الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنفى العراقي، رفحا، وسايكولوجيا العداء للوطنية

سعد الدين ابوالحب

2004 / 7 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في منتصف التسعينيات اتصل بي احد الاصدقاء المقربين من رموز المعارضة العراقية في نيويورك ليخبرني بوصول دفعات من اللاجئين العراقيين القادمين من مخيمات رفحاء (او رفحا) الصحراوية في منطقة الحدود العراقية السعودية، بعدما قررت الولايات المتحدة استيعاب نسب مدروسة منهم كلاجئيين في المدن الامريكية، وطلب مساعدتي في تشغيل بعضهم ان امكن في محل عملي. ولاطلاعي السابق على معاناة هؤلاء اللاجئين على ايادي الحرس السعودي وجنوده، حيث كان معظمهم من الشيعة العراقيين الهاربين من بطش العمليات الانتقامية لعساكر صدام حسين التي لحقت فشل انتفاضة جنوب العراق عام 1991، قررت ان اساهم بجهدي المتواضع وطلبت منه ان يرسل طلبة الجامعة السابقين ممن اجبر على ترك دراسته على امل توظيفهم. وهكذا تعرفت على احدهم وكان من المثابريين والمبدعيين في عمله حيث نجح من خلال وظيفته البسيطة على اكمال دراسته الاولية ومن ثم اكمال الدراسات العليا واصبح من المختصين في مجاله الجديد.

ومن خلال علاقتي مع صديقي الشاب، اطلعت مباشرة على حجم المعاناة التي تعرض لها اللاجئين العراقيين في رفحا ولسنوات، فقد كان كالسجين الذي اطلق سراحه توا من سجن رهيب او معسكر للموت. فانا كنت قبل ذلك اواصل متابعة اخبار مخيمات رفحا، والتي كانت بحق صورة مصغرة للمجتمع عراقي بكل تناقضاته، عبر صحف المعارضة. فكان بين سكان هذه المخيمات الثوار الوطنيون والناس العاديون ممن هربوا او اجبرو على الهروب خوفا من الحرب او املا باللجوء الى دول الغرب بل وكان بينهم حتى عملاء المخابرات الصدامية او المخابرات الامريكية. لقد اعادت حالته هذه الى مخيلتي ايام هروبي من سجن العراق الكبير قبل خمسة عشر عاما من ذلك، بعدما اضطررت لترك دراستي والتخفي عن عيون اجهزة صدام القمعية. ولكنني لم اتحدث مع صديقي الجديد عن ارائه السياسية والانتفاضة والمسسببات الكامنة وراء معاناة الشعب العراقي في العراق او رفحا، فاليد الامريكية الصهيونية في قمع انتفاضة 1991 بدت ظاهرة للعيان حتى اصبح دورها من المسلمات البديهية وخاصة بعدما اختارت الادارة الامريكية فرض الحظر الجوي في المناطق ذات الاغلبية الكردية لحمايتها بينما سمحت لعساكر صدام لاغتصاب مدن الجنوب، باغلبيتها الشيعية، وقمعها. لقد ارادت الادارة الامريكية، والتي كانت قد تسلمت توا من صدام حسين عبر خيمة صفوان كل مايحلوا لها، ان ترسل رسالة ارهابية اجرامية استعمارية لا لبس فيها للشعب العراقي وللشيعة بالذات. وكانت رسالة مأساة رفحا الاكثر وضوحا. فبينما كانت عساكر الامريكان ولازالت تسرح وتمرح في الصحراء العربية السعودية وكانت ولا زالت الادارات الامريكية تفرض اوامرها في صغائر وكبائر شؤون العائلة السعودية، تعمدت القيادة الامريكية ان لا تمارس اية ضغوط على الحكومة السعودية لوقف المعاملة اللانسانية للاجئيين العراقيين في رفحا. ولمعرفتنا بالسياسة الامريكية نعتقد جازميين انهم ارادوا متعمديين ارهاب واذلال العراقيين على ايادي عربية تمهيدا لبث التفرقة وكسب العملاء وضعاف النفوس. فهم شركاء في الجريمة.

وبعد اكثر من عقد يبدو جليا المغزى الامريكي من "معتقل" رفحا الصحراوي. فقد كانت سنوات التعذيب النفسي والجسدي والتهديد الدائم بالقتل والاغتصاب لالوف العراقيين، كما هو الحال في المعتقلات العراقية العادية، كفيلا بتخريج الابطال والشرفاء والمتخاذلين، وكذلك آلاف "المتعاونين" جدا حيث كان ذلك بيت القصيد. فكانت المكافأة "المجانية" بنقل المعتقلين من لهيب الصحراء العربية الى مدن امريكا الخضراء وناطحات سحابها منتصف التسعينات اكبر اساليب التعذيب نجاحا لتحقيق الهدف المطلوب في شراء الذمم وتضليل العقول. فقد اثمرت جهود الامريكان من خلال تقديم اللجوء بتوظيف آلاف العراقيين وبشكل مباشر في مساعيها القادمة لغزو ونهب العراق واحتلاله. وكان ذلك جليا عبر الصور المخزية لمظاهرات عراقي المنفى الامريكي قبل وبعد احتلال العراق في تأييد المتطرف بوش. وكذلك في الدور المباشر للعراقيين الامريكان اليوم في خدمة مؤسسات الاحتلال واجهزة مخابراته.

ان تأثيرالصدمة النفسية الناتجة من نقل البسطاء سياسيا والفقراء والمضطهدين من بلدان البؤر المتوترة او بلدان الفقر المدقع والاستبداد الى البحبوحة النسبية في منفى اللجوء الغربي والامريكي خاصة، ليس مقتصرا على العراقيين. حيث يمكننا مثلا ملاحظة ان اشد اعداء نظام كوبا اليوم هم من كوبيو المنفى في فلوريدا وليس القاطنيين على ارضها. واشد الحاقدين على نطام فيتنام هم من اللاجئيين الفيتناميين وليس من ابناءها في الداخل. وفي الحالة العراقية وخاصة بعد بروز الاثار المدمرة لحصار الابادة الامريكية على العراق، يمكن ملاحظة استفحال ظاهرة التنكر للوطنية والقبول ببيع المصالح العليا للبلاد السابقة بين قطاعات واسعة من اللاجئين ممن استقر وضعه في الغرب او حتى ممن يأمل استقراره لاحقا. ومن خلال اختلاطي بالعديد من الموالين للاحتلال لمست التأثير المدمر لتزاوج الطبيعة الغريزية الانانية للانسان مع عوامل الصدمة النفسية الناتجة من التعرض المفاجئ لايجابيات العيش المسالم في مجتمعات الديمقراطية والتطور الاقتصادي والاجتماعي الغربية. فبعد وضع العديد من مبرري الغزو الامريكي ودعاته على المحك، لم تفاجئني مواقفهم النفسية رغم قباحتها. فهذا السيد "ك" مستعدا للتضحية بمئتي الف عراقي في الداخل (طبعا!) لجلب احلامه في نظام ديمقراطي تكنوقراطي متمدن على غرار نموذجه الجديد! اما السيد "و" فهو على استعداد للتضحية بأبناءه من اجل انتصار جيش "ماما" امريكا التي تعالجه في مستشفياتها مجانا من مرض السرطان القاتل. والدكتور "ن" ليس حزينا على الموت والخراب في العراق ويطالبنا بتهنئته على "تحرير" العراق والذي كان قد اقترف بحقه جريمة عظمى قبل بضعة سنين حيث تجرأ بعض الطلبة السفهاء في جامعة بغداد على اتهامه بالمثلية الجنسية والتحرش به!

نيويورك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي