الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية أرتكاتا

هشام آدم

2010 / 5 / 1
الادب والفن


رواية [أرتكاتا – من أوراق كاسبر سارجينيو السرّية]
الفصل الأول: جدري وملامح شاحبة

كنا على وشك الرحيل عندما قبّلتني سوليداد فيدل (جدتي لأبي)، وهي تضع في يدي -بطريقة سريّة- عملة ورقية بائسة، ورغم أنني لم أكن –وقتها- أعرف قيمتها على وجه التحديد، كما أنني لم أتوقع منها أن تفعل ذلك؛ إلاّ أنني غضبت، لأنها لم تجد غير تلك العملة المهلهلة لتعبّر بها عن مدى حبها لي، واكتفيتُ بالسماح لها بتقبيلي، بشفتيها الرطبتين، دون أن أبادلها القبلات تعبيراً مني عن استيائي البالغ للإهانة التي وجهتها لي. أذكر أنها بكت ذلك اليوم لسبب لا أعرفه، فلم أكن لأصدق أنها تحبني لدرجة البكاء عند توديعي، غير أنني اكتشفت عكس ذلك عندما وصلنا إلى "كوينكا" بعد رحلة طويلة ومتعبة أصبت فيها بالجدري، وربما كانت أمي أكثر المتضررين من هذه الرحلة، إذ كان عليها أن ترعى طفلاً مريضاً، وفتاة مزاجية مشاغبة هي جوانيتا سارجينيو أختي التي تكبرني بعامين.

والدي الذي ظلّ في أرتكاتا حيث يعمل في منجم للألماس، كان قد أوصى والدتي في إحدى مكالماتهما الهاتفية السريعة، التي لم تكن تتخللها كلمات عاطفية قط، أوصاها أن تأخذنا إلى حيث مسقط رأسه لنتعرف إلى أقاربنا هناك. كان تصرفه هذا الذي بدافع صلة الرحم، يحوي في حقيقته مغزىً بالغ الأهمية بالنسبة له لا يخلو من زهوٍ ذكوري، طالما رغب أن يشعر به منذ أن تزوج بأمي في العام 1971. شعرت بسعادة غامرة وأنا أسمع صافرة القطار معلنة مغادرة توليدو؛ فرحتُ ألوّح بيدي لؤلئك الذين اصطفوا على امتداد رصيف الميناء البري حتى دون أن أعرفهم.

في الفترات القصيرة والمتباعدة التي كنت أفيق فيها من الإعياء، كنت لا أرى عبر نافذة القطار غير أرضٍ صخرية مجدبة، متلائمة تماماً مع الحمى التي كانت تتناوشني طوال الرحلة، الأمر الذي كان يوحي لي دائماً بأنني قد أموت من العطش! وما كان يزعجني أكثر من تلك الحمى الجدرية هو صوت صفائح عربات القطار التي توحي لك بأنها سوف تنفصل عن بعضها في أية لحظة، وأصوات عجلاتها الحديدية التي كانت تشبه نبضات قلب مارد عملاق. كانت هذه الأصوات مثيرة للاكتئاب والخمول لاسيما مع الجو الحزائني الذي كان يكتنف القمرة. الشيء الوحيد الذي علق بذهني بقوة من تلك الرحلة هو رائحة جلد المقاعد التي كانت تشبه رائحة وبر القطط إلى حدٍ بعيد.

كنت في تلك الفترة محاطاً باهتمام النساء العجائز الأمر الذي جعلني –مُبكراً- أشعر بالتقزز من رائحة كبار السن، ومنظر تجاعيد جلودهم، وعاداتهم الغذائية التي كانت تبعث في نفسي الرغبة في التقيؤ. ورغم ذلك فقد كنّ أكثر الناس اهتماماً بي. وعلى صعيدٍ آخر فإن ثمة ضغينة أسرية قديمة سبّبها سلوك والدي الاستقلالي المبكّر، والذي اعتبره جدي عقوقاً من النوع السافر، عندما رفض أبي أن يسميني على اسمه، وأرسل برقية من سطر واحد "نهنئكم بولادة كاسبر سارجينيو" كان ذلك عام 1974. ولم يحقق له أحد أبنائه حلم أن يحمل أحد أحفاده اسمه الذي لا يوجد إلاّ في الفرنسية القديمة، وكان ذلك سبباً وراء تخفيف غضب جدي على والدي بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على ولادتي، غير أن شظايا من ذلك الغضب الأبوي القديم انتقلت بطريقة ما إلى أخوته الذين شهدوا النوبة القلبية التي أصابته عندما قرأ برقية أبي المستفزّة. غير أن الحقيقة هي أنهم لم يكونوا ليطيقوا نجاح أبي في الفرار من جحيم أورفل بودن المتسلط ليعمل في منجم الألماس الأشهر آنذاك، تاركاً إياهم بين قبضة والدٍ صعب المراس، وطبيعة اجتماعية قاسية يصعب معها الطموح. وربما كانت إحدى المآثر النادرة التي أذكرها لوالدي هو رفضه تسميتي بأورفل، إذ كان ليبدو كاسم مهرّج غير معتد النسب "أورفل سارجينيو أورفل."

تشاركنا ذات القمرة سيدة فضولية كثيرة الكلام، ترتدي فستاناً أسود مرقطاً بدوائر بيضاء صغيرة، ونظارات تبدو أنها لحفظ النظر، وقفازات سوداء متوافقة مع لون الفستان. اكتشفت فيما بعد أنها زوجة إحدى أصدقاء والدي. لم تكف تلك السيدة (شارلوت كوربن) عن إسداء النصائح لأمي عن الطرق الشعبية المثلى لتطبيبي؛ نظراً لخبرتها الطويلة في هذا المرض الذي أصاب أخويها وابنها مؤخراً، وتعجبت كيف نجت هي منه! كانت أسوأ تجربة مررت بها في هذه الرحلة عندما تركت أمي أمر رعايتي لهذه السيدة الفضولية وذهبت لقضاء حاجتها. كانت هي المرّة الأولى التي اكتشف فيها ميل أهلي من القبائل النوركية للعلاجات الشعبية وتصديقها أكثر من العلاجات الطبية الحديثة. كانت نظرتهم للطب -وللتكنولوجيا عموماً- أقل احتراماً؛ لذا فإن أقرب مشفى كان على بعد مسيرة يوم كامل من كوينكا.

من خلال النافذة كنت استمتع بمشاهدة الباعة المتجولين في المحطات التي يقف فيها القطار لمدة لا تتجاوز الربع ساعة على الأكثر. كان منظر المحطات بائساً لدرجة أنها توحي لك بالنعاس، ولولا مرور بعض الوجوه النمطية لخيّل إليك أنها مهجورة. كما أنها لم تكن تحتوي على لافتات تحمل أسماء تلك المحطات، عرفت ذلك من أسئلة السيدة كوربن التي كانت تتدلى من النافذة لتسأل المارة: "أية محطة هذه؟" وما زلت أذكر تلك الفتاة النحيلة التي كانت تبيع في سطل تقليدي قديم عصائر بلون أحمر معلّبة في أكياس شفافة، عندما أشرتُ لأمي لشرائها، فتقدمت السيدة الفضولية لتنصحها بألا تفعل لما قد تسببه المشروبات الباردة عليّ وعلى حالتي الصحية من تدهور، ورغم اقتناع أمي بكلامها إلاّ أنني كنتُ قد وصلتُ في كراهيتي لهذه السيدة إلى مراحل متقدمة جداً يصعب معها أن أتقبل منها النصح، أو أن أهزم أمامها وأمام نصائحها الفضولية، واعتبرتُ أن مسألة شراء المشروب المثلّج مسألة عائلية خاصة، ولم يكن أمامي سوى أن ألجأ إلى البكاء، معتمداً على كوني مريضاً، ودائماً ما تنجح هذه الخطّة، فالمرضى لهم معاملة خاصة، وهم أكثر دلالاً من الأصحاء، ولكنني لم أكن لأعرف طعم ذلك العصير بسبب مرارة لساني. لا يهم فقد أحسست بنشوة الانتصار على أية حال.

لا أدري لماذا كان يخيّل إليّ أن السيدة كوربن كانت ترمقني بنظرات تبادلني فيه الكراهية من تحت نظاراتها الخفيفة. ظلت الحرب غير المعلنة بيني وبينها مستمرة حتى وصل القطار ظهيرة يوم قائظ إلى "كاتوشيا" حيث تجمع عشرات الرجال والنساء الذين قدموا للاستقبال، وكان ذلك آخر عهدي بالدفء الأمومي. كنت أشعر بحزنٍ ووحشة غير منطقيين وأنا أراقب تلك المشاهد الميلودرامية لأُسر حكمت عليها الحرب بالانفصال والتشريد.

كانت لتلك الكلمات المحلية الحزينة، التي تبادلتها أمي والنساء، وقعها المؤثر في نفسي، رغم أني لم أكن أجيد اللهجة المحلية بشكل مثالي، حتى أنني كنت أكتفي بالإيماء ولغة الإشارة في كثير من الأحيان، لدرجةٍ ظنّ فيها الكثيرون أنني أبكم. أعجبتني الطريقة التي يتحوّل بها الناس من حالة البكاء إلى الضحك ثم إلى القهقهة دون تدرّجات تمهيدية، ولكنني عرفت فيما بعد أن ذلك يسهل التدرّب عليه. كان عمري حينها لا يتجاوز ثمان سنوات، وكانت ملامح الثراء التقليدية بادية عليّ كما على أمي التي لم تكن تجرؤ على خلع أسوارها الذهبية التي ينوء بها معصمها، كأنها حارسة لمعبد بوذي، وكأن ذلك هو البرهان الوحيد الذي يثبت أنها قادمة من أرتكاتا (بلد الألماس)، ورغم أنني لم أكن أعرف سبباً واضحاً لضرورة أن تبرهن على ذلك، إلاّ أنني بالمزيد من الاحتكاك بالقبائل النوركية عرفت أنهم يهتمون بهذه التفاصيل إلى درجة بعيدة.

كان اللون الأصفر الشاحب هو اللون الأساسي في كل ما رأيته، وما أتذكره من تلك المدينة التي تنتشر منازلها على مسافات متباعدة من بعضها تاركة مساحات واسعة كميادين يستغلها الأهالي للمناسبات. كنت وقتها قد تماثلت للشفاء بمقدار ما سمح لي بالسير بمفردي. "يا إلهي .. إنه ابن سارجينيو" كانت هي الجملة التي يقولها الجميع عندما تسقط أعينهم عليّ، عندها فقط تكشّفت لي خيوط المؤامرة الذكورية التي مارسها والدي علينا، عندما أصرّ على أمي بأن تأخذنا إلى أرتكاتا. لم أشأ أبداً أن يعاملني الآخرون على أنني "ابن سارجينيو" ولكنهم كانوا يفعلون ذلك بغبطة أهلنا البسطاء. وتحملت عشرات القبلات من نساء ورجال لا أعرفهم بأريحية غريبة، ورغم أن كل واحدٍ منهم كان يعرّفني بنفسه؛ إلاّ أنني لم أكن مهتماً بذلك كثيراً، فقط كنت أقرأ في وجوههم سعادة لم تكن متكلّفة، وحياتهم البسيطة كانت سبباً في أن أترك خجلي جانباً وأسأل: "أين الحمّام هنا؟" دون أن أخبر أمي سراً برغبتي في التبوّل كما كنتُ أفعل دائماً عندما أشعر بالخجل من الآخرين. لم تكن ذكرياتي عن "كاتوشيا" ذكريات مثالية، ربما لأنني لم أمكث فيها غير يومين فقط، كنا خلالهما في انتظار عربة تقلنا إلى "كوينكا" حيث نهاية المطاف. كانت الرحلة أشبه برحلات الهجرة غير الشرعية التي يقوم بها البعض سراً إلى لاميمبون، عبر الحدود الغربية، مستخدمين في ذلك وسائل النقل المختلفة.

في إحدى جلساتهم المسائية على ضوء القمر، حضرت سيدة كانت ما تزال تحافظ على ملامح أرستقراطية تركها اغتراب قديم لم ينته إلا منذ سنوات قليلة خلت، بينما حملت في يدها لفة قماشية، وضعت داخله بعض الهدايا التقليدية. قدمتها لأمي التي أخذتها منها بأريحية، ووعدت بتسليم الهدية لصاحبها في "كوينكا".

تحدّث الجالسون عن قضايا لم تكن ذات أهمية بالنسبة إليّ، كانت أغلبها تدور حول موتى فارقوا الحياة فترة غياب أمي عن كاتوشيا ورحيلها مع زوجها إلى أرتكاتا، وأناس هاجروا إلى بلاد بعيدة وانقطع ذكرهم بعدها، وأخبار الزيجات الحديثة التي وقعت مؤخراً، ونتاج بعضها الذي أسفر عن مواليد جدد؛ بينما كنت منهمكاً في مراقبة ورل ضخم كان يحفر لنفسه بكل همّة حفرة في منطقة رملية قريبة. ظننته تمساحاً في بادئ الأمر، غير أنّ أحدهم ربّت على كتفي مطمئناً وهو يقول: "إنها المرة الأولى التي ترى فيها حيواناً كهذا .. أليس كذلك؟" وابتسم ابتسامةً جعلتني أخشاه.

في اليوم التالي كان جورجينيو أمادو قد وصل في الصباح الباكر بعربته الأشهر على الإطلاق في المنطقة مطلقاً أبواقاً موسيقية لا أزل أتذكرها حتى اليوم. كان أهل القرية يعرفون كل سائق من صوت بوق سيارته، بل وإن الأطفال كانوا يتبارون في محاكاة تلك الأصوات الموسيقية بأفواههم. وكسيدة أرستقراطية تقدمت أمي لتركب في المقعد الأمامي بجانب السائق، حيث لا يسمح لغير الوجهاء بالجلوس، بينما أخذ الجميع يفرشون حصائرهم في حوض العربة الخلفي. كانت السيدة كوربن بينهم، الأمر الذي جعلني أشعر بشيء من الشماتة تجاهها. كانت البادرة الأولى واليتيمة التي تحسب لها، أنها عرضت على أمي أن تأخذ أختي جوانيتا وتجلسها معها في الحوض. في مرحلة عمرية متقدّمة عرفت أنّ ما قامت به السيدة كوربن لم تكن إلاّ تقنية تربوية، إذ يلجأ البالغون إلى معاقبة الأطفال بتجاهلهم والاهتمام بطفلٍ آخر، وما هي إلا دقائق حتى امتلأت الساحة بالمودعين، وامتلئ الحوض بالركّاب رجالاً ونساء وكأنهم أفارقة نازحون. هذا المشهد الاحتفالي يتكرر كل يوم أربعاء بذات التفاصيل تقريباً دون أن يقلل ذلك من أهمية طقوس الترحيب والتوديع لدى أهالي كاتوشيا.

غرقت قبعات الرجال ومناديل النسوة المودعات مع عليّات البيوت وهي تغيب عن الأنظار وتتلاشى تحت خيط شفقي أحمر، بينما اتجهنا شمالاً إلى كوينكا عبر وادي غوادا لاخارى الحجري الذي كان الأسلاف يعبرون خلاله بقطعان خرافهم إلى مراعي السافانا الخصيبة؛ بينما يستحيل الوادي إلى مجرى نهري جارف خلال المواسم المطرية التي تستمر في بعض الأحيان لأكثر من ثلاثة أشهر. لم تكن بي رغبة فضولية لمراقبة الطريق ومعرفة معالمها؛ لذا فإنني لم أر بيوت قبائل البتشو المنحدرة من أصول قوقازية، ولا جبل "عين الشمس" الذي تنفذ الشمس فيه من خلال ثقب هائل في قمته، بل قرأت عنه من رحلات بياتوس ودمنغو فيما بعد.

كنت أتعجّب لمقدرة أمي الغريبة على النوم مع حركة العربة المزعجة التي تسببها وعورة الطريق. كان يخيّل إليّ في كثيرٍ من الأحيان أننا في هودج على ظهر جملٍ عربي، يزيد من هذا الشعور قماشة حمراء منتهية بضفائر مخملية مطرّزة تتدلى من سقف كابينة القيادة يستخدمها أمادوا كزينة لعربته. واستيقظت أمي مذعورة لترسم بيديها علامة الصليب في ميكانيكية تعبّدية خاشعة عندما صاح أمادو فجأةً: " لورِد .. لورِد" كنت لا أعرف سر الخشوع الذي هبط فجأة على الاثنين وهما يطلان بنظراتهما على مكانٍ ما في الخارج. أخرجت رأسي من النافذة لأرى، وأنا ابتسم للعدوى الفضولية التي يبدو أنها انتقلت إليّ من السيدة كوربن. لم أجد سوى صرح شبه هرمي عليه علامة الصليب، كان يبدو لي كدير لم يوفق بانيها في اختيار المكان المناسب. التفت إلى أمي لأجدها ما تزال في خشوعها الكاثوليكي فسألتها: "ما هذا المكان؟" فأشارت لي بيدها بأن أصمت. ابتسم أمادو وجذبني من ذراعي إليه، وجعلني إلى جواره:

- سوف أحكي لك يا بني .. يقال أن مراهقة كاثوليكية تدعى بيرنيدت سوبيروس أتت إلى غار ماسيبيل- الذي تراه أمامك هناك – معتزلةً الناس والحياة، وطالبت السيدة العذراء بالمثول أمامها إن كانت تستطيع أن تفعل ذلك.
- وهل ظهرت لها السيدة العذراء حقاً؟
- أظن ذلك؟

ورغم أنني كنت أعشق القصص من ذلك النوع الذي يتناول سيرة الغابرين والأسلاف؛ إلاّ أن رواية أمادو هذه كانت محبطة وتنقصها الكثير من التفاصيل، فلجأت إلى خيالي الطفولي لإضافة المزيد من المؤثرات لقصة أمادو المبتورة.

رغم خصوصية الجلوس في كابينة القيادة الأمامية، ودلالاتها البرجوازية؛ إلاّ أنني لم أكن مرتاحاً لذلك، فلم يكن بوسعي أن أتمدد أو أن أتحرّك أية حركة دون أن ترمقني أمي بنظراتها المتشددة؛ إذ كانت حريصة كل الحرص على أن نبدو في شكل مهذب أمام الآخرين؛ لاسيما الكبار، وكنت أجاهد كثيراً لأحقق لها هذه الرغبة، غير أنها لم تكن تلاحظ إلاّ الهفوات النادرة.

في مكان ما توقف أمادو وأطفأ محرك سيارته، وأعلن استراحة لنصف ساعة. ترجلنا وبدأ البعض بمطّ جسمه المنكمش بفعل الزحام، بينما جثا البعض على ركبهم غير بعيد للتبوّل. كان البرد قارساً لدرجة أن الرجال كانوا ينفثون من أفواههم أبخرة كأبخرة التنانين الأسطورية، بينما لفت النساء وجوههن بمحارم قطنية. كانت تعجبني فكرة خروج الأبخرة من الأفواه فولّدت لدي رغبة انحرافية، فكنت أضم سبابتي والوسطى كما يفعل المدخنون، وأتظاهر بالتدخين. أشد ما أعجبني في ذلك أنني لم أكن أخاف من أمي وأنا أفعل هذه الحركات. كانت جوانيتا تتوسل إلى أمي بأن تأخذها معها إلى كابينة القيادة، ليس لنزعة برجوازية، ولكنها – على ما يبدو – ضجرت من مرافقة السيدة كوربن. وأعجبني موقف أمي الصارم، رغم أنني كنت أشفق على جوانيتا أيّما إشفاق.

تجمّع البعض في حلقات وبدأوا يتسامرون، ويطلقون ضحكات كانت تهتك سكون المنطقة الموحشة. راح أمادو في كل ذلك يرتشف قهوته المسائية من حافظة كان يخبأها معه. كنت استغرب إدمان البالغين على القهوة والشاي وهذه المنبهات التي لم استسغ طعمها يوماً. كان يخيّل إليّ أنها مخصصة للكبار فقط، وأن تناول كوبٍ من الشاي الساخن هي إحدى دلالات البلوغ الأساسية. نحن – الصغار – كانت أمهاتنا يبرّدن لنا الشاي بعملية تكرير مضجرة، وأحياناً بإضافة بعض الماء البارد عليه.على أي حال فأنا لم أشرب كوب شاي في حياتي؛ كنت أؤجل هذه المهمة لحين أكبر.

من جهةٍ ما سمعنا صوت فتاة عشرينية وهي تكيل لأحدهم الشتائم، عرفنا فيما بعد أنه حاول التحرّش بها بينما كانت تتبول. خيّم - عندها - سكون متوتر على المكان فيما كان البعض يتندّرون بهذه الحادثة ويتغامزون فيما بينهم. أحسستُ بشفقةٍ ساذجة تجاه الفتاة عندما عاقبتها أمها بصفعة قوية، وحكمت عليها بملازمتها طوال الرحلة. لم أعرف سر هذه العقوبة التي أوقعتها الأم على ابنتها الضحية، في حين اكتفى الجميع بتقطيب جباههم للجاني، واستيائهم الذي زال بعد دقائق معدودة. هذه الحادثة جعلت بقية النساء يطبّقن ذات العقوبة على بناتهن. شعرت بأنهن كقطعان ضأنٍ لا حيلة لها غير مصادقة الذئاب التي تمارس دوراً مزدوجاً: حمايتها والتهامها في آنٍ معاً.



[الفصل الثاني: كوينكا؛ مدينة الأرواح الشريرة والأيول]
بمزاجية متعالية نهض أمادو وهو ينفض عن بنطاله ما تعلّق به من تراب، وهو يقول بطريقة آمرة: "انقضت النصف ساعة .. فليستعد الجميع" ربما لم تنقضِ النصف ساعة تماماً، فقد كان حساب الزمن بالنسبة إليه مسألة تقديرية. أخذ الجميع مواضعهم مرّة أخرى، ثم انطلقنا بذات الهدوء القاتل والبرودة التي كانت تتسلل إلى ملابسنا الداخلية دون خجل. ظللت مستيقظاً طوال الطريق، ولم استطع النوم، منعني من ذلك أمادو الذي كان يغني بصوته القبيح أغنية شعبية لم تطربني كثيراً، واهتزاز العربة الذي لم يكف حتى وصلنا إلى كوينكا فجر اليوم التالي.

أول ما رأيته كنّ نساء يحملن دلاء الماء الصفيحية فوق رؤوسهن، وهن يراقبن مرورنا من على البعد. وبطريقة احتفالية بدأ أمادو يطلق أبواقه الموسيقية في إشارة إلى وصولنا. استيقظ الجميع على صوت الأبواق، وأخذوا ينظرون من حولهم كأنهم يبحثون عن شخص ما بعينه. كنت أرى في عيني أمي حنيناً مهذباً وهي تلتفت يميناً وشمالاً، جعلني ذلك أحس بأنني أنتمي لهذا المكان بطريقةٍ ما.

ما إن سمعوا صوت الأبواق حتى بدأ الناس يخرجون من البيوت، وبطريقة لا تخلو من تعالٍ أيضاً ظلّ أمادوا يدور بعربته في شكل دائرة كبيرة، قبل أن يتوقف تماماً في ساحةٍ رملية. ذات المشاهد الاحتفالية في كاتوشيا تكررت مرّة أخرى في كوينكا. كنت قد بدأت أشعر بحنين منقطع النظير لأرتكاتا، وتمنيت أن يكون ما أراه حولي مجرد حلم عابر. تفاصيل الاستقبال والكلمات المتكررة والقبلات والنظرات الفضولية والتعليقات الساذجة كانت مرهقة إلى حد الضجر. أخذت جوانيتا تبكي عندما أهملتها أمي وتركتها محاصرة بين فتيات ذوات منظر بشع، بينما كنت محاصراً بفتيان لا يرتدون غير شورتات وفنايل داخلية متسخة. عرفت فيما بعد أن أكبرهم سناً كان خالي سانتياغو إميليو الذي أراه للمرة الأولى. لم أشعر تجاهه بغير ما شعرت به تجاه البقية.

كان الواجب الأكثر قداسة هو إلقاء التحية على كبار السن؛ لاسيما أورفل بودن الذي كنت أخشى مواجهته حاملاً جرم والدي في حروف اسمي، غير أنه كان لطيفاً على عكس ما توقعت. كان روائياً مغموراً، أو معروفاً على نطاق أرتكاتا فقط، وسمعت أنه ألّف رواية "ما وراء النهر" التي لم أكن قد قرأتها بعد آنذاك، بالإضافة إلى كونه قسيساً في كنيسة الأب خوليو الشهيرة. فوجئت عندما عرفت أنه متزوج من امرأة أخرى تدعى يواماريز روجيليو، أصغر سناً وأجمل قليلاً من سوليداد فيدل. كانت تلك أول مواجهة لي مع جذوري العرقية، وعرفت فيما بعد أن أورفل بودن بتعدديته هذه قد استعدى شريحة واسعة من النوركيين الذين لم يقروا يوماً مسألة تعدد الزوجات هذا؛ لذا فإن سوليداد جهزت حقائبها وأخذت ابنتها الصغرى دايمتا أورفل، وغادرت كوينكا إلى توليدو حيث تقيم بناتها مع أزوجهن.

كانت توليدو مستعمرة للنازحين من جحيم الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1936 واستمرت لثلاث سنوات، عانت فيها قبائل النورك أشد حالات الجوع؛ إذ كانوا يأكلون ثمرة البرتقال للغداء بينما يتعشوّن بقشره ليلاً. فيما بعد أصبحت توليدو ذائعة الصيت، كما أنها كانت مقراً لأبناء وبنات أورفل بودن المتزوجين منهم وغير المتزوجين، فلم يكن أحد ليطيق مزاجيته وعصبيته.

بعض أفراد الأسرة الأورفلية المنادين بالوحدة الأسرية وجّهوا انتقاداتهم لسوليداد فيدل التي قسمت الأسرة - برحيلها - إلى شقين بينما أوعزوا ما فعلته إلى أنها محض غيرة نسائية غير واعية. وكان أورفل القسيس قد أنجب من سوليداد وحدها سبعة أبناء. كان أبي أكبرهم ثم تيرا أورفل المتزوجة من ابن عمها فاردون رسل والتي تعيش في توليدو منذ أيام زواجها الأولى. ثم كيوريدا أورفل العشوائية التي تزوجت رجلاً قصير القامة من خارج نطاق العائلة، وأقامت معه في توليدو أيضاً حتى قبل سنوات الحرب الثلاث.

كانت العمة كيوريدا الوحيدة التي مارست الطوطمية في عائلة أورفل. واعتبرتها العائلة أول مارقة على النظام الأورفلي الصارم. ثم دوليسينيا أورفل الوحيدة التي بقيت في كوينكا بجانب والدها، ليس محبة له، بل طاعة لزوجها الذي كان يعمل في النقل النهري هناك. ثم سلفادور أورفل عازف الأورغن والمولع بالموسيقى وحياة الترف. ثم سانتوس أورفل الأكثر شعبية بين أبناء أورفل. كان صاحب نكتة، ومرحاً إلى الحد الذي يجعلك لا تصدق أنه أورفلي على الإطلاق. وقيل أنه توفي مسموماً بنبيذٍ فاسد في العام 1989 وهو أول من توفي من أبناء أورفل بودن. وأذكر أن وفاته كانت أكبر فاجعة تلقاها الأورفليون على الإطلاق. وأخيراً دايمتا أورفل التي سوف تكون لي معها قصة عدائية طويلة فيما بعد. ومن يواماريز روجيليو أنجب أورفل أربعة أبناء هم: الدكتور زينون أورفل الذكر الوحيد بين ثلاثة إناث هن: أدونيسا التي أصيبت بسرطان الثدي وتوفيت به عام 1999، وإيميرالد وإسبرانزا وهيرمينيا.

هؤلاء كانوا مجرد أسماء أقرؤها على شجرة العائلة، ولم أكن أعرف أحداً منهم قبل زيارتي التاريخية لكوينكا؛ فيما عدا العم سلفادور الذي كان يعيش معنا في أرتكاتا حتى وفاة سانتوس أورفل. كانت مهمتي الصعبة تكمن في التعرف على أفراد العائلة، بل وأن استشعر تجاههم بالعاطفة الأسرية التي لم يكن لها وجود يذكر. كان الفتيان الذين ما زالوا محيطين بي يرمقونني بنظرات لم أستطع تفسيرها على نحو منطقي، وكأنني كائن فضائي ذو ملامح بشرية. ولم يبعدهم عني غير صوت الجد أورفل بودن وهو يتقدم إليّ بعرجة خفيفة سببها له داء النقرس، متأملاً في تفاصيل وجهي الذي يراه للمرة الأولى. وبميكانيكية أبوية قبّلني قبلة واحدة وهو يتساءل:
• هذا هو كاسبر إذن !

ثم تقدمت يواماريز روجيليو التي بدت لي أطيب بكثير من سوليداد، فلم تكن عيناها تحملان نظرات المكر التي كانت تحملها عينا سوليداد. لم أعرف حينها الدافع الحقيقي وراء احتفائها بي. لم أستطع أن أحدد ما إذا كانت أحبتني فعلاً، أم أنها ادعت ذلك إرضاءً لأورفل. هل كانت فعلاً فرحة لرؤيتي، أم كانت تريد فقط أن تظهر لأورفل أن باستطاعتها أن تحب أبناء أورفل من زوجته الأخرى. فيما بعد اكتشفت أن شفتيها لم تكونا رطبتين كما شفتي سوليداد، غير أن لها ذات الرائحة.

دخلت منزل العائلة الكبير، وأنا أحس أنني أعبر من خلال بوابة زمنية إلى عالم قديم، كرّس ذلك الشعور الغبار المتواجد بكثرة على كل شيء. كنت أبحث عن أمي بين الجموع ومن عيني تتقافز نظرات وجلة ومترقبة، عندما فاجأني أحدهم بجملة ناصحة اعتبرتها أمراً "اذهب والعب مع الأطفال بالخارج" كان الصبية يجمعون بعض النقود لدخول المسرح المتنقل الذي يقام كل صبيحة عيد الفصح. فوقفت متفرجاً دون أن أبدي أية رغبة في المشاركة. تقدّم إليّ سانتياغو إميليو وخاطبني بنبرة أكثر جدية "هل تملك نقوداً؟" عندها تذكرت تلك العملة المهلهلة التي خبأتها جدتي سوليداد في جيبي بسرية، شعرت بالخجل من الإنكار ومن الاعتراف في آنٍ واحد. غير أن الاعتراف بحمل عملة بائسة كان أخف وطأة من الإنكار الذي يعني إفلاس فتى أرتكاتا الثري، وكانت تلك طعنة لكبريائي الأرستقراطي المفترض، فأخرجت العملة الورقية على مضض وناولتها إياه. فاكتشفت على الفور أن ما كنت أحمله في جيبي بإهمال ما كان إلا عملة بالغة القيمة لدرجة أن الجميع أعادوا نقودهم إلى جيوبهم. كانت العملة التي أحملها كافية لدخولنا جميعاً للمسرح المتنقل ولشراء مرطبات باردة أيضاً. عندها أحسست بالفخر تجاه سوليداد، وعندها فقط عرفت مقدار محبتها الحقيقية لي.



[الرواية غير متوفرة إلا في الأسواق والمكتبات المصرية]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - متعة ساحرة بطعم أفريقي
صلاح يوسف ( 2010 / 5 / 1 - 14:16 )
لعلي قرأت النص مرات عديدة في المرة الواحدة، وهذا يحدث معي في النصوص الممتعة فقط، حيث أعيد قراءة الجمل والتعابير والفقرات أكثر من مرة قبل ان أجازف بتركها إلى فقرة أخرى. الملاحظة الأولى التي لفتت نظري هي الأجواء الأفريقية المميزة التي لم نسمع بها في الأدب العربي. الشيء الآخر هو القدرة على الوصف التلقائي بصورة جميلة تجعل من النص رسوماً رائعة للوحات طبيعية خلابة، إضافة إلى الاستمتاع ببعض الكليبات المصورة بالصوت والصورة لوصف حركة القطار ومشاهد المحطات وأشكال الترحيب. أما لفتات الشعور الإنساني التي كانت تتدفق على لسان الرواي فقد كانت بحراً لا ينضب من الجمال.
شكراً لك مرة أخرى أخي هشام على النص الرائع ودمت لنا مبدعاً خلاقاً.


2 - تحية وتقدير
هشام آدم ( 2010 / 5 / 2 - 11:51 )
صديقي العزيز: صلاح يوسف
سعيد بأن النص قد نال قسطاًً من إعجابك أنت بالذات لأني أعرف ذائقتك الأدبية الراقية. الحقيقة أن هذه الرواية هي أول رواية أكبتها وهي كذلك أول رواية تصدر لي عن دار نشر وكنتُ متخوفاً من نشرها لأنني لم أكن أثق في مدى دسامة ما أقدمه عبرها من مادة سواءً على المستوى اللغوي أو الفكري أو حتى على مستوى البناء الروائي والسردي، وهي -كغيرها - من رواياتي لم تنل حظها من القراءة والتناول النقدي الأمر الذي أصابني بإحباط جعلني أتوقف عن قرار النشر لفترة طويلة حتى دفعني الخوف مُجدداً لنشر سلسلة الروايات التي تبعتها لاحقاً .. وأعني بالخوف هنا هو خوف الفناء قبل أن أنجز شيئاً يستحق على ظهر هذا العالم، هذا الأمر يكون دافعي دائماً للكتابة أكثر من أيّ شيء آخر فأنا أخشى أن أموت كما يموت ملايين الناس دون ذكر ودون أن أفعل شيئاً يُذكر
أسعدتني زيارتك للغاية يا صديقي


3 - هذا خبر مفرح
فاتن واصل ( 2010 / 5 / 2 - 16:11 )
سأسعى إليها أستاذ هشام ، لأن المقتطف الساحر الذى أهديته إلينا هو فى حد ذاته قطعة غالية ، شئ وحيد أتعبنى هو متابعة الأسماء الغريبة للناس والمدن وفى بداية الفصل الثانى ، ضعت فى الأسماء لدرجة ، كنت معها أعيد قراءة المقطع ، فى محاولة لرسم الشجرة فى خيالى ، وفى النهاية ولأول مرة أحس ان فى الفقر، إعتزاز وكرامة وشموخ ، ولا تسالنى من أين بالضبط وصلنى هذا الانطباع ، لكن وصفك للشخصيات عبقرى بحيث تترك إنطباعات كهمس ريشة رسام ، وليس - حتى - حكات قلم على ورق .. متعة القراءة فى أعمالك أستاذ هشام ، كل الشكر لك


4 - فاتن واصل
هشام آدم ( 2010 / 5 / 3 - 06:39 )
الأستاذة: فاتن واصل، تحياتي. سأكون سعيداً إن تمكنتِ من الحصول على نسختك من الرواية حيث أنها غير متوفرة إلا في المكتبات المصرية وبالتحديد في مكتبات وسط البلد ، وأتمنى أن تنال بقية فصول الرواية على إعجابك وأن تكون على قادرة على وهبك المتعة القرائية التي تنتظرينها منها. أما بالنسبة للأسماء الغريبة فأنتِ على حق، الأسماء الغريبة مُقلقة ومُربكة نوعاً ما، فقط لأننا نتعامل مع الأسماء ككائنات. نصيحتي لك: تعاملي معها على اعتبار أنها مجرّد رموز، فليس من المهم أن نعرف من فعل الفعل، بقدر ما يهمنا الفعل ذاته. ركزي فقط على صلات القرابة في تحديد بوصلتك داخل النص بدلاً من الاعتماد على حفظ الأسماء أنا شخصياً لجأت إلى هذه الحيلة عندما حاولت إعادة قراءة الرواية مرّة أخرى. كل ما أعرفه أن جدة البطل قبلته أثناء وداعه وخبأت له في جيبة عملة ورقية، ولكن لا يهمني كثيراً أن أعرف أن اسم جدته كان سوليداد فيدل أو غيرها، وجده كان متسلطاً وصعب المراس، وهو سيظل كذلك سواء أكان اسمه أورفل بودن أو أيّ اسم آخر .... وهكذا فإننا نركز انتباهنا على الفعل وليس على تفاصيل الفاعل؛ لأنها ليست هامة على أية حال، فالأسماء مجرّد رموز


5 - ترهقني الحروف
وجيدة ( 2010 / 5 / 3 - 22:03 )
هشام
............................,
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,؟؟؟؟؟؟؟؟
عندما ترهقني الحروف اتمدد علي ناصية التعب واوصد جدار الكتاب
الذي لايرؤي ظمئ وانام في ذاكرة الاشياء
واصحوا وازيز التشوق يعتريني وضجيج السكون يصحي شبقي واتلهف في اصطياد الاقلام الساحرة التي لاتسكب الملل والضجر مع مداد الحروف
وخليني اقراك مرة صاح رغم احشادك في الظهور
وافيالقووووووووووا

وجيدة

اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا


.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ




.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت