليل وقبول الأفضل .تزرع فيه قيم العدالة والمحبة التي تأتي بالخير لكل الناس. وعندما نزرع الكلمة الطيبة نحصد الطيب, وزراعة الكلمة السيئة تجلب السوء .
قيل لنا أن نقرأ ونتعلم وعلينا الاختيار إما أن نقرأ ونخزن المعرفة في عقولنا ونبذل الجهد والوقت لذلك لأن القراءة تحتاج أن نعطيها وقتا من حياتنا وروحنا . نحتاج أن ندخل محرابها خاشعين في رحلة انسجام وسكينة نمتزج فيها ونتماهى معها ..
القراءة مشروع فيه حياتنا ونظرتنا للمستقبل القادم, ولأنها هكذا علينا احترامها والسعي إليها. القراءة مشروع أمة ذو وجوه كثيرة (شعر وأدب وترجمات وعلوم وإنسانيات وقيم ...) مشروع يحتاج الجميع أن يعملوا به ويبنوه لبنة لبنة ..القراءة هي قراءة الذات وقراءة الآخر وهي تحتاج إلى شجاعة وبطولة من كل شخص .كيف تقرأ ذاتك وتحلل شخصيتك وتفهم مكنونات نفسك ؟ كيف تنظر إلى عقلك وتفكيرك؟كيف تنظر إلى انسجامك مع المحيط واستعدادك لأن تعطي وتبدع؟ شخصيتنا هي نحن . هي عملنا وعطاؤنا . هي الشارع والعمارات والمدارس والشجرة التي نزرع والطفل الذي نربي .هي ما نكتب وما ننتج هي باختصار الوطن الذي نبني جميعا .
أنا وأنت من يبني الوطن, لكن من أنا ومن أنت ؟أنا وأنت عقل يحرك أجسادنا عقل قرأ وتعلم واستعدّ للبناء والعطاء ..هل أعددنا العدة لبناء العقول أم أننا استسلمنا للمجهول ؟ وهل بناء العقول بهذه السهولة والبساطة ؟ هل يحتاج لرغيف خبز نأكله فقط؟ أم يحتاج لأطنان من الكتب نقرأها ولإعلام معرفي حقيقي يؤمن بالحقيقة ويتمسك بها .هل نؤمن بأن الحياة خبط عشواء؟ أم تفكر وتبصّر وجهد طويل ؟ وهل نبني الأوطان بالكلام أم بالأفعال والأعمال, لأنه إذا نظرنا إلى حالنا فهي لا تسرّ كثيرا وكل الأمور عندنا مقلوبة:
- فنحن نتكلم كثيرا وفي كل شيء نعرفه أو لا نعرفه ونحن نسمع ما نريد سماعه فقط وذلك حسب برمجة عقولنا فمن يمدحنا فهو الصديق الوفي والآخر متآمر وخسيس ..
- لا تثيرنا مفردات مثل : قتل - اقتل - ضرب الأعناق - الغزو- تهجير الناس- سلب الأموال - قتل الأطفال.....وكأننا لا نفهم معاني المفردات ومدلولاتها ..
- أغلب أوقاتنا نتكلم وقليلا ما نسمع ونادرا ما نقرأ بعكس منطق الحياة الذي يعيد الترتيب بالقراءة أولا والاستماع ثانيا والكلام أخيرا ..
- نحن لا نبحث عن حلول لمشاكلنا لأننا تعلمنا أن كلّ مشاكلنا هي من الآخر الخارجي أو الداخلي وهذا سهّل علينا مواجهة الحياة فنحن غير مسئولين عما يحدث لأننا ضحية للأمريكي ولمؤمرات الغرب. فلا يوجد حافز عندنا لنبحث عن الأسباب الحقيقية ونقرأ ونتعلّم...
- نحن نتكلم كثيرا وأحيانا لمجرد المشاركة في النقاش حتى وإن كنا غير ملمين بالموضوع مثار الحديث المهمّ أن نتكلم حتى وإن خرجنا عن الموضوع وذهبنا بعيدا لأن شخصيتنا لا تكتمل إلا بالكلام وإنصات الآخرين لنا. ففي مجالسنا تسمع الجميع يتكلم في آنٍ معاً لدرجة لا أحد يفهم على أحد ولا تسمع سوى ضجيج الأصوات العالية, أي أن الكلمات عندنا ليس لها قيمة فلا أحد ينصت لأحد بل الكل يريد الكلام ..حتى في برامجنا الحوارية التي نراها يوميا تتحول إلى صراع بكلمات فقط .لا أحد يريد أن يسمع كلام الآخر ويدخل إلى عمقه ومضمونه . بل كل واحد يريد إسكات الآخر . إسكات صوته وعقله . نتهجم بألفاظ نابية ولا نحترم من يستمع ولا من يحاور فقراءة الآخر عندنا تعني شطب الآخر ورفضه ورفض فكره فإذا كنا غير قادرين على التواصل مع الآخر القريب منا جسدا فالأمر أصعب بل مستحيل مع البعيد الذي ينتمي إلى بلاد أخرى فإذا كان أسلوبنا هكذا هل يمكن لنا أن نحلّ معضلة؟ هل يمكن لنا أن نجلس لنتشاور ونتناقش؟ ولنا عبرة بل عبر في نقاشات ما يسمى البرلمانات العربية فعندما يتكلمون يحدث الهرج والمرج والصراخ والكلام البذيء والاتهامات بأقذع الألفاظ وأشدها وأحيانا تصل إلى الاتهامات الشخصية والعائلية .........
فنخن أمام معضلة حقيقية مع أنفسنا ومع الآخر وكيف يمكن لنا أن نبني تواصلاً مع الآخر؟ ونحن نقيم الحواجز النفسية أمام ذلك تحت عناوين الحفاظ على الهوية والتقاليد المقدسة والثوابت الدينية ..
نحتاج أن نغير منظومتنا الأخلاقية بأخرى تقبل الآخر وتستمع لفكره وترى عمله. منظومة ترفع الغطاء وتكشف العيوب والمعيقات أمام إبداعنا وعطائنا. منظومة لا تشفع للكبير إن أخطأ. منظومة ترى أن فعل ( اقتل ) يعني سفك دماء وشرّ وليس الحبّ والخير. منظومة تميز بين الخير والشرّ بين العدل والظلم .
منظومة ترى الإنسان في كل الأرض بمرآة واحدة وأن البشر جميعاً شركاء في الحياة والمصير... لنقرأ الآخر ونترجم ما أبدع, لأنه إنسان مثلنا من لحم ودم له نفس الجسد الذي نملكه. يحس ويتأثر مثلنا. يتألم ويبكي ويضحك . ينجح ويفشل. نحتاجه ويحتاجنا أخوة في الإنسانية التي تجمع الجميع من كل الأديان والأحزاب والقوميات والمذاهب. الآخر هو أخ لنا, هوالصديق ورفيق الحياة التي نبنيها جميعا بالعلم والمعرفة والإطلاع والسهر والجدّ وليس بالكلام والفصاحة والصراخ والإدعاء. فالحياة حقيقة والنجاح بها أرقام ومؤشرات وقيم محددة ترسم هذا النجاح. ولن ينفعنا الإختباء خلف الجمل والعبارات الرنانة والهتافات والخطابات. لأنها لا تؤكل خبزا ولا تشبع جائعا ولا تشفي مريضا ولا تنتج دواء أو طائرة أو سيارة أو طريقا.
بل على العكس من ذلك تجلب الأمراض والحقد والكره والحروب والويلات التي ما أن تبدأ حتى لا تنتهي...فتورث الخراب والدماروالخرافات والأساطيروتتحول إلى سرطان يفتك من الداخل لا شفاء منه....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وكذلك
حمورابي ( 2010 / 4 / 26 - 10:15 )
اخي عهد....وكذلك امة لا تسال ...لا تسالوا عن اشياء.....الخ .تحياتي


2 - لن ترى ماتامله ولو ولج الجمل سم الخياط !
Zaher Zaman ( 2010 / 4 / 26 - 18:22 )
الأخ / عهد
لن ترى ولن يرى أى انسان تنويرى مايأمله من العامة العربية بكل انتماءاتها الدينية ، مادامت حتى الأنظمة الحاكمة تحرص على تطويع العقول للنظام ، بتدريس التربية الدينية بالمدارس ، دون تنقية التراث الدينى من النصوص التى تتعارض مع ماحققته البشرية من تقدم وتحضر لمفهوم الحرية الشخصية فى التعبير أو التفكير أو الاعتقاد ، وفى الوقت الذى تسمح فيه الأنظمة لأتباع الديانات ومفكريها بالتهجم على الآخر وسبه وشتمه ونقد ونقض كل مايعتنق من فكر ، نجد تلك الأنظمة نفسها تكفر الآخر وتحاصره وربما تصفيه بنفسها أو تترك تلك المهمة للمتهوسين ، إذا ماحاول أحدهم نقد ونقض الديانات أو أتباعها بالحجة والعقل والدليل العلمى..انهم حتى يعترضون على مقولة أن كثير من النصوص الواردة فى كتبهم تخطاها الزمن وتخطتها البشرية ، ويزعمون تعصباً وزوراً أن تلك النصوص صالحة لكل زمان ومكان..لإنهم ببساطة مقتنعون بأن واضعى تلك النصوص جاءوا بها من قوة خفية أعلى من تفكير البشر ..ومع ذلك فان ( الظاهر) أحد الصفات التى يسبغونها على تلك القوة..وكذلك الباطن !! كيف يوفقون بين متناقضين ؟ أصحاب الخيال العبيط فى راحة !!!

اخر الافلام

.. جلال عمارة يختبر نارين بيوتي في تحدي الثقة ???? سوشي ولا مصا


.. شرطي إسرائيلي يتعرض لعملية طعن في القدس على يد تركي قُتل إثر




.. بلافتة تحمل اسم الطفلة هند.. شاهد كيف اخترق طلاب مبنى بجامعة


.. تعرّف إلى قصة مضيفة الطيران التي أصبحت رئيسة الخطوط الجوية ا




.. أسترازنيكا.. سبب للجلطات الدموية