الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام عندما يعتدي على الدولة

عهد صوفان

2010 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



كلّنا متفقون أننا في ذيل قائمة الأمم حضارة وعطاء.. كلّنا نتكلّم ونتّهم ونلقي باللوم على الآخر الذي هو أحيا ناً في الداخل أو الخارج.. وكلّنا يتألّم عندما تبدأ المقارنات بيننا وبين بقية الشعوب التي سبقتنا في سلّم الحضارة وبقينا وحيدين في القاع نلطم ونلطم ونصرخ وندّعي ونتهم ونتأمل..
الدول على رأسها أنظمة تقود والقيادة تكون وفق الدستور الذي يحدد الأدوار والمسئوليات, فالكبير كما الصغير تحت سقف القانون والجميع يخدمون أنفسهم ودولهم والكلّ يعمل بأجر وليس مجّاناً فليس لأحد منّة على آخر.. الكلّ مسئول عن عمله وعما كلّف به.
ولكن عندما يعتدي النظام على الدولة ويستبيح مؤسساتها ودستورها, تتحول الدولة إلى مزرعة خاصة وليس وطناً للجميع. عندما يتم تدمير المؤسسات وتشويه دورها بزرع الفساد فيها تسقط في قبضة النظام وتصبح جزءاً منه تعمل معه ولصالحه, مبتعدة عن الشعب وهمومه وأحلامه.وتتحول حياة الناس إلى كوابيس وفقر وظلم وبكاء ..ويبدأ الكلام والتحليل. ماذا حدث ؟ ولماذا؟. الكل يحلم ويتمنى ..
ولكن من يستجيب؟؟ فالحياة لا تسير بالأمنيات والأحلام. إنما هي عملٌ وواقعٌ ملموس, ولن يرحم التاريخ أمة أطلقت العنان للكلام والصراخ بعيداً عن العمل والابتكار. أحياناً نقاشنا يصل لمرحلة الهذيان والضياع, فمن نلوم؟ ومن المسئول؟ ولماذا نحن هكذا؟.
تتصارع الكلمات والأفكار وتنطلق حناجرنا بالتحليل باحثة عن النور لكن ما زلنا كما نحن ثابتين والعالم يتقدم وأخلاقنا تتراجع وكل شيء يتراجع ولن تنفع المكابرة والاختباء خلف أوهام وأساطير .أو لمجرد التبرير والهروب للأمام ...
البعض وضع اللوم على الآخر الخارجي فقال إن الاستعمار هو السبب. الغرب هو الطامع بنا وبثرواتنا وبأرضنا وبثقافتنا العالية وإنساننا المبدع . هو يفعل ذلك ويحيك المؤامرات الخفية وأحيانا الظاهرة .هو نفسه الاستعمار الذي ينشر الفساد والرذيلة.
هو الذي يسرق بترولنا وعقولنا وأموالنا .فلولانا لأفلست الدول الاستعمارية ولولا ثقافتنا وإبداعنا لبقوا في عصورهم الحجرية .نحن من أعطى ومن أبدع, ولكن الامبريالية الأمريكية والصهيونية تستهدف أمتنا وديننا الحنيف وطاقاتنا .
ويستطرد أصحاب هذه النظرية متوعدين الامبريالية بالنصر القريب وبأننا لن نسكت . سنعيد ما أغتصب في فلسطين وفي الصين وفي أسبانيا وفي كل مكان وطأته حوافر خيلنا ..
أما البعض الآخر فيلوم نفسه فنحن من قصر في أداء واجبه ونحن النائمون الحالمون ,وأحلامنا لن تنفع ولن تفيد . فالحياة مصالح وعلاقاتها ترسمها المصلحة والفائدة فكل العالم يتعامل ويضع الخطط ويبني المشاريع على أساس الفائدة والربح ولا يهم التراب والماء والشجر إلا وفق معايير الفائدة المرجوة. فالعلاقات تحكمها المصلحة حتى في علاقاتنا مع بعضنا ,الفائدة والمصلحة هي الأساس ولا أحد يعمل أو يقدم شيئا بدون مقابل . جميعنا يحتاج المال ونسعى إليه ,نحتاج الرفاهية ومستلزمات الحياة ونسعى إليها . نتنافس فيما بيننا ونتنافس مع الآخر البعيد أو القريب في لعبة الإنتاج والتسويق .
وإلقاء اللوم على الآخر هو فشل كبير وهروب من غفلتنا وعدم إدراك للغة الحياة التي لا ترحم المغفلين والتي سوف تتركنا مشردين على أرصفة العالم فقراء نتسوّل العلم والدواء والكساء وكل حاجياتنا ..
إذا كنا نحن المسئولين عن معاناتنا فمن نحن؟ هل نحن المواطن الفقير المحكوم الذي لا يملك القرار ولا المال؟ هل هو السلطة والنظام ؟ هل هو رجل الدين مندوب الله على الأرض ؟ هل هو المثقف الذي أصبح تاجرا يبيع الكلمات ؟ هل هو الدستور المعيق لحركة التقدم والتطور ؟ هل هو المدرسة التي تخرج طلابا بلا أخلاق وبلا علم ؟هل هو القضاء المملوك للدولة ؟...والأسئلة كثيرة وكلها فيها بعض من الحقيقة ,لكن الحقيقة الأقوى هي( السلطة ) لأن السلطة تملك القوة والقوة وحدها تقود وتوجه .
مشاكلنا تكمن في النظام الذي يتشبث بالسلطة ويتمسك بها لأن الدولة تحولت من نظام يدير المجتمع إلى مؤسسة نفعية لأبناء النظام فتمّ إلقاء القبض على الدولة وتمثل ذلك :
- بالقبض على البرلمانات وتوجيهها .
- بالقبض على المثقفين وعلى الثقافة أيضا فمن يكتب لهم تحول إلى مثقف ملأ الشاشات والمكتبات بكتبه وكلامه ومن رفض عاش مشردا في بقاع الأرض أو في السجون ينتظر الموت القادم .
- بالقبض على الدين ورجال الدين . فكل رجال الدين عندنا تعيّنهم السلطة وأجهزة الأمن, وهم مختارون حسب رغبة النظام , فعندما يرغب النظام في فرض التشدد الديني يختار رجال دين متشددين ,وعندما يريد تقليل التشدد يختار رجال دين أقل تشددا , وهذا واضح جدا في كل بلادنا العربية ففي كل دولة درجة من التشدد تختلف عن الأخرى وفي كل دولة رجال دين يختلفون في نظرتهم للدين عن نظرائهم في الدول الأخرى ..فهم مختارون من النظام لأنهم قبلوا برؤية النظام وأفكاره فصاروا مروجين له ومدافعين عن تشريعاته .
- القبض على القضاء الذي أصبح مملوكا للنظام وتابعا لوزرائه وأجهزته الأمنية فعندما يريد النظام إقصاء أحد أو إلغائه نهائيا يحاكمه ويصدر الحكم عليه باسم القضاء وباسم الدستور وباسم القوانين المشرعة والنافذة ..وحتى باسم الشعب الذي لا يعلم شيئا .
إلقاء القبض على القضاء عطّل العدالة وسلب الحقوق وانتهك الأعراف والمحرمات وحول حياتنا إلى حياة شريعة الغاب .قتل الطموح والكفاءة وأنبت طبقة من المتسلقين وصلت إلى مراتب عالية لأنها تعمل كمرتزقة, من يدفع لها أكثر تخدمه .
- القبض على الإعلام الذي يكتب ويحلل وينقل ما يريدون . الصوت والصورة من صنع السلطة ولا أحد يعلم الحقيقة التي غابت بل قتلت ودفنت . فأصبحنا عبيدا للتزوير والتشويه وعندها الجميع يقول : لا أعلم – لا أعرف – لا أرى
أريد سترة الحال ........
- القبض على مناهج الدراسة لزراعة ثقافة الخضوع والخنوع والخوف وقبول رأي السلطان والتصفيق له كل صباح . نهتف باسمه ليبقى الوطن ويبقى زعيما للوطن .
التحكم في العقول يبدأ بإعدادها لتقبل وترضى وتطيع فتصير كالقطيع يسير خلف الراعي ..انتشرت ثقافة القطيع وتبرمجت عقولنا لقبولها واعتبارها السلوك الصحيح الذي يحمي الوطن من المؤامرات والوقوف خلف السلطة أصبح واجبا دينيا وأخلاقيا لا نقاش فيه مهما كان الحاكم يجب الوقوف معه ومساندته في كل أفكاره وتصرفاته ...
- القبض على الدولة بكل مفاصلها وفعالياتها فتصبح مؤسسة خاصة لأفراد يستثمرون ,يبيعون ويشترون , فالوطن كله بترابه وثرواته وشعبه وهوائه وكل شيء فيه صار ملكا خاصا بأبناء السلطة ..
لن تنصلح الأحوال إن لم يأت حاكم عادل يغير الدستور والقوانين لصالح الدولة النظام, ولصالح الشعب, يحرر القضاء من سجنه والبرلمان من أسواره التي عزلته عن شعبه . يحرر المثقف من الخوف. يحرر الإعلام من سطوة المال ليكون إعلام الشعب يحس به ويكتب عنه . يحرر الدين من سيطرة رجل الدين ويضعه في مكانه بعيدا عن السياسة والاقتصاد ..
يحرر الإنسان من الأنانية ومن الأفكار القديمة . يحرره من الخوف ومن المقدس ويطلق عقله وفكره ليبدع ويعطي .
لن نستطيع تغيير الواقع بكل تفاصيله إلا إذا بدأ النظام نفسه عملية التغيير لأنه صاحب السلطة - صاحب القوة - صاحب التوجيه - صاحب المال وبيده كل شيء .هذا هو الحلّ الأسرع إن كان هناك حلول. وإلاّ سوف ننتظر الظروف وتغير الأحوال لصالح التغيير القليل, وسنبقى نصرخ ولكن هل من ضوء؟ وهل من أمل بيوم آخر جديد؟؟ ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا أخ عهد
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 5 / 5 - 16:13 )
تحياتي حضرة الكاتب الكريم , أظن أن أي نظام عربي لن يقدم على عملية التغيير المنشودة ما دام قد قبض على السلطة وأصبح القائد المفدى إلى الأبد , والشعب رعيته يسوقه كما يريد أليست البلاد مملكته أو عزبته التي ورثها عن آبائه ؟ ما دام الدين مشنكل بالسياسة فلا أمل , نهائياً , لأن الدين ازدهاره بالسياسة والسياسة تستخدمه ليدوم الحال لها , أظن أن تونس ولبنان يتمتعان ببعض مظاهر العلمانية من بين البلاد العربية , أما الباقي فلا أمل منهم , على الاطلاق . شكراً ودمت بخير


2 - إلى قارئة الحوار المتمدن
عهد صوفان ( 2010 / 5 / 6 - 06:32 )
شكرا لك ايتها العزيزة ولا بد لنا ان ننتظر التغيير القادم الذي علينا تحقيقه بتنوير الناس بحقوقهم ودفعهم لأن يكونوا اكثر جرأة واكثر تأثير فالنظام لن يتغبر من تلقاء نفسه وهو المتربع على كرسي السلطة بكل ما يملك من القوة.. الطريق صعب وطويل ولكن ليس هناك من خيار آخر تحياتي


3 - سلام لك ومحبة
مرثا ( 2010 / 5 / 6 - 09:41 )
اين يوجد هذا الحاكم العادل استاذ ، الذي يغير الدستور والقوانين لصالح الشعب ؟ الذي يقبل ان يراجعه هذا الشعب ولايعتبر نفسه ذاتا الهية لايمكن ولايصح الإقتراب منها ، الذي يضع الصالح العام في اول اولوياته ؟
هناك أملا إذا تم فصل الدين عن الدولة استاذ عهد ومعاملة المواطنين بقوانين واحدة ومساواة حقيقية بصرف النظر عن معتقداته الدينية وهذا قد يغذي الإنتماء للوطن الذي اوشك على الإنقراض
الوطن ملك للجميع والعبادة والمعتقدات الدينية ملك للشخص نفسه فقط
تقديري واحترامي

اخر الافلام

.. ماذا وراء تقارب السودان وروسيا؟


.. الاحتجاجات الداعمة لغزة: رئيسة جامعة كولومبيا تهدد بفصل طلاب




.. بلينكن: أمام حماس عرض -سخي- من قبل إسرائيل.. ماذا قال مصدر ل


.. الانتخابات الأميركية.. شعبية بايدن | #الظهيرة




.. ملك بريطانيا تشارلز يستأنف مهامه العامة | #عاجل