الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انهيار سلطة المثقف وبروز المهمشين !

سلمان ع الحبيب

2010 / 5 / 3
الصحافة والاعلام


المثقف الحقيقي لا يمكن أن يكون ذلك الشخص الذي يقوم بالتنظير في أبراج عاجية بعيداً عن المجتمع وحركته ، أو الذي يتبع سلطة معينة لا تمثّله ، وهو ليس ذلك الشخص الذي يخشى النقد فيكتب كتابات يخطب بها ود الجمهور العريض دون أن يزلزل البنى الثقافية التي تحتاج لإعادة بناء جديد يقوم على أنقاضها .
المثقف الحقيقي يجب أن يكون عضوياً فاعلاً في المجتمع ، يساهم في صنع القرار ، وينتشل المجتمع من حالة الازدرراء والاستسلام والضعف والرجعية ، كما أنه يجب أن يكون متابعاً لحركة المجتمع وما يحري في الساحة مع انفتاحه على مختلف التيارات والاتجاهات والقدرة على احتواء الآخر وتقبّل وجهة نظره ، واحترام الاختلاف الذي هو سنة الحياة ، كما أنه يجب ألا يخضع لسلطة معينة ، بل أن يمثل نفسه ، ولا أقصد بالسلطة ، تلك السلطة السياسية ، ولكني أقصد بها كل سلطة يمكن أن تمارس ضغطاً على الفرد وتجعله يكتب بلسانها ويفكر بعقلها ويتحرك ضمن المسارات التي ترسمها له عبر مؤسساتها . وهي إما أن تكون سلطة سياسية أو مؤسسة دينية أو سلطة اجتماعية . كما يجب أن يكون المثقف الحقيقي قوياً قادراً على مواجهة النقد الهجوميّ الذي يشنه أعداء (الحقيقة ) وأعداء ( النجاح) ، محاولاً بذلك إسكات ذلك الصوت الذي يحاول إسقاطه .
وفي وسائل الإعلام المختلفة قد نجد احتواءً لمثقفين زائفين لا تتوفر فيهم صفات المثقف الحقيقي بالإضافة إلى أنهم لا يمتلكون مهارات اللغة ومهارات التواصل الإعلامي وفنيات الحوار بما يكفي ، وبهذا يجمع هؤلاء المثقفون الزائفون قبحاًً على قبح .
إنهم قد يلجؤون إلى حصونهم الإعلامية التي تحميهم وتشيد بدورهم المزعوم وبطولاتهم الزائفة كزيف ثقافتهم التي لا يملكون منها إلا الاسم فقط وهي منهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف .
إنّ الإعلام متمثلاً في الصحف والمجلات الورقية وبقية وسائل الإعلام الأخرى قام باحتكار أولئك المثقفين المزعومين كسلع رخيصة تافهة على الرفوف ، إلا أنه قام بالترويج لهذه السلع بإبراز محاسن مزعومة ليست فيهم ، لكنّها لا تجد قبولاً إلا من حمقى مغفّلين تغرهم المظاهر والكلمات والشعارات البراقة التي هي كسراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً .
وبفضل الانفتاح الإعلامي والانفجار المعرفيّ بدأتْ الأمور تأخذ مساراً آخر ، إذ تراجعت الصحف الورقية على المستويين العالمي والعربي وتراجعت سلطة المثقف المحتكَر ، وتمّ عقد المؤتمرات وكشف الإحصاءات التي تثبت هذا التراجع وبالتالي أدتْ إلى حدوث أزمة اقتصادية من خلال الاستغناء عن الكتّاب والمحرّرين والمكاتب الإعلامية بالإضافة إلى خفض أجور العاملين المتبقين ، كما أدّى ذلك إلى إغلاق بعض الصحف والمجلات العالمية وتحوّلت بعض الصحف الورقية إلى صحف إليكترونية لتتماشى مع الوضع الراهن الذي بدأ بالانتشار مع استحسان القرّاء له ، بل حاولتْ بعض الصحف الورقية الترويج لنفسها عبر جوائز ومكافآت عند شرائها كي تحصد أرباحاً بدلاً من بقائها في حالة احتضار إلى أن تموت ، وهنالك من يرجم الصحافة الإليكترونية وخصوصاً في عالمنا العربيّ لأنها لا تخضع لسلطة معينة كما أنها تمارس حرية أكبر في مجتمعات تحاول خنق الحريات . وقد اعترف الغرب بتراجع الصحافة الورقية وتراجع دور الصحفي الورقي في عصر المعلومات ، وتوصلوا إلى أنه لا سبيل لمعالجة وضع الصحافة الورقية أمام هذا الانتشار عبر الشبكة العنكبوتية وهم بذلك يقرّون إقراراً واضحاً بأن الصحافة الإليكترونية أثبتت تفوقها ، وقد قال توم جولدستين بجامعة كولومبيا : ( إذا لم تواكب الصحف الإليكترونية الأجواء المتغيرة فإنها ستفنى ) .
وفي ظل هذه الأجواء التي أثبتت الصحافة الإليكترونية وجودها ، ظهر المثقف المهمش بعد أن كان صوتاً مخنوقاً ومنفياً في أرضه ، وأبرز وجوده عبر الصحف والمجلات والمنتديات الإليكترونية ، بل قام بعضهم بإنشاء مواقع شخصية لهم يبرزون فيها إنتاجهم ، وهذا يمثّل انقلاباً ثقافياً على أولئك المثقفين الزائفين ، وهو أشبه بالانقلاب العسكري الذي يزلزل أركان سلطة زائفة تحاول فرض سيطرتها بالجبر والخداع والمراوغة ، وما تمتلك من مال وقوة وجبروت .
إنّ هذه الثورة الثقافية هي إعلان لحركة المجتمع بفعل الانفتاح والمعرفة وهي ثورة المهمشين في وجه المحتكِرين المستبدين الذين يمثلون سلطة ما ، وهي ثورة أشبه بحركة البروليتاريا في وجه أصحاب رؤوس الأموال .
إنها ليست مجرد ثورة تمرد تستجيب لحركة المجتمع بمقدار ما هي بروز ( الحقيقة ) بدلاً من بروز ( الأشخاص ) حيث لم يعد الناس في عصر الانفجار المعرفي همجاً يتبعون أفراداً كالقطعان دون أدنى تمحيص ، فهم يريدون الكفء الذي يعبر عن الحقيقة التي تلامس عقولهم وواقعهم ، ولا يريدون الأشخاص الذين فرضتهم سلطة ما وهم لا يملكون مقوّمات الكفاءة التي تؤهلهم ليكونوا صوتاً مسموعاً يحترمه المجتمع .

* سلمان عبد الله الحبيب ( أديب وناقد وباحث )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة