الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واحد أيار لو كان حقيقة

صالح الطائي

2010 / 4 / 26
ملف بمناسبة 1 أيار 2010 - المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي



ليس بدعا من القول أن نعلن أن دين الإسلام كدين سماوي خاتم للرسالات السماوية لم يغفل أي جنبة حياتية مهما كانت بسيطة وساذجة ، ولذا انضوى منهجه الفكري على كم كبير من المفردات الحياتية التي تهتم بالجانب الإنساني للإنسان كقيمة عليا يجب أن تعيش وتعمل وتأكل وتمارس حياتها بكرامة بعيدا عن الاستغلال والجشع والتجويع والتسخير وسرقة الجهد. وعليه أفرد القرآن الكريم وأفردت السنة النبوية المشرفة حيزا كبيرا لمثل هذه المفردات الذي لو تم العمل به وفق الرؤية التشريعية لكان قد رفعت الحيف عن الإنسان مهما كان لونه وجنسه وقوميته واثنيته ومعتقده وديانته.
ومن يرجع إلى القرآن الكريم يجد عشرات بل مئات الآيات التي تحث على المساواة والعدل والإحسان والمعاملة الحسنة وحفظ الحقوق وعدم الاستغلال ورفض السخرة. أما في السنة النبوية المشرفة فتجد مئات الأحاديث التي تحث المسلم على تطبيق ما جاء في القرآن، وتشرح وتنظم باقي الجوانب الحياتية أيضا في مجال الحقوق والواجبات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الأمر النبوي ( أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) إضافة إلى عدد آخر من الأحاديث، وتجد عند الإمام زين العابدين ما يعرف بـ(رسالة الحقوق) التي حاول من خلالها تبيان الحق والواجب للحر والعبد وبين فيها حق العبد على سيده ومنه ضرورة تحريره ومده بالعون الذي يضمن له حياة كريمة وإطعامه من نفس طعام العائلة ودفع أجر عمله له، والعبد ضمن هذا السياق يعني العبد أو القن الذي تم شراءه بالمال أو المبادلة (عبد) ويعني كل أجير يعمل لحسابك (عامل).
وبين ذلك وهذه تجد آلاف الروايات التي لا يتسع المقام لذكرها والتي تمجد اعتراف الإنسان بقيمة أخيه الإنسان والإحساس بحقوقه والعمل على تمتعه بها من دون نقص أو تقصير.
ولكن الذي جرى كان خلاف المطلوب ولاسيما بعد أن فتحت الدنيا أبوابها للمسلمين فدخلوها من خلال نقلة مفاجئة حملتهم من بقايا حياة البداوة مباشرة إلى حياة الترف والنعيم والجواري والقيان والحرير والصولجان والخمر المعتقة في أغلى الدنان والجلوس على عروش مصنوعة من الذهب ومطعمة بقصب الخيزران (1) وهي المرحلة التي أحدثت تعارضا بين رؤى العقيدة وآراء الدولة فأصبح لزاما على الدولة أن تتخذ موقفا حديا لا خيارات فيه فهي:
إما أن تسمح للفكر الديني ومفرداته الحياتية بالعمل بحرية دون قيود وهذا سوف يؤثر على الدولة أشخاصا وكيانا.
أو تبدأ بتحجيم الفكر الديني وحشره في زوايا ضيقة لا تسمح له بالحراك لكي يبقى واجهة عرضية تشرعن للحكام ممارساتهم وتمنع الجماهير الفقيرة الجائعة من المطالبة بحقوقها التي تقرها المفردات الدينية.
عند هذه المرحلة وفي هذه النقطة تحديدا وقع الفصل بين المنهجين وتسيد المنهج المحكوم بمنطق الدولة كل الحراكات المجتمعية فولدت الأسواق التي تمتهن بها كرامة الإنسان سوقا للعبيد وسوقا للجواري وسوقا للمغنيات وسوقا للمغنين وسوقا لبنات الهوى وسوقا للغلمان الحسان، أما من حاز فرصة الابتعاد عن هذه الأسواق ولم يعرض للبيع فيها فقد تحول إلى سن صغيرة في عجلة الإنتاج وغالبا بدون مقابل أو بمقابل لا يوازي جزء يسيرا من جهده المبذول، وانتظمت الأمة في طابور الأمم التي تمتهن الإنسان وتحتقره فتحول العالم إلى طبقية استغلالية تبحث عن منقذ يساوي بين الناس.
ومع بدايات عصر التنوير والتحرير ارتفعت الدعوات المطالبة بتحرير الإنسان قبل تحرير الأوطان وكانت دعوة 1 أيار أو ما يعرف بعيد العمال العالمي واحدة من أجمل وأروع الدعوات المرفوعة، ولو قدر لهذه الدعوة أن يتم تبنيها من قبل نظم الحكم المختلفة ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، ولو قدر لها أيضا أن تطبق بشكل أكثر واقعية وعقلانية مما كانت عليه في المنظومة الإشتراكية لكان العالم اليوم غير العالم الذي نعيشه ونعيش مآسيه، ولكن لا المجتمعات غير الشيوعية رغبت بأخذ الفكرة وتبنيها ولا المجتمعات الشيوعية طبقتها بشكل يشجع الآخرين على أخذها وممارسة العمل بها.
هنا قد يدعي البعض أن الفكرة شيوعية بالأصل وتخص الفكر الشيوعي وحده وليس من المعقول أن تفعل في الدول الرأسمالية أو الإسلامية. وأقول إن الإيمان بهذا القول غير صحيح من عدة جهات منها:
• أن الإسلام على عظمته تقبل الكثير من الأفكار والسلوكيات التي كانت فاشية في المجتمع الجاهلي وأقر العمل بها بما عرف فيما بعد باسم (الإقرار) الذي هو واحد من ثلاثة أصول من أصول السنة النبوية. وهذا الأمر يجب أن لا يبقى موقوفا على عصر البعثة ما دامت الحياة تتطور بشكل متسارع كبير وما دام هناك الكثير من المستجدات والتعقيدات التي ترافق هذا التطور وأهمها موضوع توسع المشاريع الصناعية والزراعية ومشاريع الخدمات وغيرها من المشاريع.
• إن اغلب أو جميع النظم الرأسمالية تدعي أنها وضعت قواعد ونظم لكفالة العامل وحمايته من الاستغلال، وهي القوانين التي لا زالت فاعلة ولا زال العالم يعمل بموجبها ولو شكليا فقط. إن مجرد إقرارهم بوجود حقوق للطبقة العاملة يعني أن هذه الحقوق تحتاج لمن ينظمها وفق رؤى تديرها المنظومة الأخلاقية الإنسانية وليس منظومة رأس المال وجشعه وحلمه بتحقيق الأرباح على حساب مصادرة حقوق العمال.
• إن الأمم المتحدة التي هي أكبر منظمة دولية لم تغفل حقوق العمال وسنت قوانين ونظم لحمايتهم وألزمت الدول الأعضاء والمصادقة على تلك الاتفاقيات بوجوب العمل بها وتطبيقها ولو شكليا، وهو الأمر الذي أنطوى على الكثير من طرق الخداع لأنها كان عملا ينفذ للتسويق الإعلامي والدعائي أكثر منه عملا للبناء الحقيقي.
وأخيرا قد يرى بعض المثقفين أن كاتبا وباحثا في الشؤون الإسلامية لا يحبذ له الخوض في هكذا غمار ولاسيما وانه مشروع برعاية يسارية. وأقول لمن يعترض على ذلك: إني فخور بان أشارك في مثل هذه المواضيع لأني مسلم ملتزم والإسلام الحقيقي وليس إسلام المذاهب والتكتلات والأحزاب متسامح ولا يرفض الآخر ولا يقصي فكره فلكل إنسان حسب عقيدة الإسلام حرية القول والتفكير والتنظير وعلينا أن نشيد به إذا أحسن ونوجهه إذا أساء التقدير ولكن في كلا الحالتين ليس من واجبنا محاكمته على فعله وتنفيذ الحكام فيه.

الهوامش
(1) قصب الخيزران: القصب يقصد به الأحجار الكريمة وليس النبات المعروف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة