الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة

محمد سيد رصاص

2010 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


مع اعلان تفكك الاتحاد السوفياتي،في يوم26كانون أولديسمبر1991،تقلصت مساحة الامتداد الجغرافي الروسي إلى حدود غير مسبوقة منذ تأسيس الامبراطورية الروسية على يدي بطرس الأكبر في عام1721،وقد أتى هذا التفكك نتيجة لانهيار المنظومة الاقليمية الأوروبية الشرقية التي كانت تدور في فلك موسكو ممثلة في(الكتلة الشرقية)المنهارة في خريف1989،الأمر الذي كان بدوره حصيلة لفقدان الاتحاد السوفياتي وضعية الدولة العظمى منذ مؤتمر قمة واشنطن بين غورباتشوف وريغان في الشهر الأخير من عام1987والتي عبرت قراراتها،لماتخلى الكرملين عن مطالباته بإلغاء(برنامج حرب النجوم)الأميركي مقابل تفكيك صواريخ(س س) السوفياتية المصوبة إلى العواصم الغربية الأوروبية،عن انهيار التوازن الدولي القائم بين العملاقين طوال اربعة عقود من عمر الحرب الباردة.
منذ اليوم الأول الذي أعقب التفكك السوفياتي تصرف حكام الكرملين من خلال استراتيجية طويلة المدى لاستعادة النفوذ في الجمهوريات السوفياتية السابقة،أولمنع واشنطن من التمدد هناك. هنا، و إذا استثنينا جمهوريات البلطيق الثلاث،التي تعامل يلتسين معها(وهي المضمومة من قبل ستالين عام1940وليست بالأصل جزءاً من الاتحاد السوفياتي عند انشائه بيوم30كانون أولديسمبر1922)مثل دول أوروبة الشرقية الثلاث(بولندا- تشيكيا- هنغاريا)التي وافق سيد الكرملين على تمدد(حلف الأطلسي- الناتو)شرقاً بإتجاهها منذ اتفاقية التعاون الروسية الموقعة مع(الناتو)في27 أيار/مايو1997،فإن طريقة تعامل الروس مع خطط توسع(الناتو)نحو أوكرانيا وجيورجيا قد كانت مختلفة جذرياً،وهذا لم يتضح فقط في عهد بوتين(2000-2008)وإنما أيضاً كان ملموساً في زمن يلتسين،كمانظر الكرملين بسلبية إلى التسهيلات العسكرية التي أعطتها أوزبكستان وقرغيزيا إلى الأميركان في الفترة التي أعقبت غزو2001الأميركي لأفغانستان،وهو شيء قد حكم أيضاً رؤية الروس إلى الامتيازات التي أخذتها الشركات الأميركية بمجالات النفط والغاز في أذربيجان وتركمانستان،وكذلك إلى مشروع أنبوب نفط(باكو- تبليسي- جيحان)،المفتتح بعام2005والذي يمتد بين بحر قزوين وشواطىء المتوسط التركية.
في هذا الإطار،لم تقتصر خطط الكرملين على الدفاع السلبي،أوالوقائي،وإنما انطلقت نحو الوصول لشكل وقوام استراتجية هجومية واسعة المدى من أجل استعادة النفوذ في تلك الجمهوريات،لتكون أول وسائلها الإعتماد على مناخات حروب أهلية مسلحة تتيح للروس التدخل للتحكم بالداخل،كماحصل في حالتي طاجكستان التي نشبت فيها حرب أهلية بين الشيوعيين الذين ظلوا موالين لموسكو والاسلاميين بين عامي1992و1997أومولدافيا التي طالب فيها السلاف(روس وأوكران=20%)منذ عام1992بالإنفصال في منطقة الضفة الشرقية لنهر الدنستر عن المولداف الرومان الطامحون للوحدة مع رومانية حتى توقيع اتفاقية كرَست الأمر الواقع لعام1991رعاها الكرملين في 1997. كانت الطريقة الثانية لاستعادة النفوذ،أولإحتواء وتطويق الخصم الطامح لملاقاة الغرب ضد موسكو،هي الإستناد على إثنيات متمردة ضد المركز في الجمهورية المعنية،كمافي حالتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا المتمردتان على السلطة الجيورجية في العاصمة تبليسي والمدعومتان من روسيا خلال حروب1992و1993،فيماكانت الثالثة معتمدة على استمالة جمهورية سوفياتية سابقة أثناء نزاعها الاقليمي مع جمهورية أخرى على مناطق محددة مثلما استمالت موسكو أرمينيا في نزاعها مع أذربيجان(المتحالفة مع واشنطن وأنقرة)على اقليم ناغورني كاراباخ.
في حالات أخرى،استمر النفوذ الروسي قوياً داخل الجمهوريات الجديدة،وخاصة تلك التي توجد بها أقليات روسية كبيرة مثل كازاكستان وقرغيزيا،والتي كانت في روابط اقتصادية قوية مع المركز السوفياتي القديم،ثم ليأتي تولي القادة المحليين للحزب الشيوعي السوفياتي رئاسة الجمهوريات الجديدة مكملاً أوتعبيراً عن تلك الحقائق السياسية. حصل شيء مماثل لهذا في كل من أوزيكستان وتركمانستان ولكن من دون الثقل الديموغرافي الروسي،لتكون الحقائق الاقتصادية المتكلم الأكبر،ولوأن بداية امتداد واشنطن بالنصف الثاني من التسعينيات نحو الجمهوريتين بفعل اكتشافات الغاز والنفط قد جعل طشقند وعشق آباد في حالة بداية تشكيل مسافة عن الكرملين منذ ذلك الوقت.
ربما لهذا السبب وجدنا خمسة وثمانين بالمئة من المصوتين القرغيز في استفتاء 15آذار/مارس1991مؤيدين لبقاء الاتحاد السوفياتي،وهي حالة وجدت أيضاً في بيلاروسيا التي ظلت في روابط متينة مع روسيا اقتصادياً وسياسياً حتى تم تكريس ذلك في معاهدة2أبريل1996،وهو شيء لم يحصل في أوكرانيا(حيث المنحدرين من أصل روسي خمس السكان فيماربع الأوكران يتبعون بطريركية موسكو الأرثودكسية بينما نصف السكان تابعين لبطريركية كييف الأرثودكسية)التي ظل رئيسها ليونيد كوتشما في حالة موالاة وانسجام مع الكرملين حتى أتت "الثورة البرتقالية"في تشرين ثاني/نوفمبر2004والتي قادها سياسيون من وسط وغرب أوكرانيا كانت موالاة الغرب متساوقة عندهم مع النزعة الليبرالية ومع نزعة العداء للنفوذ الروسي المخلوطتان مع القومية،ليكونوا في الضفة الأخرى تجاه خصومهم،الموجودون في(حزب الأقاليم الأوكراني) المستند للمنحدرين من أصل روسي في الشرق الأوكراني والذي اختلطت عنده الميول نحو موسكو مع العداء للغربين الأوروبي والأميركي ومع النزعة المناطقية.
بشكل عام،يمكن القول بأن مشهد بداية القرن الجديد،حتى عام 2004،كان متميزاً بنشوء حالة ثنائية بين موسكو وواشنطن(مثل قرغيزيا وأوزبكستان)أوبرجحان الكفة لواشنطن(حالات:جيورجيا- أذربيجان- تركمانستان) أولموسكو(أوكرانيا- بيلاروسيا- مولدافيا-أرمينيا- كازاكستان- طاجكستان). خلال عامي 2004و2005مالت الكفة في أوزبكستان لصالح موسكو مع اغلاق القاعدة العسكرية الأميركية وتوقيع اتفاقية تعاون عسكري مع موسكو وعبر اعطاء شركة(لوك أويل)الروسية امتياز استثمار حقول الغاز الأوزبكية،فيما حصل عكس ذلك في قرغيزيا من خلال مظاهرات ربيع2005التي أطاحت بالرئيس عسكر أكاييف الموالي لموسكو وماقاد إليه الوضع القرغيزي الجديد من تعزز للوجود العسكري الأميركي في قاعدة(ماناس) الجوية ليصبح أساسياً للنشاط العسكري لواشنطن في أفغانستان،حيث مثَلت الحالة القرغيزية بربيع عام2005 نكسة ثانية للكرملين بعد أشهر من "الثورة البرتقالية"الأوكرانية التي ناصبت موسكو العداء.
خلال السنوات الخمس الماضية،تعدَل هذا المشهد من خلال ممارسة موسكو ضغوطاً اقتصادية،عبر اغلاق حنفية امدادات الغاز وفتحها،مماأدى إلى ترجمات سياسية في الداخل الأوكراني تمثلت في انشقاق قطبي"الثورة البرتقالية"،أي فيكتور يوتشنكو ويوليا تيموشنكو،لتقترب الأخيرة من موسكو منذ فترة مابعد الحرب الروسية- الجيورجية(آب/أوغسطس2008)،حتى اكتمل هذا المشهد بفوز زعيم (حزب الأقاليم)الموالي للكرملين بالرئاسة الأوكرانية في انتخابات شباط/فبراير2010. أيضاً،تكرر هذا المشهد في قرغيزيا،حيث بدأت الضغوط الروسية على الرئيس باكييف لإغلاق قاعدة(ماناس)الأميركية منذ خريف2008مقابل وعود روسية بمساعدات وقروض بقيمة 2مليار دولار،ليأتي قرار الرئيس القرغيزي بإغلاق تلك القاعدة في شباط/فبراير2009 على هذه الخلفية،ثم ليكون تراجعه في حزيران/يونيو عن ذلك القرار بداية صدامه مع موسكو حتى أتت مظاهرات نيسان/أبريل2010،التي اتهم رئيس وزرائه دانيا أردسينوف الكرملين بالوقوف ورائها،لكي تطيح به مسجلة هزيمة جديدة لواشنطن في جمهورية سوفياتية سابقة،لينضاف ماحصل في أوكرانيا وقرغيزيا إلى الهزيمة التي لاقاها بصيف 2008حليف العاصمة الأميركية،أي الرئيس الجيورجي ساكاشفيلي،أمام الروس الداعمين للإنفصاليين الأبخاز والأوسيتيين،حيث كانت الحرب الروسية – الجيورجية بداية لهجمة مضادة يقودها الكرملين أصبحت واضحة المعالم في المنطقة الممتدة مابين كييف وبشكيك.
إلى أين سيقود هذا الإستيقاظ الروسي؟..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل