الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة سوسيونقدية لرواية (ابنة القومندان) للروائي شريف حتاتة

صادق الطائي

2010 / 4 / 27
الادب والفن



يواجهنا الاستاذ شريف حتاتة عند عتبة النص مشيرا الى عدم معرفته لجنس هذا النص ، هل هو رواية؟ او مسرحية؟ ام احلام جاءته وهو في معتقل الواحات؟ ويمكننا ان نجيب على ذلك قائلين بل ومؤكدين اننا امام رواية واضحة المعالم من حيث البناء والحدث وحركة الشخصيات في هذا الفضاء الابداعي.
ان الجو العام لرواية (ابنة القومندان) يوحي بأن المؤلف قداستعان بتجربته الشخصية اثناء تعرضه للاعتقال في اكثر من معتقل ابان اشتغاله بالعمل السياسي السري ، وبشكل خاص تجربة الاعتقال قي معتقل الواحات الصحراوي ، الا ان هذه الاستعانه لم تحل المتلقي الى تجربة سرد تقترب من السيرة الشخصية ، فمن البديهي ان يتوقع المتلقي رواية من نوع مايمكن ان يطلق عليه (ادب السجون) ، وهي ذلك النوع من الروايات التي تسرد معاناة تجربة السجن وخصوصا تجارب (سجناء الرأي)، الا اننا في رواية ابنة القومندان امام نوع مختلف من السرد ، فالعلاقات الداخلية بين شخصيات العمل علاقات شفيفة وربما يمكن وصف السرد الذي اشتغل عليها بأنه تصوير لمشاهد الغبش الصوفي الذي يغلف تلك العلاقات، وان السرد سعى في اكثر من مكان الى الرومانسية المفرطة التي تكاد ان تصل به الى نوع من الاسطرة او الحكي الشفاهي الذي يسرد سير العشاق الخالدين مثل قيس وليلى وروميو وجولييت، فالبطل (حمدان محمد عميرة) بطل اشكالي محض ( مات ابوه وهو صبي صغير، احيانا يتذكره بوضوح ، واحيانا يتوارى كالشبح في قصة من قصص سندباد) وهذه سمة مشتركة للكثير من الابطال الاشكاليين في الميثولوجيات والقصص الشعبي ، ان هذا الاب الميثولوجي قد رحل تاركا الصبي بلا مال او طين او عزوة عائلية يحتمي بها ، وان المفارقة السحرية تتضح عندما نكتشف ان تركة الاب لم تكن سوى كراسة صغيرة زرقاء اللون كتب فيها ابياتا من الشعرومسبحة ، لكن الطفل (حمدان) وكأي بطل ميثولوجي يمشي شامخا قويا لا ينحني امام صعاب ينخ امامها الكبار، فنراه مثلا في احالة واضحة الرمزيه في عراكه مع ابن الجزار الذي اقترب من سن الرجولة والذي يكبره عمرا وجسدا ، نرى (حمدان ) يمرغ عنجهية ابن الجزارالطفولية الفارغة بالارض.
وان مثل هذه الشخصيات الاشكالية عندما تحب لابد ان تكون متفردة ايضا ، فهو لم يحب بنت الجيران مثل باقي اقرانه ويقبل بما قسم له نصيبه ، انما نراه قد احب البنت الاهم في قريته ( ابنة مقاول الانفار) ، واستكمالا لبناء هكذا شخصية نجد الراوي قد جعل مهنته (شاعرا) ولايخفى ما لذلك من ابعاد .
لقد اتكأ الراوي على كينونة البطل الشعرية كثيرا في بناء وحركة وايقاع السرد ، لان الشاعر و/او المثقف ،هو ضمير الامة ومحرك التغيير فيها وبالتالي فهو الاخطر بالنسبة للانظمة المستبدة النائمة على عرش قوامه ترسيخ التخلف وادامته في المجتمع واغتيال الخيال الابداعي لدى افراده، لذا فأننا نجد القومندان يصرح بأن (حمدان) سجينا خطرا لايمكن الافراج عنه باي حال وذلك(لانه يمتلك خيالا) ، وفي محاولة بائسة من ادارة المعتقل لمحاصرة الخلق والخيال ، يحرم (حمدان) على مدى سنوات الاعتقال من الورق والقلم لانها ادوات مساعدة على الخلق والابداع –المرعب- الذي يقض مضجع الانظمة الشمولية.
وبذلك نحن امام عمل يفارق ما اعتدناه من رواية السجن بسماتها المعروفة التي ربما كان ابرزها اضهار صور القسوة المفرطة التي يتعرض لها السجناء السياسيين على يد جلاديهم عبر سرد تفصيلي لصنوف التعذيب النفسي والجسدي المجاني لانتزاع اعتراف منهم او لاجبارهم على تغيير معتقداتهم ، ويمكننا القول ان (ابنة القومندان ) لم تطرح نفسها كرواية سجن تقليدية ، انما يمكننا ان نحس ان السجن فيها هو اسقاط رمزي على كل الحياة المعاشة ، اي ان الوطن قد استحال في اجواء الرواية الى سجن يحكمه قومندانا غريب الاطوار ، قاسي القلب ، يفيض كرها لكل شيء و لكل مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية.
ولابد من ان نشير الى ان مكان الحدث في ( ابنة القومندان ) قد تم تمييعيه ، فبرغم الجو المصري للاحداث الا ان الفنتازيا تحيط بالحكاية بطريقة تجعل احتمالية حدوثها في اي معتقل صحراوي في بلداننا المبتلاة بالرزوح تحت وطأة الانظمة الشمولية ، ورغم التأكيدات الجغرافية التي تصف المعتقل وتحدد مكانه قرب الحدود السودانية ، الا ان مسميات وتوصيفات مثل ( معهد التدريب والاصلاح) ، ( القومندان ) ، ( المشرف العام ) ، ( رئيس اتحاد النزلاء ) كلها احالات اكسبت النص غلالة تقربه من اجواء ادب امريكا اللاتينية.
ومن مقاربات امريكا اللاتينية ايضا تدفق الواقعية السحرية في علاقة البطل(حمدان محمد عميرة ) بـ (الشاب – شاهد الملحمة) ، فعلى امتداد سنوات علاقتهما في المعتقل لا يتم بينهما اي تبادل للحديث ، انما يحركهما الراوي عبر الاحساس الجمالي والوجداني والصوفي الذي يغلف مسيرهما اليومي وجلوسهما ومراقبة قرص الشمس ساعة الشروق وانشداههما بالوان السماء والصحراء العجائبية التحول.
ولايمكننا ان نغفل بناء شخصية (القومندان – مصطفى الحناوي ) في هذه الرواية فقد ولد في يوم حريق القاهرة يناير -1952 في دلالة رمزية عن التنين الرابض في هذه الشخصية. وابتعد شريف حتاتة عن الرسم النمطي للشخصية المطلقة الشر وحاول ايجاد خيوط بيضاء في السواد الحالك المغلف لكل تفاصيل هذه الشخصية ، وذلك عبر علاقته بأبنته ( كريمة)، تلك العلاقة محكومة بشد وجذب ، فهما قطبان بينهما تجاذب لكن التنافر يحكم علاقتهما فيبقيها مستمرة لكنها سائرة على شعرة التوتر،
ولابد من الاشارة الى ملامح البناء الميثولوجي وفق رؤيا المأساة اليونانية التي تغلف العمل ، فالشاعر ولد حاملا صخرة قدره ، ورغم ذلك فهو لا يساوم ولا ينحني ولا يرضخ للترغيب عندما يعرض عليه النظام المستبد منصبا كبيرا، بل نراه يقابل ذلك بشكل فنتازي وذلك بشد لحية الضابط الكبير الذي يكلمه ، مما يسبب نقله الى المعتقل الصحراوي . اما القومندان وفق هذه الرؤيا فهو متحدر من عائلة تعشق البوليس والسلطة وقدره انه ولد وفي داخله يكمن تنين يحرق ويدمر ويفكك ويحطم كل شيء ويحيله الى تل رماد يجلس عليه منتشيا بأنتصاره، فهو صورة رمزية لاله الشر في هذه الميثولوجيا، اما الطرف الثاني في هذه المعادلة فهي (كريمة – ابنة مقاول الانفار) و (كريمة – ابنة القومندان ) المتطابقتان حد التحول الى معشوقة واحدة ، ولدت وقدرها ان تتحدى في سبيل عشقها الذي غالبا ما كان غير عقلاني لتنتهي على مذبح العشق شهيدة عشقها ، اما ( الشاب ) صديق بطل الملحمة ، فهوالضلع الرابع المكمل لمربع الملحمة، الذي حمل معاناة شهادة الكارثة وعاش وهاجسه الوحيد ان يوصل هذه الملحمة الى الناس قبل ان يغيبه الموت الزاحف مع سنوات العمر الراكضة، وبرغم القناع الدرامي الذي استعمله الراوي في نهاية الرواية ، الا ان ذلك لم ينقص او يحد من سحرية وعجائبية ( ابنة القومندان ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو