الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطبة في مدينة النيام

مروان المعزوزي
أخصائي نفسي من المغرب

(Merouane Elmaazouzi)

2010 / 5 / 2
الادب والفن



استيقظت..فوجدت نفسي نائما وسط القبور و الجماجم.فلما تثاءبت ترك صوت تثاءبي صدى خفيفا داخل هذا الصمت الهائل..ففزع له جميع النائمين..فقال بعضهم :- ما بال هذا الفتى يزعجنا و يزعج أحلامنا !.
و قال أحدهم : - عد إلى نومك, فنحن لم نعتد على أن يوقظنا أحد من سباتنا الجميل.
و قال آخر : كنت أحس فعلا بمجيئ هذا اليوم يا هذا..فأنت إذن ذلك الشخص الذي أتعبني بصوت شخيره بالأمس..و ها أنت اليوم تزعج الجميع بصوتك الخشن في يقظتك ! فاذهب و ابتعد عن مدينتنا الهادئة..و إلا عد إلى مرقدك و انعم بالطمأنينة و السكون بيننا.
و بعد أن صمت الجميع..عادوا أدراجهم إلى حيث الراحة..ثم خلدوا إلى النوم
قالوا عني هذا الكلام..و قال أناس آخرون كلاما آخر بأصوات خافتة بحيث لا أسمعها..و أنا أنظر إليهم نظرة استغراب و تعجب..و قد أثر فيّ مظهرهم تاثيرا كبيرا..فخلتهم مثل أشباح الليل المتناسية آثار الكرى في أجسامهم و نفوسهم! و بعد فترة لا زمنية فتحت فاهي و قلت مخاطبا أرواحهم الأثيرية التي لا تنام و لا تعرف الخضوع لظلام الدجى :
يا رفاقي الأعزاء..لا أنكر أبدا أنني كنت هنا أرقد بينكم منذ زمن بعيد..و لا أنكر أنني كنت أزعج بعضكم بصوت شخيري و تقلبي المتكرر في كل دقيقة لا معدودة..و لكن يا أصدقائي الأوفياء لما أنتم عليه قد اسيقظت الآن..و الاستيقاظ ليس عيبا أو لعنة تلتصق بالشخص و تلقيه في الهاوية..لا و لا هو هالة قدسية ترتفع به إلى حديقة الفردوس..بل هو حالة يكون فيها الشخص حزينا بفرحه..و سعيدا بحزنه
إن الإنسان , يا خلاني , يفضل أن يكون غبيا سعيدا من أن يكون ذكيا حزينا
و أنتم قد اعتدتم النوم الهنيئ..فمتى يا ترى تكون يقظتكم المزعجة ? متى ?.
لقد استيقظت و أنا لم أحرك بنت شفة..بل تثاوبت فقط..و التثاؤب فعل لا إرادي تسببه اليقظة..فلم تحاسبونني على تثاؤبي أمامكم ? ألم يرق لكم استيقاظي يا رفاقي أم ماذا ?
لقد استيقظت على حقيقتكم..و يا ليتني ظللت ملتحفا أمي الأرض متناسيا نفسي و أنفسكم..لقد وجدتكم , و يا للأسف , تفضلون ذلك الشخص الذي يبيع لكم المخدرات بجميع أنواعها و طرقها لكي تظلوا نائمين..من ذلك الذي يقتطع من عروقه إبرة معنوية فيوغزكم بها وغزة صغيرة لكي تفيقوا !
و ما أثر في قلبي كثيرا..هو منظر ذلك الشخص الموجود بينكم الذي رأيت نصفه نائم و نصفه مستيقظ و هو في أشد حاجة إلى العون..فأشفقت لحاله و أحسست بمرارته..فهلا ترتكموني أمد له يدي بدون أن تسحبوها عندكم ?
إنني استيقظت..و قبل أن أستيقظ رأيت في حلمي رجالا و نساءا محتالين بينكم و غريبون..فهم يبيعون رِِؤوسهم من أجل بطونهم !
رأيت الكاتب و المفكر مثله مثل العاهرة..فكل منهما له عمله الذي يأكل منه !
رأيت الحب منتحبا يبكي لأن عدوته المنفعة قد جلست في مكانه
رأيت الدين مثل الثياب في جسم الإنسان..فهو يغطي حقيقة الإنسان العارية !
رأيت الحياة و قد أصبحت مأساة للإنسان الذي يشعر..و مهزلة للذي يفكر..و متعة لمن لا يشعر و لا يفكر
رأيت الحقيقة تبحث عن باحث عنها بشتى الطرق لكن بلا نتيجة
رأيت التعليم قد اصبح تعليبا بعد أن كان تعليما..فأصبح الكبار يعلبون أفكارهم و يبرمجون عقول الصغار-في نظرهم- مثلما تعلب المنتوجات لاستهلاكها
أواه..لقد رأيت الفيلسوف في السوق ينادي : الحكمة للبيع..الحكمة للبيع..و لا أحد يهتم
رأيت الكثير و الكثير مثل هذا في حلمي و يقظتي..و لهذا فأنا الآن أنادي (الآلهة ) و اأتضرع لها بأن تقتلع عيوني لكي لا أرى بعد اليوم..فكم يفضل الإنسان في مثل هذا الوضع من أن يكون أعمى لا يرى شيئا..من أن يكون بصيرا و لا يستطيع فعل شئ !

و بعدما قلت هذا الكلام..استدرت عن يميني و شمالي..فوجدت الجميع مستلقين نائمين و لا أحد سمع صراخي أو حديثي. فابتسمت ابتسامة مبكية و قلت في نفسي : أنا غبي حقا ! فأنا أعلم أنني لن اقف في الناس خطيبا إلا و أنا في نفس الوقت المخطوب له و المستمع الوحيد !
في نفس تلك الساعة..سمعت صوت طائر يغرد و يشدو في الأفق و يغني أغنية أمل جديدة
35 : 16 02/05/2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض