الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسونامي الإلكتروني .. بين المطاوعة والتطويع.

الطيب آيت حمودة

2010 / 5 / 2
العولمة وتطورات العالم المعاصر


استيقظت هذا الصباح على سيل من الأخبار والوقائع والحقائق ، التي تظهر تظلمات أنظمة ، وأخطاء حكومات ، وتراشق كلامي على اليوتوب بالصوت والصورة ، بحيث أصبح من العسير حجب الحقيقة على الناس ، فالحكومات بأنظمتها الردعية وسيطرتها على وسائل الإعلام التي هي في متناولها لم تعد قادرة على الإقناع ، وكثيرا ما وصفت باليتم لأنها بقيت وحيدة في الساحة بلا متابعين ومستمعين ، فالكل هاجرها ، وانتقل حيث زمجرة الكلمة ، وخصوبة الفكر ، وتعدد الإختيار، وستُجبر دولنا حتما على إلغاء وزارت الإعلام التي خلقت أساسا لمراقبة الكلمة الحرة ، وتعتيم الصورة الصادقة ، وبتر المواضيع الناشزة ، المهم عندها هو تلميع صورة فرعون في عيون المواطنين الأغبياء والسذج ، بمختلف الأساليب والحيل .

***العالم تحت الرقابة:
أحدثت العولمة بتطوراتها التقنية في وسائل التبليغ السمعي البصري ما لم تكن الأنظمة السياسية تتوقعه ، فهي أشبه بتسونامي مدمر لكل الأساليب الماضية ، فالحادثة الواحدة يمكن أن ينتقل خبرها في بضع دقائق ، بين مختلف أرجاء المعمورة ، دون الحاجة للدولة ودون الخضوع لسلطتها ولا لمراقبتها ، فيكفي تدوين الحادثة وإرفاقها بالصوت والصورة لتجوب العالم عبر المواقع الإلكترونية ، وتظهر على نوافذ قوقل، ويطلع عليها العالم ،حتي قبل تفطن الأنظمة إليها ؟؟... ضف حقيقة أننا تحت مراقبة مستدامة من الأعلى بواسطة أقمار جوسسة تراقب بعداساتها حركة البشرية الفردية والجماعية ـ وتعلم سرها وعلنياتها ، حتى البيوت وما حوته . ووسائل النقل وما حملته .
حتى الأنظمة المستبدة نفسها أصبحت تسترشد بما يكتب ، وما يُنشر على الويب وبكل اللغات ، إنه زمن الإنفلات من قيود فكر الأنظمة الطاغية التي عطلت الفكر الحر أو وجهته تبعا لسياستها ، هذه الأنظمة ذاتها أصبحت تبحث لنفسها عن مكانة بين التجمعات الفيسبوكية facebook التي غدت تفرض فكرها ومنهجها بالسبل العقلية أكثر من النقلية ، وبالبراهين المنطقية ، فأصبح من العسير إسكات الكلمة مهما كان انحرافها ، فالخطوط الحمراء انفسخ لونها وغدت بألوان مختلفة ، مع ظهور ألوان جديدة لم تكن في الحسبان .
فالقضايا التي كنا نجهلها طفت للسطح بفعل طفرة المد الإعلامي المثير ، فأصبحت قضايا كشمير ، والطالبان ، والدليلاما في التبت ، وبوكو حرام في نجيريا ، والسيارات المفخخة في النجف وبغداد ، وتزويرات الإنتخاب في السودان، والتقتيل الجماعي في دارفور ، وأساليب المراوغة والنفاق كلها تحت المجهر ، وغدت التظلمات تُبلغ عن طريق الرسائل الرقمية ، وبكل اللغات حتى العبرية منها ، حتى أن الإنسان عاجز عن المتابعة والاستيعاب لأن التدفق الإعلامي أكبر من القدرة الذهنية عند البشر ، ولعل واقعَه ووقعُه المعيش ، ينذر باختفاء وكالات الأخبار العالمية الكبرى من رويترز ، والبرافدا وغيرهما ، فيصبح المنقول والمعروض عرضيا بوسائل الويب كاف بزيادة .
***وزارات الإعلام بين المواكبة والإضمحلال: .
وزارات الإعلام في عالمنا الثالث مجبرة على تغيير لباسها ، وسياسة وسائل إعلامها المقروءة والمسموعة والمرئية ، قبل أن يهجرها الباقي المتبقي من متتبعيها ، فلا أحد يثق فيها بعدما تبين للخلائق حجم ترديها ، ومقدار تعتيمها للخبر اليقين ، فأصبحنا نعرف ما ستقوله مسبقا ، لأن ما تسوقه عبارة عن تلميع لصورة الحاكم وحاشيته ،ولو بما لا يتطابق مع الواقع ، حتى نشرات أخبارها هي أخبار عن فرعون ، لا أخبار شعبه ، وهو ما يبرز الهوة العميقة بين الأنطمة وشعوبها ، فوسائل الإعلام فُتحت على مصراعيها للنظام وأبواقه ، وفرضت سكوتا على أناة ومعاناة المواطنين ، وفي جوهرها الحقيقي أنشئت كمنبر يستعملها المواطنون لمراقبة الحكومات والأنظمة الإستبدادية ، التي استحوذت على البلاد ثم بعدها على العباد.
***تأثيرات افرزها الإنفتاح الإعلامي:
إن الإنفتاح الإعلامي المفروض بقوة الهجمة التكنولوجية التي أتت على الأساليب التقليدية في التبليغ ، والتي تتمثل في تنوع قنوات التواصل عبر لإقمار الإصطناعية ، واتساع التعامل مع الشبكة العنكبوتية أفرز قناعات جديدة في الوسط الثقافي ، واتضح أنها بسلاح مزدوج ايجابي من جهة ، وسلبي من نواح أخرى . كما أن وسائل إعلامنا حاليا بثقافتها ومضامينها هي ضرب من الحديث مع النفس ، لأنها تفتقر إلى أدوات التواصل مع العالم الخارجي ، باستثناء محاولات منفردة أبدتها بعض الفضائيات على غرار قناة الجزيرة الدولية التي تخاطب العالم الخارجي بلغة يفهمها ( الأنجليزية ) .

***الإعلام الرقمي والإلكتروني بين الإيجاب والسلب :
ففي الجانب الإيجابي حدث تنوع في الفكر ، واتضح للفرد بأنه جزء من كل ، يختلف عنه كثيرا ويتقاطع معه قليلا ، ثقافته نقطة في بحر متعاظم الأمواج ، لغته لسان من الإلسنة التي أصيبت بالهون ، ولا تقوى الإرتقاء بنفسها إلا وهي متكئة على لغات أقوى منها كالأنجليزية ، التي تستحوذ حاليا على الساحة بدون منافسة تذكر .
واتضح أن اقتصار الفرد على لغة واحدة يفقهها يعنى الجهل المطبق ، لأنه في حاجة إلى لغات أخرى تساعده في التواصل مع العالم الذي أصبح قرية . وكلما انفتحنا على الغير بلغته ، كلما سهل علينا نقل الفكر والمعرفة والتقنية ، وعدنا أكثر أنسنة ، بفعل الشعور المشترك بمعاناة الأقوام الأخرى ، التي نختلف معها إثنيا وعقديا ، و من اليسير التأكد من صحة المعلومات ، والإطلاع على مختلف الآراء بتشعباتها وتنوعها ، وهو ما زاد من تخوف الأنظمة القمعية التي انتهجت أساليب حجب المواقع المتحررة ، كما حدث لموقع الحوار المتمدن في تونس والسعودية على سبيل المثال .
أما في الجانب السلبي فحدث ولا حرج ، فقد أحدث هذا التسونامي المعرفي رجات عديدة في عقل الإنسان، بسبب انكشاف المستور أو المسكوت عنه ، وهو مازاد في تعرية الأنظمة وكشف عوراتها وأساليب خداعها لمواطنيها ، وفتح مجالا واسعا للمناقشة وتبادل الرأي ، والتصارع الفكري ، وخلق نوعا من التضاد بين فكر قديم محافظ ، وآخر تجديدي متنور يتخذ من المنطق أساسا له ، وهو ما يتضح في الهجران بين المسلمين بسبب اختلافهم الإثني ، واللغوي أو المذهبي، الذي يترآى بوضوح في مستوى المواقع الإلكترونية السنية والشيعية والصوفية ما يتبعها من محطات تلفزية رقمية ، وبذلك تحولت إلى دعاية حزبية ومذهبية إقليمية وعالمية هدفها اختراق الآخر، والتأثير فيه زيادة عن ظهور بؤر الفساد في المواقع الجنسية التي يصعب حجبها على الجيل الحالي ، والأجيال القادمة ، وهو ما ينذر بتبلد الغيرة ، ويفسح المجال لشيوع الجنس مادامت النوازع الشريرة أكثر قبولا عند المراهقين الشباب، وغيرهم من ناشدي المتعة الحرام .
***التنافس على أشده :
بدأت الأساليب التقليدية في السيطرة تختفي تدريجيا ، فاسحة المجال لوسائل أحدث ، فأصبحت الحاجة لقناة تلفزية رقمية مدعمة بأطر مؤهلة تقنيا ومعرفيا لتحقيق ما تعجز عنه الدول بترساناتها النووية وعتادها الحربي ، كما أن المواقع الإلكترونية بدأت في استقطاب الرواد و المتتبعين ، فغدت بعض القنوات التلفزية الرقمية ذائعة الصيت مثل CNN و FOXوأخواتهما ، والجزيرة القطرية وأتباعها ، وبدا التخصص الإعلامي بارزا للعيان، يترجم تنوع الحاجات البشرية ، مواقع للفلاحة ، وأخرى للثقافة ، و ثالثة للرياضة ، ورابعة للدين ...وأخريات للحلاقة والنجارة ، والماركوتينغ ....... الخ .
وبازدياد المنافسة إزدادت تجارة الإلكترونيك رواجا وتنوعا ونشاطا ، وحققت شركة مايكروسفت وملحقاتها أرباحا خيالية لم تبلغها دول بأمكاناتها المتنوعة ، وتعددت البرامج الرقمية ، التي تدخلت في التصنيع ، فلا يخلوا مصنع من عتاد مزود بالإعلام الآلي جزئيا أو كليا ، وعبرهُ أصبحت الجوسسة ميسورة ، واختراق المواقع المُعارضة ممكنا ، في ظل تواجد القراصنة بأسلحة الفيروسات ، وبجيش يعرف في قاموسهم بالهاكرز ، فغدا التداول على البشرية بناء وهدما ، أمرا مقبولا ومستساغا ، وتتعرض أكثر المواقع أمانا للتدمير وبلا ضمان ، ما دام فيه حركية اقتصادية ومردود عملي يعود بالأنفاع على بيل غيتس وأصحابه ، من المتربعين على أمبراطورية الإعلام الرقمي. وقد تحاول الدول ضبط وغربلة المرسل إلى مواطنيها بفضل مراكز الحجب غير أن التكلفة وسرعة وتيرة التطوير ستجعل المحاولة عديمة الجدوى لا حقا. .

خلاصة القول أن التعامل مع تقنيات التواصل بين البشر أحدث تبدلات عميقة في أمزجة شعوبها ، وانقسموا بين فريق ناقم وآخر شاكر ، وفتح مجالات التراشق الفكري الذي بدأ محتشما وسيبلغ مداه مستقبلا ، وسيلعب دور المؤثر الأساس في التصادم بين اللغات والديانات والعادات ، وأكثرها قوة وإقناعا سيكون هو المنتصر لا محالة ، ويمكن التكهن مسبقا بأن العقليات الباطنية والنقلية ستندثر تدريجيا ، تحت وطأ الهجمات الشرسة من لدن العقل والعلم ،وسيُفتح المجال واسعا للتحرر من القيود الدينية والنقلية ، لبلوغ وثبات مهمة في سلم الحضارة الإنسانية . وستجد الأنظمة صعوبة في قيادة مواطنيها ، لأن مطمحها أكبر بكثير من إمكاناتها ، عندها يتيقن الحكامُ بان السلطة تكليف أكثر منها تشريف .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المناظرة بين بايدن وترامب.. ما أبرز الادعاءات المضللة بعد أد


.. العمال يحسمون الانتخابات قبل أن تبدأ، ونايجل فاراج يعود من ج




.. لماذا صوت الفرنسيون لحزب مارين لوبان -التجمع الوطني-؟


.. ما نسبة المشاركة المتوقعة في عموم أسكتلندا بالانتخابات المبك




.. لجنة أممية تتهم سلطات باكستان باحتجاز عمران خان -تعسفا-