الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضحايا [الجزء 1 ]

رويدة سالم

2010 / 5 / 4
الادب والفن


توقف قرب الباب الحديدي. إستند إليه و أغمض عينيه. إكتشف فجأة أنه يدور في هذه الغرفة الضيقة دونما توقف أو شعوراً بالزمن. لا يدري كم قضى من الوقت و هو يجوب المكان جيئة و ذهابا بين الجدران العفنة. شعر أنه بدأ يفقد السيطرة على أعصابه فحاول أن يتماسك. تنفس بعمق ثم ركل الباب. لقد أحكَمَ الأنذال الأنشوطة حول رقبته الغضّة و ها هو يتعفّن منذ شهر في هذه الزنزانة القذرة بانتظار المشنقة. حُكم الإعدام كان أكبر طعنه تلاقاها. أمل أن تنكشف خيوط اللعبة و تمتد الأصابع لتشير للقاتل الحقيقي لكن كل دليل يكتشفه المحامي " صديقه سليم " تتلاعب به أيدٍ خفية و يختفي.
زفر بحرقة و غضب. عاد للهرولة من جديد. فجأة فقد السيطرة تماماً و شرع يبكى كالأطفال. لم يخجل من دموعه و لا من ضعفه. كان دائما قوياً و ثابتاً رغم الحنان و الرومانسية التي ورثها عن أمه. لكنهم تحكموا بحِرَفيه في الأدلة و وجهوا كل أصابع الاتهام إليه بعد قتل معلمه العجوز "سعيد ".
كم يحن إلى ذلك العجوز المسكين. أَحَبَهُ كثيرا و لم يُمنح الوقت الكافي ليَبكيه. سريعا ما أُلْقيَ عليه القبض و أُقـتيدَ إلى السجن على ذمة التحقيق. قبل أن تَثْبُتَ إدانته، بدأ المحقق التعذيب لانتزاع إعترافه بالجريمة. أَخذته القضية في دوامة من العنف و الإهانات و الشك و الحيرة. في بداية الأمر لم يستوعب عقله ما يحدث. كان ينظر إلى وجه المحقق و الحرّاس ببلاهة و يسأل :
- ما الذي يحدث ؟؟ لماذا تفعلون كل هذا و ما الذي حدث لسعيد ؟؟؟
فيعاجله أحدهم بصفعة و تهوي الهراوة على جسده و يقول آخر متهكماً :
- ستعترف بجريمتك يا إبن ال... . عجل بإمضاء الاعتراف و ستغدوا حياتك أسهل.
لكنه لم يعترف بجرم لم يرتكبه و كيف لحياته بالسجن التحفظي أن تكون أسهل !!؟ كان هناك آخرون، ببذلات و نظارات سوداء، يأتون و يراقبون لكنهم لم يكونوا من المنظمات الإنسانية بل من المُشاركين بالـ (تحقيق) .
سأله أحدهم :
- لصالح من تعمل ؟؟ فأجاب:
- للصالح العام.
- الصالح العام يا كلب. إعترف يا حيوان قبل أن أنتزع جلدك وأقتلع عيونك . أنت عميل و ستعترف.
ثم وضعه بركن بقاعة التحقيق و أمر حارسين بتثبيته و إنهال عليه بضرب مبرح. بعد أن إنتهى أمرهما بحمل قيصر إلى الزنزانة لفقدانه الوعي .
لم يكن سعيد بالرجل المهم. كان مجنوناً لا يعي جُل ما يُقال له. كان مُشرَّداً يحوم بالشوارع القذرة، يقتات من المزابل و ينام بزوايا المظلمة. كانت الشرطة تنهره إذا قادته قدماه إلى الأحياء الراقية. كانوا يضربونه و يأمرونه بالابتعاد كما لو كان فيروسا ينشر العدوى. التنظيمات الدينية بدورها لم تنتبه يوما للمسن الملقى هناك كخرقة بالية بعد أن أنهكه الجوع و السير بدون غاية.
لا يهتم رجال القانون و رجال التنظيمات الدينية بأمثال سعيد إلا أثناء الحملات الانتخابية. ثم تخبو جذوة حماسهم. بعد ارتقائهم كراسي الدولة، يغلق السياسي و رجل الدين الأبواب بوجه أي معدم يطالب بتحقيق بعض الوعود الوردية التي ماتت قبل أن تتفتح. رحل المعلم المسكين و لا يزال الفقراء المشردون ينامون بالشوارع كالكلاب. يُنهرون و يَسمعون كلاماً قذراً. يُقتلون و تُغتصب النساء و الأطفال و لا يُسمع أي تنديد من أية جهة. قال للمحامي"لما الغضب لموت سعيد إذاً !!!؟
فَرَدَّ المحامي" سليم " محاولاً تهدئةَ صديقه :
- إنها محاكمة ثائر حاول مخاطبة روح الإنسان و تغيير عقليات شعوب لا تزال تحكمها روح البداوة.
ضاق صدره و أحس بالدوار. إستند إلى الحائط القاتم اللزج و المشبع بالرطوبة. مسح عينيه بطرف قميصه المتسخ . أغمضهما فتراءى له وجه يعرفه جيداً. إنه زياد. لا شك أنه هو مُدبّر الجريمة. رجل منافق و مدعٍ. لا يتوانى عن فعل أي شيء مقابل مصلحته الخاصة. رأى في التيار الديني الذي يغزو البلاد ربحا فصار داعية، له باع طويل في الشرح و التفسير و الإفتاء. قال فى اجتماع في الشركة ذات يوم :
- عند قيام الدولة الإسلامية سيُطبق حد الردة و سيدفع الكفار الجزية و ستصير دولة الإسلام قوة مرهوبة الجانب لا تُقهَر . ضحك قيصر حينها و سأله:
- و حرية الاختيار و حرية العقيدة ؟
- إذا لم يعرف الناس مصلحتهم فيجب إجبارهم على إتباع الصراط المستقيم إلى أن يدركوا سواء السبيل، ثم أضاف مازحاً، لا تخشى شيئا فأنت و أمثالك من المُفسدين ستكونون قد رحلتم بعيداً و لن يضركم قيامتها من عدمه.
لم يناقشه قيصر حينها بل شاركه الضحك. لكنه الآن واثق من تورطه. يتمنى أن يرى ذاك الزميل المتطرف في أفكاره و كراهيته لمرة واحدة ليقول له أنه (وللأسف) لا ينجح في مثل هذا المجتمع المريض إلاّ أمثاله من المتلونين الذين يستغلون كل شيء لتحقيق مآربهم مهما كانت دنيئة. عصف الغضب بأعصابه التي لم يعد يقوى على التحكم بها فضرب بقبضته الجدار مرارا كما لو انه يلكم وجه زياد. لم يشعر بالألم رغم أن أصابعه بدأت تنزف. فقد هذا الإحساس كما فقد حريته وكما سيفقد حياته بعد ساعات لجرم لم يرتكبه.
تأمل اللون الأحمر القاني لقطرات الدم التي سالت على الجدار ثم تجمدت...
كذلك نزف المعلم سعيد. تلقى طعنات كثيرة في سائر جسده. قال الطبيب الشرعي أنه تلقّى عشرين طعنة. كان بقائه مشرداً أرحم مما شعر به و هو يعالج سكرات الموت في شقة قيصر الفاخرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب