الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الأول من أيار .. ربيع النضال يتجدد

بدر الدين شنن

2010 / 4 / 29
ملف بمناسبة 1 أيار 2010 - المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي


ويتجدد عيد العمال العالمي .. وتتابع الطبقة العاملة في كل مكان نضالاتها ، من أجل حماية حقوقها المكتسبة ، وانتزاع حقوق أكثر .. فأكثر .. من طغاة الرأ سمال وظلمة العصر . وتقترب بفعل نضالاتها .. ونضالات الشعوب المفوتة والمفقرة ، وبفعل تناقضات النظام الرأ سمالي القائم على شريعة الغاب والتوحش في حل التناقضات الجشعة بين قطاعاته الانتاجية وكتله الدولية ، من أجل الاستحواز على مزيد من الثراء والتراكم في أ سواقه المحلية وتكتلاته الإقليمية وعلى مستوى الكون كله ، وبفعل المقاومة المتعددة الأشكال التي تبديها الشعوب المقهورة ضد هيمنة الشركات الاستعمارية العملاقة وأدواتها من الأنظمة المحلية على ثرواتها ومصائرها ، تقترب ، رغم الجبروت الرأ سمالي ، من آفاق خلاصها من نظام الاستغلال الطبقي وكافة أشكال الاستغلال اللاإنساني ، الذي بات العقبة الأساس أمام تحرر الإنسانية من بقايا شريعة الغاب ، في العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان ، وفي العلاقات الدولية ، الذي أنتج في بداياته النظام الكولونيالي في القرون الماضية ، وقام بنهب قارات بكاملها ، وأنتج نظام الاستيطان والأبارثيد في مناطق عدة في العالم ، وفي مقدمها ماسمي لاحقاً بالولايات المتحدة الأميركية ، وجنوب أفريقيا ، ونيوز لاندا ، وأو ستراليا ، وروديسيا ، وإ سرائيل . حيث قام بطرد وإبادة مئات الملايين من السكان الأصليين وتوطين قطاعات من المهاجرين محلهم . وافتعل حربين عالميتين في القرن العشرين قتلت وشوهت بالأسلحة التقليدية والجرثومية والنووية مئات الملايين أيضاً من الناس الأبرياء ، إضافة إلى حربي فيتنام وكوريا ، من أجل اقتسام وإعادة اقتسام السيطرة على الشعوب . وفي وقتنا الراهن يدير هذا النظام رحى الحرب المزيفة الذرائع في العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان والصومال والسودان ، ويشحن الأجواء السياسية بالذرائعية الكاذبة ويجمع آليات الدمار والقتل في المنطقة ، لفتح حروب لصوصية أخرى في الشرق الأدنى وفي الخليج ، ملحقاً بالشعوب المستهدفة الدمار والخراب والإبادة الجماعية ، لانتزاع المزيد من ثرواتها ، لاسيما الأرض الخصبة والنفط ومضائق التجارة الدولية .

ومازال ، رغم انتهاء الحرب الباردة ، أي عدم وجود قطب دولي مكافيء مقاوم لأطماع هذا النظام ، فإنه يرصد مئات المليارات من الدولارات سنوياً لمتابعة تطبيق مخططاته العدوانية واللصوصية . وعلى سبيل التنويه ، إن الإنفاق العسكري الأميركي يبلغ عام 2010 ( 753 ) مليار دولار . وفي برامج البنتاغون التسلحية استخدام نظم برنامج ( إف - 35 ) المكرس للضربات الجوية الذي تبلغ تكلفته الاجمالية ( 300 ) مليار دولار ، ونظم طائرات ( إف - 22 رابتور ) المقاتلة البالغة تكلفته ( 65 ) مليار دولار . وا ستخدام غواصات من نوع فرجينا التي تكلف الواحدة منها ( 5 ، 2 ) مليار دولار . والإنفاق العسكري الأوربي نحو ( 150 ) مليار دولار . في وقت يتضور فيه المليارات من البشر في البلدان المفقرة والمفوتة من الأوبئة والعطش والجوع والتخلف وتحتاج إلى ( 30 ) مليار دولار فقط لتمويل انقاذها من مآسيها وكوارثها الاجتماعية ، التي لعب النظام الرأ سمالي ، من خلال نهب ثرواتها وقمع حركاتها التحررية والتواطؤ مع حكامها المحليين الخونة ، لعب دوراً أساسياً ومباشراً في المآلات البائسة التي تكابدها . حيث بات هذا الإنفاق يشكل محفزاً متوحشاً للحروب والصراعات الإقليمية والدولية .

ولايمكن لعتاة النظام الرأ سمالي ا ستغباء أحد في التمويه على الأهداف الإجرامية لهذا الإنفاق العسكري المفرط ، تلك الأهداف المكشوفة ، التي تنحصر في اتجاه تسويق منتجات قطاع صناعة الأسلحة ، التي لم يعد مايبرر، دولياً وا ستراتيجياً ، الإمعان في ا ستمرار انتاجها الكمي والنوعي ، وتتطلب الضرورة الاقتصادية الدولية ذاتها تحويلها إلى الإنتاج المدني ، وتنحصر أيضاً في اتجاه تسليح الجيوش الاستعمارية ( المعولمة ) بآليات سحق المقاومات المتعددة الأشكال ضدها .

ويعزز الاعتقاد بهذا الاقتراب نحو أفق الخلاص أيضاً ، هو الآزمة الرأ سمالية الكبرى التي وقعت عام 2008 ، في ظروف سيادة الرأ سمالية المطلقة على الأسواق المحلية والعالمية ، دون منافس ذي وزن اقتصادي معوق ، وماتزال مفاعيلها مستمرة إلى الآن ، وستستمر إلى سنوات عدة لاحقة ، والتي ستترك آثارها المقلقة على مآلات النظام الرأ سمالي .. على مدى تماسكه ، وقدرته في المستقبل على متابعة تحكمه بمقدرات الشعوب وفق معايير ماقبل هذه الأزمة . ففي هذه الأزمة انخفض الدور القيادي الكوني للمركز الرأ سمالي الأميركي مالياً وسياسياً ، وهذا ما انعكس على أدائه العسكري في البؤر المشتعلة في الشرق الأوسط ، الذي تمثل في إفلاس ( 140 ) بنكاًكبيراً حتى الآن ، وتضعضع ( 576 ) بنكاً في أميركا وحدها معظمها مهدد بالإفلاس أيضاً .

وفي هذه الأزمة أيضاً انتهت البورصات العالمية الكبرى عام 2008 على خسائر بلغت ( 30 ) تريليون دولار ، وهو ما يعادل ضعف الناتج الاجمالي الأميركي . الأمر الذي دفع حكومات البلدان الرأ سمالية الكبرى إلى التدخل لوقف التدهور ، خارقة بذلك مباديء الليبرالية الاقتصادية ، لكن ليس وفق مخطط اجتماعي عادل يضمن مصالح المجتمعات المنكوبة بالهيمنة الرأ سمالية الاحتكارية ، وإنما لضمان مصالح عمالقة الرأ سمال وا ستمرار سيطرتهم على هذه المجتمعات . وفي نهاية عام 2009 تزعزع مركز دبي المالي ، الذي يعتبر أحد أهم المراكز المالية في العالم . وفي أوائل عام 2010 أعلنت اليونان عجزها المالي ( بما يشبه الإفلاس ) الذي هز بعنف الاستقرار المالي الأوربي , ويقدر أن يكون له ارتدادات سلبية مزعجة على مستوى بلدان أخرى خارج أوربا . ثم لحقت باليونان البرتغال .
وهذا مايعطي بعض الصحة وكثير من الشؤم لما قاله " مايكل ماكونيل " رئيس أجهزة الاستخبارات الأميركي في محاضرة له أمام حشد من المحترفين في مجال الاستخبارات " أن مراكز القوة الاقتصادية والثروة تنتفل في الوقت الراهن من الغرب إلى الشرق . وأن هناك قطبية دولية جديدة قيد التشكل وأشار إلى الهند التي ستكون حسب رأيه ثاني أو ثالث قوة اقتصادية في العالم " .

بيد ما قاله " مايكل ماكونيل " يعكس بعداً هو أبعد مما رمى إلى ، وهو ما يتعلق بمصير النظام الرأ سمالي " العولمي " بكليته . ما يفتح المجال للسؤال المشروع ماهو الثمن الذي ستدفعه الإنسانية في صراع انتقال الثروة والقوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق ؟ .. وهو ما يكشف أن مجالاً أوسع مما سبق ، ما بعد انهيار المنظومة الاشتراكية ، قد فتح أمام تقدم نضال الطبقة العاملة والشعوب المقهورة ، إذ انكشف عالمياً وبوضوح العدو الطبقي للطبقة العاملة ، الذي يستغلها ويسرق فائض لبقيمة التي تنتجها بعرقها وخبراتها ، ويحكم عليها بحرمانات لاتحصى . وانكشفت مفاصل ضعف المنظومة الرأ سمالية ، و’حكم على الأنظمة العميلة .. التي تمثل أدوات تحكم الرأسمال الدولي بمصائر الشعوب ، ’حكم عليها بانتهاء عمرها الافتراضي . بمعنى أن طرفي الصراع قد تبلورا بوضوح .

وقد كان يمكن لأفق الخلاص من نظام الاستغلال الرأ سمالي ، المتأتي عن العجز الموضوعي ، الذي عبرت عنه الأزمة الرأ سمالية الراهنة وتداعياتها المتلاحقة ، كان يمكن أن يكون أقرب مسافة وأقل زمناً لبلوغه ، لو أن العامل الذاتي للطبقة العاملة وكافة المستغلين ( بفتح الغين ) كان متوفراً ، مثلما كان في النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم . ونقصد بالعامل الذاتي التنظيم الذي يقود النضالات الطبقية ، لاسيما في الأزمات الكونية الكبرى . وهذا التنظيم ليس التنظيم النقابي ، رغم أهميته ، الذي تقتصر مهامه على النضال العمالي المطلبي في ظل النظام الرأ سمالي ، وإنما هو التنظيم السياسي ( الحزب ) الملتزم بالحل الاشتراكي بديلاً للرأ سمالية .

إن غياب هذا العامل الذاتي الاشتراكي المحلي والدولي ، بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والتجريح المتعمد اللاأخلاقي للماركسية والاشتراكية ، الذي غابت معه الحركات النقابية المكافحة ، هو المعوق الرئيس لنمو ونجاح النضالات العمالية الراهنة في مراحلها الدنيا والعليا ، وهو الذي يمدد بعمر النظام الرأ سمالي ويمده بالوقت ليلعب لعبته القذرة ، في تطبيق حلول تتناسب ومصالحه الاحتكارية اللصوصية لأمراضه وأزماته الخانقة ، على حساب الطبقات الكادحة خاصة وعلى حساب الشعوب عامة .

ومن أ سف شديد ، إن أ سوأ أ شكال الاستغلال هي التي تجري في البلدان العربية . فالطبقة العاملة ومعها طبقات شعبية وا سعة خاضعة لاستغلال متعدد الأشكال في وقت واحد ، خاضعة للقمع الأمني والسياسي ، وخاضعة للاستغلال الطبقي المعيشي ( الغلاء والبطالة وأزمات السكن والصحة والتعليم .. ألخ .. ) ، وخاضعة إضافة لذلك لظروف الحرب والدمار والموت المفتوح إرهاباً وعبثاً كما في العراق والصومال والسودان وفلسطين . ومع تزايد إجراءات اقتصاد السوق الليبرالي يزداد الافتراق بين الأجور والأسعار ، وتنخفض القيمة الفعلية للمداخيل في مواجهة مستوى الإنفاق المعيشي ، وتزيد نسبة البطالة . وذلك في ظل غياب وتغييب حركات عمالية يشكل اليسار الاشتراكي فيها مصدر الروافد الفكرية والسياسية والعملية للنضالات العمالية والشعبية .

ولعل ابرز أنموذج لذلك هو ما يجري في سوريا ومصر ، حيث تم إلى حد كبير تشكيل الطبقة العاملة بنسبة مجتمعية هامة . في سوريا محظور تشكيل نقابات عمالية مستقلة ، كما هو محظور تشكيل أحزاب سياسية خارج جبهة النظام بحكم القانون والقمع . ويتعرض النشطاء من النقابيين والحقوقيين وأصحاب الرأي إلى الاعتقال والمحاكمات الذرائعية والكيدية . وقد صدر مؤخراً قانون عمل جديد يشمل ثلاثة ملايين عامل في القطاع الخاص ، لم يتضمن حق الإضراب ، وألغى مكتسبات عمالية كانت في القانون السابق ، وخاصة ما يتعلق بحماية العمال من التسريح التعسفي . إن الطبقة العاملة في سوريا مع حرمانها من الحريات العامة والنقابية تتعرض لأسوأ مستوى معيشي الذي فرضه اقتصاد السوق الليبرالي بآليات الأجهزة الأمنية ، التي تقف بالمرصاد لأي تحرك عمالي أوسياسي يتعارض مع سياسات وقرارات النظام .

وفي مصر ، ضاق نواب الحزب الحاكم ذرعاً بالاعتصامات الشعبية وبعض التظاهرات والتحركات العمالية شبه الرمزية أمام مجلس الشعب ، فطالب اثنان منهم با ستخدام الرصاص ضد العمال والعجزة المطالبين باللقمة والرعاية والحرية

أما في دول الخليج ، فإن ملوك النفط قد آثروا العمالة الأجنبية على العمالة العربية . وذلك على خلفية الاعتقاد الواهم ، أن مآل العامل الأجنبي الحتمي يوماً ما هو الرحيل ، ولن يأتي منهم أي خطر على " أمن الدولة " أما العمال العرب فقد لايرحلون ، ودول المصدر على خلاف دائم أو مؤقت معهم ، ما يعني أنهم يشكلون خطراً امتدادياً لخطر الصراعات العربية العربية . بل وخلقوا حالة عدم التوازن في سوق العمالة العربية ، فهم يستخدمون نحو ( 20 ) مليون عامل أجنبي منهم نحو ( 15 ) مليون من أصول آسيوية .( 7 ) مليون يعملون في السعودية و ( 4 ، 8 ) مليون يعملون في الأمارات المتحدة . في وقت يقدر رسمياً عدد العمال العرب العاطلين عن العمل ب ( 22 ) مليون . والعمال الأجانب العرب وغير العرب في دول الخليج ، يطبق عليهم نظام الكفيل العبودي ، الذي يعتبر أسوأ أنواع نظم العمل في العالم .

ويكابد عمال فلسطين وخاصة في غزة المحاصرة ، يكابدون البطالة والحصار والتجويع ورصاص الاحتلال . وفي العراق افتقدت الطبقة العملة تعبيراتها السياسية والنقابية ، في وقت هي بأمس الحاجة إليها من أجل تعبئة صفوفها وبلورة قيادتها للقيام بأداء دورها التحرري الوطني والديمقراطي ، وإعادة بناء عراق جديد سعيد .

إن مسارات الأول من أيار التي انطلقت تعبيراً عن توق الطبقة العاملة وكافة الطبقات الشعبية إلى التحرر من عبودية الرأ سمالية ، تتطلب حتى تحقق شعاراتها وأهدافها ويتجدد ربيع نضالها نحو مكتسبات جديدة مع كل أول أيار جديد ، تتطلب من قوى اليسار الاشتراكي المحلية والدولية ، أن تجدد قواها المحلية و تجدد بناء وحدتها العالمية لتكوين عامل ذاتي عمالي شعبي كوني .. قوي .. قادر على تلبية متطلبات الصراع الطبقي على كل المستويات .. لمصلحة الطبقة العاملة والشعوب المفوتة المفقرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر