الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن مصر و الألم يعتصر قلوبنا : حكاية الأسد و مروضيه

ثائر دوري

2004 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


أدت حروب الفرنجة على المشرق العربي عند افتتاح الألفية الثانية ثم ما تلاها من أحداث إلى تغيرات بالغة الأهمية في وضع مصر الجيوستراتيجي بالنسبة للعالمين العربي و الإسلامي . فقبل حروب الفرنجة كان مركز الدولة العربية – الإسلامية على التوالي كل من دمشق ثم بغداد . لكن خراب المشرق تحت وطأة حروب الفرنجة و تحوله إلى ساحة حرب امتدت قرنين من الزمان ، ثم العاصفة المغولية الهوجاء التي دمرت بغداد و جعلت العراق أرضاً خراباً و ساحة تجاذب إقليمي .عمق أهمية مصر بالتدريج كمركز ثقل للعالم العربي -الإسلامي فهي ذات عمق جغرافي كبير ( وادي النيل ) و ذات ري نهري منتظم و حكومة مركزية و ظلت بعيدة عن آثار العدوان الفرنجة ( نسبياً ) فتلقت الهجرات البشرية من العراق و من بلاد الشام و من الأندلس التي كانت تتقلص مساحتها تحت ضغط الإسبان .
فازداد عدد سكانها بشكل كبير خلال القرون التالية و بالتدريج تحولت إلى مركز ثقل العالم العربي - الإسلامي فقام المماليك الذين يحكمونها بتصفية الوجود الصليبي على شواطيء المشرق ، فتم تحرير عكا آخر قلاع الصليبيين عام 1291و قبلها صدوا العاصفة المغولية في موقعة عين جالوت عام 1260.
يقول الأستاذ وليد نويهض أنه بعد فشل الحروب ، التي أسموها صليبية ، بلور الغرب عدة نقاط لمجابهة العالم العربي – الإسلامي صاغها بشكل متكامل الكاتب البندقي سانوتو و قدمها إلى البابا كليمون الخامس عام 1309 ميلادي ، ثم صيغت بشكل حرمان كنسي صدر عن مجمع ديني في باريس . و بتأثير أفكار هذا الكاتب أقدم البابا يوحنا الثاني و العشرون على نشر قرارات مجمع باريس و نشر أفكار الكتاب ، الذي يعد أهم وثيقة حول الحروب الصليبية و ضرورة تجديدها . ما يهمنا من هذه الوثيقة أنها اعتبرت أن مصر هي نقطة قوة المنطقة و نقطة ضعفها ، و بالتالي تطورت فكرة عزل بلاد الشام عن مصر حتى وصل الأمر إلى إقامة حاجز استيطاني في فلسطين مطلع القرن العشرين .
إن مصر هي ضلع في مثلث الحضارات الاستراتيجي (مصر- بلاد الشام /0 بلاد الرافدين – الجزيرة العربية ) و كل القوى الصاعدة في العالم جربت عضلاتها بهذا المثلث كما يقول الكاتب في كتابه الهام ( عصر الغلبة ) فإن نجحت تحولت إلى قوة دولية وإن فشلت انهارت .
خلال القرون التالية حافظت مصر على أهميتها رغم انتقال المركز السياسي إلى استنبول فظلت تتلقى الهجرات البشرية من العراق ، الذي حل به الخراب و لم يعد ينعم بالاستقرار فقد تحول إلى ساحة حرب دائمة بين الدولة الصفوية و الدولة العثمانية . و كذلك بلاد الشام التي تراجعت فيها الحياة الحضرية نتيجة الاضطراب السياسي كما نتيجة سيطرة الأوربيين على خطوط التجارة الدولية بعد اكتشافهم رأس الرجاء الصالح ووصولهم إلى الهند . خلال تلك الظروف ظلت مصر رشيم الحضارة العربية الإسلامية ، الرشيم الذي حفظ هذه الحضارة من الضياع . و تعاظمت أهمية مصر بعد شق قناة السويس فصارت تمسك بأهم شريان بحري في العالم ففيها تلتقي طرق القارات الثلاث آسيا و افريقيا و اوربا . و هذا ما جذب إليها مزيدا من المهاجرين من بلاد الشام في القرن التاسع عشر .
بعد الحرب العالمية الثانية كان لا بد لكل هذه الخصائص التاريخية ( قلب العروبة و الإسلام ) و الحضارية ( نقطة تجمع الجهد العربي ) و الجغرافية ( ملتقى القارات ) . كان لا بد لهذه الخصائص أن تعبر عن نفسها سياسياً فكانت ثورة يوليو التي أدركت غريزياً حجم مصر فطرحت على نفسها مهمات عربية ( الوحدة و التحرير في فلسطين و الجزائر ) و مهمات افريقية ( مساندة حركات التحرر في افريقيا) و مهمات كونية ( مؤتمر باندونج و حركة عدم الإنحياز ).
في ذلك الوقت و حتى وفاة عبد الناصر كانت مصر تحاول أن تلعب الدور الذي منحه لها التاريخ ، و الحضارة ، و الجغرافيا ، فشلت أحياناً و نجحت أحياناً لكنها كانت مدركة لحجم المهام الملقاة على عاتقها فصارت رصيداً لقوى التحرر في الوطن العربي و في افريقيا و في العالم الثالث . حتى حدث الانقلاب الساداتي الذي توج بكامب ديفيد ، التي لم تكن معاهدة سلام عادية إنما كانت مشروع انقلاب حضاري – سياسي – تاريخي . فخضعت مصر إلى انقلاب على دورها العروبي ، و الإفريقي ، و العالمثالثي . لم تعد أمريكا تسمح لمصر أن تلعب أي دور في محيطها إلا خدمة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية .
لقد جعلت كامب ديفيد مصر أسيرة داخل حدودها و ذلك يعني حكماً بالموت اختناقاً داخل شريط وادي النيل الضيق و للدلالة على ذلك يكفي أن نتأمل خريطة الأحداث السياسية حول مصر و موقف المتفرج الذي تلعبه إن لم تلعب دوراً سلبياً .
في الجنوب هناك السودان و ما يحاك له من مؤامرات فصل الجنوب ، ثم محاولة خلق وصاية دولية في دارفور و ما يعنيه ذلك من خطر على الأمن المائي المصري و على العمق الإستراتيجي وهو أمر لم يحدث حتى في عهد الوصاية البريطانية على مصر ، و مع ذلك تقف مصر الرسمية متفرجة و لا تحرك ساكناً و تتدخل دول مثل كينيا و اثيوبيا و أوغندا بشؤون السودان أما مصر القوة الكبرى في المنطقة و المعنية بما يجري هناك فلا تتدخل .
و إذا انتقلنا إلى المشرق ، حيث أن بلاد الشام هي جبهة الدفاع عن مصر منذ أيام الفراعنة و حتى نهاية الكون ، نشاهد العربدة الصهيونية في جنوب بلاد الشام ( فلسطين ) و على حدود سيناء و مصر الرسمية متفرجة ، هذا إن لم تلعب أدوراً أمريكية بتقديم حلول أمنية في غزة أو تحجيم المقامة ، و هي أدور تصب نهاية الأمر ضد مصالح مصر الإستراتيجية . و كذلك الأمر في العراق ، حيث كانت مصر مساهماً أساسياً في العدوان على العراق في عام 1991 ، العراق الذي كان يشغل على الأقل مليون عامل مصري ، و كذلك ساهمت في العدوان الأخير و لولا موافقة مصر الرسمية لما كان لهذا الأمر أن يتم . حيث عبرت الأساطيل الأمريكية و البريطانية ممر قناة السويس و هي متجهة لاحتلال العراق . كان يكفي أن تغلق مصر ممر قناة السويس حتى تقلب الأمور فوق رأس الأمريكان . لكنها لم تفعل في حين أن تركيا حليف الأمريكان و العضو في حلف شمال الأطلسي منعت مرور الجيش الأمريكي على العراق عندما شعرت أن مصالحها متضررة من العدوان على العراق . أما مصر الرسمية فلم تفعل . و كم كان مثيراً للأسى مشهد الفرقة الرابعة التي منعت تركيا مرورها عبر أراضيها وهي تمر من قناة السويس متجهة لاحتلال العراق عبر الكويت ....
أما في الخليج العربي فلم يعد لمصر أي دور بعد أن حلت العمالة الآسيوية مكان العمالة المصرية و بعد أن حضرت الجيوش الأمريكية لتستقر هناك .
و هكذا نرى مصر حبيسة داخل قفص حدودها يمنع عليها أن تتدخل بأي أمر كان إلا إذا أراد لها الأمريكي ذلك ، كما يحدث عندما تتدخل في الشأن الفلسطيني لصالح الجانب الصهيوني ، أو كما حدث قبل أيام عندما أعلن رئيس وزرائها التعاون الأمني مع حكومة الإحتلال في بغداد .
لا شك أن الشارع المصري الغارق في أزماته يرفض هذا الدور و يرفض هذا الوضع الذي يقود مصر إلى الموت السريري .
مصر التي في قلوبنا و في وجداننا أعظم من تسجن داخل حدود تقودها إلى الموت . مصر قلب العروبة و الإسلام و قائدة افريقيا و المسيطرة على أهم ممر مائي في العالم ، مصر التي حفظت رشيم الحضارة العربية الإسلامية في أصعب الظروف . هذه المصر يكفي أن تتثاءب و تظهر عليها علامات الصحو من النوم حتى تهتز فرائض الأعداء و تسمع أصوات استيقاظها في فلسطين و العراق و افريقيا و آسيا .
مصر أكبر من تسجن في قفص لكن للأسف فإن مروض الأسود هو الوحيد الذي يدرك أن الأسد أقوى منه . و في اللحظة التي يدرك فيها الأسد ذلك فإنه يطيح برأس مروضه فمتى تدرك مصر حجمها الحقيقي و تتصرف بناءا عليه ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت