الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرشوة من منظور مسرحي

يسير بلهيبة

2010 / 4 / 30
الادب والفن



"يبتدأ العرض المسرحي الناجح حينما تنتهي مشاهده"

تقديم :

يستحق العرض المسرحي الناجح " الحر بالغمزة " الذي قدم بقاعة الحفلات التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط يوم 27 ابريل 2010 ، الاهتمام و القراءة المتمعنة في مضامينه ، خصوصا انه منظم من قبل مؤسسة الرحامنة للتنمية المستدامة بشراكة مع الجماعة الحضرية بابن جرير و الممول من قبل مبادرة الشرق الأوسط MEPI والفرقة المسرحية أكوار وسنتناول في هدا العرض أوجه الإبداع و القصور ، من باب التفاعل الايجابي المرتبط بحالة الفعل المسرحي في لحظته الزمكانية .

البنية الإشكالية للنص :

يهدف المنظمون للعرض إلى التحسيس بواجب محاربة الرشوة ، وهو ما يحاول البناء السردي بسطه بأدوات يختل فيها التوظيف الإيديولوجي لخطاب لا يسمح بطرح مقاربة صحيحة و متقدمة للإجابات الموضوعية الواجب توجيهها من خلال محاور :
- السيناريو: المشاهد الدرامية و الكوميدية
- .الحركة : الممثل وزاوية الإخراج المسرحي
- استطيقا الفضاء: الخشبة و اللباس و اللون

1- السيناريو متاهة التوظيف الإيديولوجي :

انتهى النص المسرحي إلى توجيه غير موفق بضرورة محاربة الرشوة من خلال رقم تلفوني لمؤسسة تعنى بالجانب القانوني للرشوة ، وألقى في فصوله المتتابعة - الغير المنقطعة بأشواط تمهيدية- اللوم على المواطن ، إما بسلبية الانغماس أو بالصمت الغير المبرر ، محملا مسؤولية واقع الفساد و انتشار جرثومة الارتشاء لضحايا سياسة الارتشاء لا لواضعيها ، غاضا عن الطرف عن البنية التراتبية للنظام المؤطر للارتشاء ، حيث تمكن هرمية البناء الدولاتي على تسريع وثيرة الارتشاء وجعلها عملة مطلوبة ، في حين حاول الخطاب المسرحي تسييد الرشوة كثقافة ترتبط بالتربية على حقوق المواطنة في حين أن جدر المشكل وجوهره ليس في المعطى الثقافي بل في بنية الرشوة كآلية وبنية سياسية واقتصادية تضمن استمرار طبقة على حساب طبقة ، وهو ما يترجمه واقع الفساد الذي يطال بنية القضاء ، الذي حدد سقف نهاية المأساة باستبدال وكيل الملك بوكيلة ، دون الإطلالة على الجهاز الفوقي المشرع مضمونا بواقع الارتشاء ، وبدل أن تطالب وكيلة الملك مسؤوليها بضرورة عدم الإفلات من العقاب وبواجب فضحها لما تعيشه داخل منظومتها المهنية ، في نضال حقوقي يرتبط بيقظة الضمير ، اكتفت بإعطاء رقم هاتفي إلى المواطن ،كثقافة بورجوازية تنتج التحليل السطحي بدل النفاد الى جوهر الاشكال، حيث لن يزيد هدا الأخير الا تعقيدا للواقع المأساوي ،فالمفترض العلمي و الواقعي يتسوجب من الوظيفة الأدبية للمسرحي أن يلتزم بدفع الحقيقة حتى منتهاها ، كالدفع بالخروج عن الصمت و الاحتجاج من خلال لغة التعبيرات الصوتية و الإشارات الرمزية للنص الحكائي ...و الذي يمكن أن نعتبر أن شقا متعتلقا بحقيقة واقع مريب ، اختزل في مشهد العجوز الأم التي سلمت لها أوراق الوفاة وهي على قيد الحياة ، حيث تهكمت بعزمها تنظيم مأدبة تعزية لنفسها ، وهي بدلك تمثل رمزيا حالة شعب يتقبل العزاء في نفسه بعدما أضناه فساد مالكي القرار ..ونفس المشهد بدرامية متمكنة أعيد في وفاة ابنة لسعتها عقربة الإهمال وحيرة أم لا تجد ما يسد رمقها اتجاه تخاذل بنية مؤسساتية (وليست شخصانية) عن انقاد المواطن من مخالب الفساد.

2- الحركة الجسدية و الإبداع المسرحي :

الشيء المثير للاهتمام ، درجة الاحترافية التي عبر عنها الممثلون ، إدا غضضنا الطرف عن بعض الأخطاء التقنية المرتبطة بفضاء خشبة المسرح ، فمن الوهلة الأولى يبدي الممثل صرامة مسرحية في الالتزام بالنص وعدم الخروج عن مضامينه بشكل قد يفسد مضمونه أو يزيد من تأويله ، ناهيك عن التوظيف الكوميدي للكلمة ، بشكل يزيد صوتيتها من إثارة انتباه الجمهور ضمن إطار تواصلي مؤثث للمضمون الأبجدي لمسرحة الخطاب .

بالمقابل ازدوج في طاقم التمثيل مهمة الحركة بمهمة إضافية ارتبطت بهندسة الديكور ، وفي الوقت الذي أبدعت شخصية "المدهون" في دور المرتشي ، كان يغيب عنها الحركة الجسدية ( ادا ما استثنينا مشهد المستقبل للعجوز المتوفاة ) في حين كان لشخصية " علي بن مسعود " واقع الأثر على اقتناص هستيريا الشرط الموضوعي و الذاتي للموظف الحكومي - او الغير الحكومي - و الذي تضطره شروط الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية والتراتبية الإدارية للفساد المرتبط بهرمية المجتمع وإغراءاته على القبول قسرا بالرشوة ، دون ان نشير الى وجود حالة ارتباك ضمنية في حركية الفم و في إيصال المضمون بشكل سلسل ، زادتها اكراهات غياب المؤثرات الصوتية .

أما الحضور النسائي لكل من السعدية التي تألقت في بصم أنثوية المشهد ، و شخصية وكيلة الملك التي حملت صوت الطبقة الحاكمة – السلطة القضائية - فقد تميزت بصرامة انضباط في ملامح الوجه أهلتها لتعكس الضبط الجسدي للصيغ الأمر و النهي و مخارج الحروف التي لا تعكس الضعف ، في حين مثلت الشخصية الأم و الإبنة الملسوعة العقرب ، أرقى مستويات المشاهد الدرامية التي عكس حالة مجتمع متصدع يتلاشى تحت بركان اللامسؤولية ..

3- استطيقا الفضاء :

إن أهمية الموضوع و سبق المبادرة التي تشهدها المنطقة ضمن متغيرات أخرى دفع العديد إلى طرح سؤال جوهري يتلخص في : ادا كان العديد من المتتبعين المعنيين – الجمهور- يسكنون في مركز المدينة ، فد غاب على المنظمين أن الهدف من رسالة المسرحية التحسيس بمعضلة الرشوة ، و بالتالي عجز الكثير عن السواد من الساكنة عن الحضور لبعد المسافة وللظرف الزمني الليلي الذي اختير بشكل غير موفق ،وسقط التحسيس في الحصر وتقنين الدعوة في نخب و بعض الفعاليات ...أما المعنيون الحقيقيون فكانو مغيبون ...مما يفرض على مسؤولينا التفكير الجدي في التسريع في بناء مركبات ثقافية كأولوية قصوى .و الاقتناع بان ل خوف من حضور ساكنة يعتبرها البعض غير مؤهلة لهدا النوع من الخطاب ..لان ساكنة ابن جرير قادرة على الاندماج و التعبير عن مستواها الحضاري بشكل أرقى من تلك المنظورات البورجوازية السطحية.

أيضا يقصد باستيطيقا المكان ، الخشبة التي حبلت بديكور في غاية العناية بإمكانية تغيير المشاهد بشكل سلسل، سهل ممتنع ، لا يؤثر في زمنية الانتقال من مشهد الى اخر

"يبتدا العرض المسرحي الناجح ، حينما تنتهي مشاهده

انتهت المسرحية بمثل شعبي ، لم يمنح الحر من المشاهدة وفهم المعنى ، لأنه كان شبه مغيب ، بل وزعت على المحظوظين ممن حضروا استمارة أضعفت مضامينه حمولته الفكرية ، بالرغم من أن الخطوة ريادية وتنم عن ثقافة جمعوية متقدمة في التعامل مع المسرح ، لكن يظل سؤال حير الحضور يفرض واجب الاجابة عليه الضرورة لا الترف :
الأسئلة و الأجوبة التي يفترض تضمينها توجيهيا في الاستمارة ، هل تساهم في خلق وعي شعبي بمهام الرفض للرشوة أم أنها تحد من وعي المشاهد في اتجاه التعامل مع الرقم الإشهاري للمؤسسة المبتغاة الاتصال بها ، إن الاستمارة شكل مطلوب لكن يفترض القول الصريح للمواطن بما مضمونه : إما أن تخرج من صمتك لتخلق حالة احتجاج أو ان تتوقف عن دفع الرشوة ، وهو سيحرمك من قضاء حاجتك ، وان عزمك على متابعة المرتشين الحقيقين من مسؤولين سينتهي بك المطاف إلى القضاء الغير المستقل لتحول من شاهد على حالة أو متضرر إلى مرتكب لوشاية كاذبة ...
ومن ثمة، كنا نبتغي نهاية موضوعية وواقعية ، تشير إلى واجب الدفاع عن مطلب وحيد وجماعي : إعادة النظر في القوانين و التشريعات من خلال الاستمرار في الدفع بعجلة النضال الحقوقي وتحويله الى شريك دولاتي حقيقي ومستقل ، و فرض رقابة شعبية على المؤسسات العمومية ، و مراجعة التراتبية الإدارية التي تكفل سلطة المتابعة المرتشين الكبار من ناهبي اموال الشعب.

ختاما :

سواءا اتفقنا أو اختلفنا حول المضمون ، تكون مسرحية " الحر بالغمزة " نجحت في دورها الوظيفي في تبليغ الرسالة المطلوبة ، ومن ثم ابتدأ النص من حيث انتهى العرض ، والى أن نستكمل المثل ، بخصوص عبيد الفساد سنكون مطالبين باستكمال المثل " الحر بالغمزة و العبد بالدبزة " و الدبزة هي ايقاض الشعب من سباته ليقول كلمته في وجه عبيد الفساد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي