الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صيد الخاطر 6

محمود المصلح

2010 / 4 / 27
سيرة ذاتية



اليوم في بقج ..اليوم في بقج ..

البقج جمع بقجة والبقجة ( صرة من القماش بداخلها ملابس والعاب واشياء متفرقة ، كانت وكالة الغوث توزعها على الطلاب في المدارس التابعة لها ، وكانت تأتي على شكل هدية من شعوب العالم بعد محنة الشعب الفلسطيني وشتاته في أرجاء الأرض ) .

وقفنا في الطابور الطويل ( جميعنا من القرع ) الاقرع من ليس له شعر على رأسه ، بملابسنا الرثة ، وإبراهيم العطية( زميلنا ) ، تظهر رقعة بنطاله أمامي ، وحقيبة عطوة ( زميل آخر ) التي اقتصت من كيس طحين ، وبقيت كلمة ( هدية من شعب الولايات المتحدة ) .

ذهبنا الى الخيمة القصية في الزاوية ، ووقف كل معلم مع طلابه ، لنشرب كوبا من الحليب سيء الطعم وكريه الرائحة ،وكان المعلم يأمرنا بشرب الحليب رغما عنا ، فلا إرادة لنا في ان نقبل او نرفض ، وكل ما كنا نقوم به تنفيذ الامر وكأننا في معسكر اعتقال . من يشرب الحليب يذهب إلى الطابور الآخر في منتصف الساحة .

رياح كانون تصفر ، وتصفع وجوهنا ونحن نقف في الساحة الطينية الموحلة ، التي تصطف حولها الخيام ، كانت الخيمة ذات العمود المكسور هي صفي ( الأول الابتدائي ) بعض الخيام استطاعت أن تقاوم الرياح والمطر ،لكن السارية التي كانت تحمل علم الأمم المتحدة بلونه الأزرق المميز لم تكابد ما كابدت الخيم وما كابدنا .

الأستاذ محمود الشمالي ، بيده المؤشر الطويل الذي طور استخدامه من مؤشر إلى عصا وأداة عقاب ، يتجول بمعطفه الاسود الانيق ، ورائحة التوباكو تفوح من غليونه ، كأنه امبراطور او قائد عظيم .. هكذا كنت انظر اليه وهو ينادي على الاسماء في قائمة بيده .. كانت حركة الطلاب امامي حركة بطيئة جدا .. احمرت انوفنا وتجمدت اصابعنا ، وكنا نرتجف من البرد .. لكن ما أن نشاهد احد الطلاب يخرج من الخيمة الكبيرة ( خيمة المدير ) كانت مقابل السارية التي تحمل العلم . ما ان نشاهد احد الطلاب يخرج وبيده ( البقجة ) حتى تسري في دمائنا حرارة تدفعنا على الصبر .. والانتظار .
بعض الاباء احتراما للمعلم والمدرسة لم يقتربوا من الطابور والطلاب .. واكتفوا بالانتظار خارج الساحة .. فما ان يظهر ابن احدهم او من يهمه حتى يأخذ البقجة من يده خوف ان يسرقها ضعيف نفس او متسلط او ان تسقط على الارض الموحلة .. كنت في مؤخرة الطابور .. حيث كاان الترتيب حسب الحروف الهجائية ..
لا ادري كيف فقدت نفسي فلم اجد في الطابور بل في الساحة غيري .. حتى الاستاذ محمود الشمالي انسحب من الساحة .. ولم يبقى غيري..
تقهررت الى الخلف مقهورا ، حزينا بائسا ، تكاد اطرافي ان تتجمد من البرد ، ولم اجد من ينتظرني في الخارج ،
رحت ابكي بكاء داخليا فيه من الاحتراق ما يكفي لحرق قلبي لسنين ، ولم اشعر بتك الحالة من القهر ، كما شهدت واحسست ، على الباب كان في استقبالي امي واخوتي .. وهم يسألون عن البقجة ، وما فيها ... فلم ادري كيف افسر او ابرر ، وفي اليوم التالي .. اكتشفت انهم كانوا ينادون على الاسم الأول متبوعا باسم العائلة ... فلم انتبه لاسمي .. ولم ينتبه الأستاذ لمن بقي في الساحة ، حيث لم اجب ولم أبادر إلى الخيمة الكبيرة ، نادى الأستاذ على الاسم التالي .
احضر الأستاذ البقجة ، فشعرت بنوع من الرضا .. ولكنه لم يكن شعورا بالسعادة كما لو كنت استلمتها باليوم الاول بعد الطابور ومع الاخرين . ولم افرح بالبنطال ، واللعبة ، وربما البيجاما ، وكيس من قطع الليجو الملونة ذات الأحجام المتفاوتة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م