الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق بين شمولية الاحتلال وتعددية الهيمنة الامريكية الصهيونية

سعد الدين ابوالحب

2004 / 7 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يقوم العديد من الليبراليين الامركيين مؤخرا واغلبهم من الصهاينة المتمرسين، بتبرير واخفاء مواقفهم العنصرية والاستعلائية المؤيدة للحرب والهيمنة الاستعمارية عبر اطلاق النظريات والادعاءات الجديدة القديمة على ان جوهر الصراع العالمي اليوم اصبح يتمثل في الصراع المصيري بين شعوب ودول الفكر الشمولي وشعوب ودول التعددية الديمقراطية. وقد اخذت ابواقهم بالتطبيل عاليا وخاصة بعد شروع المحافظين الجدد بمشاريع حروبهم الاستعمارية للهيمنة على العالم وكان فاتحتها احتلال العراق رغم انف الارادة الدولية. ففي محاضرة في نيويورك قبل شهرين لاحد الدعاة الليبراليين، السيد برلمن، وذلك في معرض نقاشه لكتابه الجديد في هذا الموضوع، يستنتج هذا الصهيوني القح ان الاسلاميين بجميع الوانهم (وليس السياسيين المسيحيين او اليهود المتطرفين بالطبع!) هم القوة الاساسية للشمولية في العالم والتي تقف عائقا في طريق انتشار التعددية الديقراطية. لذا فهو يدعو في كتابه لمواجهة وتغيير النموذج الايراني والسعودي وغيرها من الانظمة الاسلامية عبر القوة. الا انه يذهب ابعد من ذلك ويدعو الى احتلال الدول الاسلامية لمواجهة شعوبها المؤمنة يالفكر السياسي الاسلامي حتى لو كانت حكوماتها حكومات صديقة وذلك لاجتثاث الفكر الشمولي الاسلامي! وكالعادة يربط هذا المنظر "العبقري" دعوته الدموية بنجاح تجربة الاحتلال الامريكي لالمانيا بالقضاء على الفكر النازي!

ان طروحات السيد برلمن الفاشية في الدعوة للقمع والارهاب والتصفية الجسدية حتى لحملة الفكر السياسي والرأي الذين يختلف معهم تعيد لذهني انتشار استخدام مصطلح التعددية مؤخرا بين دعاة اجتثاث الفكر الشمولي من العراقيين الموالين للاحتلال وغيرهم ممن اصبح يتشدق، وبدموية استبدادية ملحوظة، بالمصطلحات البراقة دون فهمها او تحليلها لتغطية اهدافه الانتهازية او لاثبات فحولته الفكرية. فرغم انني ايضا من المعارضين للشمولية ومن المؤمنين جدا بدور التعددية الديقراطية الحاسم في بناء مجتمع المواطنة الصالحة والتطور السليم، الا انني لا ارى كيف يستطع دعاة التحرير الامريكي للعراق بالربط بين التعددية الديمقراطية والاحتلال. ورغم انني اتفهم حاجة السيد برلمن لتبرير مشروع الحرب و الهيمنة الصهيونية بقناع الديقراطية، الا انني لا اتفهم لغوة البعض المسهبة عن بناء العراق الديقراطي التعددي بينما تفوح رائحة صمتهم المخزي عن تناول غياب العامل الرئيسي الكامن وراء نجاح سيادة الارادة الديمقراطية للشعوب الا وهو الاستقلال. فهل استطاعت دولة واحدة بناء الديمقراطية بينما تصول وتجول جيوش ومرتزقة محتليها في مدنها ومدارسها ومنازلها؟ دعونا نتناول النموذج الامريكي العزيز جدا على قلوب العديد من المتأمركين العراقيين. فبعد مرور اكثر من قرنين يتحدث الساسة الامريكان بجميع اطيافهم وينظر باسهاب عن مغزى يوم استقلالهم المقدس واستقلال ولاياتهم. ويرفض جميعهم حتى المساس من بعيد باستقلالية قرارهم السياسي والاقتصادي والعسكري كما هو واضح من خلال ابتعادهم عن توقيع المعاهدات الدولية ورفضهم المشاركة باية قوات دولية تحت قيادة غير امريكية. وهم يذهبوا وعلى صواب بابعد من ذلك في اصرارهم بالحفاظ على استقلالية القرار في ولاياتهم ومدنهم بل وحتى قراهم. فلايمكن تنقل حرس الولايات وشرطة مدنها بدون الاتفاق الرسمي المسبق والمعاهدات المصدقة من قبل المؤسسات المنتخبة لهذه الولايات ومدنها.

ان الحديث عن مبادئ التعددية والشمولية في ظل الاحتلال حديث فارغ وانتهازي ومضلل مالم يرتبط بالدعوة للاستقلال الحقيقي والفــــــــــــــوري. وذلك لان نجاح اية مجموعة بشرية حتى ولو كانت في مدينة صغيرة في اقرار نموذج عادل وديمقراطي في ادارة شؤون حياتها مرتبط اولا بالاقرار المسبق الذي لا يقبل الجدل باستقلالية قرارهم. وفي حالات خاصة كحالة العراق الذي ابتلى بنظام استبدادي دموي كنظام صدام حسين لا ننكر امكانية المساعدة الخارجية السياسية وحتى العسكرية لتمكينه من انجاز التطور الديمقراطي اللاحق. فقد ساعدت مثلا فرنسا شعوب المستعمرات الامريكية في حرب اسقلالها عن بريطانيا وتمثال الحرية الفرنسي في نيويورك شاهد على ذلك. وساعد التدخل الخارجي، من خلال القرارت الدولية، في حماية استقلال اكراد العراق وقواهم السياسية الفعلية (وليس انتهاك مدنهم واغتصابها) في قيام تجربة الادارة التعددية حيث بدأت القيادات التقليدية التي لم تفهم في حياتها مبدأ الديقراطية بممارسة اساليب ديقراطية نسبية ناجحة. ونحن نعتقد جازمين ان صدام حسين الذي وقع على الغالي والرخيص في خيمة صفوان تحت تأثير ماكنة الحرب الامريكية كان مستعدا وعلى مضض لقبول معادلة ديمقراطية تعددية معينة بديلا للهزيمة الكاملة ولو بعد حين. فهو كان قد اثبت في مناسبات تأريخيه سابقة استعداده لتقاسم السلطة المفروظ عليه عبر الواقع السياسي او العسكري. لقد اصر الصهاينة الامريكان، ولعقود، ليس فقط على رفض تقديم المساعدة النزيهة للشعب العراقي للاطاحة بنظام صدام حسين الشمولي وليس فقط على الدعم العلني والسري لنظامه الشمولي وانما ايضا على منع المجتمع الدولي من مد يد العون لهذا الشعب المنكوب. فكانت مقاطعتهم المزعومة لنظام صدام حسين حصار لتجويع وابادة الشعب العراقي واقتصاده وبنيته التحتية. وكان تحريرهم للعراق احتلال دموي غاشم واستباحة يومية لارواح الابرياء عبر القصف الوحشي والتفجيرات المشبوهة وسجون التعذيب السادي والاغتيالات.

لابد من الاشارة اخيرا الى ان الدعوة الحقيقية لاستبدال الانظمة الشمولية وبناء التعددية الديقراطية في الشرق الاوسط والتي يطبل ويزمر لها دعاة الاحتلال الاستعماري الامريكي الصهيوني المباشر او دعاة السيادة المزيفة اليوم في بغداد ليست دعوة كاذبة بشكل كامل. حيث يمكننا وبوضوح التماس اسلوب التعددية "الديمقراطية" لمواقع الهيمنة الامريكية الراهنة والمستقبلية في شخوص ورموز حكومة السيادة المؤقتة. فبدلا من الاعتماد على قوى التعددية المنبثقة من المصالح الوطنية المحلية يتكلم اعضاء الحكومة الحالية كل حسب القوة السائدة للمؤسسة الحكومية الامريكية او البريطانية او الصهيونية الاجنبية التي تدعمه وتملي عليه شروطها ذلك اليوم! فالقوى السياسية الخارجية الداعمة لموفق الربيعي او حازم الشعلان هي ليست نفسها التي تدعم السيد علاوي او السيد زيباري او السادة والسيدات القادمون والقادمات على العربات السريعة المسقبلية للسيادة الاصطناعية. فقد قررت الدوائر الاستعمارية الغربية كما يبدو على انهاء نموذج الدور الشمولي لنظام الحاكم المحلي المستبد المدعوم بشكل سحري من الخارج بعدما اصبح واضحا ان هؤلاء المستبدين يمكنهم التحول بمرور الزمن الى قوى راسخة ذات مصالح سياسية واقتصادية محلية منفصلة تتعارض مع المصالح الاستعمارية العليا لاصدقاءهم. وايقن المستعمرون القدماء الجدد ان استمرار نفوذهم لا بد ان يمر عبر تنويع شخوص ورموز الاستبداد المحلي وتهديدهم المستمر خلف الكواليس او علنا (لاحظ القضية المؤجلة للجلبي في مع الاردن او اتهامات علاوي بالدموية او اتهام البرزاني بالتواطئ مع صدام ..الخ). اما الدعوة مؤخرا لاستبدال الانظمة الشمولية في الشرق الاوسط "الكبير" ابتداءا في بغداد، والتي يتمنطق بها البعض، فما هي الا دعوة لاستبدالها بانظمة شمولية للهيمنة الصهيونية والاحتلال الاستعماري بنموذجه الجديد جدا: عراق اليوم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ