الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاج الطائفية حاضراً ومستقبلاً

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 4 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


مخاطر الطائفية على المجتمع والدولة السورية ، أكبر من أن تتحدد بثمن معين ، فليست داءً يمكن علاجه بوصفة معينة ، لمجرد أن يتم تشخيصها ، لأنها تتعدى كل التوصيفات التقليدية لتستقر على مفهوم الحالة الملازمة لبنى المجتمع والدولة في آن معاً .
ولعل استقرار وتموضعها في مؤسسات الدولة وفي فئات المجتمع ، هو ما يضفي عليها صفه الحالة الخطرة ، التي يستحيل علاجها علاجاً فردياً ولا حتى جماعياً. فالعلاج المطلوب توفره لحاله الطائفية في سوريا، يتركب من مادتين أساسيتين. المادة الأولى : تستدعي إصلاح المنظومة السياسية الراهنة ، لطما ارتكزت الطائفية على واقع سياسي تعيشه البلاد منذ أربعه عقود ونيف ، فإن الطائفية في هذا المجال، هي نتاج ذالك الواقع السياسي ، الذي مازال مستمراً .
والإصلاح السياسي يحتاج إلى منظومة متكاملة تتحدد على إثرها الأهداف وترسم الخطوات وتتوفر الآليات والأدوات الكفيلة بإجرائه وإتمامه على أتم وجه ، وإذا ما فتشنا عن تلك المنظومة ، فإننا لن نجدها في سوريا ، وإن توفرت في ظل النظام الراهن ، فإنه لن يقبل بها لأنها تعني فيما تعني ، فتح الأبواب نحو التغير السياسي وتعزيز الممارسة السياسية في إطار الدستور، وذلك لضان تداولها السلمي ، والسؤال الذي يستدعي الطرح في هذا الحيز ، ما الذي يدعوا النظام إلى رفض الإصلاح السياسي ؟ الجواب يحدد وفقاً للواقع السياسي الذي المحنا إليه قبل قليل، كون هذا الواقع السياسي قام على سلطة ظاهرها وطني وباطنها طائفي ، وليس من خلال الطوائف التي تتركب منها تلك السلطة ، إنما من خلال الأفراد الذين يقومون عليها ، كلٌ بحسب انتمائه الطائفي بدءاً من هرم النظام حتى قاعدته.
وما يثبت ويؤكد ذلك الواقع السياسي ، مؤسسات الدولة التي جرى هيكلتها طائفياً بما يشبه الوكالة الحصرية أو الامتياز ، فإذا ما دققنا في واقع الوزارات الحكومية سنجد على سبيل المثال لا الحصر ، أن وزاره الأعلام هي من امتياز الطائفة العلوية منذ ما يزيد عن أربعين عاماً ، سواء على مستوى الكوادر أو مستوى القيادات كذالك الحال بالنسبة لوزارة الإدارة المحلية والبلديات سنجد أن وكالتها حصرية بالطائفة الدرزية، والأمر ذاته ينطبق على وزارة الخارجية التي انحصرت بالطائفة السنية ، فهل نضبت القيادات السياسية والكفاءات العلمية .
لا توجد اجابه محدده تفي السؤال أعلاه حقه ، فقد يتذرع النظام أنه سلطته علمانية، وبالتالي لا يدقق كثيراً في أمر مَن يتولى إدارة مؤسساته ولا من أي طائفة أو منطقة انتمى ، وهو بذلك يحاول أن يعفي نفسه من المساءلة بحجة أن انتهاجه للعلمانية يلغي واقع الطائفية.
إن المساءلة المطروحة في هذا السياق ، ليست على هذا الشكل أو ذاك التصور، الذي يطرحه النظام من وجهة نظره أو حسب مفهومه ، بل المساءلة واضحة ولا تخفي نفسها للعيان أو لكل ذي عقل و بيان ، وهي أن سلطه النظام موزعة توزيعاً طائفياً باسم الحزب ومناطقياً باسم الكفاءة ، وإلا لو كان توزيعها وفقاً لما يحدده الدستور في معركة تحديد الأقلية والأغلبية السياسية ، لما وجدنا هذا التطيف المهيمن على مؤسسات الدولة.
بما أن السلطة متمركزة في قبضة النظام ولا تخرج عنه ، وبما أن الأخير يحدد أطرفها وفقاً لما يرى فيه مصلحته ، فإن توزيعه لها أقرب ما يكون على هيئته الأولى التي يجد نفسه فيها في كل مرة ، وهي الشعور بالأقلية التي لو احتكمت إلى الدستور ، لتغير واقع حالها تبعاً لتغير معادلات السلطة وموازينها ، لذا فإنه يحاول بقاء الحالة الطائفية على ما هي عليه من حيث حفاظه على التوزيع الكيفي للسلطة ضمن نفس المواقع والمراكز.
المادة الثانية : تتحدد من خلال المنظومة الاجتماعية ، التي تحتاج إلى إعاده تأهيل فقط ، وليس إلى إصلاح كما في المنظومة السياسية ، فإصلاحها يعني تغييرها ، ومن الصعب تغيير المجتمعات ، خصوصاً إذا ما كنا أمام مجتمع كالمجتمع السوري بواقعه الحالي .
فالتأهيل الاجتماعي لابد أن يكون ملازما للإصلاح السياسي ، وإلا فإن العلاج يفقد تأثيره ، بفقدانه لأحد مواده الأساسية التي يتركب منها ، وهو (التأهيل) الذي يلي الإصلاح ، لأن دوره يتحدد في تغيير الأنماط السلوكية ، التي اعتاد عليها المجتمع أثناء تعامله مع مؤسسات الدولة ، فطائفيه المؤسسات أثرت في سماته الشخصية دون أن يؤثر فيها ، وخلقت لديه حساً طائفياً دفيناً يصعب تجازوه من دون إعادة إحياء الوعي الوطني .
إحياء الوعي مرتبط بدوره بالإصلاح ، وهو الجزء الأساسي في عمليه التأهيل ، فما هو حاصل بسوريا اليوم أعاد الأفراد دفعة واحده إلى طوائفهم (منابتهم) الأولى ، بدلاً من تثبيتهم في المجتمع الذي من المفترض أن يكونوا قد تخلوا عن طوائفهم في سبيل تشكيلهم له ، بحيث أصبح الأفراد منشغلين بانتمائهم الطائفي ، وكل فرد بات مهووساً في انتماءه الطائفي وانتماء غيره من الأفراد.
إن خطر الطائفية على المجتمع أبعد من انشغال الأفراد بهويات أقرانهم ، بل أن بعضهم ونتيجة لتطيف مؤسسات الدولة، ضمن تراتبية سلطويه صنعها النظام ، انتابه شعور من القلق واليأس على مستقبل انتماءه المهني لإحدى المؤسسات التي يجد أنها لا تناسب انتماءه الطائفي ، كالمؤسسة العسكرية (الجيش) والأمنية (المخابرات) على سبيل المثال.
مما سبقت الإشارة إليه ، يدل على أن علاج الطائفية تكاملي ، ولا يتم بمركب واحد دون آخر، فالطائفية هنا ليست مرضاً بذاته ، بقدر ما هي حالة مزمنة يعانيها المجتمع السوري بسبب استفحالها في مؤسسات الدولة وبنى المجتمع ، واعتماد النظام عليها اعتماداً كاملاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا