الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلد الدب

أوري أفنيري

2004 / 7 / 30
القضية الفلسطينية


أكتب هذه الكلمات بقلب حزين، وقد أجّلت كتابتها قدر الإمكان.

هناك آية موجعة في التراث اليهودي: "لم يخرب الهيكل إلا بسبب الكراهية العمياء." تتطرق هذه الآية إلى الأحداث التي وقعت في القدس عام 70 بعد الميلاد، حين هاجمتها الجيوش الرومانية. في الوقت الذي ضيّق جنود طيطوس الحصار ودب الجوع في المدينة المحاصرة، دارت داخل المدينة معارك ضارية بين فئات من المتشددين، فقتلوا بعضهم بعضا وحرقوا لبعضهم مخازن الحنطة التي تبقت في ذلك الحين.

يحدث الآن أمر مشابه في المناطق الفلسطينية. فبينما تضيق قوات الاحتلال الطوق عليها وتنفذ "التصفيات الموجهة"، تنشب فيها معارك بين الفلسطينيين الذين يطلقون النار على بعضهم البعض ويحاولون اغتيال الزعماء ويحرقون مقرات القيادة.

جنرالات الاحتلال، السياسيون والمحللون الإسرائيليون يهللون ويرقصون فرحا: لقد قلنا لكم دائما، الفلسطينيون غير قادرين على أن يحكموا أنفسهم، لا يوجد من نتحدث معه، ليس لدينا شريك. عندما نتركهم لوحدهم تسود الفوضى بينهم. العديد من الألسن نطقت هذا الأسبوع بكلمة "كاوس" اليونانية بلكنة أمريكية.

ولأن حكومة شارون ذاتها هي التي خلقت الوضع القائم في غزة، فهي تشبه الآن ابنا قتل والداه ويطلب من القضاة: "ارحموني، أنا يتيم!".

أحد أوجه التعارض هو أن زعماء الفئات الفلسطينية بالذات، يؤمنون لتصريحات شارون عن نيته بالخروج من غزة، وما يحدث هناك هو، لأول وهلة، نزاع على تقسيم جلد الدب الذي لم يُصطد بعد.

رغم أنهم يتحدثون عن "الإصلاحات"، وهي كلمة محببة على قلوب الأمريكيين، فإن النزاع هو على السلطة والنفوذ:

فئة محمد دحلان تتطلع إلى السيطرة على القطاع قبل فوات الأوان. ويقول رجالات شارون أن هذه الفئة مقبولة لديهم. الأمريكيون يؤيدونها، بهدف تنسيق المواقف مع شارون. المصريون يؤيدونها أيضا لينالوا رضا الأمريكيين.

الفئة الخصم تؤيد موسى عرفات، الذي عينه ياسر عرفات، وهو أحد أقربائه، في منصب أمني هام. ربما لم يكن هذا التعيين ناجحا بما فيه الكفاية، ولكن رجل المقاطعة عين مقرّبه لأنه يثق به لمنع الخطر الأكبر الذي يواجهه الآن: انقطاع التواصل بين الضفة والقطاع، وتحوّل غزة إلى بنتوستان "مستقل" تحت وصاية إسرائيلية-أمريكية-مصرية.

هذا ما يحدث سطحيا. ولكن لهذه الأحداث جذور أكثر عمقا، مغروسة في الكيان الفلسطيني الراهن، وتنطوي على صراع وجودي.

من جهة، ما زالت نهاية حرب التحرير الفلسطينية بعيدة، ولكنها في أوجها. يمكننا أن نقول أن وجود الفلسطينيين، كشعب وكأفراد، لم يواجه في أي وقت من الأوقات خطورة تصل إلى حد الخطورة التي يواجهونها الآن.

من جهة أخرى، نشأ في الضفة والقطاع نوع من "دولة في الطريق"، تلزم بانتهاج إدارة رسمية في شتى المجالات: الأمن، الاقتصاد، التعليم، القانون، الرفاه الاجتماعي وغيرها وغيرها.

الوضع السريالي القائم في غزة يعكس تناقضا: بينما يتنازع موسى عرفات ومحمد دحلان وبقية زعماء فتح فيما بينهم على السيطرة على السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية فيها، تدور معركة يومية يخوضها التنظيم وحماس والجهاد الإسلامي ضد الاحتلال.

زعيم حرب التحرير هو ياسر عرفات. ما من فلسطيني يشكك في ذلك. إنه الشخص الوحيد القادر على الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني. إنه الزعيم الوحيد الذي يتمتع باستراتيجية تشمل كافة المجالات الجغرافية والوظيفية في الشتات الفلسطيني. وهو يتمتع بالميزات التي يجب أن يتمتع بها زعيم في مثل هذه الحالة: مكانة شخصية لا اختلاف عليها، شجاعة ذاتية، قدرة على اتخاذ القرار، وقدرة على المناورة. إن تسميته "بأبي الأمة" وموازاته بجورج واشنطن ودافيد بن غوريون ونلسون منديلا، ليست مجرد صدفة.

الانتقاد الموجه لعرفات – والمنتشر بالأساس بين الطبقات المثقفة والسياسية – متعلق بإنجازاته كرئيس "لدولة في الطريق". وليس كما هو الحال لدى رئيس حكومة إسرائيل، عرفات غير متهم بالفساد شخصيا. هناك ادعاء بحقه بأن السلطة الفلسطينية تشبه أنظمة حكم عربية أخرى، التي يسيطر عليها نظام حكم مركزي، فساد المقرّبين، محسوبية عائلية وتعدد الأجهزة الأمنية.

وكما قال لي أحد أعضاء البرلمان الفلسطيني: "عرفات هو قائد الكفاح الوطني، ونحن نؤيده جميعا. غير أنه يتجاهل النظام الداخلي، ونحن لا نقبل بذلك."

إلا أن شارون لا يشن حربا ضروسا على عرفات لأنه لا يوزع الصلاحيات أو لأن لديه سبعة أجهزة أمنية مختلفة (يوجد في الولايات المتحدة 15 جهاز استخبارات، اربعة أذرع عسكرية وأجهزة شرطة لا تعد ولا تحصى). إنه يقاتل عرفات لأن تصفيته ستؤدي إلى انهيار الشعب الفلسطيني وإتاحة التطهير العرقي. عرفات يدرك هذه الخطورة، وتبدو له كل النواقص في السلطة الفلسطينية، أمام هذه الخطورة، أمور ثانوية.

استراتيجية شارون وجنرالاته بسيطة ووحشية: تفتيت السلطة الفلسطينية، تحول الحياة في المناطق المحتلة إلى جحيم، إحداث فوضى، تفتيت الشعب الفلسطيني وحثه على ترك البلاد، ليس عن طريق عملية دراماتيكية واحدة (كما حدث عام 1948) بل بعملية زاحفة.

لم ينجح ذلك حتى الآن. رغم الظروف غير الإنسانية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، إلا أن هذا الشعب ما زال يقاوم بشكل يثير الدهشة. أحداث الأيام الأخيرة تبدو لشارون ولقادة الجيش الإسرائيلي إشارات للانكسار. أظن بأنهم مخطئون، وأن الجمهور الفلسطيني سيستيقظ حيال الخطر الداهم الذي يتهدده.

من المعقول جدا أن ذلك السجين في المقاطعة، الذي كان قد أخرج شعبه من مآزق وجودية كثيرة جدا، سيفعل ذلك ثانية. آمل أن يحدث ذلك، لأن عرفات هو الشخص الوحيد القادر على إحلال السلام معنا. ليس لدينا أي احتمال في الوصول إلى الراحة وإلى أرضنا المرجوة، طالما لم يتوصل جيراننا إلى ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مين اعترف بالحب قبل.. بيسان أو محمود؟ ????


.. العراق.. اهتمام شعبي لافت بالجرحى الفلسطينيين القادمين من غز




.. الانتخابات الأوروبية: انتكاسة مريرة للخضر بعد معجزة 2019.. م


.. أغذية فاسدة أو ملوثة، سلع مستوردة مجهولة المصدر.. كيف نضمن ج




.. هنا تم احتجازهم وهكذا تم تحريرهم.. مراسل سكاي نيوز عربية من