الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة والعنصرية

ناجح شاهين

2004 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


هل يبدو الوقت غير مناسب لهكذا عنوان، بالنظر إلى اضطرام نار السياسة الفلسطينية حول الفساد والإصلاح..الخ مع اختلاط الحابل بالنابل؟ أتوهم أن لا. فليس بالإمكان فيما نظن أن نفصل أمور الواقع السياسي عن الكل الاجتماعي الذي يلفها لف السوار للمعصم. كل ما هنالك يتأثر ويؤثر في غيره من معطيات الواقع. كأنما سلاسل من الحبال مشدودة بعضها ببعض.
يدور الحديث عن إصلاح السياسة والمال والأمن، لكن ذلك في حاجة إلى إنسان يدافع عن الحق والعدل والخير والجمال. وهنالك في الواقع معطيات مجتمعية لا علاقة مباشرة للسياسة أو على الأقل الواقع السياسي الراهن بها. مثلاً لا علاقة للوضع السياسي بموقفنا من المرأة أو موقفنا من اللون الأسود أو حتى الأسمر. أرغب في إعطاء أمثلة على ذلك من واقعنا الحي.
كنت أظن مخلصاً أننا مجتمع غير عنصري، وأن الأوروبيين يختلفون عنا بعنصريتهم. وقد صخبت و" فجرت" و"فضحت" الدنيا عندما قالت لي صديقة كندية أننا في الواقع عنصريون. وقد أكدت لي أن صديقها السنغالي أو الفرنسي من أصل سنغالي يعاني كثيراً من تعليقات على مدار الساعة في الشارع من قبيل " سمرة عبيدة هي هي" وأود في هذا المقام أن أخبر القارئ الكريم أن صديقتي لا تعرف العربية، ولكنها تحفظ بعض المصطلحات أو المفردات التي تتعرض لها بكثرة. وقد اعتذرتُ بأن هؤلاء على الأرجح أطفال، فردت بأنه حتى لو كان ذلك صحيحاً لما غير في واقع الأمور شيئاً، لأن الأطفال مرآة المجتمع.
الحق يقال أن المسافة بين اليقين وبين الظن كبيرة. وفي أحيان معينة، خاصة في حالتنا العربية الفلسطينية الراهنة، كثيراً ما نتوهم أشياء لا وجود لها، مثل المزاعم الكثيرة حول التسامح، بينما نحن نخفي رأسنا في الرمال ونغفل التشدد في كافة مظاهر الاختلاف والتنوع. وحين تحين الساعة الملائمة تقع الانشقاقات والحروب من كل لون وشكل فيهالنا الأمر ونتخيل كأنها قد نبعت بقدرة ساحر أشر، وأنها لم تكن هناك طوال الوقت.
أنا فلاح أسمر كالكنعانيين. وكان من الممكن بالطبع أن أكون بدوياً أسمر كحال جذرنا العروبي اليمني، ومعنى ذلك أن السمرة في بلادنا اصلية وليست مكتسبة. ومن هنا نجد من الطرافة بمكان أن يعتز الناس بالبياض ويميزونه على " السمار " إلا إذا كانوا على حد ما يقول عادل سمارة " يكرهون " أنفسهم. أتذكر أن هشام شرابي مرة ادعى أن العربي يحتقر نفسه في معظم الأحوال، عن وعي أو عن غير وعي.
أصدقائي وجيراني في زمن ما مضى وانقضى كانوا من المدينة. لا أريد أن أذكر أية مدينة. في إحدى المرات ربة البيت وكانت صديقة حميمة اشتكت لي أن ابنتها التي تدرس في الجامعة تحب " ولدا"، فقلت لها لا ضير كل البنات " بحبوا " فقط راقبي العلاقة للوصول بها إلى بر الأمان. قالت أنا "مش فارقة عندي المشكلة إنو مش بس فلاح كمان أسمر". على الرغم من روح الدعابة التي واجهت بها الموقف إلا أنني أحسست أنه على الرغم من كل الصداقة والجيرة الحسنة فأنا أبقى في عيون جيراني فلاح أسمر. وهو صنف من الناس وإن كان أهلاً للمجاملة أو تجاذب أطراف الحديث معه فإن الأمور لا تصل ولا يجوز أن تصل حد الحب والزواج إذ هنا ينتهي المزاح ويبدأ الجد. وعند دخولنا ذلك الحيز الجاد يتضح أننا عنصريون من الألف إلى الياء.
لكن لو حلفت لكم اغلظ الأيمان لما صدقتم أن عاملة من " عمالنا " الكبار في حقل التربية والتعليم الأكثر تعاسة في هذه البلاد تسأل معلمة عندها ما إذا كانت تحب ابنتها السمراء، فترد الأم بدهشة – لا تعترض على عنصرية السؤال وتفاهته ولكن فقط على عدم معقوليته- إنها في كل الأحول ابنتي. لنلاحظ أن ما ضاعف مصيبة اللون هنا هو أن الطفل أنثى. ولو كان ذكراً لكان البلاء خفيفاً والسمرة لم تمنع أبا زيد الهلالي من أن يكون كذلك وهو لم يمنع عنترة العبسي من كل شيء تقريبا على الرغم –بالطبع- من كثير من المعاناة لكن عندما تكون أنثى فالمشكلة تأخذ أبعاداً أخرى دون شك. في المثال السابق يتضح الموقف الغريب الذي تقفه المرأة حتى المتعلمة في قضايا العنصرية وفي قضية المرأة.
أود أن أؤكد أن النظرة المجتمعية التي يتفق عليها النساء والرجال هو أن الولد الأبيض هو غاية المنى، إنه عين الكمال ولكن البنت السمراء هي غاية المكروه إنها عين النقص والابتلاء. لو كانت بيضاء لكان الأمر أهون. لو كانت ولداً أسمر، يعني مستورة. أما بنت وسمراء فهو كثير، وهو أيضاً رأي تجمع عليه النساء قبل الرجال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يستدعي ألوية احتياطية لجنوب لبنان.. هل فشل


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يقتحم مخيم جباليا بشمال قط




.. من غزة | مجمع الشفاء يعود إلى الحياة


.. الاحتلال يكثف قصفه المدفعي على المناطق الجنوبية بلبنان




.. مسيرة أوكرانية طراز -إف بي في- تدمر مسيّرة روسية في الجو