الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة والمساحات الشاسعة في الصورة الشعرية قراءة لمجموعة ( مثل الماء .. لايمكن كسرها) للشاعرة فرات أسبر

عبدالكريم الكيلاني
شاعر وروائي

(Abdulkareem Al Gilany)

2004 / 7 / 31
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


سماء المرأة والمساحات الشاسعة في الصورة الشعرية

قراءة لمجموعة ( مثل الماء .. لايمكن كسرها) للشاعرة فرات أسبر
عبدالكريم الكيلاني
فرت أسبر شاعرة سورية الاصل هاجرت الى نيوزلاندا لتستقر هناك تاركة خلفها أزمنة وأمكنة كانت لها الاثر الكبير في تحفيز الموهبة وتحريك الجو المشحون بالابداع في مخيلتها الواسعة وإظهار قدرتها ومقدرتها على المضي قدما في ركب الشعراء المتميزين على الساحة الأدبية .. والذين يرفدون المكتبة العربية بابداعاتهم التي تركت أثراً واضحا ومميزاً لايمكن وبأي حال من الاحوال تجاهله أو تناسيه ..لجمالية وسلاسة الأسلوب في نصوصها الحديثة وتماسها المباشر مع الذات الحاضرة والأ نا الشاخصة في خضم تداعيات الانسان وتقلبات الزمان .. ونحن هنا بصدد إظهار بعض الصور الجمالية في نصوصها ضمن مجموعتها الشعرية ( مثل الماء .. لايمكن كسرها ) الصادرة عن دار التكوين في دمشق .

تستهل الشاعرة المجموعة بأهداء الى ابيها وبجملة واحدة شفافة تختزل فيها مجموعة من العواطف المشحونة بنذور الاغتراب وقسوة السنين حيث تقول ( إليك أبي .. كل هذا الماء الذي لايمكن كسره .. عذبا فراتا ) وكأنها أزاحت عن كاهلها المثقل غبار السنين النائية حيث الشوق الى مراتع الصبا والحنين الى كنف الأسرة .. فأرادت أن تضفي هالة من الروعة على المجموعة بهذا الاهداء المتميز .

في نصها ( المرأة التي لم يقرأها أحد ) ترسم الشاعرة لوحة ناطقة تعبر بلغة فريدة عن تفاعلات الشعور لدى المرأة والمساحات الشاسعة في قلبها حيث التجلي في مراقي العطاء التي تميز الانثى كونها تمثل الارض الخصبة لزرع يبعث الحياة في الكون ويشكل مسحة من الامان وغابة من الحنان حيث تقول (من وراء عين القلب ـــ نظرت المرأة الى كل هذا السواد ــ قالت : ماذا ألإعل بهذا الابيض الشاسع ـــبأي عصى أرمي ذاك الشبح الذي تحوم حوله الغربان ـــ ...... كانت تلبس أساور الخيبة ـــ بيديها المتعبتين ــ كلنت تخفي يديها لأن لابياض ناصع بهما ـــ خرائط بلا حدود ــ وحدها ألاحلام كانت تركض ) هنا نلمس ألاشارة الى الوعي الممكن في المخيلة لدى الشاعرة ومن رموزها ( عين القلب ــ السواد ــ الابيض الشاسع ــ أساور الخيبة ــ .....الخ) والتي تغطي معظم نصوص المجموعة يعتبر من مقومات النص الجيد لتتسامق فيها الصور الجمالية داخل التراكيب الجملية وبالتالي تجعل القاريء يتفاعل مع الحدث كأنه يعيشها وهذا يحسب للشاعرة .. أما في نصها ( امومة ) نجد حضورا واضحا لتجسيد عاطفة الامومة لذا لم يكن النص هشا .. بل بدا واثقاً في إعلانه عن تكوينات المرأة وأحاسيسها المتجسدة بالصورة المثيرة التي تعمل عادة على ترسيخ الانتماءات الانسانية في هذا الجانب ... وجاء اسلوبها الشعري بسيطا متسلسلا داخل المتن تتعانق فيه رؤى الذات مع الام والوليد لتنسج رابطا متيناً ووحدة لايمكن فصلهما حيث تقول ( وحين جاءها المخاض ــ وقفت الملائكة عند بابها والنجوم هبطت إليها وانحنت لها ــ وما من شيء إلا خرج من بطن الارض من جديد ــ ...... أولادي ــ خرجوا من رحمي ــ شربوا من دمي ـــ إنني أراهم يتخبطون ــ لا أنا منهم ولا هم مني ) لكنها تنحى في مقطع آخر من نفس النص الى ابعادها الايمانية في الاطلاق الروحي وتكويرها في اوليات الازل ) قديماً كان الانسان , وقبله كان ألإله , وقبلهما كانت المرأة , ولأن الجميع خرج من رحمها ــ لذلك يرجمونها بالحجارة ) .

وهكذا تسير مسارا مشابها وأحيانا مغايراً في نصوصها ألأخرى ( بيتنا , غيوم الرماد , إضاءات الفراغ , أنت , إمرأة متصوفة , تقول المرأة ) لتشكل خطوطاً عريضة ماثلة في طريق التجريب مسكونة بهوس الاستعارة البعيدة والتشبيه المتنافر الاطراف .. الى حدود غير ممكنة في تخليق الوعي .
أما النص ( مثل الماء .. لايمكن كسرها ) فنرى الصورة الجمالية تتشظى بتكاسل فعالية الذاكرة ممزوجة بالرعب من الوضوح .. لتحيل النص الى جدلية ( ألأنا ) والصراع الداخلي للمرأة حيث تشعبات الرؤيا لديها متشابكة وهذا طبيعي بسبب خلْقي ( صديقتي التي ماتت ــ لاتشبه النساء ــ مخلوقة عجيبة ــ لاتشبه أحداً إلا أنا ــ قادمة من البرية ــ ..... في البرية كانت تنام ـــ تحت الشجر كانت تتعرى ) يمر الهواء بقربها , يرطب جسدها ـــ ولكنها لم تنجب يوماً منه , صديقتي التي تشبهني ,, مثل الماء لايمكن كسرها ) .

إن هذه المجموعة تحدثنا عن موهبة فيها الروح تبلغ أسمى درجات النقاء والعاطفة تهيم في ملكوت العقل وآفاق القلب لتظهر صور خلابة في البعد الجمالي لقصيدة النثر لدى الشاعرة فالصدق وألاسلوب المتفرد كانتا ألاطار العام ألمنشود في هذه المجموعة لتهدي للقاريء عملا أدبياً يستحق القراءة .

عبدالكريم الكيلاني
www.postpoems.com/members/kareem/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح