الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات شخصية 3

حسقيل قوجمان

2010 / 4 / 30
سيرة ذاتية


بعد ثورة تموز
خلال اسبوع او اسبوعين خلا السجن من جميع السجناء عدا الاربعة يهود وبعض السجناء المحكومين على الصهيونية اتذكر منهم صالحون المبعوث الاسرائيلي الذي قبض عليه بجواز سفر ايراني. وفي احد الايام جاءت حماتي لزيارتي واخبرتني بان النساء اليهوديات السجينات في سجن بغداد قد اسلمن وان علينا نحن ايضا ان نسلم. فأجبتها نحن لا نفعل ذلك. كان الى جانبي في هذه المواجهة يعقوب مصري فقال لي انت لا تستطيع ان تقرر ذلك بنفسك تعال نجتمع لبحث الموضوع. فقلت له انا لا اجتمع لبحث مثل هذا الموضوع وانني باق مع حماتي.
في هذا اليوم تذكر الحزب وجود ثلاثة سجناء "شيوعيين" يهود في السجن وارسل هادي هاشم لمواجهتنا رغم انشغال الحزب في نشاطاته واعماله بعد الثورة التي كانت تستغرق كل وقت قادته. وترأس هادي هاشم اجتماع يعقوب مصري ومئير كوهين ويوسف زلوف وتوصلوا جميعا الى قرار الاسلام. وجاءني يعقوب مصري واخبرني انهم جميعا اتخذوا القرار وان علي ان اخضع للاغلبية. فقلت له هذا موضوع مبدئي وليس هناك اغلبية واقلية في المواضيع المبدئية. فجاءني هادي هاشم يحاول اقناعي بان هذا الاجراء مجرد امر شكلي ولا يعني اي شيء. ونسي قوله قبل اسبوعين باننا لو اسلمنا لا يقبلنا في الحزب. فقلت له "انا علمتكم الديالكتيك ما تتفل (تبصق) بوجهي اذا وقعت وثيقة تقول انني امنت بان الدين الاسلامي خير الاديان واشهد الا اله الا الله وان محمدا رسول الله؟" فسكت خجلا ولم يفه بكلمة وترك السجن.
بعد مدة قصيرة في سجن بعقوبة صدر امر الافراج عني وعن يعقوب مصري وعن سعيدة مشعل وعمومة مصري لاننا حوكمنا في وجبة واحدة. ونقلونا الى سجن بغداد قبل اطلاق سراحنا. بقينا عدة ايام في سجن بغداد زرت خلالها سعيدة (سعاد خيري) اخت زوجتي. وفي هذه الزيارة حاولت عمومة مصري اقناعي بان علي ان اسلم كما فعلت لان ذلك في مصلحتنا. ومن سخرية القدر كانت في ذلك اليوم زكية الخليفة في زيارة السجينات بعد اطلاق سراحها. فقالت لعمومة للتنكيت بعد ان علمت بانها اصبحت سنية "امداچ لو باقية يهودية چان احسلچ" .
بعد يومين ذهب يعقوب مصري بعد الغداء بدون ان يقول لي الى اين ذهب وبعد ساعة او ما يقرب من ذلك عاد وقال لي بالحرف الواحد "هاي هم خلصنا منها" وعلمت انه ذهب لاعلان اسلامه. وبعد اقل من ساعتين نقلونا الى مركز شرطة البتاويين لاطلاق سراحنا. ولكن اطلاق سراح السجين اليهودي كان يتطلب كفيلا. وانتظرنا كفيلا يكفلنا لكي نخرج من السجن. فجاء الكفيل من الحزب وكفل يعقوب مصري وتركني في مركز الشرطة بدون كفيل. يبدو ان يعقوب مصري اطلق سراحه كيهودي في نظر الحكومة اذ لو كان مسلما لما احتاج الى كفيل وكمسلم في نظر الحزب. اذ يبدو ان الله ورسوله منحا يعقوب مصري فور اسلامه اهلية ان يكون شيوعيا وهي ما حرمنا الله اليهودي منها.
كل تضحياتي العائلية وكل الخدمات التي قدمتها في السجون لم تؤهلني لكي يقوم الحزب بكفالتي من اجل اطلاق سراحي او يزودني بسروال وحذاء وقميص والحزب يعلم ان عائلتي كلها قد سفرت قسرا الى اسرائيل عند انتهاء محكومياتهم واني لا املك فلسا واحدا اعيش منه لدى خروجي من السجن. وقد قررت الا اكتب عن هذا الموضوع الى الحزب قبل ان احصل على مورد للعيش.
بقيت في مركز الشرطة مدة الى ان افلحت حماتي باقناع شخص يهودي لتكفلي. ولم يوافق هذا اليهودي على تكفلي الا تعبيرا عن شكره لي لاني كنت قدوة لابن عمه مئير كوهين للعدول عن قرار اعتناق الاسلام اذ ان مئير كوهين ويوسف زلوف لم يعلنا اسلامهما حين تبرر لهما اني خرجت من السجن يهوديا واعيدت لي جنسيتي التي اسقطت عني ولم يكن للاسلام اي دور في ذلك.
خرجت من السجن الصغير الى السجن الكبير. اذ لم استطع شراء بنطلون او قميص او حذاء وبقيت بنفس الملابس البالية المهلهلة التي لبستها في السجن. وعشت عالة على حماتي في الشقة التي كانت تعيش فيها. وكان من حقها لو كرهتني اشد الكره لاني كنت في نظرها السبب في سجن اثنتين من بناتها وابنها واختها اذ كنت انا الذي وجهتهم نحو الحزب. ولانها حين كانت ابنتها سعيدة في السجن كانت تزورها في كل يوم يسمح به للمواجهة وعند اطلاق سراحها لم يسمح لها برؤية ابنتها حتى حين جاءت الى لندن مرتين وكانت الام اثناء ذلك في لندن ولم يسمح لها برؤيتها فماتت بحسرة رؤية ابنتها.
في الايام الاولى بعد اطلاق سراحي ذهبت مساء الى مقهى في البتاويين قرب الشقة التي عشت فيها مع حماتي حيث كان عدد من السجناء الذين عشنا معهم في السجن وبينهم يعقوب مصري الذي اصبح عادل منير فجلست معهم وهم يلعبون الدومنة. وفي الليلة الثانية تكرر جلوسي معهم في المقهى فاسمعوني كلاما جارحا يدل على اني شخص غير مرغوب فيه حتى في الجلوس مع شيوعيين يلعبون الدومنة فلم اكرر الذهاب الى هذا المقهى.
كان وضعي بعد اطلاق سراحي مختلفا عن وضع السجينين الاخرين. كانت عائلة مئير كوهين موجودة في العراق فسكن عندهم وكان ابن عمه وزوج اخته محاسبا فوجد له عملا وراتبا منذ الايام الاولى فلم تكن له اية مشاكل اقتصادية. وعاد يوسف زلوف الى نفس الشركة التي كان يعمل بها قبل اعتقاله فلم تكن له مشكلة اقتصادية. ولكني كنت الوحيد الذي عانى اقتصاديا بصورة قاسية. كنت امام اليهود شيوعيا وامام غير اليهود يهوديا فلم استطع الحصول على عمل احصل منه على ما يمكنني من العيش. وبعد مدة سمعت عن شاغر في شركة لاستيراد السيارات فقدمت طلبا اليه وكان من حسن حظي ان الفريد سمعان كان الشخص الذي قابلني ليقرر قبولي او عدم قبولي فقبلني رغم علمه بجهلي التام فيما يتعلق بالمحاسبة. ومازلت هذه الايام احاول الاتصال بالفريد سمعان فلم افلح في ذلك.
كل هذه الظروف القاسية لم تثنني عن التفكير في الحزب وفي مستقبله. بعد ٤٨ ساعة من اطلاق سراحي ارسلت اول رسالة الى اللجنة المركزية. كانت هذه الرسالة مقسمة الى موضوعين. الموضوع الاول هو سياسة الحزب. كتبت ان الحزب يواجه الان مهمة في غاية الاهمية هي تحديد الشعار الاستراتيجي الذي نشأ نتيجة للثورة. والمهمة الثانية البالغة الاهمية هي دراسة الاخطاء التي وقعت في سياسة الحزب منذ اعتقال الرفيق فهد حتى الثورة. اقترحت في الرسالة استغلال الظروف شبه العلنية السائدة في العراق لعقد مؤتمر يعالج هاتين المهمتين، مهمة تقرير الشعار الاستراتيجي الجديد، ومهمة دراسة الاخطاء وكيفية تصحيحها وربما محاسبة القائمين بها. ولكن الحزب بقي حتى اليوم من دون شعار استراتيجي للمرحلة او المراحل التي مر بها.
والجزء الثاني من الرسالة ناقشت به بصورة مفصلة وضعي وابعادي عن الحزب بسبب يهوديتي. كان هذا الموضوع طويلا ومما قلته في الرسالة "انكم حاكمتموني على جريمة قام بها احد اجدادي قبل خمسة الاف سنة وحكمتم علي بالاعدام ونفذت الحكم لان ابعاد الشيوعي عن حزبه هو حكم بالاعدام." لم استلم اي جواب على هذه الرسالة. وبعدها ارسلت ثلاث رسائل اخرى كلها انتقادات لسياسة الحزب ولم استلم اي جواب عنها. وحين وجدت الوظيفة التي ذكرتها واصبح لي راتب يكفيني لكي اعيش على الاقل من حيث الطعام واللباس مستقلا عن حماتي كتبت الرسالة الخامسة وفيها عاتبتهم بقولي هل فكرتم بعد كل التضحيات والسجن من اين اعيش وماذا اكل وماذا البس وانتم تعلمون ان عائلتي قد سفرت قسرا الى اسرائيل؟ وكانت هذه الرسالة الوحيدة التي استلمت جوابا عنها.
زارني جورج تلو بعد كتابة هذه الرسالة الخامسة في شقتي واول كلمة قالها هي "الحزب ينطيك فلوس". ضحكت وقلت له انا لا آخذ نقود الحزب ولذلك لم اكتب عن وضعي هذا الا بعد ان اصبح لي راتب خوفا من ان يغريني ما تدفعونه لي من نقود, "ردت اراويكم ليا ساف وصلتوا". والعراقيون يعرفون ما معنى هذه العبارة.
بهذا انتهى امر النقود والرسالة وبدأ نقاش دام اكثر من ساعتين حول سياسة الحزب والاخطاء الجارية فيها. ولم يكن لديه ما يجيب على تلك الانتقادات. وفي خلال هذه النقاشات قلت له "هل تتصورون انكم تخدعون البرجوازية بالكذب عليها؟ ان من يتصور انه يخدع البرجوازية بالكذب لا يخدع غير الطبقة العاملة" . فكان جوابه غريبا لا يمكن تصور انه يصدر عن شيوعي عريق مثل جورج تلو. قال ان لينين هو الذي علمنا "ان نكذب على البرجوازية". وانتهت المقابلة بعد اكثر من ساعتين. وكانت رسالتي الخامسة الى اللجنة المركزية اخر رسالة بيني وبين الحزب.
حين ترك الفريد سمعان العمل في الشركة اصبح من السخف البقاء في الوظيفة لاني لم استطع القيام بالعمل الذي اكلف به فتركت العمل في الشركة. بعد تركي العمل في شركة استيراد السيارات لجأت الى الترجمة كمصدر للعيش. ترجمت لاربعة ناشرين لقاء اجور طفيفة. ترجمت لمكتب الترجمة للحزب الوطني الديمقراطي ولكنهم لم يدفعوا لي فلسا واحدا عن الترجمة وترجمت لناشر اخر لا اتذكر من هو وهو الاخر لم يدفع لي شيئا من الاجور المتفق عليها. وكان الناشران الاخران شخص اسمه رسول كان سجينا معنا واصبح ناشرا بعد الثورة ويعرب البراك اخو عدنان البراك ايضا وكانا يدفعان الاجور الطفيفة المتفق عليها فكانت مصدر معيشتي طيلة الفترة التي كنت فيها طليقا في العراق. كان الدخل الذي حصلت عليه من الترجمة شحيحا الى درجة اني لم استطع حتى مساعدة حماتي في ايجار الشقة التي كنا نسكنها. والمرة الوحيدة التي سمحت لنفسي ان اشتري بطاقة لحضور حفلة تسلية كانت في ذكرى الثورة اذ كان من المفروض ان تحضر فرقة روسية وفرقة صينية لاحياء حفلة بهذه المناسبة وتبرع صديق له سيارة بتوصيلي ذهابا وايابا الى موقع المسرح الذي كان بعيدا في المنصور. ولكن الفرقة الروسية لم تحضر وكانت الحفلة صينية بحتة وجميلة جدا.
ترجمت في فترة سنة ثلاثين كراسا وكتابا لمختلف المؤلفين اذ كانت الكتب الماركسية رائجة في تلك الفترة. وحين اعتقلت مرة ثانية في تشرين الاول ١٩٥٩ تم نشر ٢٢ من هذه التراجم ولا اعرف ماذا كان مصير الكتب والكراريس التي لم تنشر. وطبيعي ان اسم المترجم لم يظهر في تلك الكتب.
لم يكن بامكاني حتى ان افكر بالحصول على ترجمة من الحزب. كان للحزب مكتب للترجمة يديره عزيز سباهي. وصداقتي مع عزيز سباهي تمتد الى زمن عصبة مكافحة الصهيونية وحتى قبله. واستمرت خلال سنوات السجن وحتى التقينا مرارا بعد الثورة. فزرت مكتب الترجمة مرة والتقيت بمدير المكتب عزيز سباهي وكان استقباله لي عاديا ووديا. وبعد اسبوع زرته مرة ثانية فقال لي بالحرف الواحد "ارجو ان لا تأتي الى المكتب مرة اخرى اخاف يشوفك بعثي تدخل الى المكتب" فلم ازر المكتب مرة اخرى.
لم يكن لي نشاط ثقافي في هذه الفترة لاني كنت معزولا تماما عن كل نشاط سياسي. وقد زارني مرة شخص لا اعرفه ولا اعرف كيف عرف بي وبعنواني. قال لي هذا الشخص ان له جريدة اسبوعية وانه يود ان اكتب موضوعا لهذه الجريدة. قلت له انا مستعد للكتابة على شرط ان لا يجري تغيير ولو كلمة واحدة مما اكتبه. وافق هذا الشخص على الشرط وبدأت في كتابة موضوع متسلسل حول المسألة الزراعية في العراق. خصصت صفحة كاملة من كل عدد من الجريدة لهذا الموضوع الذي نشر تحت اسم مستعار "ابو قيس". وبعد نشر عدة حلقات جاءني هذا الشخص وقال لي ان الحزب طلب من زكي خيري ان يرد على المقال. فسألته ان كان مستعدا لنشر جوابي على الانتقاد في حالة حدوثه فقال نعم. فطمنته وقلت له اذن لا تهتم بذلك. ولكن لم يظهر اي انتقاد او اي تعليق على مقال ابو قيس. نشرت منه قبل اعتقالي عشر حلقات ولم استطع مواصلة الكتابة وتكملة الموضوع نظرا لاعتقالي الذي سيأتي ذكره ادناه. والموضوع الاخر الوحيد الذي كتبته هو مقدمة لمقال المسألة الزراعية في فرنسا الذي كتبه انجلز قبل وفاته. كتبت له مقدمة عند ترجمته نظرا الى ان المقال كان مشابها نوعما للاوضاع السائدة في المسألة الزراعية في العراق.
لم تسنح لي فرصة تكوين حياة اجتماعية مع شيوعيين سابقين ممن عشت معهم في السجن. ولكن حدثت لقاءات يجدر الاشارة اليها في هذا الخصوص. كان عدنان البراك يزورني احيانا لانه كان يشعر ببعض اخطاء الحزب. وجاءني يوما ليدعوني الى العشاء في بيت عزيز الحاج في الكرخ. قبلت الدعوة وذهبت مساء الى بيت عزيز الحاج الذي كان قصرا مع حديقة واسعة. عند تناول العشاء تعرفت لاول مرة على الموسيقار الكبير سلمان شكر ابن عم عزيز الحاج وبعدها التقينا في لندن فكانت لنا صداقة وثيقة وجميلة طيلة بقائه في لندن.
بعد العشاء وانصراف الضيوف ودخول اهل البيت الى داخل الدار بقينا في الحديقة. كان هناك عزيز الحاج وشامل النهر وعدنان البراك. وتبين ان الدعوة كانت لانهم كانوا يقومون بكتابة بحث لجريدة الحزب وكانوا بحاجة الى معلومات دقيقة فلم يجدوا في الحزب من يستطيعون الاستعانة به ولذا تذكروا وجود يهودي "لا شيوعي" حرمه الله ورسوله من ان يكون شيوعيا. فدعوني الى هذه السهرة وبقينا الى الصبح في الحديقة تقريبا لكي اجيب على اسئلتهم التي وجهوها الي. ولم تتح لي فرصة قراءة ما كتبوه في هذا البحث او المقال. وكانت هذه اخر مرة التقيت بها مع عزيز الحاج اذ كان يتحاشاني حين يراني في الاجتماعات العامة.
والحادث الثاني هو لقاء بالصدفة بيني وبين محمد حسين ابو العيس في شباط ١٩٥٩ فسنحت لي فرصة نقاش معه. تحدثت معه عن ضرورة تحديد الشعار الاستراتيجي لما بعد الثورة وقلت له لنفرض ان انقلابا بعثيا يجري الان فماذا يكون شعاركم الاستراتيحي وانتم لم تفكروا بوضع الشعار حتى الان؟ فقال لي "هل ترى الوضع الان وضع انقلاب بعثي؟" اننا منهمكون في العمل وليس لدينا الوقت لبحث موضوع الشعار الاستراتيجي.
وفي ذكرى اعدام الرفيق فهد، ١٤ شباط ١٩٥٩ كانت افتتاحية طريق الشعب حول حياة السجون. وقد تذكر كاتب المقال وجود سجناء صابئة، عزيز سباهي، وسجناء ارمن وسجناء اشوريين وسجناء عرب واكراد وفيليين ولكن الكاتب نسي، وسبحان الذي لا ينسى، انه كان في السجن سجناء يهود كانوا قبل تسفير اليهود الى اسرائيل يشكلون ٦٠% من سجناء منظمة نقرة السلمان.
والحادث الثالث كان في اواخر تموز او في أب ١٩٥٩ حين التقيت بالصدفة مع اربعة من قادة الحزب هم نافع يونس ومهدي حميد وعزيز محمد وعمر علي الشيخ على بعد خطوات من الشقة التي كنت ساكنا فيها. فتعجبت لوجودهم معا في بغداد وكل منهم كان المسؤول الحزبي في لواء من الالوية الشمالية. فقلت لهم كيف اجتمعتم كلكم في بغداد هل جئتم لتدرسوا الاخطاء؟ ودعوتهم لشرب القهوة في شقتي ولكنهم رفضوا ذلك. وفي صباح اليوم التالي جاء عدنان البراك لزيارتي مبتهجا يحمل نسخة من الجريدة التي صدر فيها بيان اللجنة المركزية الذي اعتبره عدنان انتقادا للاخطاء. ولكني ابتسمت وقلت له ليس في هذا البيان اي انتقاد للاخطاء وانما هو تأكيد عليها وتعميق لها. فتعجب عدنان من ذلك اشد العجب.
وليلة قبل الاحتفال بذكرى ثورة تموز لاحظت عشرات من اعضاء الحزب يتمددون في المنطقة المزروعة في وسط شارع البتاويين فدعوت عددا منهم الى شقتي وقدمت لهم ما توفر لدي من قهوة وشاي وبعض البسكويت. ودار نقاش بيني وبينهم. جرت تلك الليلة تجربة للاستعراض العسكري الذي سيجري يوم الذكرى. وقد شاع ان البعثيين قد يقومون بانقلاب خلال هذه التجربة. اعلن الحزب النفير العام ودعا جميع اعضائه (حسب قول هؤلاء الضيوف) للاستعداد لمقاومة الانقلاب. ولهذا كانوا متجمعين حتى الصباح في هذه الاماكن. سألتهم "اذا قام البعثيون بالانقلاب فانهم سيقومون بذلك بالدبابات والمدافع فكيف ستقومون بمقاومتهم؟ هل لديكم سلاح تقاومون به هذه الدبابات؟ وهل لديكم خطة للتصرف في حالة وقوعه؟ وطبيعي كانت اسئلة لا يعرفون جوابا لها.
والحادث الاخر الذي جرى ليلة المظاهرة المليونية او المهرجان العمالي الذي جرى ليلة الاول من ايار وظهر فيه شعار "عاش زعيمي عبد الكريمي حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي". كنت في هذه الليلة متفرجا على الرصيف مع صديق يهودي سأتحدث عنه ادناه. والتقيت بشخص اعرفه مقربا جدا الى اللجنة المركزية. فقال لي متحمسا اننا سنجبر عبد الكريم قاسم على تلبية الطلب والا فاننا سنطيح به. فقلت له بحضور صديقي الذي دهش كل الدهشة من جوابي "سلملي على الجماعة وقل لهم الينطح راسه بصخرة گرونه تطير".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفولاذ المسقى بالبلشفية
فؤاد النمري ( 2010 / 4 / 30 - 16:39 )
أقرأ قصتك فأتذكر قصتي. حاربك حزبك لأنك يهودي وحاربني حزبي لأنني ضد خروشتشوف. طواك الجوع والعري كما طواني وطوى عائلتي . هم كذلك مقلدو خروشتشوف، فطوبى للفولاذ المسقى بالبلشفية وقد قدَّ منه قوجمان
تحياتي


2 - کلمات مشرئبة بالصدق
نزار جاف ( 2010 / 4 / 30 - 20:40 )
استاذ حسقيل
طابت اوقاتك
أتابع ماتکتبه بشکل عام، لکن هذه المقالة شدتني کثيرا و أخذت مني مأخذا کبيرا لما وجدت فيها من تصوير دقيق لمعاناة غير عادية لإنسان وهب نفسه لقضية و مبدأ ولم ينل مقابل ذلك سوى الالم و المکابدة و شظف العيش، الحق أنکم صورة معبرة لواقع المشهد السياسي العراقي بشکل عام و الحزب الشيوعي العراقي بشکل خاص، تحية لکم مع تمنياتي لکم بالعمر المديد کي تتحفنا بالمزيد.


3 - أستاذي العزيز..مع التحية
نســـيب عادل حطاب ( 2010 / 5 / 1 - 06:21 )
أستاذنا العزيز.....تحية التقدير والاحترام
وكأني كنت قد خمنت مسبقا ان ماستطرحه في الجزء الثالث من ذكريات شخصية
يكاد يمس بعضا من تســـاؤلاتي التي طرحتها على حضرتكم في الجــزء السابق ولهذا سأبقى متشبثا بتكرارها على مسامعكم لعلي أسمع من أحد الماركسيين الثقاة مثلكم مايمكن ان يشبع فضولي..لقد تمحور أثنان من أسئلتي
الثلاث في أمرين أثنين اولهما هل يمكن لشيوعي ومهما كانت الظروف والمبررات ان يقســو على رفيقه فيضطهده أو يحاربه ليسلبه حريته او حياته ...والآمر الثاني هل يمكن أن تتسرب الروح الدينية والقومية التافهة لتشيع وتأتي فعلها في حزب شيوعي ينتهج الماركسية اللينينيه فيصبح الانتماء الديني والقومي فيصلا مستترا في تقييم رفاق الحزب.أمل بعد تفضلكم ان أٌقرأ لكم بخصوص أسئلتي تلك...وأعتذر أن كنت ملحاحا في هذا مع أطيب الاماني لكم
بالصحة والسعادة وطول العمر


اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر