الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الرأسمالية باتت - إنسانية-؟ مناقشات حول العراق

سلامة كيلة

2004 / 7 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يبدو أن مفهوم الدكتاتورية بات يحتاج إلى تحديد، لأنها ليست نظاماً سياسياً فقط، بل أنها قبل ذلك طريقة في التفكير. فحينما يتحوّل الإختلاف في الرأي إلى إتهام يكون العقل الدكتاتوري حاضراً. لهذا حينما أصبح متهماً بأنني أحلم بعودة الدكتاتورية، وفق الرأي الذي أدلى به الأستاذ عبد الكريم عمر، فهذا يعني أن كل رأي مخالف يجب أن يدان، وهذا أساس الدكتاتورية.
المسألة بدت في الرد هي في الإختلاف في قراءة التحوّلات العالمية، و المواقف التي يجب أن تتبلور في الوضع الجديد. حيث يرى الأستاذ عمر أن في العولمة بُعد تحرريّ ناتج عن " التحوّلات الليبرالية العميقة في مواقف الدول الرأسمالية الكبرى" التي هي أساسية لنجاح العولمة الإقتصادية. و هي وفق ذلك توافقت مع ميل القوى العراقية لإزاحة الدكتاتورية. و بالتالي أصبح وجود القوات " المتحالفة" ضروري ليس لحماية مصالح و عقود الشركات المتعددة الجنسيات فقط، بل لمنع عودة دولة القمع البعثية و ضمان نجاح " التجربة الديمقراطية". و لهذا فإن كل حديث عن الإمبريالية و النهب الإمبريالي، و كل إشارة إلى الصراع ضد الرأسمالية، هو " منظورات أيديولوجية قديمة" و " لغة أيديولوجية تستعير مفرداتها من أدبيات الحرب الباردة". يمكن ذلك، لكن فإن التأكيد على ديمقراطية الرأسمالية و مشروعها التحرري هو كذلك مستعار من أدبيات الحرب الباردة، حيث كانت " الدعاية" التي تمارسها الدول الرأسمالية تنطلق من أن الرأسمالية هي الحرية و الديمقراطية. لهذا فإن " الإتهام" بهذه الطريقة ليس مفيدأً على الإطلاق، الأهم هو توضيح التحوّلات التي أوجبت إعادة النظر في الرأسمالية.
لقد بلورت الماركسية موقفها من الرأسمالية قبل الحرب الباردة بأكثر من قرن ( 1843- 1848)، و أسسته على فهمها لطبيعة النمط الرأسمالي القائم على الإستغلال و النهب. هذا التصوّر تبلور قبل أن تنتصر الإشتراكية، و هو الأساس في تحديد الموقف من الرأسمالية إذا كان الشخص ماركسياً منسجماً. و هو الأساس الذي يتجاهله الأستاذ عمر، مؤكداً على " البعد التحرري"، لكن إحتلال العراق لم يكن منسجماً مع أي مبدأ ديمقراطي، لأن تغيير الأنظمة من الخارج قد سقط منذ معاهدة وستفاليا سنة 1648، و لن أدخل في نقاش حول " الممارسات الديمقراطية" للدول الرأسمالية، فهي أكثر من أن تُحصى، و أكثر ما تثير الضحك، لأن العراق وحده مثال " ضخم" في هذا المجال.
و أعتقد على العكس من ذلك، فإن الحرب الباردة كانت تلجم الدول الرأسمالية، و تفرض عليها سياسات " ليِّنة" في بعض الأحيان. لكن إنهيار الإشتراكية جعلها تفلت من عقالها، و هذا ما توضّح منذ سنة 1990، وبدءاً بالعراق كذلك. و إذا كان الأستاذ عمر قد تجاوز لغة أدبيات الحرب الباردة بعد إنهيار النظم الإشتراكية فله ذلك. و إذا كان يؤسس موقفه على " نفي كل ما هو قادم من الدول الرأسمالية و إعتباره شر مطلق يهدف إلى تدمير الإقتصاد و الثقافة الوطنية"، فهذه مشكلته التي أظن أنها السبب في إنقلاب موقفه و بالتالي ميله للتأكيد على إيجابيات الرأسمالية. لأنني لم أكن – ولست الآن- أرى في الرأسمالية شرّ مطلق، كما لم أكن أرى الإشتراكية المتحقِّقة خير مطلق. و بالتالي فلست أدعو إلى " حرب مقدسة" ضد الرأسمالية، بل أقول أن الإمبريالية الأميركية باتت قوّة إحتلال في العراق بغض النظر عن أهدافها " التمدينية"، لأن الهدف الأساسي هو النهب، و النهب لا يؤدي إلى "إعادة الإعمار" و الديمقراطية، لأنه يؤسس لتناقض عميق مع كل الفئات المفقرة.
و إذا كان قد حصل تقاطع بين " المعارضة العراقية" و السياسة الأميركية تحديداً ( لأن الدول الرأسمالية الأخرى فيما عدا بريطانيا رفضت الحرب و الإحتلال)، فقد قاد ذلك إلى أن يصبح العراق محتلاً ( و هو ما أقرته الأمم المتحدة). هذه حقيقة لا يستقيم الحوار إذا لم تقرّ، و بالتالي يمكن الإختلاف في طريقة التعامل معها، لكن لا يجوز " إستغفالنا" في ذلك. هل ستحقّق الديمقراطية و تنسحب؟ أعتقد أن من السذاجة بعد كل تجارب الإستعمار و الإمبريالية أن يعتقد أحد أن هذا ممكن ( و طبعاً لن أشير هنا لممارسات الإحتلال في العراق منذ سقوط بغداد)، لأن المدقّق في الآليات التي مارستها قوّات الإحتلال ل " بناء العراق الجديد" تتنافى مع أي مبدأ ديمقراطي ( و يمكن للأستاذ عمر أن يقرأ ما كتبته بعد فترة قصيرة من الإحتلال).
لن أكرِّر هنا الأسباب التي دفعت الدولة الأميركية لإحتلال العراق، و التي هي ليست أخلاقية و إنسانية على الإطلاق، و لقد إستثارت شعوب العالم كما يعرف. و أتفهّم الحاجة التي كانت تفرض تأييد " الشيطان" من أجل إزالة النظام الدكتاتوري، لكن و بعد؟ هل نبقى أسرى كابوس الماضي؟
المشكلة أن الأستاذ عمر يتهمني بأنني أحلم بعودة الدكتاتورية لأنني أدعو للمقاومة. لكن جوهر ما قلت هو أن هذا الموقف " القابل بالأمر الواقع" من قبل اليسار هو الذي يقود إلى " عودة الدكتاتورية": سواء دكتاتورية النظام الذي ينصِّبه الإحتلال، أو القوى التي تقاتل الإحتلال الآن. لهذا قلت بضرورة أن تلعب الحركة الشيوعية الدور الذي بات الواقع يفرضه، لأن المقاومة حينها يمكن لها أن تتحوّل إلى مقاومة شاملة ( و ليس كما إجتزأ و أوحى ). و إذا كنت لا أقبل بعودة الدكتاتورية فأنا لا أقبل بالإحتلال قطعياً، و فعلاً أرى أنه التناقض الرئيسي، و أنه هو الذي يستثير قطاعات الشعب العراقي المختلفة.
و بالتالي لا أسير خلف وهم أن يؤسس الإحتلال الديمقراطية، و ألحظ مدى النهب الذي يمارسه تحت شعار " إعادة الإعمار"، و أعتقد أن ذلك يزيد من إندفاع العراقيين للمقاومة.
أخيراً، أنا لا أقدِّم " إستراتيجية الحرب الشاملة" نيابة عن العراقيين، لأنني منهم، و أعتقد أن من حقّي مناقشة الشيوعيين العراقيين لأنني ماركسي معني بأن تتجاوز الحركة الشيوعية العربية مشكلاتها القديمة، التي هي بالضبط تلك التي يدعو إليها الأستاذ عمر، و التي قادتنا من هزيمة إلى أخرى، و من دكتاتور إلى آخر، لأنها كانت تراهن دائماً على آخر يحقِّق الديمقراطية و التقدم و حتى الإشتراكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء