الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين البرادعي وصدّام

صالح مجيد

2010 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


في استعراض عام لآراء المواطنين في الدول العربية من خلال وسائل الإعلام ومواقع الانترنت ، نجد أن الغالبية الغالبة ما زالت تؤيد نظام صدّام حسين متمنية عودته إلى حكم العراق. ويعتقد العديد أن صدّام نموذج للـ "سوبر مان" القومي ومثالا للعزة والكرامة العربية ، وبعضهم يعتقد أنه ما زال حياً ، ويؤمن البعض الآخر أن وجهه مرسوم على سطح القمر كما روّج لذلك مؤيدوه في العراق عبر رسائل الهواتف النقالة بعد إعدامه.
ومعروف أن أغلب الدول التي يجري فيها هذا الترويج - بدعم من حكوماتها طبعا - تفتقر إلى أنظمة ديمقراطية ما عدا الكويت ولبنان اللتين تتمتعان ببرلمانات فاعلة ، مع فارق أن الكويت ذاقت حقيقة نظام صدّام حسين منذ غزوه لها عام 1990 ومدِّ حكمه عليها متجاوزا القوانين والأعراف الدولية ، وسيادة دولة لها علمها ودستورها وعضويتها في الأمم المتحدة .. هذا الحكم الذي أسقط قناعه بنفسه ، وقدم تعريفا مجانيا لوجهه الحقيقي أمام المجتمع الكويتي ليكون شاهدا تاريخيا عليه أمام المجتمعات العربية الأخرى ، والعالم.
وانبنى موقف الدعم العربي الدولي لنظام صدّام حسين بعد دخول القوات الأميركية وحلفائها إلى العراق عام 2003 حيث بدأت المؤسسات الإعلامية العربية بخلط الأوراق وترجيح فكرة "الاحتلال" على فكرة "إسقاط الدكتاتورية"، وتشبيه الإرهاب في العراق بالمقاومتين السياسية - السلمية لفتح ، والعسكرية لحماس في الأراضي الفلسطينية. ورافق هذا التوجه دعم لوجستي عالٍ لقياديي النظام السابق وعسكريّيه وإعلاميّيه ورجال أعماله وكتابه وشعرائه وفنانيه في غير دولة عربية.
ففي سوريا وصلت المواجهة بين الحكوميِّين العراقيين والسوريين إلى ذروتها العام الماضي حين ردت الحكومة السورية على الاتهامات العراقية لها بدعم الإرهاب ، بعد تداعيات الأربعاء الدامي في بغداد ، بقول الرئيس بشار الأسد إن هذه الاتهامات الموجهة لبلد يحتضن أكثر من مليون عراقي هي تصريحات "لا أخلاقية". كما أن الحكومة العراقية تتهم سوريا بأنها فتحت الباب واسعا أمام قادة البعث الذين طالب بهم العراق في أكثر من مناسبة.
أما الأردن فقد احتضنت عائلة صدّام حسين ومنها زوجته التي كانت تُعدُّ من أثرى سيدات العالم. وارتفعت شكاوى العراقيين الداخلين إلى البلاد نتيجة التعامل الطائفي من رجال الأمن وطرح السؤال التقليدي على كل منهم: "شيعي أم سني؟" إلى الحد الذي طلب فيه رئيس الوزراء نوري المالكي شخصيا من الملك عبد الله الثاني أن تتوقف مثل هذه الإجراءات ، بينما وصل التأييد الشعبي الأردني لصدّام إلى منح العراقيين وظائف في الأردن على أساس الإجابة على السؤال: "هل تحب صدّام ؟".
أما في دول عربية أخرى ، فقد بنى الكتاب والفنانون الذين عرفوا في السابق بأنهم من "فئة السلطة" ، بنوا ترسانة إعلامية جبارة جل اهتمامها ضرب العملية السياسية في العراق ، وتضخيم الحدث الذي يمزِّق العراق أو يُزوِّق النظام القديم ، وتقزيم الآخر الذي يُروِّق الأذهان لقبول النظام الجديد. وأشير هنا إلى الفشل الكبير الذي مُنيت به المؤسسات الإعلامية العراقية في مواجهتها للإعلام الخارجي المضاد للسياسة العراقية ، إلى جانب انحياز مؤسسات عراقية إلى أجندات خارجية.
كما شاع رفعُ صور صدّام لدى المتظاهرين الفلسطينيين والموريتانيين في العديد من المظاهرات الشعبية المبرجمة ، في ظاهرتين عجيبتين تختلفان في الواقع لكنهما تتشابهان في الرؤية. فالفلسطينيون يرفضون الطغيان الـ "خارجي" ، والموريتانيون رفضوا الانقلاب العسكري والطغيان الـ "داخلي"، لكنهما يقبلان بفكرة الرجل الأوحد والسلطة الواحدة إذا تمثّلت بشخص مثل صدّام وإن استولى على السلطة بالمسدّس والدبّابة ، أو طغى على شعبه ، أو غزا شعبا آخر.
وتصل الازدواجية إلى أقصاها حين يخرج الآلاف في مصر في تظاهرات عارمة تأييدا للدكتور محمد البرادعي ، في حين يدافع الكثير منهم عن صدّام وتاريخه ويسوِّغون مواقفه ، ويغفرون له زلّاتِه ، ويتفنّنون في ضرورة الفصل والتفريق بينهما. ففي معرض دفاعهم عن محبّة الاثنين ، خلال المناقشات التي تجري في النت ، يعزونَ الأسباب إلى أنّ صدّام يمثّل "القوة العربية"، في حين يمثل البرادعي "الذكاء العربي".
وفي ذات الوقت ينتظر كل هؤلاء معجزة التغيير السياسي وصعود البرادعي إلى سدّة الحكم المصري لوضع دستور دائم للبلاد ، وبناء سلطات ثلاث تعمل وفق النظام الديمقراطي ، وتداول السلطة بطريقة سلمية ، والقضاء على الفساد الإدراي ، وإطلاق الحريات السياسية والدينية والفردية ، وتحسين الاقتصاد والتعليم والصحة ، وبالتالي الارتقاء بالمواطن ليكون هو السلطة ، رغم أنّ هذه الطموحات الجبارة لم يحقّق أيّا منها صدّام الذي ما زال يتمتّع بمحبتهم جميعا.
بقي أن أُسرَّ لك شيئا أيّها القارئ: إذا كنت معجباً بهتلر ، فلا تنتظر غاندي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أبرز العوامل التي تؤثر على نتائج الإنتخابات الرئاسية الإي


.. 4 شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي على منزل بشارع الوحدة وسط




.. بدء ظهور النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية الإيرانية.. ما


.. موريتانيون من غير العرب ينتقدون تعريب التعليم في البلاد




.. حذاء ملك الروك إلفيس بريسلي يباع في مزاد علني • فرانس 24