الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد فشلهم باقامة نظام ديمقراطي في العراق .. الأمريكان يبحثون عن دكتاتور جديد

محيي المسعودي

2010 / 4 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



تُشير التدخلات الأمريكية الحالية المباشرة وغير المباشرة والمرئية وغير المرئية في الشؤون السياسية العراقية, إلى أن الأمريكان قد ندموا على مساعدتهم للشعب العراقي في خلاصه من الدكتاتورية . ويبدو أيضا انهم قد أغلقوا وإلى الأبد, ملفهم المعنون - عراق ديمقراطي مزدهر في الشرق الأوسط, كفيل بتحريك الشعوب العربية وتسقيط الأنظمة الدكتاتورية والدينية - هذا ليس رأيا, بل هو انعكاس حقيقي وملموس لمعطيات مادية على الساحة العراقية . والسؤال هنا : لماذا تراجع أو ندم الأمريكان على مشروعهم الديمقراطي في العراق ؟
ولكي نجيب بشكل صحيح ودقيق على هذا السؤال علينا التخلي عن العقلية العربية القائمة على التخوين والاحتلال والاستعمار. وباختصار التخلي عن عقلية وثقافة "القطيع والراعي" . مع الاقرار ان الامريكان ما جاؤا الى العراق من اجل تحريره من الدكتاتورية بل خدمة لمشروعهم الهادف الى خدمة اسرائيل وتوفير الامن لها . بعد ان تلمسوا حقيقة تخلي الاتراك عن علاقاتهم الستراتيجية مع اسرائيل بسبب عدم استطاعتة الاتراك الانضمام الى الاتحاد الاوروبي . وكان من المنافع الجانبية لهذا المشروع الامريكي في العراق حصول العراقيين على حريتهم وخلاصهم من الدكتاتور .
وبعد سبع سنوات في العراق استطاع الامريكان, الوقوف والحصول على النتائج المادية لتجربتهم على عينة من عينات الشعب العربي , وهي التجربة الوحيدة لهم في العالم العربي . من هذه التجربة وجد الأمريكان أن الشعب العربي, وفق ثقافته ومعتقداته , لا يقبل إلا بعبادة رب واحد وبقيادة بطل اسطوري واحد, سياسيا واجتماعيا . هذه العقلية العربية الشعبية هي عقلية ما يمكن ان نطلق عليه "القطيع" بينما يمثل الساسة العرب عقلية "الراعي" المالك لكل قطيعه والمتحكم فيه .
لم يكن هذا هو الاكتشاف الذي أدركه الأمريكان في العراق خاصة والدول العربية عامة ولكن الاكتشاف الذي جعلهم يتراجعون عن مشروعهم, هو انهم وجدوا الثقافة الديمقراطية لا يمكن لها أن تعيش وتنموا في المجتمع العربي, الذي لم ولن يتخل عن حياة "القطيع والراعي" وقد ترسخ هذا النموذج في وجدان وأفكار وثقافة وأحاسيس الإنسان العربي, وأصبح من االثوابت "التابوات" لكثير من العرب . وصار العربي يتقبل الموت بدلا من هذا النموذج الديمقراطي ولا يقبل بنموذج غيره . وأدرك الأمريكان من خلال تجربتهم في العراق ايضا أن العربي لا يرفض الثقافة والحياة الديمقراطية وحسب, بل يستغلها من اجل العودة إلى نموذجه الحياتي المحبب والمقدس ـ القطيع والراعي ـ وما نشاهده من التنظيمات المسلحة وخاصة السلفية والتكفيرية شاهده الأمريكان ايضا, وحاولوا علاجه بكل الطرق ولم ينجحوا ولم تفلح حتى عصاهم معه لأنهم غير الراعي العربي وعصاهم غير عصاه . في العراق رأى الأمريكان كيف استغلت التنظيمات الدينية السياسية والخارجة عن القانون والإرهابية الفسحة الديمقراطية, لممارسة القتل والإقصاء وإثارة الفوضى . في وسط وجنوب العراق كان الخارجون عن القانون عبارة عن عصابات سطو وقتل ونهب وسرقة واغلبها تعمل باسم وشرعية الدين . وفي الغرب والشمال العراقي تعلم العراقيون من أشقاءهم العرب كيفية الذبح بالسيف على طريقة السلف الصالح .. كل ما حدث في العراق كان بمثابة تجربة . قامت بها أمريكا من أجل اختيار الشعوب العربية ومدى قدرتها على قبول الديمقراطية والحريات والانفتاح . ومن المؤكد أن الأمريكان درسوا تفاصيل هذه التجربة ونتائجها جيدا , وحسبوا خسائرهم وأرباحهم فيها . فوجدوا أن أرباحهم من شعب يحكمه دكتاتور مرتبط بامريكا ومحكوم بإرادتها هي أكبر من ارباحهم مع شعب يتمتع بالحريات ويحكم نفسه ديمقراطيا ويتم تبادل السلطة فيه سلميا ولو بفوضوية تحقق مصالح امريكا . أذن الأمريكان وجدوا نموذج الحكم العربي ـ القطيع والراعي ـ أنفع لهم ووجدوا أيضا عذرا لأنسهم ولضمائرهم بإبقاء العرب قطعانا ورعاة , ذلك لأنهم منحوا الفرصة للعرب في العراق فحاربها العراقيون والعرب معا بكل ما يمتلكون من قوة, ورضوا الموت بدلا عنها . وهنا بات الضمير الأمريكي مستريحا من التأنيب والشعور بظلم الأخر .. إلى هنا الحق مع الأمريكان ولا احد يلومهم على التراجع عن تطبيق الديمقراطية في العراق او في اية دولة عربية اخرى .. ولكن الأمر الذي يستفز العالم المتحضر المستقل وعالم القطيع والراعي معا, هو تدخل الأمريكان في اختيار نوع الدكتاتورية التي تخلفهم في حكم العراق . وبات واضحا ان الامريكان يرغبون بدكتاتورية عربية "سنية" لأنهم عايشوا هذا النوع من الدكتاتورية ووجدوه أكثر نفعا وطاعة من الدكتاتورية الشيعية . معتمدين في تقيمهم هذا على النموذج الإيراني غافلين عن أن العنصر الإنساني الإيراني مختلف جدا عن العنصر العربي ووغافلين ايضا عن أن العراقيين هم عرب وليسوا إيرانيين , وبالتالي ستكون دكتاتوريتهم مثل شقيقاتها العربيات وليس مثل مذهبياتها في إيران . او ربما اقتبسوا نموذج حزب الله للدكتاتورية الشيعية وهو نموذج تمقته امريكا اشد من مقتها لايران .. وفي ظل هذا الاعتقاد الأمريكي نلمس تدخلا واضحا في السياسة العراقية منذ اكثر من سنتين وقبل واثناء الانتخابات وإلى اليوم . ونتذكر مواقف "بايدن وهيل وكلنتون" التي ضغطت كثيرا على الساحة السياسية العراقية من اجل عودة البعثيين إلى الحكم وكلها تهدف الى صعود نجم عربي دكتاتوري جديد من النموذج الذي اختبرته طويلا في لدول العربية لينضم إلى الرعاة العرب بقطيعه العراقي . ومع ان المالكي يمكن ان يصبح ذلك النموذج اذا ما تبنته امريكا , ولكن الامريكان ومن خلال السنوات الماضية ادركو ايضا ان "الرعاة العرب " الحكام لا يقبلون ابدا راع مثلهم ينتمي الى الشيعة . ناهيك عن ان تجربتهم مع المالكي اوحت لهم بعدم وفائه للسيد الامريكي وطاعته له في كل شيء . اضافة لوقائع وحسابات لم تنكشف بعد .
المالكي دون جميع القادة السياسيين والكتل يقف اليوم وحيدا دون غطاء او دعم من الدول الاقليمية او العربية, ناهيك عن عداء امريكا وكل الدول العربية والاقليمية له . ليس لديه الا الذين انتخبوه من الشعب العراقي . بينما يتقلب رؤساء الكتل والسياسين في الكتل العراقية الاخرى بين احضان الدول العربية والاقليمية ويتلقون الدعم المالي والسياسي . والغريب ان الذين كانوا يطالبون بالاحتكام للقضاء العراقي ويعتبرونه نزيها ومحايدا عادوا اليوم يتهمون هذا القضاء بالانحياز والفشل . والذين كانوا يعتبرون الامريكان محتليين ويقاتلون من اجل اخراجهم نجدهم اليوم يستعينون بهم وينسقون معهم ضد المالكي الذي كانوا يتهمونه بالتعاون مع الاحتلال . والغريب ايضا ان الامريكان تنصلوا عن دعمهم للقضاء العراقي وحياديته وقد اتهم السفير الامركي "هيل" مؤخرا القضاء العراقي بالفشل عندما استجاب هذا القضاء لوقائع مادية تؤكد وجود تزوير في الانتخابات .حتى اياد علاوي الذي اتهم العملية الانتخابية برمتها بالتزوير قبل بدئها واثنائها . تراجع اليوم عن اتهامه هذا بعد فوز قائمته , وشرع باتهام القضاء العراقي بالانحياز بعد ان كان يهدد بهذا القضاء من يريد تزوير الانتخابات .
مع اني ضد التجديد للمالكي برئاسة وزراء العراق مرة اخرى الا انني اجد في المشهد الساسي العراقي وامتداداته العربية والاقليمية والعالمية ثمة حقيقة تقول ان الامر "دُبربليل" ضد الرجل . ومع ان التجديد للمالكي سوف يحرم العراق من اجواء عربية واقليمية وامريكية تساعده على التعافي . الا انني اجد هذا التعافي هو اغتيال لارادة الشعب العراقي بالخروج من الدكتاتورية ودخول الحياة الديمقراطية . واذا كان الامريكان قد اخطأوا بطريقة اسقاطهم لنظام صدام حسين الدكتاتوري فانهم اليوم يرتكبون خطأ اعظم لانهم يسقطون حلم العراقيين في دولة ديمقراطية تحترم الانسان وحقوقه . وما المالكي الا اربع سنوات تمضي ويكون خارج رئاسة وزراء العراق رغم انفه وانف حتى من ينتخبوه لان الديمقراطية والقانون فوق كل اعتبار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أفضل لنا أن ننسى كلمة ديمقراطية في بلداننا
سيلوس العراقي ( 2010 / 4 / 29 - 16:37 )
تحية يا سيد محيي
اتفق معك في تصوير الراعي والقطيع للحكام وللشعوب العربية ومنها الشعب العراقي... لكن مع الاسف لا أتفق معك على العبارة الأخيرة التي نسفت طرحك الموضوعي : فانهم
اليوم يرتكبون خطأ اعظم لانهم يسقطون حلم العراقيين في دولة ديمقراطية تحترم الانسان وحقوقه. لأن هذا الكلام غير صحيح لأن العراقيين حالهم حال كل الشعوب العربية والاسلامية لا يمكنها أن تبني الديمقراطية في بلدانها لأن عدة ومواد وأرضية الديمقراطية غير متوفرة فيها وفي ثقافتها. وباعتقادي فان حتى (الله العربي) لا يمكنه أن يقود ويعلم شعوبه على الديمقراطية، أعتقد من الافضل ان نحلم بأحلام ممكنة التحقيق، مع تحياتي ثانية

اخر الافلام

.. ماذا يتضمن قانون الجنسية الألماني الجديد؟ | الأخبار


.. موريتانيا: تأهب وتوتر قبل رئاسيات السبت المقبل؟




.. ردّ وزير التجارة الجزائري على اتهامات الاتحاد الأوروبي


.. 7 لحظات لا تُنسى من مناظرات الرئاسة الأمريكية في 6 عقود.. شا




.. غالانت يلوح بإعادة لبنان إلى العصر الحجري|#غرفة_الأخبار