الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - جوهر الصراع لم يتغير

رضا الظاهر

2010 / 5 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تأملات

سماء البلاد ملبدة بغيوم صراع سياسي راحت تخيّم في أعقاب النتائج غير الحاسمة للانتخابات، دون أن تلوح في الأفق بوادر خروج من أزمة تنذر، اذا ما استطالت وازدات تفاقماً وتعقيداً، بمخاطر لا تحمد عقباها، قد تعصف بالعملية السياسية بأسرها، وتضع مصائر البلاد في مهب الريح.
وفي ظل أجواء متوترة تُطرح سيناريوهات ضيقة المنطلقات والغايات، وتشتد نزعة الاتهامات المتبادلة، وتتصاعد لغة التهديدات والتهديدات المضادة، وصخب التصريحات المتسمة بالتسييس وغياب المصداقية.
والصراع الراهن المحتدم بين "الكبار" هو، أساساً، الصراع السابق نفسه، ويدور، في الجوهر، حول السلطة والنفوذ والامتيازات. ويتوهم من يظن أن المحتوى الاجتماعي لهذا الصراع قد تبدل، أما شكله فمازال يغلب عليه الطابع الطائفي والاثني. كما أن الائتلافات الجديدة هي، في الجوهر، الائتلافات القديمة ذاتها، وقد دخلت، في فترة مابعد الانتخابات، مرحلة جديدة يشتد فيها الصراع السياسي، وتتعاظم فيها احتمالات المخاطر الداخلية والتدخلات الخارجية.
ويكشف هذا الواقع، من بين أمور أخرى، تواصل عقل الاستحواذ واستمرار منهجية المحاصصات، التي راحت تتخذ صيغاً ومسميات جديدة. ولا ريب أن هذا نتاج للثقافة السياسية التي نجدها في أوساط القوى المتنفذة خصوصاً، وهي تجسيد للثقافة السائدة في المجتمع، المنحدرة من عهد الدكتاتورية الفاشية، والمتواصلة خلال سنوات "التحرير".
وفي مناخ التنافس، الذي لا يندر أن يتجاوز القانون وينتهك الأعراف الديمقراطية التي يتبجح "الكبار" بالتمسك بها، "تتفنن" القوى المتنفذة في إدارة الأزمة على النحو الذي يعبر عن منطلقاتها ومصالحها الضيقة، ويتجاهل إرادة الملايين ممن منحوا أصواتهم للقوى "الكبيرة"، على الرغم من تحميلهم إياها مسؤولية مآسيهم.
ووسط شيوع ثقافة التخلف والتدني المريع في مستوى الوعي لا يمكن لعاقل أن يستغرب كيف أن الملايين وضعوا ثقتهم، وهي جزء من وهم، بمن سببوا لهم الآلام ومايزالون، وهم، اليوم، يدخلون في فصل جديد من فصول الصراع على المغانم، وليذهب أولئك الملايين من البسطاء الى الجحيم !
والحق أن الصراع لا يدور حول البرنامج الوطني للحكومة ووجهة التطور الاجتماعي للبلاد بقدر ما يدور حول تقاسم الامتيازات، وأكثرها تجلياً في الظرف الراهن منصب رئيس الوزراء والمحاصصات في الحكومة الجديدة. وفي هذا الصراع يتخندق المتنافسون وهم يصخبون بالنزعة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وسوى ذلك من مزاعم لفظية، مجسدين في سلوكهم اليومي ما هو عكس ذلك تماماً، مما يفضح المصداقية التي بها يتبجحون.
ولعل من بين مظاهر الصراع المحتدم تخندق "الكبار" وراء متاريسهم وعجزهم عن إبداء الاستعداد لتقديم تنازلات متبادلة في أجواء حوار سلمي مسؤول.
ولا يندر أن نجد دلائل مغازلات زائفة بين "خصوم" يدفع أحدهم الآخر ضد طرف ثالث "خصم"، لا حباً بمن به يتغزلون أو شغفاً بالمغازلة، وإنما لحاجة في نفس يعقوب، وما أكثرها من حاجات في نفس يعقوب العراقي !
ويبرع سياسيون في المناورات وممارسة الضغوط، حيث البعض يفضلون، عملياً، التشارك على أساس طائفي، والبعض الآخر يتمسكون بمبدأ التوافق المحاصصاتي وهم يعلنون استحالة تجاوزه، ويهدد بعض ثالث بالانسحاب من العملية السياسية ما لم تجرِ الاستجابة لشروطه ومطالبه، بينما يشكك آخرون بالقضاء عندما لا تكون قراراته لصالحهم، ويعبرون عن قناعتهم بنزاهة هذا القضاء ذاته عندما تكون قراراته ضامنة لمصالحهم الضيقة.
وفي هذا السياق تتصاعد نزعة الاستقواء بالخارج وتدويل الصراع السياسي بدل الحوار السلمي بعيداً عن أجواء التخندق والتوتر والاتهامات وصخب التصريحات وتجييش المشاعر.
وفي إطار التناقضات في التفسير، وأسبابها عديدة تمتد من الغاية المقصودة في التأويل ولا تنتهي عند الجهل أو المنطلق الاستئثاري، يوظف البعض حرص المرجعية الدينية في أغراض مصلحية ضيقة، وعلى الضد مما تريده المرجعية ذاتها. وعلى الرغم من مكانتها المرموقة المميزة، لا تسلم المرجعية، هي الأخرى، من تسييس حرصها في ظاهرة "تأويل" ليست جديدة في الفكر، بالطبع، لكنها لا تجسد الاجتهاد المرتبط بالقيم الفكرية الرفيعة، وإنما تُدخِل هذا التأويل في دهاليز العقل الاستحواذي الضيق.
* * *
مرة أخرى يجد الملايين من المظلومين، ممن بات نصيبهم الموت والعوز والمآسي، أنفسهم وجهاً لوجه أمام تجاهل من منحوهم الثقة أملاً بانقاذهم من المحن، ومن ظلوا يستغلون هذه الثقة للمضي في منهجيتهم وسلوكهم الرامي الى ضمان مغانمهم وامتيازاتهم ومصالحهم الضيقة على حساب بؤس الملايين.
وكما أن الواقع فضح "مصداقية" المتنفذين وزيف وعودهم لملايين المحرومين، فان هذا الواقع يكشف عن "فضائح" جديدة لهؤلاء المتنفذين تجسدها استهانتهم بمصائر العملية السياسية ومعاناة الملايين مقابل تشبثهم بالكراسي والامتيازات.
ما من سبيل لاخراج البلاد من أزمتها دون تخلي المتنفذين عن منهجية المحاصصات، ونزعة التخندق، وعقل الاستحواذ على كل شيء وتهميش "الآخرين" وإقصائهم .. دون تجسيد "المقررين" روح الشعور بالمسؤولية الوطنية.
وأمام الشيوعيين مهمات جليلة يتقدمها إدراك الواقع الجديد وإمكانياته المختلفة، وتشخيص السبل المثمرة للاسهام الفعال في العملية السياسية، وفي مقدمتها العمل، بروح الجرأة والاقتحام والمثال المضيء الجذاب، وسط الناس، السياج الحقيقي للحزب الشيوعي وللتيار الديمقراطي.


طريق الشعب 4/5/ 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تتمة التعليق
يساري وطني ( 2010 / 5 / 5 - 06:02 )
وليس أمام العضو الا طريق واحد , هو طريق نفذ ثم ناقش الموصل الى نتيجة واحدة ( الاستشهاد) ذلك الرصيد البنكي الدموي لهذه الزمرة

فكانت الانشقاقات السبيل الوحيد امام اصحاب الرأي الاخر للتعبير عن رأيهم, فمسحة سريعة لاحزاب هذه التيارات الثلاث ستقدم لنا الصورة التالية

ـ ان قيادات وزعامات هذه الاحزاب هي ذاتها على مدى زمني فاق عديد الحالات الفترة الزمنية التي قضاها الدكتاتور صدام حسين في الحكم , ولم تختف بعض هذه الشخصيات الا بفعل عامل الموت لا التغيير الديمقراطي المطلوب للتجديد المطلوب

ـ لقد تولدت عشرا ت القوى والاحزاب المنشقة عن هذه الاحزاب الرئيسية , والتي أتهمت جميعها بالخيانة , التحريف , التطرف , العمالة و الخ من القائمة الطويلة الجاهزة لتشويه سمعة هذه الاحزاب , وينطبق الامر ذاته على العضو , اذ تصل درجة محاربته من الاشاعة المغرضة للاساءة الى سمعته حتى التصفية الجسدية, وان تطلب الامر تسليمه الى الاجهزة الامنية القمعية


2 - دولة رئيس الوزراء ستنقذنا ام خذلتناااااا
محمود ( 2010 / 5 / 5 - 16:10 )
انا لا انطلق من مجرد افكارا كانت بل اصبحت واقعا مخجلا بعيدا عن الوطنية
ما هو المشترك الان بين دولة القانون وبين الائتلاف العراقي اكيد فقط طائفيتهما
اين المواقف السابقه
هل اللعبة لعبة سياسيين ام خوفا من القانون القادم بحق السراق والمفسدين
وهل ستنفع الحماية في ظل -- احمد الجلبي سارق بنك في الاردن
ام ستنفع الحماية في ظل -- عادل سارق بنك الزوية
ولكن حقك اين تذهب انت واين يذهب عبد فلاح السوداني فالطيور على اشكالها تقع
حصل الائتلاف والقيادات الكبيرة والمسوؤلة غائبة عن اعلان الائتلاف ياللمخجل فالحقد يملئ خلفياتهم وعقولهم
وان كنت لا تخجل فافعل ما شئت
تحية للكاتب الظاهر المحترم

اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟