الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القبر رقم 97

قاسم محمد مجيد الساعدي
(Qassim M.mjeed Alsaady)

2010 / 5 / 2
الادب والفن



اعتدلت في جلستها خلف السائق فيما صوتها المنخفض يدعوا الله في ابتهال خاشع مع أول حركه لعجلات الباص المتجه إلى مدينه العمارة
موجه من الأفكار أرادت أن تقاومها كيلا تغرق في هواجس مخيفه بدت تسطر نفسها على لوح الحقيقة .. توقف هذا السيل المرعب مع ميلان رأس الجندي الجالس قربها و سقوط غطاء رأسه عليها بعد أن غط في نوم عميق كأنه طفل هدهدته أمه كثيرا فنام !
يمه يمه ...نعم حجية
لم لا تجلس مكاني قرب النافذة كي ترتاح في نومك ؟
لا
هل أنت ذاهب للجبهة ؟
لا إنا عائدا منها وحدتي العسكرية في الموصل وذاهب باجازه لمده ثلاثة أيام
فتحت عينها بدهشة .. يمه فرحتني هل أعطوا الاذونات للجنود للذهاب إلى أهلهم
نعم
يمه هل تعرف اللواء 24 مدرع الفوج الثالث قالوا انه في مدينه العمارة في الشيب ؟؟
الجندي 00حجيه هذا اللواء مدرع وكثير الحركة من مكان لأخر !
يمه ابني وأخرجت من حقيبة صغيره صورته
بعيون نصف مفتوحتان نظر لصورته
ها ...هل تعرفه
لا ... مد يده للجندي القريب من مقعده الذي كان يسمع حديثهما ثم تتابعت الأيادي لتصل ألصوره إلى مؤخره الباص
صاحت بصوت عال يمه الله يحفظكم اسمه إسماعيل وقبل أن تكمل اسمه الثلاثي تغرق في نوبة بكاء لاتتوقف الأبعد وقوف الباص قرب حاجز تفتيش فتنظر بعيون بللها الشوق إلى السيارات عسكريه المتوقفة وعليها جنود غطى وجوههم الغبار تسأل بمرارة ربما جاءوا من إحدى المناطق الصحراوية
عاود الباص رحلته وعاودتها الأفكار السوداء ثانيه ألا أن طمانيته سرت في عروقها بعد أن التفت إلى جهة اليمين سائق الباص ورافعا يده محييا تلاه الركاب برفع اليد
الجندي – حاجه هذا مقام الإمام على الشرجي
يمه أشكرك ملتفتة للوراء ياسيد نذرا علي سأزورك قريبا سنأتي سويا إنا وهو !!
2

من فتحه صغيره من السحاب تسلل بخجل شعاع الشمس لعله يمنحها طمأنينة بعد ما بنى القلق حيطانه الشاهقة .... تنظر من سيارة الاجره التي استقلتها من كراج ألعماره إلى مدينه الماجديه والتي أصبح الوصول إليها كأنه المرور بثكنة عسكريه كبيرة فالأرض ارتدت اللون الخاكي وأكياس الرمل امتدت طويلا وازدحمت الشوارع بالارتال العسكرية ............عيناها على اتساعها تمسح الوجوه ياربي كلهم متشابهون !!!
عندما توقفت السيارة قرب دار الحاج يونس بن جياد أبو خلف استقبلوها كعادة أهل الجنوب بالكرم وبساطه روحهم التي تفرش للضيف نفسها كي يجلس عليه مرتاحا
تنظر في الوجوه المرحبة وفي نبرة صوتها رنين سؤال مرعب ؟؟
شهران مرا على الحرب ولإرساله حاج تأخر علينا وانأ خائفة ؟؟
وانزلقت دموعها فشاركها الجميع بالبكاء
الحاج أبو خلف .... لأعليك سأكلف ابن أخي ناطق بن الحاج محسن فهو الذي يستطيع أن يذهب إلى الجبهة ويأتي به يمسح دمعاته وينظر إليها بابتسامه تخرج بعسر
جاء الليل ومعه صوت القذائف والمدافع الذي يخفته ضجيج النهار ترى بوضوح وميض المدافع ومثل نجمه أتعبها ليل مشاكس استسلمت لوميض الوهم الذي يرينا عوالم غريبة تحت القشرة الرخوة التي نسميها الحقيقة , نامت بانتظار صباح لايتبرعم معه خوف وحزن
3
كم من الوقت مر تسأل فيما يحاولن النسوة التخفيف من روعها كي يمتد شاطئ الحديث الممتع معها عالم من حكايا مر عليها زمن طويل يمر ألان وطعمه عالق في الذاكرة
ترحب الحاجة زهره بنت بنيان بالحاج زغير أبو زامل الذي جاء ومعه ناطق وهما يتصنعان ابتسامه تخفي صراخا يهز الكون
قال ناطق ابشري أم جاسم
وحدته العسكرية ذهبت أمس إلى بغداد وفتحت الاذونات للجنود للذهاب إلى بيوتهم
تحاول باستحياء أن تخفي توترها وخوفها الذي يضع ألاف الاسئله بلا جواب
4
اخترقت السيارات الشارع الإسفلتي المحاط بأشجار الكالبتوس العالية والذي يقسم المقبرة إلى نصفين فقبور الشهداء المجهولون تبدأ مع نهايته !!
هاهي المقبرة تنتشي بالداخلين أليها باحثين عن أقمارهم تحت التراب !!
وجوه مثل سنابل يانعة تهرول باتجاه قبور كثيرة اهيل عليها التراب فقط ووضع أمام كل قبر قضيب حديدي لايتجاوز النصف متر ترتفع عليه لوحه ثبت عليها رقم خط بلون الحداد
يللماساة حين يتحول الإنسان إلى مجرد رقم
صراخ النسوة الذي هز إرجاء المقبرة اختلط مع بكاء نسوه جاءن لزيارة المقابر يسألن
عن رقم القبر
صوت ينتحب الرقم 97 يختي .. فيما الحاجة أم جاسم تنظر إليهن بعينين زائغتين ومذهولة مما ترى وما ينتظر!!
بدت القضبان الحديدية وكأنها رؤوس رماح صغيره غرست في الأرض
خليل يصيح بالرجال لنتجه للإمام فالقبور هنا أرقامها تبدأ 547 – 546
تبدأ الخطوات بالتصاعد فيما يبدأ الخط التنازلي لأرقام القبور
أبو فلاح حاذروا أن تدوسوا على القبور
يلتفت إليه احد الصبية من عمال بناء القبور حجي العسكر أتي بهم ليلا ..لكن كيف عرفتم أن الشهيد دفن هنا ؟
يسرع أبو فلاح دون أن يحصل الصبي على أجابه !!
عندما سمع الجميع صوت خليل
هذا القبر رقم 97؟
هنا فك الصبر حباله وجال مثل عملاق يضرب موج البحر بكلتا يديه فتخرج الصرخات مدوية بالإرجاء
فيما كان فوزي موسى تحت لمعان وهج الدمع يحفر بيديه في مقدمه القبر بحثا عن علبه بلاستيكيه وضعت فيها أخر صورتين ملتقطتين له قبل دفنه يسلمها لوالده الحاج أبو جاسم الذي يفتح العلبة بيدين ترتجفان علامة هز رأسه بأسى كانت لوحدها كافيه أن تعاود الصرخات المقهورة من جديد فقد صارت تلك العلبة الحمراء .. شاهدا صعب التصديق على مغادره إسماعيل الحياة !!
قال حسان مادمنا تعرفنا عليه لننقله لمقابرنا فلاشي يغرينا ببقائه هنا ؟؟؟
5

بدت تلك القضبان الحديدية وكأنها تنحني لهم في لحظه اتفاق على أن يبقى هنا فأصدقائه الذين يمرحون معه ألان لن يفتقدوه .


مهداه إلى روح أخي الشهيد إسماعيل محمد مجيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تغمد الله شهداءنا برحمته
محمد سوادي العتابي ( 2010 / 5 / 2 - 14:19 )
الصدبق قاسم

اطلالة بهية في قصة رائعة من واقعنا بعد غياب طال سيدي

تحية عراقية

سابقى عراقي


2 - الله على مبدعين العراق
ستار عبد الجبار عوفي ( 2010 / 5 / 2 - 16:49 )
يامحلاهه من ذكريات رغم مرارتها لكن نكهتها بطعم تراب العراق وطيبة حجي مونس والحجية ام خلف والرائع ابو زامل ذكرتنا بشهادة اخينا اسماعيل وعبق نسم عليل العمارة والماجديه الممزوج بتراب الجنود المارين بها ومنهم من حمل الشهادة عنوان تحية للرائع قاسم محمد مجيد والى المزيد


3 - صادقة بمعنى الصدق
محمد نوري قادر ( 2010 / 5 / 2 - 16:55 )
الاديب قاسم محمد الساعدي

انها تزخر بوصف رائع لايام موجعة , ممتلئة باوجاعنا
وما كنا نعيشه في حرب قذرة
ممتلئة بصدق المشاعر , بمفردات تنبض , تثير ما كان
قد خفي , وما اسدل عنه الستار
جمل تزخر بالعطاء , وهو ما ليس غريبا لمبدع

تحيتي


4 - رائع ماابدعت
احمد ستار (22 سنة) ( 2010 / 5 / 2 - 17:16 )
اطلالة رائعة كالعادة
حقا انها ماساة عندما يتحول الانسان الى رقم ومع مرور الايام يزول هذا الرقم
فليرحم الله شهداء العراق جميعا
شكرا لك وسلمت اناملك
لك من الود الكثير


5 - قصه ضد الطائفيه
قاسم محمد مجيد الساعدي ( 2010 / 5 / 3 - 12:19 )
الصديق محمد العتابي
شكرا لتعليقك الجميل وايضا لتذكرنا بغيابنا هذه الفتره
دمت صديقا واخا عزيزا


6 - الاستاذ ستار عبد الجبارعوفي
قاسم محمد مجيد الساعدي ( 2010 / 5 / 3 - 12:27 )
تعليقك الرائع وكلماتك النابعه من حب اصيل للوطن داعم كبير لي وحافز للكتابه هولاء الذين ذكرتهم هم اهل الطيبه والنخوه اجدادك الذين كانوا ماثره كبيره في الكرم وحب الخير
مرحى لك ايها الاستاذ الكبير وشكرا لمرورك البهي ودمت


7 - نعم انها ايام كانت موجعه لكنها ليس طائفيه
قاسم محمد مجيد الساعدي ( 2010 / 5 / 3 - 12:36 )
الاستاذ القدير محمد نوري قادر
محبتي واعتزازي وانت تسطر عمق تحليلك لقصه عن ايام مضخمه بالحزن
والالم لكنها كانت بسيطه بساطه اهلها وطيبتهم
القصه من واقعنا وشخوصها من غادر الحياة مترحمين عليه ام بقي يحفظ لهم ماجادوا به من كرم لم افعل سوى نقل الحقيقه وهذا ماقصدته
ومحبتي لك وشكرا


8 - العزيز احمد ستار
قاسم محمد مجيد الساعدي ( 2010 / 5 / 3 - 12:46 )
شكرا ايها الجميل على تعليقاتك المستمره تمنياتي لك بالتوفيق والرحمه لشهداء العراق


9 - رائعتك (القبر رقم97) شهادة للتاريخ
احمد دردير احمد ( 2010 / 5 / 4 - 00:27 )
بقلم مداده عنبر ورحيق كلماته مسك تسجل شهاده اخرى للتاريخ وتدون بقلمك الحر قصه رائعة تجعلنا لاننسى ابدا شهداء العراق وشهداء الامه العربية فى الحروب المتعددة مع صهاينه العصر الحديث تجار الموت بأسم الديمقراطية ..شهادتك او رائعتك القبر رقم 97 سجلت بقلم امسكت به انامل لاتكتب الا الصدق بحروف من نور على صفحات التاريخ لتنير للاجيال القادمة طريق المعرفه وتحرق ماسجله المعتدون على شاشات التلفاز بمعرفتهم وعن طريقهم فى جميع اجهزة الاعلام المرئية والمسموعه والمقروءة ..انك ياصديقى موسوعة فكرية وادبية وعلمية لها مذاقها الخاص وتألقها الدائم فى سماء الادب والفكر ..تمنياتى لك دائما بالتوفيق والتألق والابداع المستمر حتى ننهل من افكارك ونداعب بها خيالنا ..ارجو من الله ان يجعلك دائما فى تألق وفى اتم صحه وعافية ..مع تحياتى وحبى


10 - الاديب العربي الاستاذ احمد دردير شكرا
قاسم محمد مجيد الساعدي ( 2010 / 5 / 4 - 12:46 )
الاستاذ والصديق والاخ العزيز الاستاذ احمد دردير
تحياتي
وتقديري لتلك الشهاده التي اعتز بها عن قصه القبر رقم 97
لقد تقصدت ان اكتب عن زمن ليس لم نسمع فيه تلك المسميات البغيضه
والداخله قسرا الى قاموس حياتنا لكن هيهات ان تنجح فالطائفيه لاتعشعش الا في عقول من لايريد لابناء الرافدين خيرا
اسعدتني كلماتك وتقبل مني كل التقدير

اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي