الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل والدين Mind And Religin

وليد مهدي

2010 / 4 / 27
الطب , والعلوم


عندما يسمع أي ُ إنسان ، في شرقنا العتيق أو في الغرب المتحضر ِ، كلمة " دين " تحل على مشاعره فجأة ً و بإنسلال ٍ خفي يداعب الوجدان أرديــة ًَ ملونة ً من الإجلال والخشوع.. !

لماذا يحتل الدين هذه المكانة ِ في عقولنا وضمائرنا ..؟
ومـــا هو الدين بمعيار علمي موضوعي ..؟

الدين، و في ظاهر تعريفه الاجتماعي الشعبي ، هو المنهج " الحق " الذي " يجب " على البشر إتـّباع قواعده وتعاليمه وطقوسه لتكون هذه الحياة َ أفضل ، لنكون َ بشراً سعداء َ أكثــر ..
الدين ، وبتعريفه اللاهوتي الفلسفي الأعمق في سفــر الوعي الجمعي الإنساني ، هو عقيدة ٌ إلهيــة المصدر .. تهدف ُ إلى تنظيم شؤون بني البشـــر ..!

لكنه ، وفي خفــي أسرار ِ كنهه ِ المعرفيــة ِ العلميـــة ِ ، وكما قدمنا لهــا في مقالنا السابق عن العقل والحرية والحضارة ، هو طريق ٌ يتعالى بــه البشــر ُ عن ميولهم و أهوائهم خدمة ً للصالح العام ، عن طريق وسيلة مفاهيمية بالغة القدم : الترغيب والترهيب ..

الابتعاد عن الرغبـــة و الاقتراب من فعل ما نكرهه خوفاً من عقاب ٍ وطمعاً في ثواب .. !
فالدين ، كعقيدة تحملها العقول ُ والنفوس ، يحتمل التناقض كونه ِ في غايته الأساس وجد لخدمة الصالح العام ، شأنه شأن الدولة ، لكنه يعتمد أسلوب الترغيب والترهيب الذي تنتهجه دولة القانون ِ والنظام ُِ أيضاً .. ولكن .. عبــر إطار " الفضاء – زمن " ، هذا المتصل رباعي الأبعاد الذي كشفته لنــا النظريــة النسبيــة ِ العامـــة ..!

فالدين لم يسبق ظهور الدولة فيما يبدو ، فالدولة تنفذ الأحكام ، والعقاب على وجه الخصوص آنياً ، ضمن إطار اللحظة التي تستشعرها الحواس ، و نادراً ما تثيب الدولة ُ مواطنيها ، مــع ذلك ، الدين يعد البشــر بعقاب ٍ خارج الفضاء – زمن ، وبثواب ٍ خارج منظومة الأبعاد الرباعية تلك ، المنظومة التي تتجاوز اللحظة الحسية في الدماغ ..!؟

الدين ُ إذن ، ينطلق ُ من قاعدة " الغرائز " المتجذرة في قاعدة الدماغ Brain Stem، لكنه ينتهي في الأجزاء الحركية التوقيتية المدركة للأبعاد الأربعة ..؟!

فهو يبدأ من مثيرات الإنفعال الحسية مروراً بالنتوء اللوزي Amygdale ، الذي يمثل الخبرة الإنفعالية العاطفية في الحيوانات ، لكنه في الغنسان تطور في الفصوص الامامية ليشكل دائرة جديدة معقدة تربط مقدمة الجبهة الدماغية مع لوزتي المخ والاجزاء الحركية لتشكل بكليتها رؤية لفضاء افتراضي خيالي لدى البشر ، وربما هو ما يميزهم عن الحيوانات من اللبائن الاخرى ..

جميع ُ هذه العمليات الدماغية ، الطامعة ُ بالثواب والخائفة ُ من عقاب تجري عملياتها في جـُـلها في نصف ِ كرة المخ اليمنى ، الجانب العاطفي – الغريزي من منظومة العقل .. مع وجود تنظيم ٍ لهذه العمليات يقع في خارج الدماغ فيما يعرف بالمخيخ Cerebellum .. ولا يعني هذا بأية حال ٍ أن لا تجري مثل هذه العمليات في النصف الأيسر وخصوصاً في الأجزاء الحركية ولكنها تحدث بصورة ٍ أقل ..

إنها عمليات طبيعية في الفقريات ومنها الرئيسيات Primates و اللبائن Mammalians التي ننتمي إليها في سلم الكائنات حسب التصنيف البيولوجي ، فالحيوانات تخشى النار .. وتنجذب للطعام والروائح والشريك الجنسي ..

الدين ، وكما يقوم بتشريحــه ِ العَـلـْـمانيون ، ينطلق ُ من هذه الغرائز ، لكن ما يخفى على الكثير من عـَلمانيينا " اللاعلميين " هو أن الدين لا ينتهي بذلك .. بل يتجاوز بقفزة ٍ نوعيــة نحو " الإدراك رباعي الأبعاد Four Dimensions Cognition" ، بفضل التداخل بين عمل لوزتي المخ وباقي الأجزاء الانفعالية العاطفية مثل قرين أمون Hippocampus والفصوص الجبهية من الدماغ ، هذا التداخل هو الذي ميز بني البشر عن باقي اللبائن ..

فالنار التي يخشاها البشــر حسب الموروث الديني ليست هي النار التي تخشاها الحيوانات ، فالحيوانات تخشى النار وفق إشارة مستلماتها الحسية البصرية والجلدية الحرارية ..

لكن ، البشر ، والمتدينين خصوصاً ، يخشونها لكونهم سيواجهونها فيما بعد حياتهم ، بسبب تكون الفضاء الافتراضي في الوعي بفعل الدائرة المعقدة تلك ( مولدة الخيال ) خارج إطار الزمان والمكــان ، كذلك هو الثواب ُ الذي تطمع به ميولهم وغرائزهم ، هو واقع ٌ افتراضي .. يقع ما وراء النظريــة النسبيــة Relativity Theory .. !!

الدين ُ إذن ، بغض النظر فيما إذا كان خياله الافتراضي الذهني حقيقي وله وجود فعلي ام مجرد أوهام جمعية ، يلعب ُ دوراً خفياً في تطوير القابليات الإدراكية رباعية الأبعاد في الدماغ البشري ، بل إن ظهور قابليات إدراك الزمان والمكان " الافتراضية " وتوقيت التسارع بين الأجسام المتحركة في المحيط كان من الطبيعي أن ينتهي تطورها في المنظومة العصبية ِ بظهور الدين كواقع ٍ افتراضي " ذهني " يتشارك به مجموعة ٌ من البشر أو أمــة ٌ من الأمم في غاية ٍ تهدف إلى إعادة بلورة وتنظيم الواقع الحقيقي الفعلي ثلاثي الأبعاد كما تفعل اليوم بنا شبكة الإنترنت .. مع فارق بيـّـن ٍ واضح بين شبكة ٍ تجتمع بها الحواسيب وشبكة ٍ تتجمع فيها " المشاعر" أو النفوس ُ ما تعارف منها أأتلف وما تناكر اختلف !!؟

ألا تشكل شبكة ُ الإنترنت واقعاً افتراضياً يساعد ُ كثيراً في تنمية العقل ِ والمخ لدى البشر مع إن هذا الواقع غير حقيقي بمعايير التشكل والتجسم المادي ثلاثي الأبعاد ..!!؟؟

أو ليس الدين ُ صاحب الفضل الأكبـر في تنمية " الخيال " لدى الفرد البشري ..؟؟
هل سيكون هناك اليوم َ فــن ٌ في عالمنا ما لم تكن في حياتنا يوماً الأساطير .. ؟؟

هل يمكننا قيادة سيارة ٍ أو طائرة ٍ ما لم تكن لدينا " ملكة " خيال تقديري لأبعاد الزمان والمكان مجتمعة كما تصفها النسبية ..؟؟

قد لا يبدو هناك أي ارتباط بين الدين والرؤية رباعية الأبعاد ، لكن مراجعة تاريخ الدين ونشؤه يحتم علينا هذا الترابط ، فالدين بدأ كسلطة كونية للعقاب والثواب الدنيوي قبل أن يمتد إلى البعد الأخروي ما وراء الزمني .. على الأقل هذا ما عرفناه لدى السومريين ، الذي كانوا يؤمنون بالدين طمعاً بالثواب الدنيوي وخوفاً من العقاب الدنيوي ..

الدين السومري بين النهرين ، حيث سكن آبائي الأولين ، كان دين العقاب بعد يوم ٍ أو يومين أو سنة ٍ من ارتكاب الخطيئة ..

لم تكن الشريعة واعدة بحياة ٍ بعد الموت يستوي فيها الميزان ، الثواب والعقاب قد يكون اليوم أو غدا من قبل الآلهــة .. !

لم تتحقق القفزة الكبرى في تاريخ الدين إلا لدى قدامى المصريين .. الذين رأوا في " الآخرة " خلاص الإنسانية ، رغم أن العلمانيين يفسرون ذلك باستغلال الطبقات الحاكمة والدينية لمشاعر الناس بالسيطرة عليهم دون أن يراعوا في حكمهم هذا " مسار " تطور الرؤية رباعية الأبعاد للخيال الخلاق للواقع الافتراضي الجمعي في عقول الأفراد الذي نسج لنا أساطير الدين ..

وبالرغم من كل التفسيرات تلك ، و التي يمكنها تبرير تطور الدين على هذا النحو ، لكن متابعة مسار تطور الدين من الأقوام البدائية جداً قبل الحضارة فالسومريين فالمصريين .. وصولاً إلى ديانات التوحيد التي نفهمها بوضوح اليوم مجتمعة على هدف " الآخرة " نجد بان الدين مجرد " إفراز excretion " موضوعي لتطور البنية العصبية الدماغية الإدراكية للمفهوم الكلي الجامع الذي نسميه العقل Mind ..

و الأبحاث المعاصرة التي تحاول الكشف عن " موقع " في البنية العصبية الدماغية التي تجري في الغرب اليوم دليلٌ بيـّن على أن الدين يعطي إشارات ٍ ودلائل لعلماء الأعصاب بأنه يكاد أن يكون متجذراً في البنية العصبية الدماغية ، وعبر العرض الذي قدمناه في البحوث السابقة ، يتبين لنا " موقع " الدين في هيكل " العقل " العام ..

الدين يحتل موقع " العقل الحتمي Determinism Mind " ، العقل الذي لا يؤمن بالخيارات المتاحة كثيراً ، وبالتالي فإن الدين هو " فكر الحتمية Determinism Thought " الذي تصادم مع فكر الاحتمالية الغربي المعاصر الذي ناقشناه في المقال السابق ..

وبصورة عامة ، للدين مزايا كما له مساوئ ، فإن كان قد اقفل العقل في آخر مراحل التقدم ، فهو قد ساعد " العقل " على القفز إلى ما وراء إمكانيات الطبيعة المتاحة ..!

تماماً مثل " عقل الحرية " ، يجرنا اليوم للهاوية .. ولا نجاة إلا بالعودة إلى منظومة العقل الحركية رباعية الأبعاد ، سيعود الدين لواجهة الحضارة "حتماً" ..
ولكن انطلاقا ً من نهاية العلم وتعريفه للحتمية ..
برأيي الشخصي ، الدين في القرن الحادي والعشرين ، ولكي يرسم " حتمية علمية " جديدة لابد أن ينطلق من " هندسة ريمان " .. هندسة الزمكان وليس من التوراة أو الإنجيل أو القرآن ..!
هندسة معرفة الذاكرة .. والعالم رباعي الابعاد للوعي ، العلاقة بين الفيزياء والوعي ، حقيقة وجود " الاكوان الموازية " ...إلخ ..
لذلك ، فردة الدين المعاصرة التي تتمثل بالصحوة في العالم الإسلامي ، واليمين المتطرف في العالم المسيحي ، وعودة الشيوعيين الصينيين للكونفوشيوسية إنما تحمل دلالات عودة الوعي الجمعي الكلي إلى " الحتمية " بعد فوضى الحرية العارمة التي شهدتها ساحات الفكر والثقافة والإيديولوجيا السياسية في القرن العشرين ..!

الحتمية الدينية عائدة ، لكنها ليست ديانات الاولين ، إنها صورة معقدة اختصرها المرحوم الدكتور الحارث عبد الحميد بقوله :
الباراسايكولوجي دين العلم ..
ونزيد عليها :
الحتمية حاولت العودة للفكر والوعي الجمعي الإنساني بالماركسية ..
ستعود هذه الحتمية بالسايكوترونك ، العلم السوفييتي الذي أجهض قبل ولادته ، وقد تحمل مسمى الباراسايكولوجي او السايكوفيزيا أو فيزياء الوعي ... لا تهم التسمية ..
المهم .. يا عشاق الحرية ولاعني الدين ..

شئنا أم ابينا ، الحتمية عائدة عبر رحبات الفيزياء والسيكولوجيا ، وغداَ لناظره قريب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ابتداءً من 5 يونيو | المملكة المتوحشة | ناشونال جيوغرافيك أب


.. استشاري أمراض قلب: الجرعات البسيطة من زيت السمك مفيدة إذا كا




.. استشهاد طفل فلسطيني في قطاع غزة بسبب سوء التغذية


.. الصحة العالمية: توقف الخدمات الصحية في رفح بعد خروج آخر مستش




.. فيضانات تجتاح جنوب ألمانيا.. والطائرات تتدخل لإنقاذ المحاصري