الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأول من أيار في ظل الأزمة الاقتصادية

مسعود محمد

2010 / 5 / 3
العولمة وتطورات العالم المعاصر


أطل علينا الأول من أيار في ظل أزمة عالمية أدت الى انهيار كبريات المؤسسات المالية و التجارية في الولايات المتحدة و أوروبا و بقية دول العالم النامية و المتقدمة دون أن يسلم منها أي من الدول سواء كانت غنية أو فقيرة، فمنذ أيلول/ سبتمبر 2008 و الناس مصدومة من حجم الانهيارات التي أصابت كبريات الشركات الاقتصادية والعقارية والبنوك والمصانع والبورصات.
ما هي الأسباب التي أدت الى تلك الانهيارات؟
أن ما حدث في هذه الأزمة ما كان ليحدث لولا أساسات الاقتصاد الرأسمالي التي بني عليها، وما يدلل على ذلك أن المبدأ الرأسمالي يعتبر مبدأ مؤسس للأزمات، و بقراءة متأنية للتاريخ نجد أن انهيار سوق الأسهم الأميركية العام 1929 أدى الى كساد اقتصادي كبير عرف في حينه بالكساد الأعظم، امتدت تلك الأزمة الى أكثر من عشر سنوات وتمكنت أميركا من الخروج منه بدخول الحرب العالمية الثانية بقرار من رئيسها روزفلت مما أدى الى انعاش اقتصادها بانتاج حربي ضخم. عام 1987 هبط مؤشر أسعار الأسهم في نيويوك 22 % في يوم واحد، تلاه في العام 1997 انهيار عام في سوق أسهم وسعر صرف عملات ما كان يسمى بحينها بنمور آسيا وأطاحت بهم الأزمة من الفلبين مرورا بكوريا الجنوبية وصولا الى تايوان، والأزمة الحالية ليست أزمة عابرة بل هي بسبب عطل جوهري في بنية النظام الرأسمالي وتركيبته المستندة الى :
• النظام المصرفي وتسهيلاته الائتمانية.
• نظام الأسواق المالية .
• نظام النقد الورقي.
• واقع الملكية الفردية.
فسهولة القروض المصرفية تؤدي الى الاكثار منها بهدف التملك بعد ذلك مقدار الدين الأصلي يتضاءل مع الزمن بالنسبة للفوائد المحسوبة عليه، فيصبح عجز الأفراد والدول أمرا واردا في كثير من الحالات، ما يسبب أزمة تسديد الدين، وتباطؤ عجلة الاقتصاد لعدم قدرة كثير من الطبقات الوسطى بل والكبرى عن تسديد الدين ومواكبة الإنتاج.
اقراض متداولي الأسهم لتملك عددا أكبر من الأسهم دون التأكد من ملائتهم المالية وعندما يحدث انخفاض في أسعار الأسهم، تحدث الكارثة، لأن المقترض يكون ملزما أمام البنك بأن يحافظ على أن يبقى في ملكه نسبة معينة، ولتسديد الفرق يضطر للبيع هو وأمثاله، فيزيد هذا من عرض تلك الأسهم ويؤدي إلى مزيد من الانخفاض في الأسعار.
طبيعة الشركات المساهمة تؤدي إلى انفصام أسواق الأسهم والأوراق المالية الأخرى عن الاقتصاد الفعلي أي عن واقع الشركات التي يتداول بأسهمها فقيمة السهم ومقدار الربح لا يحدد بناء على موجودات أو منتوجات أو أرباح الشركات بل بناء على العرض والطلب لأسهم الشركة والمضاربات، وهذا يدل على انفصام العلاقة بين سوق الأوراق المالية وبين الاقتصاد الفعلي وواقع الشركات، مما يحول السوق الى لعبة حظ كبيرة يتحكم فيها حيتان السوق القادرين على خلق الطلب ومن ثم خنقه حسب معطيات مصلحتهم الشخصية فيؤدي في أحيان كثيرة الى عدم قدرتهم على السيطرة على السوق مما يؤدي الى انهياره.
العملة الورقية الغير مغطاة اقتصاديا حيث تطبع منها الدول وقتما احتاجته مما يخفض قيمته العينية ويسبب في العادة ارتفاع أسعار الحاجيات من سلع وخدمات، وخفض لقيمة أموال الناس النقدية، وخفض لقيمة رواتبهم، ولقيمة معاشاتهم.
الرأسمالية نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية تقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها ، متوسعاً في مفهوم الحرية ، ولقد ذاق العالم بسببه ويلات كثيرة ، وما تزال الرأسمالية تمارس ضغوطها وتدخلها السياسي والاجتماعي والثقافي وترمى بثقلها على مختلف شعوب الأرض . يعد حافز الربح في النظام الرأسمالي هو الدافع الأساسي لزيادة الإنتاج ، وهو المحرك الرئيسي لاي قرار يتخذه المنتجون، النظام الرأسمالي هو النظام الذي يقوم على الملكية الفردية لعناصر الإنتاج والحرية الاقتصادية للأفراد في إدارة وتيسير وممارسة النشاط الاقتصادي والتنافس فيما بينهم بهدف تحقيق المكسب المادي، إذا أخذنا بمقولة ابن خلدون فإن العمران بداية الشيخوخة وعدم وعي واقع وحاجات السوق وآليات التملك الصحيحية يؤدي تحت ضغط المضاربات وخلق الطلب في السوق الى طرح عدد أكبر من الأملاك في السوق مما ينتج عنه ضعف الطلب وبالتالي انهيار السوق.
للتعامل بواقعية مع الأزمة كان لا بد من قراءة متأنية لآليات السوق حسب النظرية النقيضة للرأسمالية وهي النظرية الماركسية حيث يقوم النظام الاشتراكي أساسا على ضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ، وذلك للحد من الاستغلال الرأسمالي وتركز الثروة في أيدي عدد محدود من أفراد المجتمع وتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين ، وقد زاد مدى تأثير الفكر الاشتراكي مع الأزمة الاقتصادية التي شهدتها المجتمعات الرأسمالية خلال الفترة من 1929 – 1933 حيث زادت معدلات البطالة وعانت هذه المجتمعات من ركود شديد في الإنتاج وتتلخص فكرة النظام الاشتراكي في ضرورة الملكية العامة لوسائل الإنتاج وتدخل الدولة لتحقيق هدفين همــا الكفاية في الإنتاج والعدالة في التوزيع.
ان أهم تداعيات هذه الأزمة أنها أظهرت مساوىء النظام الاقتصادي الحالي وفرضت ضرورة التفكير بالمزاوجة فيما بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي وعودة دور الدولة بقوة للتأثير في الاقتصاد، حيث هناك ضرورة لوجود جهاز مركزي للتخطيط يعمل على التوفيق بين الموارد والاحتياجات عن طريق وضع خطة قومية تحدد فيها مجموعة الأهداف التي يرغب المجتمع في تحقيقها خلال فترة زمنية محددة. الا أن من أهم العوائق لذلك التزاوج هو كيفية حل أزمة واشكالية الملكية الفردية التي رغم أنها تؤدي الى مركزة رأس المال في يد أشخاص على حساب المجتمع، الا أنها تعتبر أساس حرية الفرد في النظام الرأسمالي، لذلك على النظام الاقتصادي الجديد التنبه إلى أهمية الملكية والدور الأساسي والفاعل الذي يقوم به مما يؤدي الى تحريك النشاط الاقتصادي لذلك و كحل لمشكلة الفردية على مؤسسي هذا النظام الاقتصادي الجديد العمل وفق الآليات التالية:
• إن حاجات الإنسان الضرورية الأساسية مثل السيارة والمسكن يجب أن تكون مملوكة ملكية خاصة ومقدسة لا يجوز المساس بها أو التحكم فيه من أي جهة أو فرد.
• ملكية خاصة لوسائل الإنتاج في حدود إشباع الحاجات دون امتلاك حق استغلال طاقة وانتاج العامل ومصادرة القيمة الزائدة لانتاجه.
• لا بد من وضع سبل جديدة لتدخل الدولة في الشأن الاقتصادي، وتعظيم دورها الرقابي على المؤسسات المصرفية والاقتصادية، فغياب الدولة عن الساحة الاقتصادية وهو ما روجت له واشنطن منذ بداية القرن الحالي ثبت عدم جدواه بشكل قاطع، خاصة في ظل عدم تمتع الجهاز المصرفي الأمريكي بأي نوع من أنواع القدرة على التحكم و فرض القيود مما أدى الى انتشار الفساد داخل هذا القطاع المهم الذي يمثل العمود الفقري لأي اقتصاد.
الاقتصاد العالمي أصبح مثل مياه البحار والمحيطات يرتبط بعضه ببعض، بناء عليه فإن الحديث عن خطط عاجلة لتطويق هذه الأزمة غير واقعي، باستثناء القيام ببعض الخطوات المسكنة مثل خفض سعر الفائدة ووقف التداول على الأسهم في البورصة لمدد معينة، الا انها لن تفلح في تطويق الأزمة إلا إذا ما حدثت انتعاشة في الاقتصاد العالمي، وهو أمر لن يتم قبل سنوات. فيما يخص الريادة الاقتصادية في المرحلة القادمة فإن النظام العالمي الجديد، لا بد و ان يقوم على أساس تنازل القطب الأوحد (الولايات المتحدة) عن كرسيه و ريادته، ليحل بديلا عنه عالم متعدد الأقطاب، تلعب الصين الدور الريادي الاقتصادي فيه، وتكون الولايات المتحدة لاعبا رئيسيا لكن ليس أوحد، بل ضمن لاعبين رئيسيين آخرين: اليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والهند، وروسيا و هنا لا مفر من اعادة الاعتبار للقانون الدولي ولشرعة الأمم وحق الأمم في تقرير المصير، ذلك ما تتطلع اليه الدول النامية كمعالم رئيسية لعالم ما بعد الأزمة الاقتصادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح