الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيجارة إخبارية

حنين عمر

2010 / 5 / 1
الادب والفن


سيجارة اخبارية

لم أعد اشعل التلفاز كثيرا، ولم أعد أستطيع أن أبقي جهاز التحكم الفضي طويلا قرب أناملي، لذا أحاول أن اخفيه تحت الوسادة أو تحت الجريدة أو تحت أحزاني بعد أن اضع قناة للموسيقى.

لكن يحدث أحيانا أن تنتصر رغبتي في البكاء على رغبتي في الرقص وأن أعرج على قناة من قنوات الأخبار الكثيرة التي تسبب الكثير من المشاكل الصحية لأناس مثلي. ومع أني أعرف أنها مضرة بالصحة إلا انني استمتع بامتصاص الرعب الموجود في شريطها الطويل المتحرك أسفل الشاشة. شريطٌ من الممكن أن نجده على كل لون – اخترته أحمر هاته المرة - وأن نجد فيه من كل شيء ابتداء من تحيات و اهداءات ورسائل غرامية لكل النوائب التي من الممكن أن تخطر على بال القدر العربي وانتهاء ببعض النميمة التي نمارسها ضد أنفسنا. لا أعرف تماما كيف يحدث هذا، لكنه يحدث ولا يتوقف عن الحدوث، كما لا يتوقف ذلك الشريط اللعين عن تكرار جمله المثيرة للخيبة والحنق، وكأنما لا يوجد أي خبر سعيد في مدننا الحزينة، ولا يوجد أي شيء آخر يفعله الموت سوى أن يزور شوارعنا ويتجول فيها ويأخذ معه حين رجوعه إلى البيت الكثير من الهدايا إلى المقابر التي لم تعد تريد منه إلا أن يتركها تنام قليلا، وتتنفس الصعداء قليلاً بعد أن ملأ التراب صدرها.

أتساءل وأنا أقرأ الشريط للمرة الرابعة، ما الذي يشدني إلى قراءته ؟ ما هي تلك القدرة المدهشة التي تشدني بمغناطيسها فتلتصق عيوني بالشاشة الحبلى بالألم، أتسائلُ لماذا أواصل تعذيب نفسي وتمزيق أعصابي وتهميش طلاء أظافري الذي لم أعد أرغب بوضع لونه الدموي خوفا من أن تعبر تلك الجمل السيئة المذاق من حمرة شريطها إلى حمرته فلا أتمكن من تغيير المحطة بعدها أبدا.

فكرت قليلا في ماهية الكائن المنتمي إلى قبيلتي، هل نحن فعلا مغزولون بالألم ومنسوجون بالشجن وممزوجون بالدموع فلا نستطيع العيش بسلام مع هدوء الابتسامة وعبثية الارتياح؟
هل الانسان العربي محكوم باليأس كما الجراحات محكومة بالنزيف؟ وهل السايكولوجيا العربية متأقلمة مع حالتها المتأزمة لدرجة أنها لم تعد تستطيع التنفس طبيعيا دون مساعدة قناع الإنعاش؟ هل نحن عاجزون عن الحلم بغد أفضل لهذه الدرجة أم اننا ببساطة لا نستطيع أن نفعل شيئا ضد الحقيقة ؟
وهل كل بني قبيلتي مثلي، يدمنون شرب سجائر اخبارية تسبب لهم أزمات تنفسية حادة ؟ تذكرت أنني لا أدخن.....
فالتقطت جهاز التحكم ولم أتردد مطلقا قبل أن أضغط على الزر اليسار وأعود إلى قناة الموسيقى ذات الشريط الأخضر لتمر دموعي التي وقفت عند مفترق جفوني بسب الشريط الأحمر طويلا نحو حريتها.
حنين عمر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية وشكر للكاتبة حنين عمر
مريم نجمه ( 2010 / 5 / 1 - 14:54 )
تحية لصاحبة القلم الجميل حنين , والأمتع الرحلة مع سيجارتك العربية الصنع , مدفوعين بحب الألم على تنفسها رغم سمومها واّثارها المخربة , ما العمل ؟
إنه واقعنا المر,, لنعمل معاً على تغييره ..

محبتي


2 - عليك بالشريط البيض
عابر سبيل ( 2010 / 5 / 2 - 00:00 )
بدل الموسيقى عليك بقراءة القرآن أو سماعه وبدل الشريط الأحمر عليك بذكر الله وبدل دموع الأسف على حال الناس عليك بدمعة في جوف الليل وسترين أن الدنيا مجرد تفاهة. الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد:28
ملحوظة: أوجه لك هذا الكلام إن كنت مسلمة أما غير ذلك فانسي الأمر.

اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة