الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاتح مايو

زكرياء الفاضل

2010 / 5 / 3
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


جاء تفكك جمهوريات الاتحاد السوفياتي كنتيجة وصول أعداء الثورة الشعبية لسنة 1917 وحلفائهم من الانتهازيين والوصوليين إلى سدة الحكم، حيث رفعوا شعار "إعادة البناء" الذي كان في حقيقة أمره مؤامرة ضد أول محاولة لبناء دولة سلطة الشعب. وتم لهم ما أرادوه واعتقدوا أنهم قد قضوا على الفكر الاشتراكي، بل استأصلوه من المجتمع. وحاولوا إلغاء الاحتفال بفاتح مايو كما جرت العادة في عهد السلطة السوفياتية، حيث كان يعتبر عيدا وطنيا. إلاّ أنّ الطبقة المسحوقة، بطليعتها العمالية، استطاعت فرض حقها بالاحتفاظ بهذا اليوم الذي تحول في ظل النظام الرأسمالي إلى يوم نضال من أجل ما كان حقا مشروعا لها في العهد السوفياتي.
إنّ الاحتفاظ بهذا اليوم المجيد في حد ذاته ليس دليلا قاطعا على انتشار الفكر الإشتراكي في المجتمع الروسي. فالبرهان، الذي ما بعده برهان، هو ذاك الخطاب الذي اعتمدته الأحزاب البرجوازية في هذا اليوم، من بينها حزب السلطة "روسيا المتحدة"، إذ تحدثت عن الاوليغارشية وتسريح العمال غير الشرعي واستعملت عبارة "الطبقة العاملة" وكأنك تستمع لخطاب الكاتب العام للحزب الشيوعي الروسي. فاستعارة البرجوازية، الحاكمة اليوم في روسيا، لخطاب القوى العمالية التحررية يوضّح الصورة الحقيقية لميزان القوى السياسي بروسيا الاتحادية. كما يظهر في أي اتجاه يهب المزاج الشعبي بهذه البلاد والوضع الحقيقي للوضعية الإقتصادية للجماهير الشعبية. فتقليد السلطة وأحزابها المفبركة لخطاب الحزب الشيوعي مرآة تعكس تخوفها من فقدان سلطتها وسيطرتها في المجتمع كنتيجة لسياستها اللاشعبية. إنها تحاول التملص من مسئوليتها عما يجري في البلاد بتبني خطاب تقدمي الشكل وتوجيه أصابع الاتهام نحو سراب وهمي. إنّ السلطة الروسية رهينة البرجوازية ولا يمكنها الاستمرارية إلاّ بخدمة مصالحها وتشريع قوانين تخولها امتيازات أوسع. أما تلك الحرب التي أعلنتها على من سمتهم بالأوليغارشية فهي، في حقيقة الأمر، انتصار لفريق على فريق آخر من ذوي الأرصدة البنكية المشفرة. ودليلنا في ذلك كون موسكو حاربت بيريزوفسكي وغوسينسكي وخودوركوفسكي لتقوي مركز تشوبايس وأبراموفيتش وغيرهما في موقع القرار السياسي من وراء الكواليس.
هذا النفاق السياسي ليس غريب على البرجوازية بل هو منهجها المتبع في كل زمان ومكان. وكمثال على ذلك نذكر الطوائف الأصولية المغربية المتفرعة عن تنظيم الإخوان المسلمين بالمغرب حيث عملت بعضها على تقليد الخطاب اليساري لدرجة أنّ القارئ لجرائدها في الثمانينيات كان ينتابه شعور غريب بأنّ بين يديه جريدة يسارية. ونجحت خدعتها واستقطبت عددا مهما من الجماهير الذين استغلتهم كسلم أوصلها للسلطة، ثم أعلنت أنها ملكية حتى النخاع. هكذا وبدون خجل أصبحت تدافع عن الملكية أكثر من الملك نفسه. وحتى لا تقع في مأزق التناقض مع ما كانت تنادي به من قبل، أعلنت أنها حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية.
قد يتساءل القارئ ما الهدف من هذه المقارنة؟ وله الحق في ذلك. حقيقة يبدو للوهلة الأولى أنه لا مجال للمقارنة، لكن إذا انطلقنا من المنهاج الاشتراكي العلمي الذي يقسم المجتمع البشري إلى طبقات فإننا سنجد أنه لا فرق بين البرجوازية في روسيا وزميلتها بالمغرب أو في أي بلد آخر. فهي تتلوّن، كالحرباء، بألوان مختلفة وتظهر في أشكال متباينة، ظاهريا، حسب ظروف وتاريخ وتقاليد كل شعب، لكنها هي هي أينما حلّت واستقرت. فغايتها جمع المال على حساب المنتجين الحقيقيين وهي تستخدم كل ما لديها من وسائل من أجل غايتها اللاشعبية وعلى رأسها السلطة. لذلك ترى البرجوازية تعتبر أحزاب الكادحين عدوا لها تحاول القضاء عليه تارة بالقمع والبطش وأخرى بالاحتيال والمكر. ولا يظهر وجهها الحقيقي والبشع إلا من خلال سياستها اللاشعبية، حيث تكثر البطالة وتتوسع الهوة الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء، على سبيل المثال في روسيا خلال السنة الماضية ارتفع عدد الميليارديريين بالثلثين، في حين توسعت رقعة الفقراء بنسبة الثلث. كما تتميز السياسة البرجوازية اللاشعبية بانهيار القوة الشرائية لدى المواطن بسبب ارتفاع الأسعار الممنهج. نقول أنه كذلك لأنّ البرجوازية تحاول من خلاله سد ثغرات فشل سياستها الإقتصادية على حساب أوسع شرائح المجتمع لتحافظ هي على مستوى عيشها. ومن سماتها العالمية أيضا محاولة تخدير الجماهير الشعبية عبر وسائل الإعلام والترفيه بوضع يدها عليها وإخضاعها لسلطتها كما حصل مع قناة NTV الروسية التي كانت تنتقد قيادة الكريملين، أيام مديرها العام كيسيليوف، فما كان من سلطة البلاد إلا أن طردته ومن كان من أتباعه وحولتها إلى بوق حكومي يمدح ويمجد المنجزات الحكومية الوهمية. هذه القناة كانت تحتل نفس المكانة بروسيا الاتحادية التي تحتلها اليوم قناة الجزيرة بالعالم العربي. لذلك فإنه ليس من الغريب أن تحاربها موسكو وتقضي عليها كما تحاول كثير من الحكومات العربية القضاء على الجزيرة حيث أقفلت مكاتبها بالعديد منها. هنا لا بد من توضيح مهم حتى لا نفهم بالخطأ، إذ أننا لا نعتبر NTV ولا الجزيرة قنواة تقدمية أو بالأحرى يسارية. كل ما هنالك نحاول توضيح موقف البرجوازية من وسائل الإعلام التي قد تختلف مع رأيها. لكننا في نفس الوقت لا نرفض أنه حتى وسط الصحفيين ذوي الفكر البرجوازي يوجد مهنيّون شرفاء يؤدّون عملهم الإعلامي بنزاهة.
خلاصة القول فاتح مايو،بموسكو، أظهر أنّ الفكر الإشتراكي لا زال مسيطرا في المجتمع الروسي، رغم المضايقات التي يتعرض لها أصحابه ورغم السموم الإعلامية التي يدسها الكريملين في المجتمع. ولو تجرى انتخابات نزيهة وشريفة فإن الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية سيفوز بكرسي الرئاسة بنسبة لن تفسح المجال لجولة ثانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : هل طويت صفحة الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. هل يستنسخ حزب الله تجربة الحوثي في البحر المتوسط؟ | #التاسعة




.. العد العكسي لسقوط خاركيف... هجوم روسي شرس يعلن بداية النهاية


.. أمير دولة الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق بعض بنود الدستور




.. الحرب في غزة تحول مهرجان موسيقي إلى ساحة سياسية | #منصات